حمدين صباحى - محمد مرسى بلا شك، هي الفرصة الأخيرة للإخوان المسلمين.. جميع القوي السياسية، وربما بعض التيارات الثورية أيضاً، وعلي غير المتوقع، هرولت إلي الجماعة الإسلامية والسياسية الكبري في مصر، بقلب مفتوح ورغبة صادقة في المساندة والتحالف والتوافق، لا لشيء إلا لمواجهة محاولة إنتاج النظام السابق، ومنع وصول الفريق أحمد شفيق، آخر رؤساء وزراء مبارك، إلي سدة الحكم. ربما هي المرة الأول أيضاً، الذي يدخل فيها الإخوان، في مواجهة مباشرة مع العسكر، أو أحد رموزهم، كالفريق شفيق، فيما أن لديهم مناصرين، من القوي والأحزاب والشخصيات السياسية الأخري، مدنية وإسلامية، والتي لن تقدم مجرد الدعم المعنوي لمرشح الجماعة، وحزبها (الحرية والعدالة)، في الانتخابات الرئاسية، الدكتور محمد مرسي، فحسب، وإنما أيضاً قد تسهم في تجييش ملايين الأصوات التي نالها، المرشحون الرئاسيون الخاسرون، كعبدالمنعم أبوالفتوح، وحمدين صباحي، وربما أيضاً عمرو موسي، خلف المرشح الإخواني، شريطة أن يقدم أبناء حسن البنا، ضمانات حقيقية، مكتوبة ومعلنة بوضوح أمام الرأي العام، بعدم استحواذهم علي السلطة منفردين، إذا ما وصلوا إلي قصر العروبة، وأن يشركوا جميع الطوائف الحزبية والسياسية، في مؤسسة الرئاسة، باختيار نائبين أو أكثر للرئيس، من بين رموزها، إضافة لتشكيل حكومة ائتلافية، ورفع الهيمنة الإسلامية، علي الجمعية التأسيسية للدستور، بحيث يتم تمثيل جميع فصائل المجتمع علي اختلافها، فيها. لكن هل يضيع الإخوان تلك الفرصة النادرة؟.. هل تغامر الجماعة بمستقبلها، بخطر خوض معركة مع العسكر (في شخص الفريق شفيق)، بمفردها، رغم الهزة التنظيمية التي خلفتها مفاجأة تراجع شعبيتها الحاد، حيث كانت قد حققت الأغلبية البرلمانية باقتناص أكثر من 10 ملايين صوت، فيما دخل مرشحها للانتخابات الرئاسية، جولة الإعادة، رغم حملة الدعاية الضخمة له، بأكثر قليلاً من نصف ذلك الرقم، وبمسافة لا تكاد تتجاوز عشرات الآلاف من الأصوات، عن أقرب وثاني أقرب منافسيه (شفيق وحمدين صباحي)؟! لا يبدو أن الخطاب المنحاز للثورة، من قبل مرشح الإخوان وجماعته، ومحاولة تحويل معركته مع الفريق أحمد شفيق (في حال إن أقرت اللجنة القضائية العليا للانتخابات الرئاسية، وآخر ساعة ماثلة للطبع إجراء جولة الحسم بينهما) لمعركة بين الثورة والثورة المضادة، لن ينفع الجماعة، فالقوي السياسية ومثلما تحارب فلول النظام السابق، وتعتبر معركتها مع أحمد شفيق، معركة حياة أو موت، فإنه وفي المقابل، تري أن مفاوضاتها مع الإخوان في هذا الشأن، يجب أن تتم وفق مبادئ المشاركة لا المغالبة، والند وليس التابع، والوطن فوق التنظيم، وعليه فهي تصر علي أن يدرك الإخوان، وبحسب صندوق الانتخابات في الجولة الأولي، ليسوا الفصيل الأكبر أو الأوحد في الساحة السياسية المصرية، حسبما يؤكد رئيس حزب الوسط المهندس أبو العلا ماضي، وإلا وكما يقطع رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الدكتور محمد أبو الغار، فستكون القطيعة النهائية بين الإخوان والقوي السياسية، علي نهج قطيعتهم، مع شفيق وكل رموز النظام السابق. لكن، وعلي ما يبدو، أن فاتورة تلك الضمانات التي تطالب بها القوي السياسية، لن يقوي الإخوان علي تحملها، ولم وهي قد تجاوزت قضية المشاركة في الحكم والسلطة، لفلسفة التنظيم الإخواني نفسه، إذا عبرت بعض القوي عن رغبتها في صدور إعلان واضح من الجماعة، يفصل بينها وبين حزب الحرية والعدالة، في موعد أقصاه عام من الآن، والالتزام بقيم الجمهورية وعلي رأسها الكرامة الإنسانية