إذا كنت من المهتمين بالشأن الإيراني وتابعت المؤتمر الذي عقده الرئيس أوباما والذي عُرِف ب"قمة واشنطن النووية"، والذي جمع فيه 49 دولة بينها الدول الست الكبرى في حشد واضح لقادة العالَم ضد إيران، لدرجة أن الصين -الدولة التي وقفت بجوار إيران إلى وقت قريب والتي ترفض وبشدة توقيع عقوبات دولية عليها- حضرت مؤتمر (أوباما - واشنطن)؛ لكي تؤكد أنها تقف الآن بجانب القوة العظمى في مواجهة الخطر النووي الإيراني. هذه المعلومات التي قرأتها للتو ليست بالجديدة، بل إن الجديد هو تنظيم إيران لمؤتمر نزع الأسلحة النووية في طهران تحت شعار "الطاقة النووية للجميع.. والسلاح النووي ليس لأحد"، والذي جاء رداً واضحاً على مؤتمر واشنطن، رغم تأكيد مصدر إيراني مطّلع أن فكرة مؤتمر طهران كانت موجودة منذ فترة طويلة، ولكن النتيجة الآن هي أن مؤتمر طهران لنزع السلاح النووي سيكون عملياً بمثابة رد فعلي على المؤتمر الأمريكي، في إشارة إلى قمة الأمن النووي التي عُقدت في واشنطن الأسبوع الماضي. وجاء مؤتمر طهران بنفس الطريقة التي اتبعها الرئيس الأمريكي أوباما في مؤتمر واشنطن، فكان مناسَبة لجمع أنصار الجمهورية الإسلامية (حزب الله من لبنان وسوريا والعراق)، بالإضافة إلى ممثلي أكثر من 60 دولة (35 دولة على المستوى الرسمي)؛ ليؤكدوا أن إيران عانت من استخدام الأسلحة الكيماوية ضدها في ثمانينيات القرن الماضي، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ولهذا يُدرك الشعب الإيراني الخطر الحقيقي من وراء إنتاج أسلحة الدمار الشامل، وإذا كانت إيران لديها أسلحة نووية فهذا حقها في الاستفادة من الطاقة النووية للأغراض السلمية.
المؤتمر كان مناسبة لكي يعيد نجاد إنتقاده للولايات المتحدة نجاد بعد رسالته لأوباما ينتقد واشنطن في افتتاحية المؤتمر في تطبيق نموذجي لشخصية السياسي "الخبيث" ظهر نجاد في افتتاحية مؤتمر طهران يوم السبت يكيل الاتهامات إلى الولاياتالمتحدة، وهو الذي سبق وأعلن أنه أرسل رسالة سلام إلى أوباما -لم يفصح عن مضمونها حتى الآن- وكأنه يقول للجميع إن رسالته لأوباما حتى لو كانت رسالة سلام ليس لها علاقة إطلاقاً في رأيه في الولاياتالمتحدة التي انتقدها بداية من اتهامها بتهديد الدول التي تحاول الاستفادة من الطاقة النووية، على الرغم من أنها حققت استفادة كبيرة من هذه الطاقة، قائلاً: "إن الولاياتالمتحدة بها نحو 10 آلاف رأس نووي، أي ما يُساوي نصف عدد الرؤوس النووية الموجودة في العالم تقريباً". وصولاً إلى استنكاره ل"التعاطي المزدوج" للولايات المتحدة، في شأن الاستخدام النووي، والحرب النفسية التي تشنّها مع دول غربية أخرى ضد طهران، قائلاً: "إن السبب في ازدياد حجم الترسانة النووية والكيماوية والبيولوجية في العالم يرجع إلى سياسات حكومات مهيمنة، ولها أطماع توسعية في العالم"، معرباً في الوقت نفسه عن أسفه لما اعتبره "تهديداً لوحت به واشنطن في استخدامها السلاح النووي ضد إيران"، في إشارة إلى أن مثل هذا التهديد يُشجّع جميع الدول على إنتاج السلاح النووي. وقال: "ألا يعتبر التهديد النووي ضد الدول التي لا تملك هذا السلاح دافعاً لحيازته؟".
