لي ابن وحيد على بنتين، هو ترتيبه الأوسط، سنّه 16سنة، إلى هذا الوقت يتبول على نفسه أثناء النوم، كل يوم صباحا أراه غارقا في هدومه. وكمان مش كده وبس، كل ما يشوف فلوس أمه أو أخته يسرق منها، لدرجة إنه سرق 2000 جنيه، وعندما اكتشفت أمه هذا بالصدفة وحكت لي أنا ضربته وكتفته وعملت معه ما لا يعمل، ووعدني أنه لن يفعل ذلك تاني، إلا أننا اكتشفنا أنه لم يذهب إلى المدرسة، وكل يوم يقعد في النت بالخمس ساعات. أرجو ممن عنده الإفادة أن يفيدني، مع العلم أنني لا أعامله أقل من أخواته، أحلى أكل وأحلى لبس ومصروف ومحمول، وأجالسه وأصلي معه وأتحدث معه كما لو كان صديقي.
أهلا وسهلا بك أخي الكريم، وأرجو منك أن تتفهم ما سأحدثك عنه بهدوء حتى تتمكن من علاج الأمر بشكل صحي وسليم. إن اضطراب الشخصية له أنواع متعددة منها على سبيل المثال: اضطراب الشخصية الحدية، واضطراب الشخصية التجنبية، واضطراب الشخصية السيكوباتية.. إلخ، وما سأقف عنده هو "اضطراب الشخصية السيكوباتية" لأن هذا هو محل شكي لدى ولدك، ويتميز هذا الاضطراب بأنه الأكثر أهمية، لأن فيه مساحة تعامل مع الآخر بشكل أكبر من غيره من الاضطرابات قد تصل إلى المجتمع كله، ولأن ما تحدثت عنه من تصرفات ولدك أراه أقرب ما يكون إلى اضطراب الشخصية، وتحديدا قريب من اضطراب الشخصية السيكوباتية. ولكن قبل التعامل مع هذا التشخيص كتشخيص صحيح ونهائي لا بد من تواصل ابنك مع متخصص نفسي ماهر، وعليك أن تتذكر أنه يبدأ بسمات فقط وليس اضطرابا، فلعل ولدك لا يحمل سوى السمات فقط وهذا جيد في مشوار العلاج، وأن ولدك كذلك ما زال في السادسة عشرة من عمره تقريبا، فيمكن مساعدته بشكل أسهل، وأنه يمكن بتحسين العلاقة معه الوصول إلى وضع أفضل على يد الطبيب النفسي. وسأسرد عليك سمات اضطراب الشخصية المستهينة بالمجتمع (السيكوباتية): تتميز الشخصية بانتهاك واستهتار بممتلكات الآخرين وحقوقهم يبدأ من سن 15 سنة، لاحظ أنه يسرق أموال غيره. عدم توافق المعايير الاجتماعية يظهر من خلال سلوك متكرر يعرّضه لطائلة القانون، لاحظ أنه يكرر السلوك الخطأ من سرقة وهروب وغيره، وقد يظهر في الكبر بمرور الوقت أكثر من ذلك. سلوك خداعي أو كذب متكرر أو سلوك يضر بالآخرين بهدف متعته الشخصية أو مصالحه الشخصية، إن السيكوباتي يعبد ملذاته. عدوانية وسهولة الاستثارة تظهر في خلال الاشتراك المتكرر في المشاجرات. عدم الإحساس بتأنيب الضمير الذي يظهر من خلال الفتور أو التبرير لسلوكه المؤذي للآخرين. ولقد وجدنا في الحياة العملية أن الشخص السيكوباتي شخص ماهر جدا، ومراوغ، وقد يتسم بجاذبية في الحديث ومعسول الكلام، وقد يأخذ كلامه الطابع الخلقي، وهو شخص اجتماعي، ولكن يكشفه الكذب، ووجدناه يكون رهنا لملذاته الشخصية حيث تختلف الملذات من سيكوباتي لآخر، فقد تكون في المال، أو الجنس، أو السلطة، أو المكانة الاجتماعية.. إلخ. وهو يفعل أي شيء بلا أدنى شعور بالذنب، ودون وقوف أمام أي حدود، كحدود المجتمع في تعامله مع الخطأ والصواب، والمقبول وغير المقبول، أو حدود الشرع في الحلال والحرام، أو حدود القانون فيما هو مسموح وغير مسموح، وحديثي هذا ينطبق على أقصى درجات السيكوباتية، والتي ستحتاج إلى جهد في الأساس من المتخصص ليؤكده أو ينفيه، لأن هناك عدة اشتباكات في تلك المساحة. حيث يوجد اضطراب اسمه اضطراب التصرف، قد يقف عند حد معيّن فلا يتطور لاضطراب السيكوباتية إلا بشواهد معينة، وقد يكون لديه معاناة نفسية أخرى والتي تشير قصة تبوله اللا إرادي إليه، وقد يحتاج فقط لتعزيز خطة الثواب والعقاب مع الثبات الشديد عليها، مع تحسين طريقة التعامل معه في نفس الوقت. وقد يحتاج إلى وجود قدوة ورمز ذكوري في حياته يتسم بالعطف والاحترام له، ونصحه بنضوج واحتوائه من رجل غيرك، أو تتدرب أنت على ذلك، ونظرا لأن الاحتمالات كثيرة فأول وأهم ما يمكن فعله كخطوة أولى هو أن تحسن من علاقتك به على أخطائه حتى تتمكن من إقناعه بالذهاب لمستشار للحديث معه، لأنه مثلا غير سعيد، أو لأن دراسته متأثرة، أو يكرهها، ولا تتحدث أبدا عن اضطرابه، أو ما يشابه هذا. فلتبحث بقلب الأب الذي يمد يده لولده ليحافظ عليه لا ليصفعه أو يؤذيه، لأن السيكوباتي في الأساس شخص تأكد أن المشاعر ليس لها مكان في هذا العالم، وأن تحقيق الذات لا يأتي إلا بالمراوغة وأخذ ما يريد، حتى لو كسر كل قيود الشرع والإنسانية والقانون. ويحدث هذا الاضطراب في الغالب لأن الطفل منذ الصغر كان يتم مكافأته على سلوكيات خاطئة يفعلها، كنوبات الغضب أو الاعتداء على الآخرين، أو بسبب القهر والسلطة التي كانت تجعله طفلا طائعا دائما، أو نوع الأب والأم، كأن يكونا أصلا شخصيتين متسلطتين أو مستبدتين، أو متسيبتين، أو التشبه بشخصيات صاحبة نفس الاضطراب من المقربين منه، أو من يتخذهم قدوة كممثل، أو لاعب كرة.. إلخ. وكذلك قد يكون السبب هو الاستعداد الوراثي، والاستعداد الوراثي يعني أن الطفل لديه القابلية لهذا الانحراف، ولكن حين تتوفر من حوله البيئة المساعدة لازدهار وتفعيل هذا الاضطراب يظهر. إذن جزء كبير مما هو عليه يعود لخطأ في التربية، فلا يجوز أن نُحمّله كل التهم، فلتعينه وتساعده حتى يكون لك شرف الأبوة في الحفاظ عليه من السوء، وفقك الله.