رفض الدكتور جلال أمين تصنيف حماسة جماهير كرة القدم على أنها وطنية، واصفاً ما حدث بأنه "هستيريا". جاء ذلك خلال الندوة الثقافية التي عقدتها مكتبة الشروق في منطقة الكوربة بحي مصر الجديدة، وسط حضور كبير للاستماع إلى رؤية الكاتب والمفكر الكبير جلال أمين حول المتغيرات الأخيرة على الساحة المصرية.
وتحدث أمين عن كرة القدم مشيراً إلى أنها صناعة كبيرة، تستفيد منها جهات كبرى؛ فمنذ الستينيات والأنظمة الديكتاتورية تفهمت أهمية رياضة كرة القدم، إضافة إلى الشركات الصناعية الكبرى، وأصبح هذان الطرفان هما أكبر المستفيدين من اهتمام الجماهير الغفيرة بهذه الرياضة، ويسعى الديكتاتوريون في كل مكان إلى إبداء الاهتمام بمباريات كرة القدم في محاولة لإيهام الشعوب أنهم يفكرون مثلهم ولهم نفس الاهتمامات.
وأشار أمين إلى أن سعي الحكام ذوي الشعبيات المنخفضة بالتقرب أو اقتران صورتهم برموز المجتمع التي تحظى باهتمام الجماهير الغفيرة ظاهرة موجودة في الحقل السياسي منذ زمن، وليست مستحدثة في وقتنا الراهن، مشيراً إلى أن الملك فاروق في نهاية الأربعينيات كانت شعبيته قد انهارت، فنصحه أحد مستشاريه بالذهاب إلى إحدى حفلات السيدة أم كلثوم ومفاجأة الجميع بتكريمها هنالك، وأشار أمين إلى أن محمد أبو تريكة هو البديل الحالي لأم كلثوم في مرتبة اهتمام الجماهير الغفيرة.
وحول مباراة مصر والجزائر الفاصلة، والتي عُقدت في السودان، نبّه أمين إلى أن موعد المباراة كان السابعة والنصف، ولكن وسائل الإعلام شددت على أنها السابعة، حتى يتراصّ المشاهدون أمام التلفاز لمدة نصف ساعة كاملة، يُطالعون وجبة إعلانية دسمة، وحرص أمين على تدوين أسماء الشركات التي ظهرت إعلاناتها في تلك الفترة الذهبية؛ لأن هذه المساحة الإعلانية سوف تكون مكلّفة للمعلن ولا يقدر عليها إلا الشركات الكبيرة، وبالفعل -والحديث للدكتور جلال أمين- كانت الشركات المعلنة في تلك الفترة الذهبية هي مؤسسات وشركات مملوكة للدولة، أو لرجال أعمال إما في السلطة أو مقربين للسلطة، إضافة إلى الشركات الكبرى عابرة القارات، مثل شركات المياه الغازية الأمريكية وسلسلة المطاعم الأمريكية للوجبات الجاهزة.
وحول الاعتداءات الجزائرية الأخيرة على المصريين بالسودان، قال أمين إن أهم ما لفت انتباهه هو جرأة هؤلاء في الاعتداء على مصر بهذا الشكل، مؤكداً أن انحسار الدور المصري أدى إلى تجرؤ الدول علينا، هنالك سكان على جبال باليمن لم يُعلّمهم أحد إلا المصريون، لم يصعد تلك الجبال لكي يعلمهم أمور الدنيا إلا المصريون.
وقصّ أمين على الحاضرين حادثة حدثت له حينما كان في الكويت، حيث حدّثه مسئول كويتي عن أنه في فترة ما قبل ارتفاع سعر النفط، كان لا يوجد درج في الحكومة الكويتية إلا وبه أقلام مهداة من المملكة المصرية، علامة على مدى نبوغ الدور التعليمي والتربوي وحتى السياسي الذي كانت تقوم به مصر في السابق، ولكن اليوم مصر انسحبت من كل هذا، مما جرّأ الأمم علينا، فوصلنا إلى المشهد الذي حدث بالسودان.
وأشار أمين إلى أن النهضة المصرية الجدية لن تحدث إلا إذا ما وجد المصريون الرمز أو الأب الروحي الذي يتجمعون حوله، من أجل الوحدة والتقدم، ويكون حافزاً لهم على النهوض، مشيراً إلى أن الزعامة الروحانية هامة جداً للمرحلة الحالية، ولكنه -والحديث للدكتور جلال أمين- لا يقصد بالروحانية أي الدينية، ولكن ما يشحن الروح للعمل والتقدم، وأكد أمين أن الشعب المصري يخوض بالفعل رحلة البحث عن هذا الرمز.
وحول الظهور الإعلامي الأخير للسيد علاء مبارك نجل رئيس الجمهورية، رفض جلال أمين ما يقال حول ترتيبات معدة مسبقاً لمثل هذا الظهور، أو أن اسم علاء مبارك مطروح لخلافة والده، مشيراً إلى أن علاء مبارك في ظهوره الأخير كان يتحدث مثل أي مواطن تأثر بشكل شخصي جراء ما حدث للمصريين في السودان.
وحول تأثير انفراد الولاياتالمتحدةالأمريكية على مصر، ربط أمين بين الحرب الباردة وبين النهضة المصرية، مشيراً إلى أن نهضة مصر في عصر محمد علي أتت في زمن الصراع بين بريطانيا وفرنسا، وما إن حسمت بريطانيا صراعها مع فرنسا حتى تم القضاء على تجربة محمد علي، وتكرر الموقف حينما حدثت نهضة مصرية ثانية في عصر جمال عبد الناصر بالتزامن مع الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي.
وكرر جلال أمين ما قاله سابقاً في أكثر من ندوة حول حتمية صعود الصين خلال عشرين سنة على الأكثر لمنافسة الولاياتالمتحدةالأمريكية على زعامة العالم، وأبدى أمين مخاوفه من عدم مقدرة العالم العربي على استغلال الصعود الصيني خاصة أن إسرائيل بدأت منذ فترة طويلة في مد علاقاتها واتصالاتها بالقوى الصاعدة في شرق آسيا، سواء الصين أو الهند.
وأكد جلال امين أن الغرب يقف ضد كافة المخططات للتحالف الاقتصادي بين الهند والصين، مؤكداً أن هذا التحالف سوف ينقل زعامة العالم اقتصادياً إلى شرق آسيا بشكل فوري.
وأشار أمين إلى أهمية وجود الصين بجانب أمريكا كقطب ثانٍ؛ إذ للمرة الأولى منذ 500 سنة نرى ثقافة من خارج العالم الغربي تنافس على زعامة العالم، وأشار إلى إعجابه بالتجربة الاقتصادية الصينية على ضوء خطب ومقالات الاقتصادي الصيني لين يي فو الذي يشغل منصب نائب رئيس البنك الدولي، والذي تحدث مراراً عن ضرورة وجود دور للدولة في الاقتصاد وليس مجرد فتح الأسواق للرأسمالية فقط، وأكد أمين أنه لا يمكن للرأسمالية الغربية أن تنجب اقتصادا يفكر بهذا الشكل أو الأسلوب كما تفعل الصين اليوم بحسب سياسية فو.
وتحدث جلال أمين عن ظاهرة عودة الشباب إلى القراءة، بل وتحقيق بعض الروايات مبيعات مرتفعة، مشيراً إلى أن انهيار العملية التعليمية بمصر جعل الشباب يسعى إلى تعليم نفسه بنفسه، فكان الكتاب هو البديل.