بعد إقرار مجلس الشورى لقانون الانتخابات، بدأت الاستعدادات لخوض انتخابات مجلس الشعب الذى صار اسمه مجلس النواب، وتشهد الساحة الحزبية اليوم نشاطا محموما من أجل إعداد القوائم الانتخابية للأحزاب المختلفة، وهى مهمة صعبة لكل حزب حيث يكثر عدد الراغبين فى الترشح، ومن ثم يكون على قيادة كل حزب وضع قائمة لكل دائرة انتخابية وتحديد من سوف يترشح على المقاعد الفردية، الصراع يكون على أشده فى الترشح على قوائم الأحزاب المختلفة، فالترشح على القائمة يضمن فرصا أفضل للفوز على أساس أن أى نسبة ستحصل عليها القائمة تمنحها مقاعد توازى ما حصلت عليه منسوبا إلى الأصوات الكلية، فمن يحصل على ربع الأصوات سوف يحصل على ربع عدد المقاعد المخصصة للدائرة، أما المرشح الفردى فهو فى حاجة إلى الفوز بما يزيد على خمسين بالمئة من أصوات الناخبين المشاركين فى الجولة الأولى، كى يفوز بالمقعد وأن لا تجرى الإعادة بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات ويفوز بالمقعد من يحصل على العدد الأكبر فى الإعادة. تزداد مهمة الأحزاب صعوبة فى حال دخولها ضمن ائتلافات انتخابية مع أحزاب أخرى، ففى هذه الحالة تخوض الأحزاب جولة مفاوضات مع بعضها البعض من أجل ترتيب القوائم المشتركة أو المختلطة، فكل حزب يقدم مرشحيه وتبدأ عمليات التفاوض والمساومة، وتجرى التضحية بعدد من مرشحى الأحزاب الذين تم اختيارهم فى قوائم الحزب الأولية، وهى عملية صعبة ومعقدة وغالبا ما تشهد خروج أحزاب من الائتلاف احتجاجا على ما تراه من تهميش لمرشحيها أو عدم الاستجابة لمطالبها، ونذكر هنا أن هذه الخلافات هى التى أدت إلى تقلص ائتلاف «التحالف الديمقراطى من أجل مصر» الذى شكله حزب الحرية والعدالة قبيل الانتخابات السابقة من نحو 47 حزبا إلى نحو عشرة أحزاب جلها أحزاب قزمية صغيرة قبلت بالحصول على فتات المقاعد التى هيمن عليها حزب الحرية والعدالة. أيضا كانت هذه الخلافات وراء تقلص أحزاب الكتلة المصرية من سبعة عشر حزبا إلى ثلاثة أحزاب فقط هى الديمقراطى الاجتماعى، والمصريين الأحرار والتجمع. اليوم تخوض الأحزاب المختلفة تجربة الائتلاف الانتخابى مجددا حيث اتجهت الأحزاب المدنية إلى تشكيل جبهة الإنقاذ الوطنى، وهى الجبهة التى تضم كل الأحزاب والتيارات المدنية من قديم وجديد، من الوفد إلى الدستور وبينهما الديمقراطى الاجتماعى والمصريين الأحرار، وهناك أيضا التيار الشعبى الذى يقوده حمدين صباحى. نعلم أن كل حزب من هذه الأحزاب قد أعد قوائم بمرشحيه، ووضع تصورات لما يمكن أن تكون عليه قوائم جبهة الإنقاذ، ولكن ينبغى التأكيد هنا أن قضية لا يمكن اختزالها فى حصص الأحزاب المختلفة فقط مع أهميتها، فالقضية هى حصة الجبهة ككل وهل يمكن أن تتجاوز الخمسين بالمئة ومن ثم تحوز الأغلبية فى مجلس النواب القادم وتتحكم فى تشكيل الحكومة، أم أن هناك رغبة فى التمثيل المشرف والفوز بحصة معتبرة من المقاعد تتيح لأحزاب الجبهة لعب دور المعارضة القوية؟ فى تقديرى الهدف الأول والأسمى لأحزاب وتيارات الجبهة ينبغى أن يكون الفوز بغالبية المقاعد التى تبدأ من مقعد واحد فوق نصف عدد المقاعد حتى يمكن للجبهة ضبط عملية تحويل مواد الدستور المثير للجدل إلى قوانين ومن ثم لوائح، كما يمكن الجبهة أيضا من تحكم فى عملية تشكيل الحكومة أو لعب دور قوى فى هذه العملية، وهنا ينبغى أن يسمو هذا الهدف فوق الخلافات الحزبية التى تدور حول حصص هذه الأحزاب، لا يعنى ذلك دعوة لتخلى الأحزاب المشاركة فى الجبهة عن المطالبة بحصة تعكس قوة الحزب ومرشحيه فى الشارع المصرى، بل يعنى وضع هدف تشكيل قائمة واحدة لجبهة الإنقاذ فى كل الدوائر الانتخابية باعتباره الهدف الأسمى، الذى من أجله يمكن تقديم تنازلات مقبولة من جانب كل الأحزاب وبروح جماعية. كما يمكن النظر أيضا فى خوض الانتخابات بقائمتين فى بعض الدوائر التى تعجز أحزاب الجبهة عن توصل إلى توافق حول تشكيل القائمة، مع التسليم بالاتفاق التام حول مرشحى المقاعد الفردية. نقول ذلك ونكرره لأننا نؤمن أن الانتخابات البرلمانية القادمة، ستكون فاصلة فى تاريخ مصر والمصريين، فإما يتحقق التوازن وتبدأ عملية ضبط جنوح تيار الإسلام السياسى باتجاه تدشين دولة دينية فى مصر أو تسلك مصر طريقا سبق أن سارت فيه إيران بأخطاء وخطايا القوى المدنية، اليسارية تحديدا، ولم تعد منه إيران حتى اليوم.