محافظ كفر الشيخ يستقبل مفتي الجمهورية لبحث عدد من الملفات ودعم البرامج الدعوية    المتحف المصري يستقبل منتخبي البرازيل والأرجنتين للكرة الطائرة الشاطئية    سعر الريال السعودي في ختام تعاملات اليوم 19 يوليو 2025    للعاملين بالدولة.. الموعد الرسمي لصرف مرتبات يوليو 2025 بالزيادات    أسعار العملات العربية في ختام تعاملات اليوم 19 يوليو 2025    بريطانيا: نشعر بالصدمة من أعمال العنف فى جنوب سوريا    العلاقات «المصرية - السعودية».. شراكة استراتيجية وركيزة استقرار للشرق الأوسط    مودرن سبورت يعلن التعاقد مع محمد يسري مدافع المنصورة    الأهلي يعتذر للحزم: ديانج ليس للبيع    رابطة الأندية تحدد موعد قرعة الدوري المصري.. رسميا    انتشال جثتين أسفل أنقاض عقار الساحل.. وإخلاء 11 منزلًا    انخفاض واضطراب وأتربة.. درجات الحرارة المتوقعة غدا الأحد على كافة الأنحاء    أمير كرارة: نفسي الجمهور يفضل يشوفني في كل حاجة ويحبني دايمًا| خاص    جنات تنضم لنجوم الصيف وتكشف موعد طرح ألبوم «ألوم على مين»    في حر الصيف.. احذر حساسية العين والنزلات المعوية    تعويض إضافى 50% لعملاء الإنترنت الثابت.. وخصم 30% من الفاتورة الشهرية    حصاد الأسبوع    35% زيادة فى أسعار برامج رحلات العمرة لهذا العام    حسن سلامة: العلاقة بين مصر والسعودية أقوى من محاولات الفتنة والتاريخ يشهد    احتجاجات غاضبة بالسويد ضد جرائم إسرائيل في غزة    جهاز المحاسبة الألماني يحذر من عجز محتمل في صندوق المناخ والتحول التابع للحكومة    «أمن قنا» يكشف ملابسات العثور على «رضيع» في مقابر أبوتشت    فيلم مصري يقفز بايراداته إلى 137.6 مليون جنيه.. من أبطاله ؟    تنويه عاجل من «التنظيم والإدارة» بشأن مستندات المتقدمين لوظائف هيئة البريد    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدمت 5.47 مليون خدمة طبية مجانية خلال 4 أيام    فستان جريء ومكشوف.. 5 صور ل نادين نجيم من حفل زفاف ابن ايلي صعب    ليالي المسرح الحر تختتم الدورة ال20 وتعلن نتائج المسابقات    براتب 900 يورو.. آخر فرصة للتقديم على فرص عمل في البوسنة ومقدونيا    قوات العشائر تسيطر على بلدة شهبا بريف السويداء    دون إبداء أسباب.. روسيا تعلن إرجاء منتدى الجيش 2025 إلى موعد لاحق    تقارير.. راشفورد قريب من الانضمام إلى برشلونة    الأهلي يعلن استقالة أمير توفيق من منصبه في شركة الكرة    وفد الناتو يشيد بجهود مصر في دعم السلم والأمن الأفريقي    رئيس جامعة قناة السويس يوجه بسرعة الانتهاء من إعلان نتائج الامتحانات    روسيا: مجموعة بريكس تتجه نحو التعامل بالعملات الوطنية بدلاً من الدولار    صدقي صخر صاحب شركة إعلانات في مسلسل كتالوج    هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها الفقير؟.. محمد علي يوضح    دعاء أواخر شهر محرم.. اغتنم الفرصة وردده الآن    بلغة الإشارة.. الجامع الأزهر يوضح أسباب الهجرة النبوية    يومًا من البحث والألم.. لغز اختفاء جثمان غريق الدقهلية يحيّر الجميع    ضبط 20 سائقًا يتعاطون المخدرات في حملة مفاجئة بأسوان (صور)    وزير الصحة يوجه بتعزيز الخدمات الطبية بمستشفى جوستاف روسي    محافظ كفرالشيخ ورئيس جامعة الأزهر يتفقدان القافلة الطبية التنموية الشاملة بقرية سنهور المدينة بدسوق    ليلى علوي نجم الدورة 41 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    داعية إسلامي يوضح أسرار الصلاة المشيشية    وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يتابع مستجدات الموقف التنفيذي لأعمال توفير التغذية الكهربائية لمشروعات الدلتا الجديدة    "بائعة طيور تستغيث والداخلية تستجيب".. ماذا حدث في المعادي؟    ضبط طن من زيت الطعام المستعمل داخل مصنع مخالف لإعادة تدوير زيوت الطعام ببنى سويف    إعادة الحركة المرورية بالطريق الزراعي بعد تصادم دون إصابات بالقليوبية    خبر في الجول - جلسة بين جون إدوارد ومسؤولي زد لحسم انتقال محمد إسماعيل للزمالك    هل خصم فيفا 9 نقاط من الإسماعيلي؟.. النادي يرد ببيان رسمي    برنامج تدريبي لتأهيل طلاب الثانوية لاختبار قدرات التربية الموسيقية بجامعة السويس    توقيع اتفاقيات تعاون بين 12 جامعة مصرية ولويفيل الأمريكية    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    أسعار اللحوم اليوم السبت 19-7-2025 بأسواق محافظة مطروح    خالد جلال: معالي يشبه الغندور وحفني.. وسيصنع الفارق مع الزمالك    سوريا وإسرائيل تتفقان على إنهاء الصراع برعاية أمريكية    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرشيد بوشعير يقرأ صوفية المسعدي وسيرة منيف
نشر في صوت البلد يوم 20 - 07 - 2017

يحمل هذا الكتاب للناقد د. الرشيد بوشعير باقة من بحوث له كانت ثمرة مشاركاته في ندوات ومؤتمرات عقدت في أزمنة مختلفة، بعضها كان في تونس، وبعضها كان في القاهرة، وبعضها الآخر كان في الجزائر أو في الإمارات العربية المتحدة، وهي تعالج قضايا أدبية ونقدية معاصرة تعكس جانباً من جوانب اهتماماتي الفكرية والنقدية والسردية والمسرحية خاصة.
