«الإخوان» عندما وضعت دستور 2012 تعاملت مع مواد السلطة القضائية على أنها مواد تحقق مصالح وأهداف الجماعة لجنة نظام الحكم لم تتبنَّ أى مقترحات نهائية تتعلق بوضع هذه الهيئات ومع هذا انعقدت جمعيات عمومية غير مبررة حاول الإخوان استقطاب أعضاء الهيئات القضائية للمشاركة فى الإشراف على الاستفتاء بعد رفض نادى القضاة لماذا يحدث ذلك الصراع من الأساس فى أثناء كتابة الدستور بين الهيئات القضائية والذى من المفترض أن تبتعد موادّه عن الخوض فى تفاصيل فنية؟
مؤخرًا أُثيرت أزمة «الهيئات القضائية»، وأعتقد أن التوصيف الأدق لتلك الأزمة «صراع الهيئات القضائية»، فلجنة الخمسين، لم تكن فى يوم من الأيام طرفًا فى تلك الأزمة، بل سعت لجنة الخمسين لاحتواء الخلاف بين تلك الهيئات القضائية من خلال تنظيم عديد من جلسات الاستماع لممثلى الهيئات القضائية، وفى واحدة من تلك الجلسات كاد الأمر يصل لمشادات بين ممثلى تلك الهيئات التى سارعت لعقد جمعيات عمومية غير مبرَّرة، حيث لم تتبنَّ لجنة نظام الحكم أى مقترحات نهائية تتعلق بوضع هذه الهيئات.
ولكن السؤال الأهم الذى يجب أن ينشغل به أعضاء لجنة الخمسين: لماذا يحدث ذلك الصراع من الأساس فى أثناء كتابة الدستور، الذى من المفترض أن تبتعد مواده عن الخوض فى تفاصيل فنية واختصاصات يحتاج حسمها إلى مؤتمرات عدالة يشارك فيها خبراء فنيون عبر جلسات طويلة، بجانب أن وضعها الأمثل فى القانون وليس الدستور؟حقيقة الأمر أن جماعة الإخوان المسلمين عندما وضعت دستور 2012، تعاملت مع مواد السلطة القضائية على أنها وسائل تحقق مصالح وأهداف الجماعة، ففى ما يتعلق بمواد المحكمة الدستورية جاءت المادة (176) المتعلقة بتشكيل المحكمة «لقصر» عدد أعضاء المحكمة الدستورية على رئيس وعشرة أعضاء لتطيح الجماعة بالمستشارة تهانى الجبالى من عضوية المحكمة، فالجماعة لم تقدم أى مبررات فنية لحصر عضوية المحكمة فى عدد محدد، وكان هذا الحصر بالصدفة رئيسًا وعشرة أعضاء، وكانت المستشارة تهانى الجبالى بالصدفة العضو الحادى عشر من حيث الأقدمية.
أما فى ما يتعلق بمواد مجلس الدولة، والهيئات القضائية من هيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية فقد حاول الإخوان استقطاب أعضاء الهيئات القضائية للمشاركة فى الإشراف على الاستفتاء، حيث بدا للإخوان أن نادى القضاة سيرفض المشاركة فى الإشراف القضائى على عملية الاستفتاء، لذلك عملت الجماعة على تضمين الدستور موادَّ دستورية خاصة بالهيئات القضائية، لم تحمل تلك المواد لمجلس الدولة اختصاصات جديدة بقدر ما مثَّلت وضعا مغايرا لوضعهم الدستورى فى الدساتير السابقة على دستور 2012، وحملت اختصاصات جديدة لهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية.
على سبيل المثال فى دستور 1971 الذى امتدت سنوات عمره حتى 2011، كان وضع مجلس الدولة فى المادة «172»: «مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل فى المنازعات الإدارية وفى الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى» وجدير بالذكر والتأكيد أننا لم نسمع يومًا عن مطالبات مجلس الدولة على مدار العهود السابقة بتغيير وضعهم فى الدستور، لأن قانون مجلس الدولة حمى تلك الاختصاصات ولم تمسَّ فى أى وقت من الأوقات من أى سلطة.
فى دستور 2012: كان وضع مجلس الدولة متمثلا فى المادة «174»:
«مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره من جهات القضاء بالفصل فى جميع المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بأحكامه، ويتولى الدعاوى والطعون التأديبية، والإفتاء فى المسائل القانونية للجهات التى يحددها القانون، ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية التى تحال إليه، ومراجعة العقود التى تكون الدولة طرفًا فيها، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى».
