ليس ذنبها أبدا أن صناع الدراما في مصر يعيشون بذاكرة مثقوبة تجعلهم يتناسون هذا الوجه لسنوات، لكنهم أخيرا تذكروا هذا الاسم.. سهير المرشدي تلك السيدة دائمة الأمومة بهذا الصوت الهادئ المبحوح قليلا، وتلك النبرة شبه الباكية التي تردد بها: «ماتخافش يا ولدي» بمنتهي التأثر، والحنية، ظهرت كالطيف في مشهدين في مسلسل «موعد مع الوحوش»، وبالطبع كنا بحاجة للمزيد من تلك المتألقة التي تمتلك طاقة تمثيلية جبّارة ومن المؤكد أنها تثير الخجل في نفوس هؤلاء الذين يحترفون النسيان، هي تقدم في مسلسل «موعد مع الوحوش» دور الأم الصعيدية التي يستوطن عيونها حزنا قديم لأسباب غامضة، وأخري معروفة.. منها مثلا موت الزوج وطفلها لا يزال صبيا صغيرا.. تلك العيون التي تحوي مسحة حزن مع ذلك اللمعان الرائق الذي يخفي أنوثة ساكنة، دائمة ولا تنقطع.. تشعر أن هناك خيطا ما يربط بين تلك الملامح وبين ملامح أخري، كنا نقرأ عنها في الكتب لملكات فرعونيات يتحدث عنهن التاريخ بإجلال، وبإعجاب خاص..هي تحمل شيئا منهن بالطبع، كما تحمل أشياء أخري منها مثلا أنها موهوبة بقوة، وأن موهبتها هذه ليست سببا دائما لسعادتها بدليل أنها تختفي كثيرا عن الشاشة دون أن ندري لذلك مبررا. لسن كثيرات هؤلاء الفنانات اللاتي يتمتعن بهيبة، وبطلة تجبر من أمامهن علي الصمت.. تلك الهيبة التي لا تقلل أبدا من مقدار أنوثتها بل تزيد إليه سحرا خاصا.. هي تنتمي لهذا النوع.. تقف علي المسرح بشموخ، وتصطحب معها الشموخ ذاته عندما تطل من شاشة التليفزيون، وبالطبع لا يفارقها عندما تذهب في زيارتها الخاطفة إلي السينما.. لا أحد يمكن أن ينسي لها دور «عدولة» في مسلسل «أرابيسك»، أو ينسي التفاصيل الصغيرة لقصة الحب التي كانت تجمعها ب «عمارة» في هذا المسلسل، أو ينسي «فاطمة» في فيلم «عودة الابن الضال»، هذا بخلاف عشرات الأعمال المسرحية منها «يوم من هذا الزمان»، و«النسر الأحمر»، و«رقصة سالومي الأخيرة».. نتمني ألا يكون قرار أحمد عبد الحميد مخرج «موعد مع الوحوش» قرارا عارضا.. نتمني أيضا مزيدا من الوهج لهذا الوجه الضاحك بأسي، والحزين حزنا رائقا شفافا.. سهير المرشدي..لك تحية.