خامنئي: أمريكا هي المجرم الوحيد في العالم خامنئي يُجدد تحريمه لاستخدام أسلحة الدمار الشامل في افتتاح المؤتمر رغم أن بطل الحادث كان الرئيس أحمدي نجاد نفسه، فإن المجال كان متسعاً لقائد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي في كلمة الافتتاح لمؤتمر طهران، ألقاها نيابة عنه مستشاره للشئون الدولية علي أكبر ولايتي، حرّم فيها استخدام أسلحة الدمار الشامل، ودعا الجميع إلى تحمّل مسئولية بذل الجهود لصون المجتمع البشري من مخاطر هذه الأسلحة، معرباً عن ارتياحه لاستضافة بلاده للمؤتمر، وأمله في أن يخرج بنتائج قيّمة وفعّالة. وبالطبع كانت الكلمة منتقدة الولاياتالمتحدة وإسرائيل معاً، حيث قال فيها: "إنه من المثير للسخرية أن يتبنّى المجرم الوحيد الذي استخدم الأسلحة النووية -في إشارة إلى ضرب أمريكا لليابان بالقنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية- في الدعوة لمكافحة انتشار هذه الأسلحة". مشيراً إلى أن الولاياتالمتحدة لم تقُم بأي خطوة في هذا المجال. وأضاف: "إذا لم يكن ادّعاء أمريكا بمكافحة الأسلحة النووية كاذباً، فهل كان في وسع الكيان الصهيوني (إسرائيل) أن يُحوّل أراضي فلسطينالمحتلة إلى ترسانات مليئة بالأسلحة نووية؟". منتقداً في الوقت نفسه امتناع إسرائيل عن الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي أو قبول القرارات الدولية بهذا الخصوص. نتيجة المؤتمر: مزيد من الانتقادات لأمريكا وإسرائيل.. واقتراحات وتحذير على مدار يومين كان المؤتمر وكأنه نسخة أخرى من مؤتمر واشنطن، ولكن هذه المرة باقتراحات وانتقادات لإسرائيل والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتحذير من طهرانلواشنطن. فنجاد بالإضافة إلى انتقاداته السابق ذكرها كان له العديد من الاقتراحات -لا أعرف لمن- أهمها: تعليق عضوية الدول التي تمتلك أسلحة نووية والدول التي تهدد باستخدامها، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإنشاء هيئة دولية مستقلة تتمتع بكافة الصلاحيات للتخطيط والإشراف على نزع الأسلحة النووية، ومراجعة معاهدة حظر الانتشار النووية تحت إشراف الأممالمتحدة. على الرغم مِن أن نجاد نفسه عاد وانتقد ¬أداء الأممالمتحدة ومجلس الأمن في قضية استتباب الأمن فيما يخصّ العلاقات الدولية، قائلاً: "إن مجلس الأمن لم يتمكّن من بسط الشعور بالأمن على مستوى العلاقات الدولية خلال العقود الست الماضية، بينما أصبحت الظروف في الوقت الحالي أکثر سوءاً؛ بسبب غياب الأمن الدولي وانتشار الحروب والاحتلال لأراضي الغير، إضافة إلى السباق نحو مزيد من التسلّح وتخزين الأسلحة النووية"، معتبراً أداء الوكالة الدولية للطاقة الذرية "فاشلاً"، وقال إن الوكالة أصبحت أداة في يد الدول التي تمتلك السلاح النووي، بدلاً من قيامها بمحاسبة الدول (النووية). ومثلما كانت إسرائيل حاضرة في قمة واشنطن، ولكن أوباما كان يُجاوب بالصمت على الأسئلة المتعلّقة بنشاطها النووي، مكتفياً بالتمنّي أن تنضمّ إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، كانت أيضاً حاضرة في قمة طهران، فجدد نجاد رأيه فيها، قائلاً: "إسرائيل سلكت الطريق المؤدي إلى سقوطها"، في دعوة إلى "تخلّي الدول الغربية عن نزعتها العسكرية، والكف عن دعم هذا النظام القاتل (إسرائيل) الذي يقف وراء التوتر في المنطقة". أما التحذير فجاء على لسان وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي؛ حيث صرّح قائلاً: "إن الذين يُفكّرون في ضرب إيران يلعبون بالنار. إنهم يُدركون عواقب أفعال كهذه"، وتابع: "لا نعتقد أن هجوماً (سيقع).. لا نعتقد أنهم يملكون القدرة الميدانية لذلك".
