«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عبقرية محمد".. العقاد يأخذنا للتبحر في سيرة خير الخلق
نشر في بص وطل يوم 11 - 07 - 2010

كتاب "عبقرية محمد" للعقاد يُمثّل دفاعاً عقلانياً ومنطقياً لبعض الادّعاءات والافتراءات الغربية المنشأ، التي حاولت وقت ظهور الكتاب تشويه صورة سيد الخلق أجمعين، فتارة تقول بأن "بطولة محمد إنما هي بطولة سيف ودماء"، وأنه "مفرط الجنسية لتزوجه تسع زوجات"..

وغيرها من المزاعم التي حاول العقاد أن ينفيها من خلال المعايشة القريبة من خير خلق الله وقدوتهم الصالحة محمد "صلى الله عليه وسلم" عبر عدسة محايدة لا تعرف الانحياز والمحاباة، تصوّر النبي الكريم العسكري الشجاع والسياسي المحنك والزوج العادل والأب الحنون والعابد الشكور لرب العالمين وغيرها من الصفات التي يتحلّى بها (صلى الله عليه وسلم) ونكاد لا نعرف عنها شيئاً!
يبدأ الكتاب بحكاية أبرهة الحبشي وجيشه الجرار الذي حاول هدم الكعبة الشريفة، ومن ثم ولادة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وقصة يتمه وموت أمه وهو بعد في السادسة من عمره.
*******************************
"عمر بن الخطاب".. ومحاولة قتل الرسول!
"أريد هذا الصابئ الذي فرّق أمر قريش وعاب دينها.. أريد أن أقتل محمداً"! انطلقت تلك الكلمات كالحمم الملتهبة من صدر "عمر بن الخطاب" الثائر على مُعلّم البشرية "محمد" (صلى الله عليه وسلم) وعلى دينه الجديد، الذي انتشر بين أبناء قبيلته انتشار النار في الهشيم و..

ويخرج عاقداً النية على قتل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فيُقابل في طريقه "نعيم بن عبد الله" الذي يخبره بإسلام أخته "فاطمة بنت الخطاب" وزوجها "سعيد بن عمرو" فيستشيط "عمر" غضباً، بعدما تملّكه الشيطان وراح يصبّ في أذنه سيلاً من الأفكار السوداء، حتى يصل إلى بيت أخته وزوجها؛ فيكاد يبطش بزوج أخته، وما أن تحاول "فاطمة" أن تحول بين أخيها وزوجها، يلطمها "عمر" لطمة قوية، تسيل على أثرها الدماء منها فتقول له: "نعم.. لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله.. فاصنع ما بدا لك!".

فيرق قلب "عمر" لرؤية أخته غارقة في دمائها، ويقوم بقراءة الصحيفة التي تحتوي على سطور من سورة "طه" كانت بيد أخته بعد اغتساله و... "ما أحسن هذا الكلام وأكرمه"

نعم.. لقد استجاب الله لدعاء نبيه (صلى الله عليه وسلم): "اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب"، ويذهب "عمر" على الفور إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ ليُعلن إيمانه بالله ورسوله وبما جاء من عند الله.

والسؤال الآن: لماذا ذكر العقاد قصة إسلام "عمر بن الخطاب"؟!
الحقيقة.. أراد "العقاد" أن يُبيّن الحقيقة الغائبة عن البعض الذين يصرّون على تشويه الإسلام بكل صورة من الصور، واعتباره ديناً إرهابياً نشأ وترعرع على الكراهية اللدودة التي لا تُقيم وزناً للحياة البشرية، والذين يخدعونك بقولهم إن السيف هو لغة الإسلام "الأولى والأخيرة"، وإن الدعوة الإسلامية قامت على وعود بلذات النعيم ومتعة الخمر والحور العين!

وبمنطق الحكيم، يُدافع "العقاد" عن الإسلام مستلهماً روح المنطق والعقل قائلاً: "لم تكن حروب النبي (صلى الله عليه وسلم) كلها إلا حروب دفاع وامتناع.. وليست حروب هجوم"!

