كان لدينا فى مصر قبل 25 يناير نحو 20 حزبا سياسيا، من بينها أربعة أحزاب حقيقية هى: الوطنى، الوفد، التجمع ثم الجبهة الديمقراطية، أما غالبية الأحزاب الباقية فكانت عبارة عن شخص يحظى برضا أمن الدولة، ومن ثم وافق له الأمين العام للحزب الوطنى الحاكم، صفوت الشريف، بصفته رئيسا للجنة الأحزاب، على تشكيل حزب سياسى اختزل فى النهاية فى شقة مؤجرة ولافتة باسم الحزب، ويحصل رئيس الحزب على نصف مليون جنيه سنويا من الدولة. بعد 25 يناير تشكلت أحزاب جديدة منها أحزاب الإسلام السياسى وأبرزها حزب الجماعة، «الحرية والعدالة»، وأحزاب سلفية منها «النور والأصالة»، إضافة إلى أحزاب أخرى للجماعة الإسلامية «البناء والتنمية». كما تشكلت أحزاب مدنية ليبرالية أبرزها «المصريين الأحرار»، ويسارية أبرزها «التحالف الشعبى والاشتراكى المصرى»، وأحزاب يسار وسط أبرزها «الديمقراطى الاجتماعى». كشفت مداولات ما قبل الانتخابات البرلمانية التى جرت نهاية 2011 عن قصور شديد فى رؤية غالبية الأحزاب المدنية المصرية قديمها وجديدها، فهناك من الأحزاب القديمة من تصور أن الزمن عاد إلى ما قبل 1952، ومن ثم فهو حزب الشعب الذى تلتف حوله الجماهير، لذلك طالب بحصة الأسد فى أى تحالف مدنى، وعندما لم يحصل على ذلك دخل فى ائتلاف انتخابى مع جماعة الإخوان المسلمين، وظل داخل الائتلاف يبحث عن فرصة كى يحصل على نصيب معادل لحصة حزب الجماعة، وعندما فوجئ بأن الجماعة عرض عليه عشرة بالمئة فقط، خرج وقرر خوض الانتخابات بمفرده. فى المقابل كان هناك تحالف مدنى آخر باسم «الكتلة المصرية» أبرز أحزابه: المصريين الأحرار والديمقراطى الاجتماعى والجبهة والتجمع، وعدد آخر من الأحزاب الجديدة، وكشفت المداولات عن أن حزب الجبهة كانت له حسابات تتطلب ترشيح عدد من الشخصيات فى مواقع مختلفة، قدرت أطراف الكتلة أن لا فرصة لها، وأن هناك شخصيات ذات وزن كبير من أحزاب أخرى ينبغى ترشيحها، كانت النتيجة انسحاب الجبهة وخاضت الانتخابات منفردة، فلم تحصل على مقعد واحد. جرت الانتخابات بكل أخطاء وخطايا المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فحصد حزب الجماعة والنور السلفى ما يزيد على 70٪ من مقاعد البرلمان، وحل الوفد ثالثا ب37 مقعدا، و«الكتلة المصرية» رابعا ب34 مقعدا. واليوم وبعد نحو ثلاث سنوات من الانتخابات البرلمانية السابقة، تكرر أحزاب سياسية مدنية أخطاء وخطايا الماضى، فمن كان يتصور أن حزبه سيفوز بحصة كبيرة، لأن الزمن توقف لديه قبل 1952، لا يزال يعيش نفس الوهم، ومن ثم يفسد كل الجهود التى تبذل لتشكيل تحالف بين القوى المدنية، ولا تتوقف الأوهام عند قادة بعض الأحزاب القديمة، بل تطول عددًا من رموز الأحزاب الجديدة التى تعتقد أن الزمن توقف عند الانتخابات الرئاسية التى جرت عام 2012، ولا تريد استيعاب أن لتلك الانتخابات ظروفها الخاصة، التى لم تعد قائمةً اليوم. قليلة هى الأحزاب المدنية التى تنجو من الأوهام وتعمل على الأرض بشكل حقيقى، وتدرك صعوبات الواقع القائم ومخاطر عدم التوافق، وفى تقديرى أن الأوهام تدفع عددًا من قادة الأحزاب المدنية إلى التصارع على حصتها فى القوائم، التى لا تشكل سوى خمس عدد مقاعد البرلمان القادم، تعطى للقائم جُلَّ الاهتمام والتركيز، وتترك خمسة أرباع المقاعد دون اهتمام يذكر، وهو أمر ينمّ، إما عن جهل وعدم نضوج، وإما عن تخطيط مسبق لإجهاد الأحزاب المدنية لمصلحة تيار الإسلام السياسى.