على مدى 4 عقود، ظلت عبلة كامل واحدة من أكثر الفنانات المصريات حضورا وتأثيرا، رغم أنها تكاد تكون "الأقل ظهورا" بين نجمات جيلها؛ فهي لا تحب الأضواء ولا تشارك في المناسبات، ولا حتى تتصدر "السجادة الحمراء"، أما اللقاءات التلفزيونية، فيمكن عدها على أصابع اليد الواحدة بين لقاء قديم مع الإعلامي عماد الدين أديب، وآخر مع الراحل مفيد فوزي، وثالث مع المذيعة سلمى الشماع، ثم صمت طويل يمتد لسنوات. ومنذ مشاركتها في الجزء الخامس من مسلسل "سلسال الدم" عام 2018، اختفت عبلة كامل عن الشاشة تماما، لكن الغياب لم يخمد حضورها، على العكس؛ ظل اسمها لامعا ومتداولا وتحول جمهورها إلى "جيش" من المحبين يتطوع للدفاع عنها في كل مناسبة. ورغم أنها لا تمتلك أي حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن اسمها يتصدر "التريند" بين الحين والآخر، آخرها خلال الساعات الماضية، دون أن تكون طرفا في أي شيء. شائعة العلاج على نفقة الدولة عاد اسم عبلة كامل إلى الواجهة بقوة عقب انتشار شائعة تتحدث عن تعرضها لوعكة صحية تستدعي العلاج على نفقة الدولة، وانتشر الخبر سريعا وأثار موجة واسعة من القلق والدعوات على مواقع التواصل. ورغم أن الشائعة طالت أسماء فنية أخرى، إلا أن الأمور لم تهدأ سوى بتصريح من نقيب الممثلين الدكتور أشرف زكي، الذي أكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسي أصدر توجيها برعاية كبار الفنانين والتكفل بعلاجهم إذا استدعت الحالة، ومن بينهم عبلة كامل. وأشار زكي، إلى أن الفنانة بخير وتتمتع بحالة صحية مستقرة في منزلها، ليهدأ الجدل بعد ساعات من الشائعات والبحث المستمر عن حالتها. تصريحات جدلية وعبلة تلتزم الصمت خلال الفترة الماضية، وُضعت عبلة كامل في قلب عاصفة من النقاشات دون أي مشاركة منها؛ البداية كانت مع تصريحات المخرجة إيناس الدغيدي، التي قالت إن عبلة "ممثلة شاطرة لكنها ليست نجمة" لأن "النجومية" -بحسب رأيها- لها معايير شكلية ودعائية لا تتحقق في حالة عبلة كامل، في تصريحات أشعلت غضب الجمهور، الذي اعتبرها تقليلا من قيمة فنانة محبوبة. لاحقا، جاء رأي المخرج حسن الجريتلي، الذي قال إن "تلقائية عبلة كامل على الشاشة ليست فطرية، بل صناعة ممثلة محترفة"، وقال نصا: "الناس متصورة إن عبلة كامل تلقائية، فأنا أقول ولا تلقائية ولا نيلة دي ممثلة، يعني دي تشتغل فتبدو تلقائية، لكن عبلة كامل في الحياة مش زي عبلة كامل على المسرح ولا في السينما ولا أي حاجة". وأضاف: "بالتالي فكرة إن دي خالتي ولا أختى ولا مش عارف إيه، لا تشبه ولا واحدة من الثلاثة دول، دي ممثلة". ورغم أن رأيه فني بحت، إلا أن الجمهور هاجمه بالقوة نفسها. تكررت التصريحات التي ترفض تكريمها بدعوى غيابها عن المهرجانات، أو تقلل من قيمة بعض أفلامها، وفي كل مرة يثور جمهورها دفاعا عنها، بينما تبقى هي صامتة، غائبة عن المشهد، وغير معنية بالجدل. لماذا عبلة كامل؟ يبقى السؤال: لماذا يتمسك الجمهور بعبلة كامل بهذا الشكل؟، ولماذا يحيطها بمحبة تشبه محبة أفراد العائلة؟.. السر ربما يكمن في قدرتها على تقديم أدوار جريئة وصعبة دون أن تفقد احترام الجمهور لها؛ إذ قدمت دور العاهرة في "سارق الفرح"، واللصة في "عودة الندلة"، والبلطجية المأجورة في "خالتي فرنسا"، والقاتلة في "ريا وسكينة"، لكنها أدت كل هذه الشخصيات بصدق شديد وبحساسية توازن بين الجرأة والمبادئ. في لقاء نادر لها، تحدثت عبلة كامل عن دورها في فيلم "سارق الفرح"، قائلة: "إحنا عارفين الشخصية بتشتغل إيه، فمفيش ضرورة نشوفها وهي بتمارس المهنة"، في عبارة تختصر فلسفتها الفنية: الجرأة في الأداء لا في المشهد، والصدق أهم من العري، هذا الصدق، إلى جانب خجلها الشديد وبعدها الكامل عن الاستعراض، جعلها قريبة من القلب، وصادقة في عين المشاهد، مهما تغيرت الأدوار. شهادات النقاد الناقد طارق الشناوي اعتبرها "واحدة من أهم الممثلات في تاريخ مصر"، ويرى أنها تمتلك موهبة فطرية وتلقائية نادرة، حيث قال إنه كان يتوقع أن تصبح "الوجه النسائي لأحمد زكي" لو حظيت بالدعم الإخراجي الكافي. رغم ذلك، تركت عبلة كامل رصيدا فنيا كبيرا في المسرح والسينما والتليفزيون، من بينها: "ليالي الحلمية – لن أعيش في جلباب أبي – الشهد والدموع – هوانم جاردن سيتي – الوداع يا بونابرت – اليوم السادس – سيداتي آنساتي – قشر البندق"، وغيرها من الأعمال التي رسخت مكانتها. حضور لا يحتاج إلى منصة الحقيقة الواضحة للجميع أن عبلة كامل لم تسعى يوما إلى النجومية بمعناها التقليدي، ولم تتورط في صناعة "الصورة اللامعة"، فهي قدمت نفسها كما هي: ممثلة صادقة، خجولة، لا تبحث عن ضوء، لكن الضوء يذهب إليها، ولعل هذا ما يجعل حضورها ممتدا، لا ينطفئ، حتى وهي غائبة تماما عن المشهد.