إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة    موعد الإجازة الرسمية المقبلة في مصر للقطاع العام والخاص (5 أيام بأكتوبر عطلة أسبوعية)    بحضور وزير الزراعة السوري.. «سويلم» يفتتح الاجتماع ال38 للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه    موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 لموظفي الحكومة في مصر    قمة شرم الشيخ للسلام.. شهادة دولية على ريادة مصر وصوتها العاقل في الشرق الأوسط    تصفيات كأس العالم - رأسية فولتماده تمنح ألمانيا الفوز على إيرلندا الشمالية وصدارة المجموعة    من البيت.. رابط استخراج الفيش الجنائي مستعجل من الإنترنت (الأسعار والخطوات)    «شغلوا الكشافات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    ارتفاع جديد في أسعار الذهب اليوم في مصر مع تحركات الأسواق العالمية    ترامب يعلن عزمه لقاء زيلينسكي في البيت الأبيض الجمعة المقبلة    طقس خريفي معتدل يسيطر على أجواء مصر اليوم.. وأجواء مائلة للبرودة ليلًا    النادي المصري يُثمن جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني    عاكف المصري: قمة شرم الشيخ أكدت أن مصر الحارس الأمين للقضية الفلسطينية وخط الدفاع الأخير    رئيس مدغشقر يغادر البلاد دون الكشف عن مكانه    عماد النحاس يكشف عن رأيه في حسين الشحات وعمر الساعي    شادي محمد: حسام غالي خالف مبادئ الأهلي وأصول النادي تمنعني من الحديث    بريطانيا توجه رسالة شكر إلى مصر بعد قمة شرم الشيخ للسلام    سمير عمر: البوصلة لحل الدولتين عربية وإسلامية.. ومن الخطأ اعتبار أمريكا وحدها اللاعب الرئيسي    وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي التوليدي يعيد تشكيل العملية التعليمية    جولة داخل متحف الأقصر.. الأكثر إعجابًا بين متاحف الشرق الأوسط    وفاة شقيق عبد المنعم إبراهيم .. تعرف على موعد ومكان العزاء    أسعار الطماطم والبطاطس والخضار بالأسواق اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    «اختياراته تدل على كدة».. رضا عبدالعال ينتقد حسام حسن: يحلم بتدريب الأهلي    «بين الأخضر وأسود الرافدين».. حسابات التأهل لكأس العالم في مجموعة العراق والسعودية    هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني    ترامب: لا أعلم شيئًا عن «ريفييرا غزة».. ووقف إطلاق النار «سيصمد»    مدير منظمة الصحة العالمية يعلن دخول 8 شاحنات إمدادات طبية إلى غزة    «الإسكان»: 54 ألف حساب لأصحاب «الإيجار القديم» في أول يوم تقديم    «التعليم» توضح موعد بداية ونهاية إجازة نصف العام 2025-2026 لجميع المراحل التعليمية    شاهد سقوط مفاجئ لشجرة ضخمة على سيارة بمنطقة الكيت كات    توفير أكثر من 16 ألف يومية عمل ضمن اتفاقية تحسين مستوى المعيشة بالإسكندرية    «شرم الشيخ» تتصدر مواقع التواصل ب«2 مليار و800 ألف» مشاهدة عبر 18 ألف منشور    «زي النهارده».. وفاة الشاعر والإعلامي واللغوي فاروق شوشة 14 أكتوبر 2016    لا تدع لسانك يسبقك.. حظ برج العقرب اليوم 14 أكتوبر    إسعاد يونس: خايفة من الذكاء الاصطناعي.. والعنصر البشري لا غنى عنه    بعد استبعاد أسماء جلال، هنا الزاهد مفاجأة "شمس الزناتي 2"    أحمد التايب للتليفزيون المصرى: مصر تحشد العالم لدعم القضية الفلسطينية    دولة التلاوة.. تاريخ ينطق بالقرآن    4 طرق لتعزيز قوة العقل والوقاية من الزهايمر    هتشوف فرق كبير.. 6 مشروبات واظب عليها لتقليل الكوليسترول بالدم    التفاح والقرنبيط.. أطعمة فعالة في دعم صحة الكلى    علماء يحذرون: عمر الأب يحدد صحة الجنين وهذا ما يحدث للطفرات الجينية في سن 75 عاما    قرار جديد للشيخ سمير مصطفى وتجديد حبس صفاء الكوربيجي.. ونيجيريا تُخفي علي ونيس للشهر الثاني    مصرع شاب غرقًا في حوض زراعي بقرية القايات في المنيا    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في بني سويف    تخصيص 20 مليون دولار لتأمين الغذاء والمياه والمأوى بغزة    أسعار السمك البلطي والبوري اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة قنا    ضبط 10 آلاف قطعة باتيه بتاريخ صلاحية مزيف داخل مخزن ببني سويف    د.