دمَّرنا العام الدارسي والحمد لله، ولم يبق غير امتحانات نصف العام وإقرارات الضريبة - لامؤاخذة - العقارية قبل أن ندخل ( مولد سيدي الانتخابات الكبير )، وكل ذلك بالطبع من إنفلونزا الخنازير، ثم قريبتها القادمة - إنفلونزا ( المعيز )، ولم يبق إلا أن نجلس ونبتهل لله أن يبعد عنا إنفلونزا الصراصير، لأنها ألعن وأشد فتكاً، فلا يوجد بيت في مصر لا يوجد فيه صرصار يتجول براحته مهما كان ثراء وقدرة صاحب البيت. وكنت أود من السيد الرئيس حسني مبارك رب الأسرة المصرية وراعيها، أن يقتنع بأنه لا يوجد تعليم قوي وحقيقي في مصر، بدليل أن جامعاتنا جاءت في المرتبة الخمسمائة علي العالم، وأن الأمور تسير بالدعاء والبركة والدروس الخصوصية وتفتيح الدماغ، وأن يعلن هذا العام حداداً عاماً لوفاة التعليم المصري، ونبتعد عن سياسة المسكنات والمهدئات التي نتبعها في تعليم أبنائنا وإخوتنا، وأن يطلب من لجانه ومستشاريه كيفية بداية عهد جديد للتعليم في مصر، عهد بعيد عن المعلومات الجافة والساذجة وحشو العقول وتفريغها في أوراق الامتحانات، وأن تتسع جوانح ومدارك من يضعون مشروعاً قومياً لتحديث التعليم في مصر وأن ينتبهوا إلي البدايات والأساسات التي سوف يضعونها في عقول الأجيال القادمة، وأقصد هنا أن يهتموا بعلم جديد وهو: المادة الفرعونية. ويكون هذا اسم العلم الجديد ( المادة الفرعونية)، فللأسف طوال تاريخنا التعليمي لم ننتبه إلي تلك المادة المهمة، وكأننا تركناها خلف جدران المتاحف والمعابد أو مدفونة في الرمال، كما أننا، وأقصد جميع المصريين، لا نعرف عن حضارة الفراعنة غير: أهرامات الجيزة وسيدنا «أبوالهول» وميدان رمسيس قبل أن نلقي بالتمثال علي الطريق الصحراوي، بالإضافة إلي زياراتنا المدرسية للأقصر وأسوان، وهكذا تم اختزال حضارة أجدادنا - التي قادت الدنيا حتي وقتنا الحاضر- بهذه الطريقة، كما أنها مازالت تخفي في الرمال الكثير من أسرارها، وإنني أتحدي أن تجد أي متحف في العالم ليس به ركن مؤثر ومبهر وعليه إقبال مثل ركن المصريات والفرعونيات. ولا أقصد بذلك أن أطلب المستحيل أو أن أحمّل طلابنا الأعزاء، مادة جديدة وهماً ثقيلاً، لكني أتعجب حقاً من أن معظم ما تم اكتشافه عن حضارة أجدادنا الفراعنة يعود الفضل فيه إلي مكتشفين غربيين، خاصة أعظم الاكتشافات والمثير فيها، كما أن من كتب عنها باستفاضة وعمق وقوة وسلاسة أسلوب كان من مستشرقين عشقوا تلك الحضارة، وجميعنا يعلم أن هؤلاء المستكشفين ظلوا يعيشون علي أرض مصر طوال حياتهم يبحثون عن أسرار وأصول الحضارة الفرعونية. والمفروض أننا أحفاد وأبناء تلك الحضارة الخالدة، ويجب أن ندين بالولاء والاهتمام بها، حيث نعلم ونتعلم أشياء بسيطة عنها أو علي الأقل يجب أن نعرف البدهيات منها، كأن نتعلم الأبجدية الهيروغليفية مثلا، أو أن نعرف قراءة النقوش والرسومات علي جدرانها، لا أن تظل عقولنا وعقول أبنائنا خاوية لا تعرف عن الحضارة الفرعونية شيئا، غير أن يحمل المنتخب القومي لكرة القدم لقب ( الفراعنة ) أثناء مبارياته الدولية، كما أنني فوجئت بقريب ليّ ينبهني إلي أن الذي بني الأهرامات هم الجن، نعم الجن، وقريبي هذا يعمل مدرس ابتدائي في مدرسة حكومية. فجدير بنا أن نضع تلك المادة في الاهتمام أثناء إعداده المشروع القومي لتحديث التعليم، كي تكون حضارة الفراعنة وتاريخهم وتفاصيل وأسلوب حياتهم في الوجدان والعقل المصري، حتي لا نفاجأ ذات يوم بأن الذي بنّي السد العالي هم العفاريت، ومن قام بحرب أكتوبر هم الملائكة، وأن ليبيا هبة النيل، ومعبد الكرنك هو المعبد اليهودي، وأن رمسيس الثاني ملك من ملوك العبرانيين، وأن أحمس جاء من شوارع نيويورك في زيارة سياحية إلي مصر، فوجد أن المصريين مضطهدون، فقرر تحريرهم من ظلم الصعايدة، لكنني أخشي بعد ذلك، أن يصبح أقوي مدرس في تلك المادة وزعيم مجموعات التقوية بها وصاحب أعلي أجر في الدروس الخصوصية هو الدكتور: زاهي حواس.