وقد علل اختياره ْللبحث الموسوم ب "ملامح ما بعد الحداثة في أعمال محمود المسعدي" عنواناً لهذه الباقة بإعجاب الشديد بلغة هذا الرجل المثقف الذي سبق عصره، ولما يحظ بالتقدير الذي يستحقه؛ وقال "نحن عندما نقرأ لبعض الكتاب المعاصرين، كتّاب الفيسبوك، ونوازن لغتهم بلغة المسعدي نصاب بإحباط شديد لما أصاب لغة "الفيسبوكيين" من هجنة مخجلة اصطلح على وسمها ب "اللغة الاجتماعية المتداولة"، خلافاً للغة المسعدي المعتقة التي طوعها جمالياً للتعبير عن أعقد الهواجس الفكرية والسيكولوجية المعاصرة، مع احتفاظها برونقها وعذوبتها المرهفة.
النزوع الصوفي
وقال حول "النزوع الصوفي في أدب محمود المسعدي" "يبدو أول وهلة أنه من المستبعد أن يجنح كاتب مبدع ومثقف عربي كبير عادة في خانة "الحداثة" أو "ما بعد الحداثة"، مثل محمود المسعدي، إلى معين التصوف الذي يجافي روح الحضارة المعاصرة وسمت المناهج العلمية السائدة راهنا، ولكن المتأمل في أعمال هذا الكاتب المتفرد الذي استطاع أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة في أسلوب جزل رصين لا نظير له في كتابات المحدثين، يستطيع أن يرصد ملامح التصوف بسهولة ويسر في نصوصه الأدبية، وخاصة في "السد"، و"حدث أبو هريرة قال"، و"مولد النسيان"، و"من أيام عمران"، فضلا عن "التأملات" التي تندرج ضمن أدب الحكمة.
وحاول بوشعير في بحثه القيم أن يقف عند النزوع الصوفي بأعمال المسعدي، راصدا ملامحه، من حيث الشكل ومن حيث المضمون، كما حاول أن يحدد أهم مرجعيات المسعدي الفكرية في التصوف، ومسوغات هذا النزوع. ليخلص إلى أن المسعدي أفاد من معين الفكر الصوفي بأعماله الأدبية شكلاً ومضمونا، لغةً ورؤى، ولكنه ظل محافظا على أصالته المتميزة، فجاءت طروحاته مختلفة في غاياتها عن طروحات الصوفيين وما انتهوا إليه من الركون إلى آفاق الرضا والاطمئنان والدعة والاستسلام؛ فإذا كان الصوفيون قد جنحوا إلى الإشراق والفناء في "واجب الوجود"، فإن المسعدي جنح إلى الحيرة والشك والبحث عن المعنى المفقود، وإذا كان الصوفيون قد دانوا بوحدة الوجود فاستكانوا، فإن المسعدي اتخذ من وحدة الوجود تعلةً للسعي الدؤوب إلى الخلق وتحدي الفناء.
وفي قراءته لمنهج عبدالرحمن منيف في كتابة السيرة الذاتية.. سيرة مدينة أنموذجا" رأى بوشعير أن عبدالرحمن منيف يبدو مولعا بالتأريخ الاجتماعي والثقافي والسياسي الشامل الذي عهدناه في أعماله الروائية، وخاصة في خماسية "مدن الملح"، و"سباق المسافات الطويلة" و"أرض السواد"، وهذا الولع بالتأريخ يطالعنا حتى في خطاب السيرة الذي يفترض فيه أن يعنى بالصوت الذاتي الفردي أكثر من عنايته بالفضاءات الموضوعية.