نعم.. لقد ظل المسلمون يتعرّضون لسيوف مشركي قريش ثلاث سنوات كاملة دون أن يبادلوهم "حرباً بحرب" أو "أذًى بأذى" أو"كيداً بكيد"، مصداقاً لقوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}.. صدق الله العظيم

انظروا ماذا فعل الكفار بخير خلق الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فها هم يسلّطون عليه سفهاءهم فيغمروه ب"روث البهائم" وهو ساجد يُناجي ربه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

هكذا كان رد الرسول (صلى الله عليه وسلم) على مَن يقذفون شخصه الكريم بالحجارة والسباب، والدم يسيل من جسده الشريف!! يا الله.. أهكذا تردّ على السفهاء يا رسول الله بالدعاء لهم!!

ولما يئسوا من إضعاف شوكة هذا الدين الجديد، بعثوا رسالة تهديد ووعيد إلى "عبد المطلب" عم الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) لينقلها إلى ابن أخيه و... "والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني.. والقمر في يساري.. ما تركت هذا الأمر حتى يقضيه الله أو أهلك دونه.."

وعن الاعتقاد الآخر الذي يقول بأن الإسلام استخدم سلاح "الإغراء" بلذات النعيم ومتعة الخمر والحور العين لكي يدخل الناس في غمرة هذا الدين، يتساءل العقاد متعجباً: "أو لو كان محمد (صلى الله عليه وسلم) استخدم سلاح الإغراء في دعوته فعلاً كما يزعم البعض، لماذا لم يستجِب له فسقة المشركين أمثال "أبو لهب" الذين يلهثون وراء المتع الدنيوية بدلاً من محاربة هذا الدين بكل قوتهم؟!".

وأعظم مثال على هذا -والذي ينفي كل الكلام عن التهديد والإغراء- هو دخول "عمر بن الخطاب" في دين الإسلام.

*******************************

تمتع "نابليون" بمنتهى اللا مبالاة.. وقمة الأنانية!!
"نابليون بونابرت" أعظم قائد عسكري عرفه التاريخ.. معلومة ناقصة أيها القارئ!
يحاول "العقاد" أن يرسم لنا بريشته الإبداعية الخاصة الخط الفاصل بين الماضي والحاضر، أو بمعنى آخر يُحاول أن "يخترق" الحواجز التي تفصل بيننا وبينه عن طريق الإقناع والمنطق!

كيف؟!
عن طريق عقد مقارنة بين "الكورسيكي القزم" كأحد أبرع القادة المحدثين وبين الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الناحية العسكرية. (طبعاً من الناحية الخططية والفنية البحتة فقط فلا يوجد مجال للمقارنة بين أحد من الخلق والنبي عليه الصلاة والسلام).

كان "نابليون" يُؤمن بالمثل القائل: "اتغدّى بيه قبل ما يتعشى بيّ"؛ فحروب "نابليون" كانت قصيرة خاطفة، تعتمد كل الاعتماد على القضاء المطبق على "رأس الأفعى" أو ضرب جيش العدو ضربة موجعة "لا يقوم له بعدها قائمة" و...

ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) سبق "الكورسيكي العبقري" في هذا التكنيك العسكري؛ فصحيح أنه لا يبدأ بالعدوان، ولكنه لا يترك فرصة للعدو "يلتقط فيها أنفاسه". عند علمه (صلى الله عليه وسلم) بالعزم على قتاله، أخذ يسارع في مواجهته في ساحات القتال، ولا يبالي مطلقاً لكل "المنافقين المتخاذلين" الذين يتوقعوا هزيمة المسلمين هزيمة نكراء تحت حوافر خيول المشركين!

كما أن "نابليون" يُؤمن إيماناً مطلقاً بالجانب المعنوي في أي حرب من حروبه، ولكنه في حقيقة الأمر لم يكن يهتم بالجنود بقدر ما يهتم بمجده الشخصي؛ فهو الذي قال: "لم يولد الجنود إلا ليموتوا"!
منتهى اللا مبالاة.. وقمة الأنانية!!

أما الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فكان يستخدم سلاحاً أمضى ألف مرة من سلاح نابليون "المزعوم".. سلاح الإيمان!

فنجده (صلى الله عليه وسلم) يَنهي أصحابه عندما يقولون له أنت سيدنا قائلاً: "لست سيداً لأحد.. إنما أنا عبد الله ورسوله"، وهو (صلى الله عليه وسلم) الذي قال: "خل عنه يا عمر.. فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل"!!

إذن إنها حرب نفسية ما في ذلك من شك.. وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) خير من شدد على هذه النقطة في كل معركة بينه وبين المشركين.