حماد عبدالله يكتب: القدرة على الإحتمال "محددة" !!!    أردوغان لميلوني في قمة شرم الشيخ: تبدين رائعة (فيديو)    قلادة النيل لترامب.. تكريم رئاسي يعكس متانة العلاقات المصرية الأمريكية    محافظ قنا يشهد احتفالية قصور الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر    قرار من النيابة ضد رجل أعمال نصب على راغبي السفر بشركات سياحة وهمية    جامعة بنها: إعفاء الطلاب ذوي الهمم من مصروفات الإقامة بالمدن الجامعية    دار الإفتاء تؤكد جواز إخراج مال الزكاة لأسر الشهداء في غزة    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجال القمة.. ومظاهر القوة
نشر في المصري اليوم يوم 19 - 04 - 2010

رجال القمة غير رجال السفح.. هذا هو المعنى الذى قصده الشابى، شاعر تونس العظيم فى هذا البيت المبدع:
ومن لم يتعلم صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
رجال القمة لا يوجد سقف لطموحاتهم، ولا أفق لآمالهم وأحلامهم.. هم رجال قيم ومبادئ، أصحاب مروءة وشهامة، تلمس فيهم روحا وثابة وفروسية نادرة.. هم عند كلمتهم لا يتزحزحون عنها، ولهم مواقفهم التى تكشف عن مواطن القوة وجوانب العظمة فى شخصياتهم.. لا يهتزون عند الشدائد والمحن، ولا ينحنون أمام العواصف الهوجاء.. يعلمون أن الصعود إلى القمة يحتاج همماً عالية وإرادة صلبة وعزماً فولاذياً، وأن الطريق إليها وعر وصعب وشاق، فضلا عن أنه محفوف بالمخاطر.. لذلك فهو يتطلب استعدادات خاصة، خبرات عملية، معرفة بالدروب، قدرة كبيرة على التحمل، شجاعة الاقتحام، صبر وإصرار ومثابرة، ارتباط بالهدف، استعلاء على جواذب المادة، وهكذا.
فى قراءتى لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كنت أمر على واقعة مشهورة نعرفها جميعا، ولا أتوقف عندها طويلا، وهى واقعة مشاركة النبى صحابته فى إعداد الطعام أثناء إحدى السفريات.. كان على القوم أن يذبحوا شاة.. قال واحد من الصحابة: أنا على ذبحها.. قال ثان: وأنا علىّ سلخها.. قال ثالث: وأنا علىَّ طهيها.. قال النبى: وأنا علىَّ جمع الحطب.. أقول كنت أمر علىَّ هذه القصة، فلا أجد معنى فى ذهنى أكثر من معنى المشاركة، وهو معنى جميل وجليل بلا شك، خاصة من شخصية لها هذا القدر من الجلال والكمال.. إلا أننى لم أدرك المعنى الحقيقى وراء هذا السلوك إلا حينما قمت برحلة بحثية فى عمق صحراء الجبال غرب مدينة سفاجا.. إذ بعد وصولنا إلى المكان الذى سنقيم فيه خيامنا، اكتشفنا أننا نسينا عمود الخيمة، وما أدراك ما عمود الخيمة.. قمنا نبحث بالسيارة عن فرع شجرة يصلح لهذا الغرض..
هل تعرف أخى القارئ كم من الوقت مضى ونحن نبحث عن ضالتنا فى الصحراء؟ حوالى ساعتين.. نستطيع أن ندرك إذن قول النبى صلى الله عليه وسلم: وأنا علىَّ جمع الحطب، إنه اختار أشق الأعمال وأكثرها نصبا وتعباً.. وهكذا القيادة والمسؤولية.. ومن ثم لا تتصور أنك حين تصبح قائدا أو مسؤولا أنك سوف تجلس على كرسى وثير وحولك الأتباع والأعوان، ثم تصدر إليهم أوامرك.. القيادة إذن أمانة ومسؤولية وعبء وتبعة وحقوق ومواقف.
إن العمائر الضخمة والأبراج العالية تتطلب أساسات قوية وأعمدة صلبة، حتى تتمكن من الصمود أمام الرياح العاتية، أما علب الصفيح وأكشاك الخشب فتزول عند هبوب النسيم.. كما أن الأبراج التى بنيت بصدق وإخلاص تثبت وتقاوم، أما تلك التى دخلها غش وتحايل، وخالطها فساد ومال حرام، فسرعان ما تنهار ومعها أحلام، بل حياة ساكنيها.
إن الصعود إلى القمة يستلزم رجالا يفضلون الموت فى عزة وكرامة على الحياة فى ذلة ومهانة.. إن الناس جميعا يموتون وتختلف الأسباب، منهم من عاش قليلا، لكنه صنع تاريخا وأحيا أمة، ومنهم من عاش طويلا، لكنه لم يصنع شيئا لأمته ولا حتى لنفسه.. الصنف الأول تلهج الألسن بذكره على مدار التاريخ، أما الثانى فلا يذكره أحد، لا حاضرا ولا مستقبلا.. لكن المشكلة تكمن فى هذا الحرص الذى أذل أعناق الرجال.. فى كتابه العزيز قال ربنا جل وعلا يصف يهوداً: «ولتجدنهم أحرص الناس على حياة..»، فى مقام التحقير والزراية.
