قضى أنصار حزب العمال البرازيلي ليلة سعيدة، وذلك فور الإعلان عن فوز مرشحة الحزب ديلما روسيف بانتخابات الرئاسة البرازيلية، ليحتفظ العمال بمنصب الرئاسة. ديلما روسيف، أو روسيف الحمراء كما أطلق عليها الإعلام تبلغ من العمر 62 عاما، يعوّل عليها البرازيليون لإكمال البرنامج السياسي للرئيس لولا دي سيلفا. وكان دي سيلفا قد تسلّم الحكم عام 2003 بعد ثلاث محاولات فاشلة في الانتخابات الرئاسية، وحينما تسلّم حكم البرازيل كانت دولة فقيرة، لديها ديون ثقيلة للمجتمع الدولي، وكان دخْل المواطن البرازيلي لا يكفي لقمة العيش. تلميذة "لولا" وكانت سمعة البرازيل على المستوى الدولي لا تتعدّى جودة البنّ الذي تصدره، أو مهارة لاعبي كرة القدم البرازيليين المنتشرين في كل أنحاء العالم. وحينما تولى دي سيلفا الحكم وشكّل وزارته الأولى، كانت روسيف عضوا بالوزارة، حيث تسلّمت وزارة الطاقة والمناجم، والتي تعني فعليا أن تصبح اللاعب رقم واحد في الملف الاقتصادي. ولم تخيّب روسيف ظنّ رئيسها، وعقب عامين من توليها المنصب أدرك دي سيلفا أن روسيف أكبر من هذا المنصب، فاختارها لتشغل منصب كبير مستشاريه. البرازيل.. معجزة اقتصادية فريدة وهكذا يتضح أن روسيف الحمراء كانت شريكة لولا دي سيلفا في جميع إنجازاته، البرازيل اليوم سدّدت كل ديونها إلى العالم.. البرازيل اليوم ذات تجربة اقتصادية قوية، ومحل دراسة الاقتصاديين في العالم. وأدت سياسات "لولا" المالية المستقرة وبرامجه الاجتماعية، خلال سنواته الثمانية في الحكم إلى انتشال 20 مليون برازيلي أو أكثر من عشرة في المائة من السكان من الفقر. وبدأت الطبقة الوسطى المزدهرة تتهافت على شراء السيارات، وبناء منازل بوتيرة لم تشهدها البرازيل من قبل، مما ساعد على جعلها نقطة مضيئة نادرة في الاقتصاد العالمي، إلى جانب دول ناشئة عملاقة مثل الصين والهند. البرازيل اليوم قوة سياسية على مستوى القارة اللاتينية، وعلى مستوى العالم، ولن ننسى أن البرازيل كانت السبب الرئيسي في إعادة القضايا العربية إلى دائرة اهتمام أمريكا اللاتينية، ولا ننسى الوساطة البرازيلية - التركية الخاصة بتهدئة التوتر بين إيران والغرب. لذا لم يكن غريبا على حزب العمال والنقابات العمالية في البرازيل أن تختار روسيف الحمراء؛ لإكمال مسيرة دي سيلفا؛ فالسيدة روسيف شاركت في صناعة النهضة البرازيلية الحديثة، ويعرفها الشعب البرازيلي عن قرب. من هي روسيف؟ روسيف -التي أصبحت الرئيس البرازيلي السادس والثلاثين منذ الاستقلال- تعتبر المرأة الأولى التي تحكم البرازيل، والثانية في الوقت الراهن داخل القارة اللاتينية بعد الجارة اللدودة الأرجنتين. وروسيف معروفة بسياساتها اليسارية، لذا لقّبت ب"روسيف الحمراء"؛ نظرا لشعار الشيوعية واليسار الأحمر على مرّ التاريخ، وهي ابنة مهاجر بلغاري كان بدوره ناشطا بالحزب الشيوعي البلغاري، وقد نشطت روسيف في الأحزاب اليسارية في الستينيات وألقت الحكومة العسكرية القبض عليها، واعتقلتها ما بين عامي 1970 و 1973 حيث تم تعذيبها بالكهرباء وضربها بوحشية. وربما لم ينتبه الكثيرون إلى أن روسيف الحمراء تنظر إلى الأزمة الداخلية في البرازيل نظرة مختلفة عن باقي زعامات حزب العمال، فهي ترى أن الاستثمار في البنية التحتية -أي أن يقوم القطاع الخاص ببناء البنية التحتية مثل شبكات الكهرباء والماء- هو الحل الأمثل؛ على أن يكون هنالك قواعد قانونية؛ حتى لا يسيطر رجال الأعمال على الدولة، وعلى أن تحمي روسيف بصفتها رئيسة الجمهورية شفافية هذا المشروع؛ حتى لا ينخر الفساد في المشروع وتنهار البرازيل مجددا. الاقتصاد أي حياة أفضل للناس روسيف صرّحت فور انتصارها بأن "المشكلات الكبرى التي ما زالت بلا حلّ هي القضايا الوطنية الكبرى، وأولاها التعليم والصحة العامة والحفاظ على الأمن. ومع أن البرازيل تتقدّم فإنها ما زالت تعاني مشكلات خطيرة"، كما ألهبت حماس مؤيديها بالقول: "أنا اقتصادية وعلّمتني تجربتي الغنية في ميدان الاقتصاد أن الاقتصاد ليس أرقاما فقط، بل عليه أن يرفع من مستوى حياة الناس". والحق أن البرازيل على الرغم من أنها حققت الكثير من المنجزات الاقتصادية الباهرة، فإن الفقر ما زال واسع الانتشار فيها، وهي بحسب التقارير الصادرة عن الأممالمتحدة تعاني تفاوتا اجتماعيا هائلا بين الفقراء والأغنياء، تفاوتٌ يضعها في المرتبة الثالثة، فلا يتقدّم عليها سوى بوليفيا وهايتي. البرازيل تتحوّل إلى دولة نفطية وإلى جانب الاستثمار في البنية التحتية، فإن حلم روسيف الأكبر هو تحويل البرازيل إلى واحدة من أهم الدول المصدّرة للبترول، وهو القطاع الذي لم يستغلّ بعدُ في البرازيل، ومن المؤكد أنه حال نجاحها في هذا الأمر فإن البرازيل سوف تصبح بالفعل النمر الاقتصادي الجديد على مستوى العالم كله. النساء يحكمن العالم ويمكن القول بأنه كل فترة لا بد وأن تظهر زعيمة قوية على مستوى العالم؛ لكي تُثبت قدرة النساء على لعب السياسة وحكم الدول الكبرى؛ إذ بعد خسارة الأوكرانية يوليو تايموشينكو لانتخابات الرئاسة منذ فترة بسيطة؛ تظهر امرأة فولاذية أخرى في البرازيل؛ لكي تكمل مسيرة النساء اللاتي يحكمن أكبر دول العالم.