منذ أيام قليلة أخذنى الشوق،والحنين إلى ميدان التحرير،أو بالمعنى الأدق إلى ميدان الأمل،والحرية.ذلك الميدان الذى شهد،وسيشهد أروع بطولات التضحية،والفداء لهذا الوطن. كان ذلك قبل الفجر بقليل حينما نزلت من سيارتى،وتجولت قليلاً بين أنحاء الميدان.كنت أشعر بإحساس غريب ينتابنى عفواً لم يكن إحساساً واحداً بل كان مزيجاً من أحاسيس مختلفة.فقد كنت أشعر بالفخر،والسمو،والسلام النفسى،والأمر الأكثر غرابة هو إفتقادى لهذه الأحاسيس بمجرد خروجى من الميدان،وكأنها كانت كالطيف العابر.
لقد رأيت الميدان يتنفس مثلنا لكن الفارق بيننا،وبينه أنه كان يتنفس أيماناً،وعزيمة،وأملاً،وصبرا.فى الوقت الذى إمتلك فيه اليأس صدور كثير من الناس.
وهذا ما دفعنى أن أسأل الميدان،ما السر وراء هذا الأمل الذى أراه بادياً هكذا على صفحة وجهك؟ما السر فى تلك العزيمة،وهذا الصمود الشامخ الذى ينضح به أركانك؟
كانت إجابته كصموده شامخة... فقال لى:إذا سألت كل شبر من أرضى،وكل ركن من أركانى ستحكى لك عن كل يوم قصة من قصص أبنائى الأبطال الذين جادوا بدمائهم،وأرواحهم دفاعاً عنىوهذا ليس بغريب على المصريين،و تسألنى بعد ذلك ما السر!!!
يا أستاذ محمد إذا لم تكن تعرف من هم المصريين فإسأل أرجاء ذلك الميدان الذى تقف على أرضه الآن،وقبل ذلك إذهب،وإسأل الشيخ الكبير الذى يلقبونه بالتاريخ،وسيروى لك عن شموخ المصريين،وبطولاتهم،وستعرف منه حقيقة هذا الشعب،وعظمته.إسأله علك تتأكد أنهم شعب لا ينكسر،وإنه لم،ولن يخضع فى يوم من الأيام لغير الله سبحانه،وتعالى.
لا أخفيك سراً عزيزى القاريء أننى تعلمت من الميدان درساً جديداً من دروس عديدة تعلمتها على يديه.فقد تعلمت أن التمسك بالأمل،والعزيمة على تحقيقه ليست مجرد كلمات نطلقها وقتما نحاول أن نقنع أنفسنا بأننا نمتلك هاتين الفضيلتين.لكن عند مواجهة الأمر ما تلبث هذه الكلمات أن تتحول إلى يأس،وقنوط متى واجهتنا الصعاب.
لقد علمنى الميدان أن أتخذ من الصعاب مطية لتحقيق ما أحلم به،وما أصبو إليه.لقد تعلمت مواجهة الصعاب بالإبتسام فالبسمة لها فائدتين عظيمتين.. الأولى:أنها تبُث الثقة بالنفس،والثانية:أنها تفقد العدو لذة فرحة النصر،وهذا هو عنوان القوة الحقيقى.
لقد بدأ الميدان يطلب أبنائه فى شوق،ولهفة من جديد لقد أخذه حنين جارف إلى أبنائه،وها هو يفتح ذراعيه لإحتضانهم. فمن منا سيكون باراً لهذا النداء ؟ من منا سيقبل أن يكن عاقاً لوطنه ؟
إنه سؤال لن يجيب عليه سوى المصريون أنفسهم،وأن كنت على يقين كامل بإجابة هذا السؤال . لقد إستعد الميدان لإستقبال أبنائه الذين طالت غيبتهم عنه . لذا رأيته يتجمل كالعروس التى تتجمل فى ليلة عمرها.
لذا فلا سبيل أمامنا عزيزى القاريء لتحقيق أهداف ثورتنا العظيمة إلا بالإسراع فى حجز مكان لنا داخل الميدان .
وفى طريقى للخروج من الميدان وجدته جالساً بمفرده فسألته : من أنت،وماذا تفعل هنا ؟
قال لى : إننى أنتظر لأسجل. فقلت له : وما الذى ستسجله ؟ قال : دليل جديد على عظمة،وشموخ المصريين. ألم تعرفنى بعد!!! أنا... أنا...التاريخ (إرادة الشعب حتماً ستنتصر)