في أول اختبار حقيقي للأحزاب المصرية, بدأ38 حزبا سياسيا من إجمالي58 حزبا العملية الانتخابية التي بدأت أولي جولاتها يوم الاثنين الماضي. وتعد هذه الانتخابات التي يتنافس فيها ما يقرب من عشرة آلاف وستمائة مرشحا نقطة فارقة, ليس فقط في تحديد ملامح ومستقبل الدولة المصرية الحديثة, ولكن في مدي استمرار هذه الأحزاب كقوي فاعلة وناشطة في المجتمع أو تحولها لأحزاب كارتونية غير فاعلة سواء علي مستوي المنافسة السياسية والانتخابية أو حتي اختفاء هذه الأحزاب من الخريطة الحزبية برمتها. والجدير بالذكر هنا, أنه منذ صدور الإعلان الدستوري انشغلت أغلب الأحزاب, ماعدا الأحزاب ذات المرجعية الدينية, بقضايا سفسطائية وجدالية ووجدت نفسها مجبرة علي خوض العملية الانتخابية, فعملت بطريقة تقليدية تماما ولجأت إلي العائلات والعصبيات في مختلف محافظات مصر لتبحث عن مرشحين يقبلوا خوض العملية الانتخابية علي قوائمها. وتخوض الأحزاب الانتخابات بشكل منفرد أو عبر تحالفات انتخابية مع بعضها البعض. وتنحصر التحالفات الحزبية في: 1- التحالف الديمقراطي: تشكل في يونيو كإطار واسع للأحزاب الليبرالية واليسارية والإسلامية. ولكن عندما أقفل باب الترشح في24 أكتوبر تقلص عدد الأحزاب المشاركة في التنسيق الانتخابي داخله من40 حزبا إلي نحو9 أحزاب, أهمها حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين( وله نحو70% من عدد المرشحين علي قوائم التحالف), وأحزاب الغد الجديد والكرامة والأحرار والحضارة ومصر العربي الاشتراكي, وكان أبرز المنسحبين من هذا التحالف أحزاب الوفد والناصري والبناء والتنمية والنور, لاستئثار الحرية والعدالة بالعدد الأكبر من المرشحين ورؤوس القوائم. 2- الكتلة المصرية: تشكلت الكتلة المصرية في25 أغسطس2011 كإطار للتحالف الانتخابي بين القوي المدنية. وضمت الكتلة عند تأسيسها16 حزبا ليبراليا ويساريا منها أحزاب مصر الحرية والجبهة الديمقراطية وحزب التحرير الصوفي وحزب الوعي والحزب الشيوعي المصري. لكن الخلافات حول توزيع المقاعد, قلصت عدد الأحزاب المنضوية في هذا التحالف إلي ثلاثة هي: حزب المصريين الأحرار ويملك نحو45%, والحزب الديمقراطي الاجتماعي وله نحو40%, وحزب التجمع ويملك15% تقريبا من جملة مرشحي الكتلة. 3- الثورة مستمرة: تشكل تحالف الثورة مستمرة في أكتوبر2011 من قبل قوي انشقت عن الكتلة المصرية. ويتألف هذا التحالف من أحزاب مصر الحرية تحت التأسيس, والتيار المصري( منشقو الإخوان من الشباب), وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي, وحزب المساواة والتنمية, وائتلاف شباب الثورة ومعهم حركة شباب من أجل العدالة والحرية, والحزب الاشتراكي المصري تحت التأسيس والتحالف المصري. 4- تحالف النور: تشكل هذا التحالف في29 يوليو2011 بمبادرة من حزب النور السلفي بعد انسحاب العديد من القوي الإسلامية من التحالف الديمقراطي, الذي يتزعمه حزب الحرية والعدالة. ويضم التحالف حزب النور, وحزب الأصالة السلفي, وحزب البناء والتنمية الذراع السياسي للجماعة الإسلامية. ويهدف التحالف إلي تعزيز الوجود السلفي في البرلمان والحصول علي دور أكبر في عملية صياغة الدستور المقبل. أما أشهر الأحزاب الأخري التي تخوض العملية الانتخابية منفردة, فهي: أولا: الوفد وله حوالي570 مرشحا. ثانيا, حزب الوسط ويبلغ عدد مرشحيه في القوائم بالنسبة لانتخابات مجلس الشعب322 مرشحا في46 دائرة انتخابية علي مستوي الجمهورية بنسبة100%. ثالثا, الحزب الناصري, وله122 مرشح, منهم114 موزعين في15 دائرة ب12 محافظة, و8 علي المقاعد الفردية. رابعا, الأحزاب المنبثقة عن الحزب الوطني, وهم8 أحزاب وتخوض العملية الانتخابية بشكل منفرد. وفي الواقع, هناك العديد من الملاحظات علي أداء هذه الأحزاب حتي هذه اللحظة, منها علي سبيل المثال: أولا بالنسبة للمرشحين, باستثناء الحرية والعدالة والوفد, لم تستطع الأحزاب تقديم مرشحين حقيقيين لها