ليس للأحزاب المدنية مرشح فى الانتخابات الرئاسية القادمة التى ستجرى يومى السادس والسابع والعشرين من مايو الجارى، فالانتخابات بين مرشحين، أحدهما قادم من عمق مؤسسات الدولة المصرية، والثانى آتٍ من الحركات الاحتجاجية، ويمثل قطاعا من القوى السياسية القومية واليسارية التى تحصر دورها فى المعارضة حتى عندما تخوض الانتخابات، وتتنافس فإنها تركز على فكر المعارضة وتوجه الاتهامات إلى المنافسين، ويقوم منهجها على النقد الدائم للمنافس دون تقديم البديل أو الرؤية المقابلة. عمومًا لم تقدم الأحزاب السياسية المدنية مرشحًا خاصًّا بها فى الانتخابات الرئاسية التى ستجرى لاختيار سابع رئيس لمصر منذ إنهاء الحكم الملكى عام 1952، فهذه الأحزاب التى يسبق عدد منها ثورة الخامس والعشرين من يناير ك«الوفد والتجمع والجبهة» وظهر عدد منها بعد الثورة ك«المصريين الأحرار، والتحالف الشعبى والمصرى الديمقراطى الاجتماعى» قد خاضت الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة، ونافس بعضها بعضًا، منها من خاض الانتخابات مؤتلفا مع جماعة الإخوان «الكرامة الناصرى» ومنها من خاض الانتخابات معبرًا عن المدنى العلمانى، الكتلة المصرية التى تشكلت: «المصريين الأحرار» و«المصرى الديمقراطى الاجتماعى» و«التجمع». لم تحصل الأحزاب المدنية قديمها وجديدها على ربع مقاعد البرلمان، والأسباب مركبة، منها ما يعود إلى طبيعة النظام السياسى فى ذلك الوقت تحت حكم المجلس العسكرى الذى كان متحالفًا مع الجماعة وقوى الإسلام السياسى، ما سهّل لها مهمة الاستحواذ على غالبية مقاعد البرلمان. عمومًا غاب النضوج عن الأحزاب المدنية، وكشف كثير من قيادات هذه الأحزاب عن روح انتهازية، قدمت المصالح الفردية والشخصية على حساب المصالح الوطنية، منهم من عمل مع الجماعة مباشرة ومنهم من عمل وكيلًا لها، وفى هذا المجال لم يكن هناك فرق بين من كان يرفع شعارات ليبرالية ولا من كان يقول إن حزبه ديمقراطى اجتماعى قائم على العدالة الاجتماعية، فقد تشابهوا فى خدمة الجماعة والبحث عن تحقيق المصالح الشخصية من خلال لعب الدور المحدد له من قبل الجماعة وحزبها السياسى. لم يختلف الموقف كثيرًا فى الانتخابات الرئاسية، فقد تمزقت الأحزاب المدنية للمرة الثانية، منها من كانت لديه شجاعة الوقوف وراء مرشح مدنى، ومنها من دعم مرشحًا للتيار الدينى، وبدا الموقف واضحًا وشفافًا فى الجولة الثانية التى جرت بين ممثل الإسلام السياسى، مرشح الجماعة محمد مرسى، وممثل القوى القديمة، أحمد شفيق. هناك من القوى المدنية من قرر دعم مرشح الجماعة ضد من اعتبروه مرشح النظام القديم، لم يتوقفوا أمام ما يمثله فوز مرشح الجماعة من مخاطر على التجربة الديمقراطية الوليدة ولا على مدنية الدولة وهويتها الوطنية، وظهر من القوى المدنية من دعا إلى تجرع مرسى لمنع فوز شفيق، وهناك من القوى المدنية من كانت لديه رؤية وطنية واضحة وشفافة مؤداها أن الحفاظ على مدنية الدولة له الأولوية على ما عداه من اعتبارات، ومن ثم لا بد من دعم المرشح المنافس لمرشح الجماعة بصرف النظر عن أى اعتبارات أخرى. ثار الشعب المصرى مرة ثانية واسترد ثورته وبدأ استحقاق الانتخابات الرئاسية، ونظرة سريعة إلى مشهد الانتخابات ومواقف الأحزاب المدنية تفيدنا بحدوث قدر من النضوج لدى بعض الأحزاب المدنية ومزيد من التدهور لبعضها الآخر.