هل يمكن تخيّل -ولو لثانية- أن يستمتع إنسان يثق أنه لا يحصل على حقوقه بنجاحه أو بحياته أو يتمتع بصحة نفسية وجسدية؟ بالطبع الإجابة ستكون بالنفي؛ فشعور الإنسان بالإحباط وبخيبة الأمل يسرق منه كل ذلك. ونصل للسؤال بالغ الأهمية والذي طرحه صديق للموقع وطلب مساعدته كي لا يحزن وهو لا يحصل على حقه في وسط الأفّاقين، وكيف يبرمج عقله ألا يحزن على أي شيء، ويسعد نفسه بنفسه؟ * بذكاء ومرونة! فلنتأكد أولاً من أننا لا نحصل فعلاً على حقوقنا، وأننا لا نبالغ في هذه الحقوق، وأننا نبذل الجهد الكافي في العمل ونتعامل بذكاء ومرونة مع كل من الزملاء والمسئولين في العمل. فكثيراً ما تؤثّر بالسلب سوء المعاملة على حصولنا على حقوقنا؛ فنحرّض من في قلبه مرض من الزملاء والرؤساء على سرقة حقوقنا وتبريرها لأنفسهم بأننا نستحق ذلك لإساءتنا لهم أو لغيرهم، وبالطبع لا شيء يبرر سرقة الحقوق؛ ولكن من الذكاء ألا نعطي أسلحة لمن يريدون سرقتنا. ولنتذكر المثل الرائع ونسعى لتطبيقه دائماً: "من قِلّة غلطه احتاروا فيه"! * يجب ويُفترض!! وأتمنى التفرقة بين ما نراه واجباً ويُفترض، وبين ما هو واقعي في ضوء الظروف التي نعيشها، وطرد التفكير في ضرورة المثالية في الحياة؛ فلابد أن نسعى لتحسين أنفسنا والاقتراب من دوائر الكمال، مع عدم توقّع رؤية الكمال في الدنيا؛ لأنه يتناقض معها. وهذا لا يعني بالطبع الانحناء أمام القبح ومصادقته؛ ولكني أتمنى رفض الجزع عند رؤية القبح والفساد؛ فالإنسان المفاجأ نصف مهزوم، ولا يوجد مكان في الكون يحصل فيه كل الناس على حقوقهم بالكامل، وبالطبع توجد بلاد أسوأ من غيرها في كمّ الفساد. وهنا أمام مواطنيها الاختيار بين تنفس المرارة ليقعوا فريسة للمرض النفسي والجسدي، وللسخط الذي يُفقدهم دينهم أيضاً أو الهجرة منها دون ندم أو أسف على تركها، أو البقاء وانتزاع أكثر ما يمكنهم من حقوق، والفرح بها ليتمكنوا من زيادتها. * بإمكانك الانضمام!! وعلى من يثق أنه لا يحصل على حقه، ويثق أن الأفّاقين ينعمون بالمميزات؛ ألا يشعر بالقهر، وأن يحتفل دائماً ويستمتع أنه ليس أفّاقاً مثلهم؛ فبإمكانه -بالتأكيد- الانضمام إليهم؛ ولكنه لا يرغب في ذلك؛ فالأفّاقون يدفعون أثماناً باهظة دينية ودنيوية مقابل المتع الزائلة والمسمومة التي يحصلون عليها.
ومن الذكاء عدم الانضمام إليهم، وتنفس الفرح بالاعتزاز الجميل بالنفس، ودعاء الرحمن أن يديم عليه نعمة الخوف الذكي منه تعالى، والحياة الكريمة دون انحناءات. وألا يهدر ثانية من عمره في متابعتهم أو التفكير فيهم، وألا يعطيهم حسنة من حسناتهم بالحديث عنهم، ويعرّض نفسه لعقاب النميمة الديني، وألا يفكّر أنه أفضل؛ فيتسرب العُجب لنفسه ويخسر دينياً ودنيوياً ويرسخ بداخله الشعور بالغضب وبالمرارة أو بأخذ حقه بالتشهير بهم؛ مما يحرمه من الاهتمام بتحسين كل أحواله. * احذر الامتصاص الزائد!! وأتذكر فناناً تشكيلياً تعرّض للسجن ظلماً، وأخبرني أنه كان متماسكاً ومعتزاً بأن أعداءه لفّقوا له الاتهام؛ لأنه رفض مشاركتهم الانحرافات، وفي يوم شعر بالقهر؛ فتعرض لأزمة قلبية عنيفة، وقرر بعد نجاته ألا ينغمس في امتصاص ما يجري؛ ليحافظ على نفسه، وخرج من السجن متمتعاً بصحته النفسية والجسدية ومكتسباً خبرات جعلته أقوى أيضاً. ولا يوجد أحد يمكنه برمجة عقله ألا يحزن أبداً؛ فهذا ضدّ الطبيعة البشرية؛ ولكن علينا توجيه الحزن ليفيدنا ولا يؤذينا، وأن نجعله وقوداً لتحقيق انتصارات في مجالات أخرى في الحياة، وتحسين ظروفنا في المكان الذي يضايقنا حتى نتمكن من وجود مكان أفضل. وألا