أكد الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الحضارة بمكتبة الإسكندرية والمشرف العام الأسبق على المتحف المصري الكبير، أن فكرة إنشاء المتحف انطلقت رسميًا عام 2002، حيث وُضع حجر الأساس آنذاك، وتم افتتاح مركز الترميم عام 2010، قبل أن يبدأ العمل في هيكل المتحف عام 2012. وقال عبد البصير، خلال لقاء تلفزيوني، إن عملية نقل القطع الأثرية العملاقة مثل تمثال رمسيس الثاني ومركب الملك خوفو كانت من أكبر التحديات التي واجهت المشروع. موضحًا أن تمثال رمسيس الثاني نُقل إلى موقع المتحف عام 2006، ثم وُضع داخل البهو العظيم في 25 يناير 2018، ليصبح علامة مميزة على واجهة المتحف. وأضاف أن التمثال كان في الأصل بمنطقة ميت رهينة بالبدرشين، قبل أن يُنقل إلى ميدان رمسيس عام 1954 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لكنه عانى من التلوث البصري والبيئي، ما استدعى نقله إلى المتحف الكبير في بيئة تليق بقيمته الأثرية. وأشار إلى أن هناك محاولات سابقة لنقل تمثال الملكة ميريت آمون من أخميم بمحافظة سوهاج، لكنه تعذر نقله لضخامته، فاكتفى المشروع بتمثال رمسيس الثاني فقط. كما أشار إلى أن عملية نقل القطع الضخمة الأخرى مثل عمود مرنبتاح من المطرية، وتمثالين لملك وملكة من العصر البطلمي عُثِر عليهما في آثار الإسكندرية الغارقة، تمت باستخدام تقنيات هندسية حديثة وفِرق ترميم مصرية عالية الكفاءة. وتحدث عبد البصير عن الدرج العظيم (الجراند ستيركيس) داخل المتحف، موضحًا أنه يضم عشرات القطع الأثرية، تصل أوزان بعضها إلى 25 طنًا، مما استدعى إنشاء قاعدة خرسانية خاصة تُعرف باسم "ريزن فلور" لتحمل الأحمال الضخمة. وفيما يخص مركب الملك خوفو، أوضح أن عملية نقله تمت كاملة دون تفكيك، رغم اعتراض فريق ياباني على إمكانية تنفيذ ذلك لصعوبته، إلا أن الخبرة المصرية نجحت في نقله بالتعاون مع جهة أجنبية، مؤكدًا أن المركب الثاني لا يزال قيد الترميم حاليًا ضمن تعاون مصري ياباني بين جامعة واسيدا في طوكيو وفريق مصري، على أن يُعرض خلال خمس إلى سبع سنوات. وعن الملك توت عنخ آمون، قال عبد البصير إن المشروع شهد نقل 128 قطعة أثرية من مقتنياته بين عامي 2011 و2013، ضمن خطة شاملة لعرض مقتنياته كاملة لأول مرة في التاريخ. وأضاف: "لدينا أكثر من 5000 قطعة أثرية للفرعون الذهبي، كانت تُعرض في متحف التحرير في مساحة محدودة تبلغ 1500 متر، بينما خصص له المتحف الكبير مساحة عرض تبلغ 7500 متر، أي سبعة أضعاف السابقة، ليشاهد الزائر قصة توت عنخ آمون منذ ميلاده وحتى وفاته وما بعده". وأكد أن المتحف المصري الكبير يُعد مشروعًا عالميًا وقوميًا، وأن البنك الدولي وصفه منذ بدايته بأنه "أضخم مشروع ثقافي في القرن الواحد والعشرين"، مشيرًا إلى أن هذا التوصيف دقيق ويعكس حجم الإنجاز، إذ يجمع بين البعد الثقافي والاقتصادي في إطار مفهوم "الاستدامة الثقافية"، ويستهدف جذب ما يصل إلى 8 ملايين زائر سنويًا. وأوضح أن المشروع يقع بالقرب من أهرامات الجيزة، ويرتبط بها عبر