وما كان لرجل مثله أن يهاب سهام العدو!
تشكك بعض المستشرقين في شجاعة النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم)؛ فزعموا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) اكتفى في مشاركته للمسلمين في الغزوات المختلفة بتجهيز السهام فقط؛ لأنه عمل أقرب إلى طبيعته (صلى الله عليه وسلم) السمحة وخلقه، عن القتال في ساحات المعارك!!

أو نسى هؤلاء قول أمير المؤمنين "علي بن أبي طالب": "كنا إذا حمى البأس اتقينا برسول الله (صلى الله عليه وسلم).. فما يكون أحد أقرب منه إلى العدو"؟!

أم تناسوا شجاعته الفريدة عندما فرّ معظم أصحابه يوم حنين، فأبى إلا أن يشق طريقه وسط ساحة المعركة بمفرده قائلاً: "أنا النبي لا كذب... أنا ابن عبد المطلب"!

ويقول "عمران بن حصين" في شجاعته (صلى الله عليه وسلم): "ما لقي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كتيبة إلا كان أول من يضرب".

ومع هذه الشجاعة المنقطعة النظير، نراه (صلى الله عليه وسلم) يقف في صلاته خاشعاً عابداً لرب العالمين، يتلو سورة طويلة من القرآن الكريم، فيسمع بكاء طفل رضيع كانت أمه تصلي خلفه (صلى الله عليه وسلم)، فيُضحي ب"قرة عينه" ويُنهي صلاته رحمة بالرضيع الذي يتضرّع إلى أمه!!
أي رحمة هذه جمعتها في قلب رسولك يا رب!!

وهو (صلى الله عليه وسلم) الذي يقف فوق المنبر ليقول لأصحابه: "من كنت جلدت له ظهراً.. فهذا ظهري فليقتد منه.. ومن كنت أخذت من ماله شيئاً.. فهذا مالي فليأخذ منه".

محمد (ص) دبلوماسي من الدرجة الأولى!
ينتقل بنا "العقاد" إلى نقطة أخرى تتجلى فيها عبقرية الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهي: الحنكة والقدرة الدبلوماسية.

فنجده (صلى الله عليه وسلم) يعقد صلحاً مع "قريش" يسمّى "صلح الحديبية"، بعدما سار (صلى الله عليه وسلم) ب1500 من المهاجرين والأنصار لا يحملون سيوفاً لقضاء مناسك العمرة وذلك في شهر ذي القعدة الذي يحرم فيه القتال، ولكن "قريش" منعته وأصحابه من دخول "مكة" على أن يدخلها (صلى الله عليه وسلم) معتمراً العام المقبل و...

ووافق النبي (صلى الله عليه وسلم) على شروط الصلح ومنها: (أن يرد المسلمون من يأتيهم من "قريش" مسلماً دون أذن وليه، في الوقت الذي لا ترد "قريش" من يعود إليها من المسلمين، ومن أراد من العرب مخالفة "محمد" (صلى الله عليه وسلم) فلا لوم عليه، ومن أراد مخالفة "قريش" فلا لوم عليه كذلك)!!!

من هذه الشروط يُقدّم لنا "العقاد" "محمد بن عبد الله" (صلى الله عليه وسلم) السياسي المحنك الذي استطاع أن يخدع المشركين بدهائه الشديد.

كيف؟!!!
من الوهلة الأولى، قد يسارع البعض متسائلاً: لماذا لم يشترط النبي (صلى الله عليه وسلم) على "قريش" أن ترد إليه من يقصدها من أصحابه، مثلما اشترطت "قريش" عليه (صلى الله عليه وسلم) أن يرد من يأتيه منها؟!

السبب واضح جداً؛ فالمسلم الذي يترك النبي (صلى الله عليه وسلم) باختياره ليلحق ب"قريش" لا يستحق أن يكون مسلماً من الأساس..

أما عن هؤلاء الذين يرغبون في الدخول في دين الإسلام من "قريش" وعادوا مكرهين إليها، فيقول "العقاد" إن الصلة بينهم وبين الإسلام لا تنقطع بالقرب أو البعد؛ فإن كانوا ضعاف الدين "فلا خير فيهم"، أما أقوياء الإيمان فسيبقون على دينهم ولا خسارة على المسلمين.

رسالة محمد (ص) التي رق لها قلب النجاشي!!
وينتقل بنا "العقاد" إلى صفة أخرى تتجلّى فيها آيات العبقرية المحمدية.. عبقرية التبليغ.. فها هو (صلى الله عليه وسلم) يبعث رسالة إلى النجاشي "ملك الحبشة" النصراني، يدعوه فيه إلى الدخول في زمرة الدين الحق.. دين الإسلام..

