60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الثلاثاء 6 مايو    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم الثلاثاء 6 مايو    النائب فريدي البياضي: مشروع قانون الإيجار القديم ظالم للمالك والمستأجر.. وهذه هي الحلول    هل تعاود أسعار السيارات الارتفاع في الصيف مع زيادة الطلب؟ عضو الشعبة يجيب    ب«الزي الرسمي»... أحمد الشرع والشيباني يستعرضان مهاراتهما في كرة السلة (فيديو)    هل هناك بنزين مغشوش.. وزارة البترول توضح    بعد هبوطه في 6 بنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 6-5-2025    أسعار الذهب اليوم الثلاثاء بعد الارتفاع القياسي بجميع الأعيرة    وسائل إعلام: ترامب لا يشارك في الجهود لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس    غارات إسرائيلية تستهدف سلسلة جبال لبنان الشرقية وبلدة طيرحرفا في جنوب لبنان    الحوثيون: ارتفاع ضحايا قصف مصنع بغربي اليمن إلى قتيلين و 42 جريحا    باكستان ترفض اتهامات الهند لها بشأن صلتها بهجوم كشمير    كانت متجهة للعاصمة.. الدفاعات الجوية الروسية تسقط 19 مسيرة أوكرانية    رونالدو يتصدر تشكيل النصر المتوقع أمام الاتحاد في الدوري السعودي    السيطرة على حريق شب داخل محل نجف بمصر الجديدة    «شغلوا الكشافات».. تحذير من الأرصاد بشأن حالة الطقس الآن (تفاصيل)    إحالة مرتضى منصور للمحاكمة بتهمة سب وقذف خالد يوسف وزوجته شاليمار شربتلي    جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصفين الأول والثاني الإعدادي بالجيزة    رفضته ووصفته ب"المجنون"، محمد عشوب يكشف عن مشروع زواج بين أحمد زكي ووردة فيديو)    طرح فيلم «هيبتا المناظرة الأخيرة» الجزء الثاني في السينمات بهذا الموعد؟    تطيل العمر وتقلل الوفيات، أخبار سارة لعشاق القهوة وهذه عدد الأكواب اليومية لزيادة تأثيرها    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواقع الانشائية بمدينة بدر    ضبط مبلط بتهمة الاعتداء الجنسي على طفل في المنيا بعد استدراجه بمنزل مهجور    الأزهر ينفي ما تم تداوله بشأن اقتراح وكيله بتشكيل لجان فتوى مشتركة مع الأوقاف    الزمالك يستكمل اجتماع حسم مصير بيسيرو عصر اليوم    ترامب: لست متأكدا مما يرغب رئيس وزراء كندا في مناقشته خلال اجتماع البيت الابيض    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    5 مرشحين لتدريب الزمالك حال إقالة بيسيرو    مدرب سيمبا: خروج الزمالك من الكونفدرالية صدمة كبرى فهو المرشح الأول للبطولة    رغم هطول الأمطار.. خبير جيولوجي يكشف أسباب تأخير فتح بوابات سد النهضة    نائب وزير السياحة والآثار تترأس الاجتماع الخامس كبار المسؤولين بمنظمة الثمانية    التعليم توجه بإعادة تعيين الحاصلين على مؤهلات عليا أثناء الخدمة بالمدارس والمديريات التعليمية " مستند"    شريف فتحي يقيم مأدبة عشاء على شرف وزراء سياحة دول D-8 بالمتحف المصري الكبير    جموع غفيرة بجنازة الشيخ سعد البريك .. و"القثردي" يطوى بعد قتله إهمالا بالسجن    وزير وفنان وطالب :مناقشات جادة عن التعليم والهوية فى «صالون القادة»    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    مصرع طالب إثر انقلاب دراجة بخارية بقنا    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    سفيرة الاتحاد الأوروبى بمهرجان أسوان لأفلام المرأة: سعاد حسنى نموذج ملهم    لتفادي الهبوط.. جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    5 أسماء مطروحة.. شوبير يكشف تطورات مدرب الأهلي الجديد    "كتب روشتة خارجية".. مجازاة طبيب وتمريض مستشفى أبو كبير    احترس من حصر البول طويلاً.. 