إذا كنت تريد استمرار سياستك عليك باختيار خليفتك, وإذا كنت تريد العودة من جديد, فاحرص علي أن يكون خليفتك من أشد المقربين إليك . ولكن احذر الحكمة القائلة.. أصدقاء اليوم أعداء الغد فالتاريخ عامر بالأمثلة القريبةفي أول خطاب ألقته بعد فوزها ب56% من أصوات الناخبين لتصبح أول امرأة تحكم البرازيل ثامن اكبر قوة اقتصادية في العالم وعدت ديلما روسيف أمام الآلاف من مؤيديها الذين وقفوا يهتفون بإسمها باستكمال البرنامج الإصلاحي الذي بدأه أباها الروحي الرئيس المنتهية ولايته لولا دي سيلفا. البرنامج استطاع أن يخرج البرازيل في ثماني سنوات من فقر مدقع الي حالة ازدهار انعكست بصورة واضحة علي الطبقات الفقيرة والمعدمة, فلم يكن من الممكن أبدا أن تخذل هذه الطبقة منقذها وتتخلي عمن اختاره ليكون خليفته في الدورة القادمة. والغريب أن اختيار لولا لديلما لتكون خليفته كان له وقع الصدمة علي رجال الحزب ومؤسسيه الكبار بل إن البعض منهم لم يتمالك نفسه عندما طرح اسمها عليهم لأول مرة فتساءلوا باستغراب لايخلوا من نبرة استنكارية: ديلما روسيف! من هي ديلما روسيف؟ لماذا هي بالتحديد؟ ومع ذلك لم تهتز ثقة لولا دي سيلفا بديلما مطالبا منهم أن ينتظروا ليروا.. ألم يكن هوأول من اكتشفها لتكون الرجل الثاني أوبالأحري المرأة الثانية في الحكومة التي يرأسها بل إنها استطاعت خلال فترة عملها معه أن تثبت كفاءة وقوة جعلتها تكتسب لقب المرأة الحديدية كناية عن قوة شخصيتها وقدرتها علي تحقيق المهام المطلوبة منها في المهلة المحددة دون تأخير أوتقصير؟. ديلما التي تبلغ من العمر62 عاما لم تتول من قبل أي منصب عن طريق الإنتخاب بل هي التجربة الأولي لها وان كانت الأصعب علي الإطلاق, فهي لم تكن تتنافس علي مقعد في مجلس الشيوخ أوالنواب إنما مقعد رئيس البلاد خلفا لأكثر الرؤساء الذين عرفتهم البرازيل شعبية, لولا دي سيلفا أنهي فترة ولايته الثانية بشعبية بلغت ال85%, ولولا أن الدستور البرازيلي يحظر الترشح لفترة ولاية ثالثة لكان قد دخل الانتخابات واستطاع أن يحقق فوزا كاسحا من الجولة الأولي, ويكفي للتدليل علي شعبيته أن دعمه اللانهائي لديلما كان السبب الرئيسي وراء فوزها في هذه الانتخابات وإن كانت لم تتمكن من تحقيق الفوز في الجولة الأولي كما كان متوقعا لها, وهوما جعلها تؤكد في خطابها بمناسبة الفوز, إنني سأدق كثيرا علي بابه وأعلم أنه سيظل مفتوحا أمامي فخلافته لا تبدومهمة سهلة ولكنها تشريف بالنسبة لي. فقبل تولي لولا دي سيلفا رئاسة البرازيل وبالتحديد في الفترة من1994 إلي2002 كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة كاردوسويحكم البلاد وفقا لسياسة اقتصادية وضعت حدا لحالة التضخم الرهيبة التي كان الاقتصاد البرازيلي يعاني منها. وعن هذه الفترة يقول أستاذ علم السياسة في جامعة ريودي جيانيرو ماركوس فيجاريديو إننا ندين لهذا الرجل بالاستقرار الاقتصادي إلا أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لم