للمنافسة في كل الدوائر. كما أن جميع الأحزاب السياسية- بما فيها الأحزاب ذات المرجعية الدينية- قامت بترشيح أعضاء سابقين للحزب الوطني علي قوائمها. ويقدر البعض بأن هناك37 من المرشحين المنتمين للحزب الوطني المنحل في الانتخابات البرلمانية القادمة تحت راية8 أحزاب, في مقدمتها حزبا الوفد والحرية والعدالة. ثانيا: استمرار ظاهرة المنشقين عن الأحزاب, علي الرغم من إننا في عهد جديد ومقبلين علي مرحلة ديمقراطية حقيقة لم تستطيع الأحزاب منع حدوث انشقاقات بين أعضائها, وذلك بسبب عدم وضع المنشقين علي رأس قائمة المرشحين للحزب في بعض الدوائر الانتخابية. ثالثا: خوض الكثير من أعضاء بعض الأحزاب الانتخابات علي مقاعد القوائم الفردية كمستقلين بعيدا عن الانتماء الحزبي. واللافت هنا أن بعض رؤساء الأحزاب تخوض العملية الانتخابية علي المقاعد الفردية وليس القائمة بعدما نادوا جميعا بتطبيق نظام القائمة في العملية الانتخابية. رابعا: البرامج الانتخابية, وضعت بعض الأحزاب السياسية برامج انتخابية عامة وفضفاضة وغير محددة الملامح. كما لم تحدد هذه الأحزاب كيفية تنفيذ هذه البرامج حينما تصل إلي السلطة أو تحصد عدد معين من المقاعد. كما تركت الأحزاب السياسية لمرشحيها الحرية الكاملة في وضع برامج انتخابية خاصة بكل دائرة, وهذا لا يتماشي في الحقيقة مع روح ثورة25 يناير. خامسا: لم تقدم بعض الأحزاب مرشحين من الشباب خاصة أولئك اللذين لعبوا دورا كبيرا في ثورة25 يناير, واكتفي البعض منهم بترشيح عدد قليل جدا ومحدود للغاية منهم. سادسا: المرأة, فكما ظلم النظام الانتخابي المرأة كثيرا بإلغائه الكوته وترك الحرية للأحزاب في وضعها في أي ترتيب في القائمة, فإن الأحزاب نفسها مارست هذا الظلم بوضع المرأة في مرتبة متأخرة في القائمة. سابعا: قامت بعض الأحزاب, باستخدام نفس أساليب الحزب الوطني المنحل, بترشيح مرشحين احتياطيين لها, وذلك خوفا من شطب البعض أو حدوث انشقاقات بداخلها. ثامنا: رجال الأعمال, اعتقد البعض واهما أن رجال الأعمال سيتركون الساحة السياسية والحزبية, علي الأقل مؤقتا- ولكن في الحقيقة مازال بعض رجال الأعمال يسيطرون ليس فقط علي الأحزاب ولكن تقدم البعض منهم للترشح في الانتخابات, وهذا حقهم تماما. تاسعا: علي الرغم من وعود بعض الأحزاب بإخلاء دوائر انتخابية معينة لبعض الشخصيات العامة وشباب الثورة إلا إنها لم تلتزم بتلك الوعود وقامت بترشيح أنصار لها في تلك الدوائر, مما قد يسبب خروج الشباب خالي الوفاض من تلك الانتخابات. وتكشف الملاحظات السابقة, عن استمرار أزمة الأحزاب السياسية في مصر, لاسيما الليبرالية والاشتراكية, رغم زوال القيود السلطوية التي اعترضت نشاطها, بما يعني أن ضعف تلك الأحزاب, وضعف كوادرها, وعدم وجودها في الشارع المصري, وهذا ما اتضح تماما من أحداث ميدان التحرير الأخيرة. وقد يزيد الاندماج فيما بين الأحزاب المتشابهة أيديولوجيا من فرصها في المستقبل. كما أن فرص تيار الإسلام السياسي الأبرز بين مختلف الأحزاب في الانتخابات القادمة, نتيجة لاتساع قاعدة مؤيديها. ومن المرجح أن يحصد حزب الحرية والعدالة نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان المقبل بمجلسيه, وكذلك الأحزاب السلفية, بما سيخلق معضلة سياسية للقوي الثورية. أما الأحزاب القديمة الكارتونية, علي اختلافها, فسوف تمثل الانتخابات المقبلة نقطة محورية في تاريخ بقائها السياسي, ومن المرجح أن تتصدع غالبيتها, وينضم أعضاؤها لأحزاب جديدة تمثل التيار ذاته بسبب جمودها الفكري, والانقسامات بين أعضائها, وغياب الديمقراطية الداخلية في إدارة شئونها, وتحالفها مع النظام السابق. وفي النهاية, يبقي تأكيد أن مستقبل الأحزاب المشاركة في الانتخابات يتوقف إلي حد بعيد علي عدد المقاعد التي سوف تحصدها في مجلسي الشعب والشوري. وإذا لم تجن هذه الأحزاب بعض المقاعد, فيجب عليها ترك الساحة الحزبية والاندماج في أحزاب أخري قائمة.