الفرح والحزن والاكتئاب, ثلاثية الحياة والإنسان في كل مكان في طوكيو أو إيتاي البارود يمر بهذه الحالات الوجدانية, الفرح أن تنتشي مسامك والحزن أن تنزل آبار الهموم والاكتئاب يصحبك إلي سراديب المجهول, ومن طبيعة أي حالة وجدانية عدم الدوام, أنت لا تفرح علي طول الخط وإلا كان الفرح لوثه, وأنت لا تحزن طويلا لأن لكل ليل نهارا, وأنت لا تكتئب دائما وإلا كان النكد مقيما في صدرك, ولعلها قاعدة فلسفية أنك لن تتذوق الفرح إلا إذا طاف الحزن بسمائك ولن تشعر بشمس النهار إلا إذا أحلت فيالق الاكتئاب في آخر الليل. الفرح يطرق بابك في الحب الأول والنجاح الأول, وكلاهما انتصار للذات والحزن يطرق بابك عند الغدر أو الفراق, والاكتئاب يطويك حين تقف الوحدة علي باب حياتك, ولا أدري لماذا يبكي المولود حين يجئ للحياة لحظة ميلاده, هل يحتج علي الوجود, أم يستعد لذرف الدموع في رحلة صعبة أم يعلن عن اكتئابه مقدما حيث لا يتوقع نزهة خلوية في ضوء القمر؟ فرح الإنسان السوي أو حزنه أو اكتئابه معلق علي كلمة أحيانا أو موقف من إنسان قريب منا, والأقوياء يعبرون الكلمات والمواقف وربما يتحكمون في قناتهم الدمعية, ولعل العطاء الإنساني وقيمة التطوع الإرادي والطوعي يمنح صاحبه فرحا من نوع خاص ويحميه من أمطار الحزن ويصد عنه رياح الاكتئاب, إن الذي ينتشل طفلا ناجيا من زلزال اليابان المميت والمدمر يشعر بفرحة عارمة وهو يري دموع فرح الأهل, ومازلت استعيد فرحتي واحفظ ملامح الصياد الذي أنقذني من الغرق وأنا صبي في الرابعة عشرة إذ نزلت الترعة الإبراهيمية وأنا لا أعرف فن العوم. ولم ألجأ في حياتي لطبيب نفسي إذا هاجمني الاكتئاب لأني أعلم الحرب عليه أسهل مما اتصور. فقط أبوح بضيقي لمن أأتمنه, فترحل موجة الاكتئاب من غير رجعة, وهنا أتبين أن الاحتفاظ بالضيق معتقلا في الصدور دون افراج يسبب تقطيب الجبين, ونحن قد نفرج من ضيقنا للبعيد قبل القريب, فالمسألة لا تحكمها الجغرافيا, وأغلب المكتئبين هم الفنانون وليس العلماء وهم الرجال أكثر من النساء, واكتئاب الأطفال وارد في لحظات البلوغ أو تعبير شيء مكبوت ضد الوالدين أو حيرة مبكرة في الحياة والصحة النفسية فيما اتصور أن يعقب الحزن فرح ويعقب الفرح موجة اكتئاب, كثيرون منا لا يستمتع بفرحته لأنه يحزن في عز الفرحة, وكأنه يحتمي من فراقها المفاجئ, كثيرون يسيطر عليهم الحس الشعبي,( يافرحة ما تمت) وهم يخشون من قدوم الفرح وإقامته لو طالت, ولكن هذا مرتبط بالعالم الثالث فقط, حيث يدخل الحزن في نسيج الروح, وفي المجتمعات الراقية يثاب أو يعاقب الإنسان فلا يحزن أو يكتئب من عدم التقدير والإنسان في العالم الثالث يحتاج إلي أذن تسمعه وعين علي جهده في الحياة. الفرح والحزن والاكتئاب ضرورة في منظومة الحياة, بل إن هذه الثلاثية الوجدانية تقوم بتشحيم الذات في خيمة اكسجين معتمة طوال الوقت وإلا فتكت به الأمراض إذا خرج من خيمته, لذلك يحقنونا بمصل المرض لنحتمي به منه, وفي بعض قري الهند لا تؤثر لدغة الثعبان في الصبية الذين لدغتهم الثعابين, ولاعب الكرة الشهير بتراجينيو أجري11 عملية في ركبته وهو ساحر الملاعب, والشاعر العربي يقول( وداوني بالتي كانت هي الداء). نحن نخضع لسيناريوهات سماوية تحدد لنا قسط الفرح أو الحرن أو الاكتئاب الذي نستحق وحين نقبل هذا التعاقد الافتراضي مع الأقدار, نرضي بالواقع, ونعيش الفرح بلا لوثة أو الحزن بلا سواد أو الاكتئاب دون السقوط في دواماته المخيفة. هل الصلاة تكافح الغم؟ نعم هل الضحك ينسف الهموم؟ نعم, هل فعل الخير يذهب بالحزن؟ نعم, هل الصداقة الحقيقية تزيل رائحة عرق الاكتئاب؟ نعم, هل الدموع تريح القلب المكلوم؟ نعم, هل العقل لا يشفي صاحبه أحيانا؟ نعم, هل الاكتئاب يمرض الجسد؟ نعم, هل الأمل يشفي الروح؟ نعم, هل ضوء النهار كاشف؟ نعم, هل الاقامة الطويلة في الحزن فعل إرادي؟ نعم, هل ذكاء الفرد مولد؟ نعم, هل الصدق عطر الفرح؟ نعم, هل الأحزان أحيانا عربون للفرح؟ نعم, هل الاسراف في التوقعات اكتئاب مبطن؟ تعم, هل الصحة فرح؟ نعم, هل اعتلال الثقة بالنفس حزن دائم؟ نعم, هل امرأة مخلصة فرح؟ نعم, هل إنسان كل العصور حزن؟ نعم, هل نيل مصر الخالد شاهد علي اكتئابنا وأحزاننا وأفراحنا؟ نعم. المزيد من مقالات مفيد فوزى