يقدم شيئا للفقراء وبعد عدة أعوام من حكمه لم يعد الاستقرار كافيا وهوما جعل كاردوسو- عند تركه مقعد الرئاسة في2002- شخصية تفتقر للشعبية, وعندما جاء لولا إلي الحكم كان عليه أن يتحمل هذا الإرث الثقيل, وكان عليه أن يستمر في سياسة مالية واقتصادية مخالفة لما كان يؤمن به, إلا أنه في نفس الوقت قرر تطبيق سياسة اجتماعية تهدف إلي مساعدة الفقراء سواء في المدن أوالقري فيما يعرف ببرنامج صفر-الجوع, علي مدي سنوات حكمه الثماني, نجح لولا دي سيلفا في إخراج29 مليون مواطن برازيلي من حالة الفقر واستطاع خفض معدل البطالة وتبني سياسة اقتصادية أخرجت البرازيل من حالة التدهور الاقتصادي التي كان يعاني منها194 مليون نسمة هم سكان البرازيل مما جعلهم يلقبونه أبا الفقراء. أما ديلما روسيف التي حملت لقب المرأة الحديدية لشخصيتها القوية وقدرتها علي إدارة أصعب الملفات خاصة تلك المتعلقة بخطط التنمية والبنية التحتية, فلم تكن يوما بعيدة عن العمل السياسي, بل إن نضالها ضد الديكتاتورية في البرازيل كلفها مرارة التعذيب والسجن وإن كان انضمامها لحزب العمال جاء متأخرا في عام2000, وهوالأمر الذي يأخذه عليها الآباء المؤسسون للحزب.. مشوارها مع اليسار بدأ منذ نعومة أظافرها, فهي ابنة لمحامي شيوعي بلغاري هاجر الي البرازيل عام1930, رجل مثقف كان يصحبها الي الأوبرا ويعلمها قراءة زولا ودوستويفسكي.. بداية الدراسة كانت بإحدي المدارس الدينية لتنتقل بعد ذلك لمدرسة حكومية حيث اكتشفت الأفكار الإشتراكية والثورة الكوبية, ولتصبح عضوة بجماعة ثورية عمالية, وفي عام1967 التحقت ديلما بجامعة دي بلواوريزونتي لدراسة الاقتصاد, وهناك أخذت الاتجاه الراديكالي حيث انضمت الي منظمة للنضال المسلح( كولينا) ولكنها سرعان ما تحولت عنها لتأخذ المنحني السياسي من خلال حركة عمالية سرية الي أن تم إلقاء القبض عليها في1970 وتعذيبها وسجنها لمدة3 سنوات وبعد الإفراج عنها تستقر في بورتواليجري بجنوب البلاد حيث تدرس الاقتصاد, وفي عام2003 اختارها لولا وزيرة للطاقة والمناجم, وفي عام2005 اختارها لتكون كبيرة موظفيه وهومنصب يعادل رئاسة الوزراء في مصر. رغم أنها تعرضت مؤخرا الي انتقادات عنيفة من جانب رجال الكنيسة ومؤيدي منافسها الرئيسي سيره مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي بسبب موقفها من زواج المثليين والإجهاض إلا أنها ظلت حتي اللحظة الأخيرة من حملتها الانتخابية مسيطرة علي أعصابها حتي لا تفقد احترام معارضيها قبل مؤيديها في بلد يحترم العقائد الدينية ولا يقبل التشكيك فيها. وديلما تحمل لقب مطلقة للمرة الثانية وتعيش بمفردها كما أنها رزقت قبل أيام قليلة من دخولها الجولة الثانية بحفيد من ابنتها, نجحت ديلما فيما خططه لها الرئيس لولا دي سيلفا وبقي أن تحدد الايام والسنوات الاربع المقبلة إذا ما كانت ستظل وافية لمن جعلها أول امرأة تحكم البرازيل, أم ستخرج من ظل الاخر ويكون لها بصماتها الخاصة سواء بالإيجاب أم السلب؟