نفس الأمر، لم يكن هناك أى ذكر «لهيئة قضايا الدولة» أو «هيئة النيابة الإدارية» فى دستور 1971، وعلى الرغم من أن هيئة قضايا الدولة أقدم الهيئات القضائية، فإن المادة 167 فى دستور 1971 تحدثت عن وضع الهيئات القضائية فى المجمل دون تخصيص مادة لكل هيئة، حيث جاءت: «يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم القانون تشكيلها، ويبيّن شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم».
وفى دستور 2012 جاءت المادة المتعلقة بهيئة قضايا الدولة، المادة «179»: «هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة، تتولى الادعاء العام المدنى والنيابة القانونية عن الدولة فى المنازعات، والرقابة الفنية على إدارات الشؤون القانونية فى الجهاز الإدارى للدولة. وتختص بإعداد العقود، وتسوية المنازعات، التى تكون الدولة طرفًا فيها، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى. ويكون لأعضائها الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية.
والمادة «180» المتعلقة بهيئة النيابة الإدارية:
«النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة، تتولى التحقيق فى المخالفات المالية والإدارية، وتحريك ومباشرة الدعوى التأديبية أمام محاكم مجلس الدولة، واتخاذ الإجراءات القانونية لمعالجة أوجه القصور فى أداء المرافق العامة، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى. وتكون لأعضائها الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية».
أين أزمة الهيئات القضائية؟ لجنة الخبراء المشكَّلة بقرار من رئيس الجمهورية، عندما تصدَّت لمواد السلطة القضائية، أبقت على مواد مجلس الدولة، وألغت الكثير من الاختصاصات التى اكتسبتها هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية فى دستور 2012، بجانب أن هيئة قضايا الدولة كانت تطالب بعودة النص الخاص بها فى دستور 2012، وهو ما رفضه مجلس الدولة. كما أن النيابة الإدارية طالبت بإنشاء «قضاء تأديبى»، وهو ما رفضه مجلس الدولة واعتبره سحبا من اختصاصاته، ورأى الذى قدمته للجنة نظام الحكم وتم إقراره مع لجنة نظام الحكم، هو الاكتفاء بالنص على الاختصاص العام لكل هيئة قضائية، وترك باقى الاختصاصات للقانون.
أى أن كل هيئة قضائية إذا رأت التقدم بأى مقترحات متعلقة باختصاصاتها فعليها إعداد مشروع قانون خاص بها يُعرَض على السلطة التشريعية لمناقشته، أما الدستور فهو ينص على مبادئ عامة والتزامات وحقوق وتنظيم العلاقة بين السلطات.
أما فى ما يتعلق بالمحاكمات العسكرية للمدنيين، فعلى الرغم من أن هناك مدنيين حوكموا أمام القضاء العسكرى بحكم القانون على مدار العهود السابقة، فإنه فى دستور 2012 كانت السابقة الأولى لدسترة ذلك الاستثناء عندما جاءت المادة «198» التى تنص على:
«القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة يختص دون غيره بالفصل فى جميع الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها. ولا يجوز محاكمة مدنىّ أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة، ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى. وأعضاء القضاء العسكرى مستقلون غير قابلين للعزل، ويكون لهم جميع الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء الجهات القضائية». وعندما أُثيرت داخل لجنة الخمسين تلك المادة، انحصرت غالبية الآراء بين فريقين، الأول يرى ضرورة العمل على حصر تلك الجرائم، والفريق الآخر يرى ضرورة العودة لنص دستور 1971، حيث جاءت المادة «183»: «ينظم القانون القضاء العسكرى، ويبين اختصاصاته فى حدود المبادئ الواردة فى الدستور». وأرى أن العودة لنص دستور 1971 هو الحل الواقعى، فالقانون هو المسؤول عن تنظيم اختصاص القضاء العسكرى. فى النهاية، رغم تخوفات الكثيرين من البرلمان، فإن هناك واقعا وحقيقة، واقع يقول إن هناك برلمانا، إن هناك مشرِّعًا مسؤولا عن إعداد التشريعات القانونية، ولا يمكن أن تدفعنا مرارة ممارسات برلمان الإخوان إلى دسترة كل شىء، والنص على أدق الأمور الفنية فى الدستور، خصوصا أن تلك الأمور تتغير مع تغير الزمان والظروف، ناهيك بأن ذلك الأمر، تحوَّل إلى حق يُراد به باطل، حيث أصبح مبرر كل هيئة أو مؤسسة للنص على اختصاصاتها فى الدستور، هو الخوف من البرلمان المجهول، وأعتقد أن إحالة الأمور الفنية الخلافية إلى المشرّع هو الحل لإيجاد دستور جديد يعبّر عن المصريين ويضمن حقوقهم وحرياتهم.