انتهت تعتعة الأسبوع الماضي بإعلان فشلي أن أكف عن الكتابة، وأن أكتفي - مثلما نصحت غيري- بوضع علامة «صح» علي واحد من ستين عنواناً قدمتها في ثلاث قوائم، وقد جاءتني استفسارات عن مقطع من شعري بالعامية استشهدت به مراراً وهو يصور فشلي هذا، وطلب مني بعض الأصدقاء مزيدا من الإيضاح، وأبدأ بأن أعيد هذا المقطع هكذا: كل القلم ما اتقصف يطلعْ لُه سن جديدْ، ويشْ تعمل الكلْمَةْ يَابَا، والقدَرْ مواعيد؟ خلق القلم مِالعَدَمْ أوراقْ، وِ.. مَلاَهَا، وإنْ كان عاجبْني وَجَبْ، ولاّ أتنّي بعيدْ. تذكرت أن هذه ليست أول مرة أحاور فيها قلمي، وأقاومه وأنا أحاول أن أثنيه عن شطحه، فقررت أن أخصص هذه التعتعة لجمع ما يحضرني من حواري مع قلمي الشقي خلال أربعين عاماً، لعله يتكامل فيما يفيد في الرد علي بعض هذه التساؤلات. حين خطر لي أن أكتب لعامة الناس بالعامية المصرية أحكي عن خبرتي مع مرضاي في ألمهم، وفي حرمانهم، وفي شقائهم، وفي بطولتهم المجهضة، تحفز القلم واستعد، فالتقطت منه أنه ينوي فتح النار ضارباً عُرض الحائط بأي وصاية مني، فحاولت أن أثنيه خوفا من رأي زملائي ورفضهم، حاولت أن أتراجع، وفشلت، هكذا: قلت أنَا مشْ قدّ قَلَمِي. قلت أنا يكفينيِ أَلَمِي. قلت أنا ما لي، أنا اسْترزَقْ واعيشْ، والهرب ْْ في الأسَْتذَةْ زيُّهْ مافيش ْْ، والمراكزْ، والجوايزْ، والَّذي ما بْينِْتهيشْ قلت أخبِّي نفسي جُوَّا كامْ كتابْ. قلت أشْغِلْ روحي بالقولْ والحِسابُ. والمقابلاتْ، والمجالسْ والجماعة مخلَّصِينْلَكْ كل حاجَة ْْ. أَيْوَهْ خَالِص ْْ. بس بَرْضَك وأنت «جالسْ». ............... القلم صحصح ونط ّّ الحرْف منُّه لْوَحدُه بِيخزّق عِينَيَّا، وابْتْدا قَلمِي يِجَرّحني أنا : قالِّي بالذمَّة ْْ: لو كنت صحيح بني آدم ْْ، .. بِتْحِسْ، والناس قدامك في ألَمُهمْ، وفْ فَرَحْتِهُمْ، وفْ كسْرتهم، وفْ ميلة البخْتٌ، مشْ ترسِمْهُم للناسْ؟ الناس التانية ْْ؟ إللي مِشْ قادْرَةْ تقولْ : «آه» عَنْدِ الدَّكْتورْْ. أصل « الآه» المودَهْ غاليةْ، لازم بالحَجْزْ، لازم بالدورْ. مش يمكن ناسْنا الَغْلبَانَةْ إِللي لِسَّه «ما صَابْهَاشِ». الدورْ ؛ ينتبهوا قبل الدُّحْدِيرَةْ - قبل ما يغرقُوا في الطينْ. ولاّ السَّبُّوبة حَاتتعْطَّلْ لَو ذِعْت السِّر؟ ولاّ أنْتَ جَبَان؟ ............... بصراحة أنا خفت. خفت من القلم الطايح في الكل كليلة. حيقولُوا إيه الزُّمَلاَ المِسْتَنِّيَةْ الغلْطَةْ؟ حيقولوا إيه العُلَماَ المُكْنْ ( بِسْكون عَالْكَافْ.. إِوعَكْ تغْلَطْ ) علي عالم أو متعالم بيقول كما راجل الشارع ............... القلم اتهز فْ إيدي، طلّعْ لي لسانُهْ، ما يقولوا !! حد يقدر يحرم الطير من غُنَاهْ؟ ! من وليف العش، من حضن الحياةْْْ؟! تطلع الكلمة كما ربِّي خلقْها، تطلع الكلمة ْْ بعَََبَلْها، تِبْقَي هيَّ الِكْلمة أَصْل الكُونْ تِصَحِّي المِيِّتِيْن. والخايفْ يبقي يوسَّع ْْ، أَحْسن يطَّرْطَش، أو تيجي فْ عينه شرارة، أو لا سَمَح ََ اللّه يِكْتِشِفِ انُّه بِيْحِسْ. وكانت العامية هي الأجهز للقلم ليسارع بتصوير ما ترددت في تشكيله عن الحس والألم ولغة العيون، والحق تعالي، فاستعجل قلمي ورفض الانتظار حتي أترجم ما وصلني إلي الفصحي، حبيبتي الأولي، فاضطررت إلي تقديم اعتذاري لحبيبتي الفصحي، بالعامية: أصل الَحدُّوَتةْ المّرا دِي كان كُلَّها ََ حِسْ، والحِسْ طَلِعْ لِيِ بالعَامَّي بالبَلَدي الحِلْو. والقلم اسْتَعْجل ْْ. ما لحِقْشِي يتْرجم ْْ، لَتفوتُه أيُّهاَ هَمْسَةْ، أَو لَمْسَهْ، أو فَتْفُوتِة حِسْ معلشي النوبه. المرّا دي سماح وَاهِي لسَّهْ حَبِيْبتِي..، حتَّي لَوْ ضُرَّتْها غَاِزيهْ، .. بِتْدُقْ صَاجَات ْْ........ وهكذا نجح قلمي في غواية العامية من ورائي بعيداً عن وصاية النحو والصرف، فتستجيب له الغازية اللعوب، وتسجل «كل فتفوتة حس وصلتني منهم أو مني، لكن تظل الفصحي حبيبتي طول الوقت، ويمتد الحوار مع قلمي وطلقته «الكلمة» إلي شعري بالفصحي، وأنا أحاول الهرب منها في قصيدتي: «يا ليت شعري، لست شاعراً!!» التي ختمتها مستسلماً حين أصبح هو الذي يقودني، ولست أنا الذي أسخره لكتابتي، خاصة في الشعر: تدقُّ بابي الكلمة، .. أصدّها....، تغافل الوعيَ القديمَ.....، أنتفض ْ. أحاولُ الهربْ، تلحقني، أكونها، فأنسلخْْْ. أمضي أغافلُ المعاجِمَ الجحافلْ بين المَخاضِ والنحيبْ، أطرحني: بين الضياع وَالرُّؤَي بين النبي والعدم. أقولني جديدا، فتولدُ القصيدةْ. 14/ 9/ 1983