من المقرر أن يتم جمال مبارك - الأمين العام المساعد للحزب الوطني - عامه الثامن في الكاتدرائية المرقسية والتي يحرص علي زيارتها لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد منذ عام 2003 عندما يحضر قداس عيد الميلاد لعام 2010 كما اعتاد منذ أن شارك لأول مرة في قداس عيد الميلاد وكان بصحبته آنذاك المستشار السياسي للرئيس أسامة الباز ورئيس الديوان الجمهوري زكريا عزمي وذلك بعدما فاجأ جمال مبارك نجل الرئيس المصري حسني مبارك الجميع بقراره إعتبار العيد عيداً وطنيا لكل المصريين باعتباره عطلة رسمية لجميع المصريين تحت شعارات المواطنة والمساواة، فهل هي مصادفة أن يذهب جمال للكاتدرائية بعد أيام من قرار أبيه بجعل عيد الميلاد إجازة رسمية لكل المصريين؟ ومما لاشك فيه أن مفاجأة حضور جمال مبارك للكاتدرائية لأول مرة عام 2003 قد لاقت ترحيباً كبيرًا من القيادة الكنسية، في الوقت الذي وصفه «مراقبون» بأنه يأتي كحلقة ضمن مسلسل تسويق الرئيس القادم ومحاولة كسب تأييد الأقباط له كوريث للسلطة، الأمر الذي ظهرت نتائجه في 2009، حيث صرح البابا شنودة الثالث أكثر من مرة بأنه يؤيد جمال مبارك لحكم مصر وأطلق حكمه التاريخي علي أغلبية الشعب المصري بقوله: «أغلب المصريين يحبون جمال مبارك». فما الحقيقة وراء حرص ابن الرئيس علي حضور القداس كل عام منذ 2003؟ الدكتور رفيق حبيب المفكر القبطي يري أن نشاط جمال مبارك المحموم مع الأقباط يأتي في إطار «صفقة» بين النظام والكنيسة حتي يضمن تأييدها لمبارك الأب ومبارك الابن ونوع من تسويق جمال مبارك لنفسه كوريث للسلطة وليس له علاقة بمبدأ المواطنة أو المساواة. يضيف: حضور جمال مبارك جزء من صفقة تبادل مصالح بين النظام والكنيسة وقد ردت الكنيسة علي ذلك بإعلانها تأييد جمال مبارك لحكم مصر ولا يعني أبدا تغييرا في سياسة التعامل مع مشكلات الأقباط فالنظام فضل التعامل مع المواطن القبطي ممثلا في الكنيسة الممثلة في شخص البابا ليسهل علي الكنيسة جمع الأقباط تحت مظلتها ومحاولة جعلهم كتلة واحدة مؤيدة للنظام والبابا استهواه هذا الدور، وعبر عن ذلك بالنص في إحدي كلماته حيث قال «نحن نمثل الوسيط بين الدولة والمواطنين الأقباط». ويري حبيب أن حصول المسلمين علي إجازات في أعياد الأقباط وهي ليست أعيادهم أمر غير منطقي وليس له علاقة بالمساواة ولذلك فإن الدعوي التي أقامها البعض لجعل يوم عيد القيامة يوم عطلة رسمية ليس لها معني خاصة أن الأقباط يحصلون بالفعل علي إجازات فلماذا نعطل الطاقة العاملة كلها. وفي تقييمه لجعل عيد الميلاد أجازة رسمية يؤكد المفكر القبطي أن الهدف من ذلك هو محاولة توصيل رسالة إلي الغرب مفادها أن النظام المصري متسامح ويتعامل مع مواطنيه بالعدل وذلك بسبب الضغوط التي تمارسها الأنظمة الغربية عليه حيث إن هناك بعض الأقباط في الخارج «أقباط المهجر» يحاولون الضغط من أجل حصول الأقباط علي حقوق ما ولكن دورهم يقتصر علي الضغط علي الحكومات الغربية التي تقوم بدورها بالضغط علي