9 أسباب شائعة لالتهاب المسالك البولية    10 حيل ذكية، تهدي أعصاب ست البيت قبل النوم    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    زيزو أحد الأسباب.. الزمالك مهدد بعدم اللعب في الموسم الجديد    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    تطور جديد في أزمة ابن حسام عاشور.. المدرس يقلب الموازين    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد القدوسي يكتب: خراب مصر.. في مرايا التاريخ
نشر في الدستور الأصلي يوم 07 - 05 - 2010

في العام 1910 صدر كتاب «Egypt's Ruin» في لندن عاصمة «بريطانيا»، العظمي آنذاك. وكان من أشد المتحمسين لصدوره الزعيم المصري «محمد فريد»، الذي كانت تربطه بمؤلف الكتاب «تيودور روتستين» صداقة جعلته يتحمل نفقات طباعة الكتاب بالإنجليزية، وتلك واحدة من التضحيات الجليلة لذلك الزعيم الوطني، الذي بذل ماله كله دفاعا عن «قضية البلاد»، لدرجة أنه، وحين وافته المنية غريبا منفيا، لم تف تركته بتكاليف شحن جثمانه إلي مصر، ليدفن في ثراها حسب وصيته، التي نفذها تاجر مصري متحملا تكاليفها. ويبدو أن ظروف المنفي وضيق ذات اليد لم يمكنا «محمد فريد» من ترجمة الكتاب إلي العربية التي ظل قراؤها محجوبين عنه، حتي تولت «لجنة التأليف والترجمة والنشر» إصداره بالعربية في العام 1923 تحت عنوان «تاريخ المسألة المصرية 1875 1910»، وبدهي أنه عنوان فرضه الظرف السياسي الذي كان قائما آنذاك، وقد كان مترجما الكتاب: «عبدالحميد العبادي» و«محمد بدران» من الدقة والأمانة بحيث التزما بذكر الاسم الحقيقي للكتاب في «مقدمة الترجمة»، ثم ألمحا إلي ما فرضته الضرورة من تغيير لاسم الكتاب حيث قالا: «وإنما انتزعنا بدله من نفس الكتاب اسما آخر أخف علي السمع وأقرب للمعني فسميناه «تاريخ المسألة المصرية من 1875 إلي 1910». ولا يحتاج الأمر ذكاء خارقا لنفهم أن علة تبديل اسم الكتاب تكمن كلها فيما أشار إليه المترجمان بقولهما: «أخف علي السمع»، إذ الاسم الأصلي، ومعناه: «خراب مصر» أو «خرائبها» أو «أطلالها»، هو اسم ثقيل، بل ثقيل جدا علي أذن الرقيب، الذي كان لا بد من موافقته لإصدار الكتاب. أما كون الاسم البديل «أقرب للمعني» فعبارة توحي بما استشعره المترجمان من وزر تبديل الاسم وإن كان اضطرارا ورغبتهما في الاعتذار بأن الاسم البديل لا يبعد عن معني الاسم الأصلي من ناحية، ومن ناحية أخري فهو ليس دخيلا علي الكتاب، بل مستمدا من مادته نفسها كما أشارا في عبارتهما.
وفي أيامنا هذه، يكون قرن كامل (100 سنة) قد اكتمل منذ صدر الكتاب بالإنجليزية، كما مر قرن إلا قليلا منذ تأسست «لجنة التأليف والترجمة والنشر» التي تولت نقله إلي العربية في 1914، قرن كامل، مر فيه ما مر من أحداث، وتغير ما تغير من فروع، أما الأصول فقد بقيت علي حالها برغم وطوال القرن الذي مر، وأظنها ستظل كذلك وإن مر قرن وقرن، فتلك طبيعة الأشياء، وإن أثارت دهشة البعض، فمن العجب أن يثير الطبع العجب! أو لم نعتد التعبير عن «الأصول» بلفظ «الثوابت»، ما يعني أن «الثبات» وصف ملازم لها؟
علي أية حال، فإن هذه «المئوية» مناسبة مهمة لإعادة قراءة هذا الكتاب، لا كما صدر وترجم، بل كما يبدو الآن منعكسا علي مرايا التاريخ، وهكذا فإننا لن نقرأ الكتاب فحسب، بل سنقرأ مائة سنة من الزمان جرت علي سطوره، أو هذا ما حاولت القيام به.