لكل المصريين وإعلاء قيمة العدالة الاجتماعية ، وكذا قيام الحزب والجماعة بالاعتذار، وبإقالة بعض قياداتهما من مواقعها باعتبار أنها تتحمل المسئولية، عن شق الصف الوطني، سواء عبر ممارسات نواب الإخوان في البرلمان، أو اللعب لمصلحتهم، بالتفاوض مع المجلس العسكري، والتنسيق معه، في بعض الفترات، بعيداً عن الأضواء. فيما يبقي المطلب الأصعب، الذي وجه إلي الجماعة، من قبل النائب والناشط السياسي، الدكتور عمرو حمزاوي، الذي دعا الإخوان إلي سحب مرشحهم الدكتور محمد مرسي، من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، وكتب نصاً في تغريدة له علي "تويتر"إن أراد الإخوان توافقا ينقذ الثورة، والديمقراطية، والدولة المدنية، ويمنع إعادة إنتاج النظام القديم، ويحول دون هيمنتهم بمفردهم، فلينسحب مرسي، من الإعادة، ليتنافس حمدين صباحي مع شفيق وننضوي جميعا لتأييد صباحي، دون هذا وبعد سوابق تغير مواقف الإخوان، لن نصبح مع توافق وطني حقيقي"، وهو المطلب الذي رد عليه مرسي نفسه، بالقول إن أمر الانسحاب بات صعباً، لأنني بت مسئولاً عن أكثر من 5 ملايين مصري منحوني أصواتهم،، بينما شدد القيادي في حزب الحرية والعدالة، النائب البرلماني، أسامة ياسين، أن اجتماع الإخوان بالقوي الوطنية، لا يجب أن يكون إملاء لشروط علي الجماعة "فنحن لن نقبل هذا" قبل أن يتابع بحسم "نهدف لقراءة المشهد السياسي وسماع المقترحات والتصورات"، قبل أن يبدو رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان في مجلس الشعب، حسين إبراهيم أكثر وضوحاً بالتأكيد علي أن "التاريخ لن يغفر لأي كيان يتخلي عنا في تلك الفترة العصيبة"، فيما بدأ هجوم إخواني منظم، بمساعدة سلفية، في الفضائيات وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ضد القوي السياسية المطالبة بضمانات من الإخوان، ومن ثم بدأت النوافذ الإعلامية الإخوانية تروج إلي أن شفيق أصبح خيارا متاحا بقوة "للثورجية علي تويتر"، وأن أي كلام عن تفاهمات مع القوي المدنية "محكوماً عليه بالإعدام"، بينما زايد البعض بالقول "فلتخسرو الانتخابات بشرف أيها الإخوان وإلا فلتخسروا شبابكم". المثير أن عدداً من المنشقين عن الإخوان، ومن باب عدو عدوي صديق، انتقدوا أيضاً شروط القوي السياسية لمساندة مرشح الجماعة في مواجهة شفيق، فيقول القيادي الإخواني السابق، هيثم أبو خليل، بلا مواربة "أرفض الضغط علي الإخوان من أي قوي سياسية للحصول علي وعود بتوافق وطني مقابل مساندة مرسي في الإعادة، أرفض رضوخ الإخوان لأي ضغوط ومنح وعود بغرض كسب مؤيدين وفوز مرسي بكرسي الرئاسة"، قبل أن يتابع "القوي الوطنية مجبرة علي تأييد مرسي لأنها تنتمي لهذا الوطن وثورته، والإخوان مجبرون علي كسب ود تلك القوي للتخلص من شبح الفلول، فلم الإجبار ؟ لماذا لا نختار ثورتنا بالعمل علي تشكيل تحالف وطني يحترم التعددية، ويبتعد عن المغالبة، ويعلي مصلحة الوطن، فوق كل اعتبار؟.. لماذا لا نضع الآن خطوطا عريضة لكل ماهو قادم، من دستور ونائب رئيس ورئيس وزراء ووزارات سيادية ومحافظين وغيره؟.. الوطن الآن بحاجة ماسة للوضوح والمصالحة بالمصارحة، والابتعاد تماما عن الأجندات الخاصة المخفية، فكلنا في مركب واحد، ومن لايدرك ذلك فهو الخاسر". أبو خليل يري كذلك أن "الحاجة للتوافق الوطني فرض تقره الثورة، ومحاربتنا للفلول فرض تفرضه علينا دماء الشهداء، كما أن للثورة مبادئ لا تقبل الضغط ولا المساومة، ومن ثم يجب أن تخلص النوايا للوطن.. كذلك فإن الشعب المصري لم يعد ملكا لأحد ، وسيعود سيد قراره والقارئ للأرقام التي حصل عليها كل مرشح للرئاسة، يدرك ذلك بسهولة"، قبل أن يوجه دعوته للجميع "اخطبوا ود الشعب بتحقيق مطالب الثورة، بمبادئ وقيم ثورية دائمة لا وقتية زائلة"، وقال إن "نبل الغايات من نبل الوسائل، فربما تكون تلك هي الفرصة الأخيرة للمصارحة والمصالحة والاتفاق الوطني لصالح مصر فلا تضيعوها" اللافت أيضاً، أن مرشحي الرئاسة الخاسرين الرئيسيين، لا يزالون بعيداً عن الإخوان حتي الآن، ومن ثم لم يجتمع أي منهم مع الدكتور محمد مرسي، بعد. الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، لا يزال غاضباً مما أسماه بالهجوم الذي تعرض له من قبل قادة الإخوان، طيلة الفترة الماضية، كما نفي الدكتور أبو الفتوح لأعضاء حملته، وجود أي نية لديه أن يكون نائبا لأي مرشح من المرشحين اللذين سيخوضان جولة الإعادة، ولم تنجح وساطة رئيس حزب الوسط المهندس أبو العلا ماضي، في تقريب وجهة النظر بين أبو الفتوح والإخوان، بينما لا يزال حمدين صباحي، علي قناعة بأنه لم يخرج من السباق الرئاسي، بدعوي تزوير بعض الأصوات التي حصل عليها أحمد شفيق، ومن ثم فهو في انتظار القرار النهائي للجنة العليا للانتخابات الرئاسية، في الطعن الذي تقدم به، وطالب بمشاركته في جولة الإعادة ، استناداً إلي العثور علي بطاقات تصويت تخصه ملقاة في زراعات القصب بمحافظة قنا، وما يتردد عن حصول آلاف المجندين علي بطاقات تصويت، والجدل القانوني والدستوري، حول عزل شفيق. في حين لم يحسم عمرو موسي أمره بعد، من مساندة علنية لمرسي، أو الانزواء بعيداً بعد خروجه من السباق الرئاسي، بصورة غير متوقعة. الغريب أن غياب صباحي وأبو الفتوح وموسي، عن اجتماعات الإخوان ومرشحهم محمد مرسي، مع القوي الوطنية، جاء علي عكس ما سبق أن أعلنه نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، الدكتور عصام العريان، إن "الله وفقنا وتواصلنا مع المناضل حمدين صباحي والمجاهد عبدالمنعم أبوالفتوح والدبلوماسي القدير عمرو موسي، الذين أكدوا أنهم معنا لتوحيد الهدف وقطع الطريق علي رجال النظام السابق". في المقابل، ظهر أن الدكتور محمد مرسي علي قناعة بأنه سيكون رئيس مصر القادم لا محالة: "الإعادة محسومة لصالحي، لأن الشعب المصري لن يضيع ثورته"، ومن ثم اتخذ من مهمة اقناع المرشحين الرئاسيين الخاسرين وباقي القوي السياسية بدعمه، بنفسه، قبل أن يبث مجموعة من الرسائل التطمينية، للجميع بالإشارة إلي موافقته علي تشكيل مؤسسة رئاسية، وتشكيل حكومة ائتلافية موسعة، وقال إنه يمد يده لحمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح والمرشحين كافة، ودعاهم لأن يتحملوا معه المسئولية ويكونوا في الفريق الرئاسي، ليس لمجرد الاستشارة، بل ليكون لهم دور في السلطة التنفيذية، مشدداً علي أن الجمعية التأسيسية للدستور، لن يستحوذ عليها حزب معين، وستجمع مختلف الأطياف، وأنه ليس بالضروري أن يكون نائبي الرئيس من حزب الحرية والعدالة، بل ربما يكون هناك أكثر من نائب له من خارج الإخوان. وفي الأخير، هل سيجد الإخوان صيغة للم شمل القوي السياسية حولهم، أم أنهم سيسيرون في نهجهم المعتاد، دونما أي اعتبار للقوي السياسية الأخري، معتمدين علي قدراتهم التنظيمية والمالية الهائلة، في حشد وتجييش المؤيدين، وتحويل المنافسة مع شفيق، لتصويت علي الهوية، ما ظهر في انتقاداتهم للأقباط لتأييدهم الفريق، فضلاً عن محاولة الإيحاء بأن المعركة الرئاسية، باتت بين فسطاطين: الثورة، التي يمثلونها رغم رفض الكثيرين للاعتراف بذلك، ورموز النظام القديم المدعمين من العسكر؟!.