نسمح للحزن أن يصبح ناراً تلتهم حبنا للحياة ويورثنا اليأس الذي يؤذينا بشدة صحياً ونفسياً ودينياً أيضاً. ويساعد من ضايقونا لأنه يحقّق لهم أضعاف ما كانوا يحلمون به. * نقاط النور!! ولنُسعد أنفسنا؛ علينا بالبحث عن نقاط النور في حياتنا والفرح بها أولاً -وإن قلّت- ثم توسيعها بمثابرة، وطرد أي ذرة مرارة؛ حتى لا تتسع وتسيطر على حياتنا؛ فنكون فريسة سهلة لأية مضايقات. وأحب القول الرائع: "إذا ابتسم المهزوم أفقد المنتصر لذة الفوز"؛ فتماسُك من يتعرض للضيق أو للظلم يُفقد الظالم استمتاعه بالظلم ويربكه أيضاً، ويمنح المهزوم القوة المعنوية، وبدونها ستبني الهزائم بيوتاً في حياته. وعليه تذكّر أي انتصارات سابقة له، وإن كانت بسيطة، لينعش ثقته بنفسه ويتشبث بحسن الظن بالرحمن وبالتفاؤل؛ فهما من أهم أسلحة المنتصرين في كل زمان ومكان. * لا تمنحهم أسلحة!! ولا يكتمل كل ما سبق إلا مع حرمان المعتدي من أية أسلحة إضافية، مثل عدم إتقان العمل، أو التأخر في المواعيد، أو إهمال الحصول على الدورات المعينة، أو الحديث مع زملاء العمل بعنف؛ مما يوغر صدورهم ضدنا، أو عدم احترام الرؤساء، والاحترام يختلف بالطبع عن النفاق؛ فالأول مطلوب والآخر مرفوض وبغيض أيضاً. والاختلاء بأنفسنا عند التعرض لسرقة حقوقنا، لمواجهة النفس بدورنا -إن وجد- وطرد العناد؛ فكلنا بشر ومعرّضون للأخطاء، والأذكياء وحدهم من يرفضون التمادي في الأخطاء. وعلينا الردّ بذكاء ودون ألفاظ جارحة حتى لا نضيّع حقوقنا بالعدوانية ولا بالتوسل؛ فخير الأمور الوسط، وإمهال أنفسنا بعض الوقت لتهدئة النفس، وللحصول على أفضل المعلومات حول أسباب ما يحدث لنا، وكيف نواجهها بحكمة ونتعامل مع الألم بحكمة؛ فإذا دخل شيء غريب في جسدنا؛ فلابد من إخراجه بذكاء وتدرّج؛ حتى لا يؤذينا بشدة ولا يزداد النزيف. * ضحية أم مغامر!! ولنتذكر قول باولو كويهلو في رائعته "ساحر الصحراء" عن بطله الذي واجه الصعاب أثناء تحقيقه أحلامه فقال: كان عليه أن يحدد: هل سيعيش كضحيّة أم كمغامر يبحث عن الكنز. وأدعو الرحمن أن نكون جميعاً مغامرين يقظين نبحث عن الكنوز، وسنجدها بمشيئة الرحمن متى استعنا بالرحمن أولاً وتنفّسنا بعمق؛ فالرحاة طويلة، ولابد من امتلاك أدوات الانتصار وإعادة شحن الحماس وتذكر تنمية قدراتنا دائماً. ولنتأمل جيداً ما حدث مع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل؛ فقد أمضى سنوات طويلة من عمره في جريدة الأهرام وقيل -عن حق- إنه أعاد تأسيسها لتحتلّ مكانة مرموقة في العالم، وإذا به يفاجأ بإقالته من رئاسة تحريرها ومجلس إدارتها في عهد الرئيس السادات رغم أحقّيّته بذلك. * لا تسمح بالذبول!! فلم يستسلم للشعور بالمرارة وقد زاره بالتأكيد وهو يرى حصاد عمره يؤخذ منه عقاباً على استقلاله بالرأي، واعتزّ بنفسه، وراح ينمي مهاراته الفردية، وثابر لتحقيق باقي أحلامه، ونجح في النهاية في احتلال موقع القمة بلا منازع؛ فأصبح حتى مخالفوه في آرائه السياسية لا يخفون إعجابهم بصموده -وكلنا لدينا مهارات والأغلبية تتركها تذبل. ولم يكن ذلك غريباً على هيكل؛ فهو القائل بأنك في بداية مشوار النجاح تأخذ أقل مما تستحق وأقل مما يتناسب مع الجهد، وفي منتصف الطريق تحصل ما يوازي الجهد، وإذا ثابرت وأكملت مشوار النجاح ستأخذ ما يفوق ما تبذله من جهد، وهو ما يعوّضك عن صعوبات البداية. والمؤلم أن الكثيرين يتراجعون مبكراً ويهزمون أنفسهم بالاستسلام ويتجرّعون العذاب؛ بينما المثابرة تمنح المتعة والسعادة!
اقرأ أيضاً.. استمتع بنجاحك (11): ينفع تنجح بدون تنازلات؟