رحل الزعيم محمد فريد بعد خروجه من مصر سرا إلي منفي اختار أن تكون أوروبا مقرا له، وكان قد أنفق كل ما تركه له أبوه «فريد باشا» في سبيل الحركة الوطنية (ورث عن أبيه ألفا ومائتي فدان عدا السيولة النقدية) وعندما كان في «بروكسل» أرادت سلطات الاحتلال البريطاني استغلال أزمته المالية، فأرسلت إليه وسيطا يطلب منه الكف عن العمل ضد الاحتلال مقابل تعويضه ماليا أو تعيينه وزيرا، لكنه كان علي العهد به من الوعي والحسم، ووجه إلي «سمسار الاحتلال» ما هو أشد من الصفعة إذ قال له: «إن ضياع ثروتي لا يؤثر علي مبادئي، وأرفض أي مركز في الحكومة مادام الإنجليز في مصر». وفي العاصمة الألمانية برلين ألجأت الفاقة «محمد فريد باشا» إلي الإقامة في حجرة واحدة مشتركة مع رجل آخر من رجال الحزب الوطني المنفيين من مصر. الرجل هو «د.نصر فريد». والحجرة هي الحجرة التي مات فيها «محمد فريد» عن 53 عاما في 15 من نوفمبر عام 1919. ولم تكن عائلته تملك المال الكافي لنقل جثمانه إلي مصر، فتكفل «الحاج خليل عفيفي» وهو تاجر خشب من مدينة الزقازيق باستخراج التصاريح اللازمة لاستعادة الجثمان من برلين، كما تحمل تكاليف النقل علي نفقته الخاصة. ولم تكن المهمة سهلة، إذ كان لا بد بداية من الحصول علي ترخيص من الحكومة المصرية بنقل الرفات إلي مصر، بعدها أبحر «خليل عفيفي» من الإسكندرية يوم الجمعة 5 من مارس عام 1920 إلي فرنسا، ومنها إلي ألمانيا، حيث فوجئ بأن لديها قانونا يمنع نقل رفات المتوفين، لكنه لم يستسلم، وواصل سعيه، وما إن علم بأن الحكومة الألمانية وافقت علي نقل جثمان ضابط فرنسي مات في الحرب العالمية الأولي إلي بلاده حتي طالب بنقل رفات «محمد فريد» أسوة برفات هذا الضابط. وبعد الحصول علي موافقة السلطات الألمانية، كان علي الحاج «خليل عفيفي» السفر إلي سويسرا، ثم إلي إيطاليا، للحصول علي ترخيص من كلتا الدولتين يسمح بمرور الجثمان في أراضيهما. وفي 21 من مايو 1920 تحرك الجثمان من برلين وأرسل التاجر الشهم برقية إلي مصر كي تستعد لاستقبال زعيمها. وتبرع عمر طوسون بجميع نفقات الجنازة الشعبية التي استغرقت مراسمها 24 ساعة بدءاً من مرورها بشوارع الإسكندرية حيث وصل الجثمان حتي محطة مصر في القاهرة، ثم الصلاة علي الجثمان في جامع قيسون بالقلعة ومنه إلي مدافن العائلة في السيدة نفيسة في 9 من يونيو 1920، أي بعد 8 أشهر من وفاة محمد (بك) ابن فريد (باشا) الذي كان والده ناظرا للدائرة السنية (أملاك الخديو)!
تأسست «لجنة التأليف والترجمة والنشر» في العام 1914 تحت إشراف الأديب «أحمد أمين» الذي ظل يتولي مسئوليتها حتي توفي في 30 من مايو 1954م، وهي اللجنة التي قدمت بأمانة ودقة ذخائر فروع المعرفة المختلفة، سواء عبر ما قدمته من ترجمة للكتب الأوروبية، أم ما قدمت من تحقيق لمخطوطات التراث العربي، كما أنشأت اللجنة مجلة «الثقافة» وذلك في (ذي الحجة 1357 ه يناير 1939م) وهي المجلة التي ظلت تصدر طوال 14 عاما.
صدرت الطبعة الأولي من «المسألة المصرية» في 1341 ه 1923م. والمقدمة مؤرخة في 15 من يونيو 1923م. وحسب المثبت علي غلاف الكتاب فإن «عبد الحميد العبادي» مدرس بمدرسة القضاء الشرعي، و«محمد بدران» مدرس بالمدرسة الثانوية الملكية. هكذا كانا يوم وقعا «مقدمة الترجمة» في 15 من يونيو. وكان عبدالحميد العبادي زميلا لأحمد أمين في مدرسة القضاء الشرعي، وقد جمعه وزميله وثالث هو «د. طه حسين» مشروع التأريخ للحضارة العربية، واتفق الثلاثة علي أن يتولي عبد الحميد العبادي تأريخ الحياة السياسية، وطه حسين الحياة الأدبية، وأحمد أمين الحياة الفكرية. وأحمد أمين هو الوحيد منهم الذي أنجز ما وعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.