الممشى الأسطوري أو طريق الأسطورة، وهو إنجاز هندسي وسياحي جديد يربط الهرم بالمتحف، بالإضافة إلى تطوير طريق الفيوم ومدخل المنطقة بالكامل، مشبهًا المشروع ب"السد العالي الجديد في الجيزة"، باعتباره إنجازًا حضاريًا هائلًا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤكدًا أن المتابعة المستمرة من الرئيس كانت حاسمة في إنجاز المشروع. كما أشار إلى حصول المتحف على ثماني شهادات "آيزو" دولية في مجالات الطاقة والصحة والسلامة المهنية والبيئة والجودة، إلى جانب حصوله على شهادة "إيدج أدفانس" كأول متحف أخضر في إفريقيا والشرق الأوسط. وبيّن أن تلك الشهادات منحتها مؤسسات دولية ومحلية من بينها وزارتي البيئة والصناعة وجهات تابعة للأمم المتحدة، بفضل تطبيق المتحف لمعايير دقيقة للحد من الانبعاثات الكربونية، واستخدام الطاقة النظيفة، وتدوير المياه والمخلفات، بما يجعله نموذجًا عالميًا في الاستدامة البيئية. وأوضح عبد البصير أن مفهوم "المتحف الأخضر" يعني أن بيئة المتحف خالية من الملوثات والانبعاثات الضارة، ويُعتمد فيه على الإضاءة الطبيعية، والطاقة النظيفة، والمواد غير السامة، بما يحافظ على صحة الزوار والعاملين ويواكب المعايير العالمية في علم المتاحف الحديث. وفيما يخص الافتتاح التجريبي، قال عبد البصير إن التجربة كانت ناجحة جدًا، وأتاحت معالجة الملاحظات القليلة قبل الافتتاح الرسمي، مشيرًا إلى أن الزوار الأجانب وعلماء الآثار أبدوا انبهارهم بالمستوى العالمي للمتحف، خاصة المسلة المعلقة التي تُعد إنجازًا هندسيًا فريدًا من تصميم المهندس عاطف مفتاح، وتحمل خرطوش الملك رمسيس الثاني محفورًا في أسفلها لحمايته من محاولات إزالة اسمه. وفي مقارنة بين المتحف الكبير ومتحف التحرير، أوضح عبد البصير أن متحف التحرير الذي افتتح عام 1902 أصبح يعاني من التكدس، بينما يتيح المتحف الكبير عرض القطع الأثرية بشكل أوسع وأكثر تخصصًا. وقال إن متحف التحرير سيبقى "الأم والمدرسة الكبرى لعلم المصريات"، ولن يُهمَل، بل سيُعرض فيه كنوز أخرى مثل آثار بسوسينس ومجموعة يويا وتويا. وأضاف أن الملك توت عنخ آمون سيظل بطل المتحف الكبير، حيث تُعرض مقتنياته البالغ عددها 5537 قطعة أثرية كاملة لأول مرة منذ اكتشاف المقبرة عام 1922، موضحًا أن المقبرة اكتُشفت شبه سليمة بعد أن غمرها تراب حفر مقبرة رمسيس السادس، ما جعلها تنجو من السرقة. وأشار إلى أن توت عنخ آمون لم يكن ملكًا ذا نفوذ سياسي واسع مثل رمسيس الثاني أو تحتمس الثالث، لكنه أصبح أشهر ملوك التاريخ الأثري بفضل اكتمال مقبرته وما صاحبها من "لعنة الفراعنة" والأساطير التي صاحبت اكتشافها، مضيفًا أن هذا الاكتشاف كان الحدث الأثري الأهم في القرن العشرين وجعل من هوارد كارتر رمزًا عالميًا في علم الآثار. واختتم عبد البصير حديثه مؤكدًا أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد متحف، بل مؤسسة ثقافية متكاملة تُجسد عبقرية المصري القديم والمصري الحديث معًا، وتقدم "هدية مصر إلى العالم والبشرية جمعاء".