يصنف المبدع جمال حمدان، الذى حلت ذكرى وفاته منذ يومين، الاعتدال فى الشخصية المصرية على أنه «تطرف فى الاعتدال» ويعتبره إفراطا فى السلبية.. ثم يقول: إن ما تحتاجه مصر أساسا إنما هو ثورة نفسية، بمعنى ثورة على نفسها أولا، وعلى نفسيتها ثانيا (تذكر الآية المباشرة: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»). مطلوب، يعنى، تغيير جذرى فى العقلية والمثل وأيديولوجية الحياة قبل أى تغيير حقيقى فى حياتها وكيانها ومصيرها.. فهذا لا يسبق ذلك، ولكنه يترتب عليه. ثورة فى الشخصية المصرية وعلى الشخصية المصرية.. ذلك هو الشرط المسبق لتغيير شخصية مصر وكيان مصر ومستقبل مصر.
فى حديثه عن الحبيب المصطفى، يقول أحمد شوقى فى قصيدته العصماء «نهج البردة»:
وعلمنا بناء المجد حتى
أخذنا إمرة الأرض اغتصابا
وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا
وما نيل المطالب بالتمنى
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
عزيزى القارئ إذا كنت صاحب حق فناضل من أجله، إذ لا يضيع حق وراءه مطالب.. واعلم أن الحق يحتاج إلى قوة لتصل إليه وتحميه وتحافظ عليه.. أول مظاهر القوة أن تكون صادقا مع الله، حتى تكون صادقا مع نفسك وصادقا مع الآخرين.. فذلك يكسبك مهابة واحتراما وقدرة على التأثير فى الآخرين.. ثانى مظاهر القوة الثبات على هذا الحق الذى تعتقده، فلا تتغير أو تتلون، ولا تتنازل أو تتراجع، مهما طالك من أذى أو لحقك من إهانة.. ثالث مظاهر القوة ألا تكون لك رغبة أو حاجة فى منصب أو مال أو جاه أو أى لعاعة من لعاعات الدنيا، حتى لا تباع أو تشترى أو تستأنس أو تروض أو تحتوى، وإياك ونقاط ضعفك، إذ من خلالها يتسلل خصومك، فيضيع الحق الذى تبحث عنه وتناضل من أجله..
رابع مظاهر القوة الاستعداد للتضحية، إذ ليس من السهل أن تصل إلى هدفك دون أن تفقد شيئا فى الطريق.. قد يكلفك طلب الحق مالاً أو وقتاً أو جهداً أو حتى حرية.. ومن الملاحظ أنه إذا كان الحق الذى تنشده عزيزا، كانت التضحية من أجله عظيمة.. فهل نحن على استعداد؟ خامس مظاهر القوة الجماعة، فهذه تعينك وتشد من أزرك وتقف إلى جوارك وتحمل همك وتشاركك مسيرتك.. قديما قالوا الرفيق قبل الطريق، وحبذا لو كان الرفيق من معدنك وجوهرك.. ممن يحملون رؤوسهم على أكفهم، وأكفانهم على أيديهم.
لنفترض جدلا أنك لم تصل إلى الحق الذى تتغياه.. فهل خسرت شيئا؟ أقول: كلا.. يكفى أنك تضرب المثل والنموذج لغيرك، للأجيال التى سوف تأتى من بعدك.. وحينما يرى الناس منك ذلك يقوى فيهم الأمل ويتعاظم لديهم الشعور بالعزة والقوة.. إن الناس فى حاجة إلى مثل عليا يسيرون على هداها وفى ركابها.. ثم إن البشرية إذا خلت من هذه النماذج العليا فلا قيمة لها.. وسوف تكون، فى هذه الحالة، بشرية ضحلة، سطحية، تافهة.. وبقدر ما تكون هذه النماذج موجودة، بقدر ما يعظم أمر التاريخ، وفى النهاية ضع فى حسبانك عزيزى المجاهد أنك تبنى تاريخا، تضىء مشعلا، تعبد طريقا.
قديما قالوا: «ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط»، وأنت تعيش لنفسك وأهلك وأولادك وإخوانك وبنى وطنك.. أنت مشروع أمل، مقترح بطل، فقط اسأل نفسك: هل أنا صاحب رسالة؟ ما هى؟ ما هو دورى؟ ما هى وسائلى وأدواتى؟ هل ذلك داخل إطار قدراتى وإمكاناتى؟ أجب عن هذه الأسئلة بكل صراحة ووضوح، وكن واثقا من نفسك، ثم امض نحو هدفك غير هياب ولا وجل.. لقد أثر فى نفسى موقف الفتيات اللاتى تم ضربهن وسحلهن بسبب مطالبتهن بالحرية وتعديل الدستور يوم السادس من أبريل..
لقد أثبتت الفتيات أنهن أفضل وأعظم من عشرات ومئات، بل آلاف من الرجال، والمسألة ليست مرتبطة بالذكورة أو الأنوثة.. فقد قال الله تعالى: «من المؤمنين رجال.. »، وفى السيرة، جفل حسان بن ثابت، وأقدمت صفية بنت عبد المطلب، أخت العباس وعمة النبى صلى الله عليه وسلم.. إنها الهمم والعزائم، ليس إلا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.