فيقول (صلى الله عليه وسلم) فيها: "سِلم أنت.. فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه".
"وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله".

"وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ونفراً معه من المسلمين، فإذا جاءوك فأقرهم ودع التجبر.. فإني أدعوك وجنودك إلى الله فقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي.. والسلام على من اتبع الهدى".

نعم.. فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يعلم أن النجاشي "نصراني"، مما جعله يشير في خطابه إلى المسيح عليه السلام وأمه، وكيف تتفق صفات الله والمسيح في دين "النجاشي" وفي دين الإسلام.

وكيف لا؟! والرسول (صلى الله عليه وسلم) هو القائل: "الأنبياء أخوة، أمهاتهم شتى ودينهم واحد".

وها هو "جعفر بن أبي طالب" يقرأ على "النجاشي" صدراً من سورة "مريم" و... "إن هذا والله والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة" و...

وبكى "النجاشي" وأساقفته حتى "ابتلت" لحاهم ورفض أن يسلم هذا الوفد المسلم ل"صناديد قريش" بقيادة "عمرو بن العاص"قائلاً: "انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبداً ولا أكاد"!!

*******************************

عض المستشرقين "يفترون" على النبي الكريم
محمد (ص) مفرط الجنسية.. خاب ظنكم أيها المستشرقون!!
يتعجب "العقاد" من بعض المستشرقين الذين "يفترون" على النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) ويطالعوننا من حين لآخر ب"إعجازاتهم النقدية"؛ فمنهم من يُحلل زواج الرسول (صلى الله عليه وسلم) من تسع زوجات على أنه دليل لفرط الميول الجنسية!!

عندئذ، يقدّم لهم "العقاد" تفسيراً منطقياً لادعاءاتهم؛ فيذكر أن لا أحد يصف المسيح عليه السلام بأنه "قاصر الجنسية"؛ لأنه لم يتزوج قط، وكذلك لا نستطيع أن نقول إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) "مفرط الجنسية"؛ لأنه تزوج تسع نساء.

ويجب أن ندرك أن الزواج هو سُنة الحياة، وهو يقوم على التآلف بين الجنسين القائم على الفطرة السليمة.

من هنا، يتضح أنه لا عيب على حب الرجل للمرأة، ولكن العيب كل العيب أن يطغى هذا الحب على الإنسان فيشغله عن غرضه في الحياة.. عبادة الرحمن..

وكيف تغلّب على الرسول (صلى الله عليه وسلم) لذات حسه وقد اعتزل نساءه شهراً أو تسعة وعشرين يوماً؛ لأنهن سألنه الزينة كي يتحلين بها لعينه فرفض (صلى الله عليه وسلم)؟!!
أهذا فعل رجل تتملكه لذة الشهوة والحس؟!!

وماذا عن زواجه (صلى الله عليه وسلم) من خديجة "أم المؤمنين" وهو في الخامسة والعشرين وهي في نحو الأربعين؟!! ولماذا ظلّ على وفائه لها ولم يتزوج غيرها حتى قارب الخمسين من العمر؟! ولماذا فضّلها على "عائشة" رضي الله عنها في صباها وهي أحب نسائه إليه، مما جعل "عائشة" تغار منها حتى في قبرها؟!

دعونا نستمتع برد الرسول (صلى الله عليه وسلم) على عائشة عندما قالت له: "هل كانت إلا عجوزاً بَدّلك الله خيراً منها.." فيقول لها غاضباً: "لا والله ما أبدلني الله خيراً منها.. آمنت بي إذ كفر الناس.. وصدّقتني إذ كذّبني الناس.. وواستني بمالها إذ حرمني الناس.. ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء"!!
نعم... الوفاء هو كلمة السر يا سادة.. ولا عزاء لما يحدث الآن بين الأزواج!!

ويسترسل "العقاد" في تقديم الدلائل المنطقية لزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) بتسع زوجات، فيتساءل: أو لو كانت لذات الحس هي كل ما يبغي النبي من الزواج لماذا لم يتزوج بنات أبكار؟! الحقيقة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يتزوج بكراً غير عائشة رضي الله عنها!