النظام المصري. متفقاً معه يؤكد المفكر القبطي جمال أسعد علي سعي النظام المصري إلي تسويق شخص جمال مبارك كرئيس قادم ومحاولة كسب شعبية لدي الأقباط من خلال قرار الأجازة الرسمية وحرص رئيس لجنة السياسات بالحزب الوطني علي الوجود بالكاتدرائية في الاحتفال بعيد الميلاد مدللا علي ذلك بأنه لو كان يؤمن بفكرة المواطنة حقا لحضر احتفالات الإنجيليين والكاثوليك والطوائف المسيحية الأخري ولكنه لا يفعل لأنهم أقلية وهو يسعي إلي تأييد الأكثرية العددية. ويضيف أسعد: يظهر أثر ذلك بالفعل في طريقة الاستقبال والاحتفاء غير الطبيعية والمبالغ فيها والتي يشوبها النفاق لتكون علاقة يصفها بأنها سياسة غير شرعية بين النظام والكنيسة قائمة علي تبادل المصالح بين قيادة الكنيسة والنظام وليس بين الأقباط والنظام. وبنظرة أكثر تفاؤلاً يري كمال زاخر - منسق جبهة العلمانيين الأقباط - أن حضور جمال مبارك احتفالات عيد الميلاد يمكن أن يكون بداية لفتح باب طرح مشكلات الأقباط وترسيخ مبدأ المواطنة وأنه يحمل رسالة رسمية بصفته الرسمية التي تمثل الحزب الوطني الحاكم في الاحتفال ورسالة أخري إنسانية، وليس لنا أن نفتش في ضمائر الناس لنعرف إذا كان يسعي من وراء ذلك لكسب تأييد سياسي له أم لا، فالأمر ليس بهذه السهولة لأنه للانتخابات حسابات أخري - علي حد قوله. ويصف زاخر المناخ العام في مصر بأنه «محتقن طائفيا» لذلك يسعي النظام لاختزال الأقباط في شخص البابا، حيث وجد البابا نفسه مرغما علي قبول دور الممثل والمسئول عن جميع الأقباط منذ السبعينيات وظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتخلت الدولة عن دورها في الحماية والدفاع عن الأقباط، فحدث هذا الخلل السياسي والطبيعي أن من يمثل المسلم هو نفسه من يمثل القبطي وهم أعضاء البرلمان، ولكن هناك أزمة في تشكيلة البرلمان وفي الحكومة وفي الأحزاب بالإضافة إلي النخب المثقفة أيضا التي تتحدث طول الوقت ولا تفعل شيئا. وعلي الجانب الآخر للنهر عبر القمص عبدالمسيح بسيط كاهن كنيسة العذراء بمسطرد وأحد المقربين للبابا شنودة عن ترحيب الكنيسة والأقباط بحضور جمال مبارك بصفته الرسمية قداس عيد الميلاد مؤكدا أن هذه المشاركة تزيد من شعبيته لدي الأقباط الذين يفرحون بوجود ابن الرئيس مبارك الذي يحبه الأقباط وسطهم في الاحتفال بعيد ميلاد المسيح - عليه السلام - مما يساهم في تأييدهم السياسي له لو رشح نفسه للرئاسة لأنه أصبح قريبا منهم ويتعامل معهم، بالإضافة إلي أن ذلك يغذي فكرة المساواة والمواطنة. إلا أنه استدرك بقوله نتمني ألا يقتصر دور جمال مبارك علي الحضور كي لا يكون اتجاها شكليا فقط وذلك باتخاذ خطوات أوسع مثل إقرار قانون بناء دور العبادة الموحد وقانون الأحوال الشخصية للأقباط وإعادة النظر في مسألة تعيينهم في بعض المناصب السياسية ورئاسة الجامعات، ولا أنكر أن هناك إيجابيات مثل المرونة في بناء وترميم الكنائس، ولكن المشكلة عدم وجود قانون ملزم وإنما يكون القرار حسب اتجاه فكر المحافظين.