هل تقرير جيتس للبيت الأبيض جرس إنذار.. أم اعتراف بالمأزق؟ ومع كل هذا تُعلن الولاياتالمتحدة عن مذكرة أرسلها وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس إلى البيت الأبيض في مطلع يناير الماضي، حول البرنامج النووي الإيراني أكد فيها -حسب "نيويورك تايمز"- أن الولاياتالمتحدة لا تملك استراتيجية فعّالة على المدى الطويل لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، وهذا ما نفاه بعد ذلك بساعات، قائلاً: "يجب ألا يكون هناك أي شك من قِبَل حلفائنا وخصومنا على حد سواء بأن الولاياتالمتحدة تركّز فعلاً على هذه المسألة، وهي مستعدة للعمل من خلال قنوات عدة لدعم مصالحنا". في نفس الوقت الذي ينفي فيه أيضاً أن رسالته التي جاءت في ثلاث صفحات كان الغرض منها "التحذير" لتحديد التخطيط الدفاعي في وقت كانت فيه إدارة أوباما تبحث البدء في ممارسة ضغوط إضافية على إيران حول نشاطاتها النووية المشتبه بها. وأضاف أن المذكرة طرحت مجموعة من الأسئلة والمقترحات للمساهمة في اتخاذ القرار بشكل منظّم وفي الوقت المناسب. وكان هذا دافعاً لعدد من الباحثين والمهتمين بالشأن الإيراني في أمريكا إلى التساؤل.. هل هذا التقرير الذي قدّمه "جيتس" جرس إنذار.. أم اعتراف بالمأزق؟!! والواضح أنه يحمل الاثنَيْن؛ جرس إنذار، واعتراف بالمأزق معاً ولكن للطرفين الولاياتالمتحدةوإيران، حيث عقد كل منهما مؤتمراً للطاقة النووية يجمع أنصاره ومؤيديه ضد الآخر، بل ينتقده ويحذّر منه، وكل منهما خرج باقتراحات وتوصيات بل وقرارات حتى لو لم تعلن، ولكن الحاضرين على علم بها؛ حيث إن كلاً منهما يدقّ "جرس إنذار" و"يعترف بالمأزق" في مواجهة الآخر.. إيران تعرف قوة الولاياتالمتحدة، وقدرتها على فرض عقوبات قاسية ضدها بمساندة الدول الكبرى التي أصبحت جميعاً في صفها الآن، ولكن مشكلاتها في اختيار الوقت المناسب لذلك، كما أن في استطاعتها -أي أمريكا- أن تشنّ حرباً على إيران مثلما حدث في العراق. أما الولاياتالمتحدة فتُدرك تهديدات القادة الإيرانيين، وإن كانت مبالَغاً فيها أحياناً، إلا أنها لا تنبع من فراغ، وأن إيران قوة نووية حقيقية تهدد إسرائيل الابنة المدللة لأمريكا، فلا تستطيع أن تواجهها عسكرياً أو حتى تتخذ القرار دون الاطمئنان على أنها ستخرج منتصرة، وهذا مستحيل وفق الظروف الحالية، وفي نفس الوقت لن يمكنها تجاهل خوف إسرائيل من إيران ومطالبتها باتخاذ موقف حاسم على اعتبار أنها القوة العظمى في العالم.. وهنا المأزق. أما جرس الإنذار فقد علّقه كل من أوباما ونجاد في رقبة كل من ذهب لمؤتمر واشنطنوطهران على التوالي حتى يذهب كل إلى بلده، وهو يحمل القلق على مستقبل العالم من صراع الولاياتالمتحدةوطهران.