ونجد أن زواجه من "سودة بنت زمعة" كان حماية لها بعد موت زوجها من أن تعود إلى أهلها في الحبشة فتصبأ وتُؤذى!! كما أنه (صلى الله عليه وسلم) قد تزوّج "أم سلمة" وهي كهل مسنة، عندما قال لها بعد وفاة زوجها: "سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك وأن يخلفك خيراً.." فقالت: "ومن يكون خيراً من أبي سلمة؟!!"

وتزوجها النبي (صلى الله عليه وسلم) خير الخلق أجمعين؛ جبراً لخاطر المرأة التي استشهد زوجها في غزوة أحد.

وتعالوا نرى حب ووفاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) للفاروق "عمر بن الخطاب"، ذلك الرجل الذي كان لا يكلّ ولا يملّ من تذكير نفسه: "ما تقول لربك غداً؟"، فبعد موت زوج "حفصة بنت عمر بن الخطاب"، عرضها أبوها على "أبي بكر" فسكت وعلى "عثمان بن عفان" فسكت و... "يتزوج حفصة من هو خير من أبي بكر وعثمان"، ومن خير منك يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟!!

ويا للأسف... نسي هؤلاء المستشرقون أن الرجل الذين يلصقون به عنوة صفة "محب اللذة الحسية" لم يكن يشبع في بعض أيامه من خبز الشعير!! وها هي "عائشة" رضي الله عنها تشفق من حال النبي وهي ماسكة بيدها على بطنه الشريفة التي تتألم من الجوع قائلة: "نفسي لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بقوتك"، فيرد عليها: "يا عائشة! مالي وللدنيا.... إخواني من أولي العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا"..، ونجده يموت (صلى الله عليه وسلم) ودرعه مرهونة ولا ميراث لأهله مما ترك من عقار!

*******************************

"كارليل": من العار علينا أن نستمع للاتهامات الباطلة التي وُجهت إلى الإسلام ومحمد
الغرب يعترف.. قوة "محمد" قوة إيمان عميق!!
يقول "ماركس دودز" في كتابه "محمد وبوذا والمسيح": "لم يقم أحد في العالم مثل ما أقام محمد من إيمان بالوحدانية دائم مكين، على الرغم من صبره على إيذاء قومه عابدي الأصنام، ونفيه وحرمانه وفقد مودة الأصحاب بغير مبالاة.. كل هذا يدل على العمق والقوة في إيمانه برسالته".

ويقول "توماس كارليل" في كتابه "الأبطال": "من العار علينا أن نستمع إلى الاتهامات الباطلة التي وُجهت إلى الإسلام ونبيه محمد؛ فمحمد هو السراج المنير لملايين من البشر.. وهو الرجل العظيم الذي علّمه الله الحكمة والعلم... وكلمته هي صوت صادق صادر من السماوات العلا."

ويقول الباحث الأمريكي "مايكل هارت" في كتابه "المائة: تقويم لأعظم الناس أثراً في التاريخ": "الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) كان دوره أخطر وأعظم في نشر الإسلام وتدعيمه وإرساء قواعد شريعته أكثر مما كان لعيسى عليه السلام في الديانة المسيحية.. ففي القرآن الكريم وجد المسلمون كل ما يحتاجون إليه في دنياهم وآخرتهم.. ولا يوجد كتاب واحد محكم دقيق لتعاليم المسيحية يُشبه القرآن الكريم".

وغيرها من الأقوال لمستشرقين معتدلين يؤمنون بالأثر العظيم الذي تركه "محمد" (صلى الله عليه وسلم) ودينه الإسلام على التاريخ.

ويوضّح لنا "العقاد" سبب اختيار يوم الهجرة بدءاً لتاريخ الإسلام، ولما لم يكن يوما آخر مثل "يوم بدر" ذلك اليوم الذي انتصر فيه المسلمون نصراً ساحقاً، أو "يوم ميلاد النبي" أو يوم "حجة الوداع" على الرغم من أثر هذه الأيام الكبير في حياة المسلمين؟!!
إذن لما "يوم الهجرة" بالذات؟! الإجابة واضحة تماماً؛ لأن العقائد تقاس بالشدائد ولا تقاس بالفوز والنصر.

وها هو (صلى الله عليه وسلم): {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

ونجد أيضاً أن يوم ميلاد النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يكن معجزة الإسلام كما كان ميلاد "عيسى" معجزة المسيحية. لذلك كان ولابد أن يكون يوم "الامتحان الأول" هو أنسب الأيام لابتداء التاريخ في الإسلام و..
ورغم أنف المؤرخين!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.