وقال "لعل منيف هنا يرهن الرؤية الفردية الذاتية بالمجرى التاريخي العام وتحولاته التي تشكل سيكولوجية الفرد، وهو ما عبر عنه بأسلوب بليغ في "مدن الملح" التي ترصد أثر التحولات التاريخية الكبرى بالخليج العربي في سيكولوجية الأفراد والجماعات".
وأضاف "إن عبدالرحمن منيف سبق له أن سرّب أمشاجًا من سيرته الذاتية إلى أعماله الروائية، وخاصة في "شرق المتوسط"، و"قصة حب مجوسية"، و"أم النذور" التي نشرت بعد وفاته، ولذلك فإنه يستنكف عن إعادة كتابة سيرته الذاتية بأسلوب مباشر يفضح علاقته الذاتية بسردياته التخييلية، ولعله رأى في لملمة أمشاج سيرته الذاتية المبثوثة في أعماله الروائية وإعادة صياغتها، عملا عقيما مكرورا يسيء إلى فنه أكثر مما يخدمه، وما يؤنسنا إلى ذلك أنه اكتفى في "سيرة مدينة" باستعراض حياته في مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة، دون أن يعرج على سنوات المنفى أو سنوات السجن في حياته، وقد يُرد على هذا الرأي بكون "منيف" في هذه السيرة محكومًا بفضاء مدينة بعينها، وهي مدينة "عمان" التي لم يسجن فيها، وهذا رد منطقي لا غبار عليه، ولكن لا ننسى أنه كان في إمكانه أن يكمل سيرته الذاتية في كتاب آخر.
سيرة مدينة
وخلص بوشعير إلى أن عبدالرحمن منيف في "سيرة مدينة" يرسم ذاته الهلامية في مرحلة طفولته ومراهقته على استحياء، وذلك من خلال استعادة ملامح تلك الذات عبر المكان وفضاءاته التاريخية والاجتماعية والثقافية، مستثمرا إمكانات الحيز الدلالية في خطاب السيرة الذاتية، وهو ما يعد إضافة جديدة تثري أساليب أو مناهج إنتاج خطاب السيرة الذاتية في الأدب العربي المعاصر، ولكن "منيف" يبالغ في تغييب صوته الفردي الذاتي وتمييع خطوط ملامحه الشخصية التي تنداح في زخم وطأة الحيز وفضاءاته التاريخية والاجتماعية، قابعة خلف أقنعة سميكة تضاف إلى القناع الأسلوبي الذي يتراءى في توظيف ضمير الغائب بدلاً من ضمير المتكلم، وهو ما يبدد حرارة الذات وحميميتها التي نلمسها في خطاب السيرة الذاتية المباشرة المعتادة.
وفي بحثه حول "صدى المناهج الغربية في النقد المسرحي العربي.. النقد الملحمي أنموذجا" قال بوشعير إن المسرح العربي نشأ متأثرا بالمسرح الأوروبي بداية، وذلك عن طريق وسطاء من أمثال مارون النقاش، وسليم النقاش، وأبي خليل القباني، ونجيب الريحاني، من جيل الرواد، ثم جورج أبيض، وأحمد شوقي، وتوفيق الحكيم من الجيل الثاني الذي أصل هذا الفن في الثقافة العربية. وبما أن الشكل المسرحي الدرامي الأرسطي هو الشكل الذي كان سائدا في الثقافة الأوروبية حتى العقود الأولى من القرن العشرين، فإن نقاد المسرح في العالم العربي كانوا يصدرون في ممارساتهم النقدية وفي تنظيراتهم، عن النظرية الأرسطية بطبيعة الحال.
وفي ظل انتشار الفكر الاشتراكي في كثير من الأقطار العربية، وخاصة في العراق ومصر وسوريا والجزائر واليمن إبان الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أخذ الشكل المسرحي الملحمي ينافس الشكل الدرامي بشدة، وهو الشكل الذي اقتبسه المسرحيون العرب مبدعين ونقادا من المسرح البريختي تحديدا.
وبعد انحسار المد الاشتراكي في العالم العربي تراجع المنهج الملحمي أو فقد توهجه على أقل تقدير، كي يفسخ المجال أمام المد الحداثي في الأدب والمسرح والنقد على حد سواء. ومن هنا راجت المناهج البنيوية والسيميائية والتفكيكية في دراسة المسرح، ولكن هذه المناهج ظلت منحصرة في أوساط نخبة من النقاد الأكاديميين الجامعيين القلائل الذين حاولوا أن يطبقوا تلك المناهج على بعض الأعمال المسرحية العربية.
ويبدو أن هذه المناهج لم تحظ بالانتشار في أوساط المسرحيين لكونها تحوّل العمل النقدي إلى خطاب علمي جاف، خلافا للنقد الحداثي السردي أو الشعري؛ لأن المسرح ينشأ بالأساس بغرض العرض والتمثيل وليس بغرض القراءة، ولذلك بات الخطاب النقدي المسرحي الحداثي كالنوتة الموسيقية التي تفتقر إلى القدرة على الإمتاع عند قراءتها، ولا تؤثر في المتلقي إلا إذا ترجمت إلى أصوات موسيقية معزوفة. وما يقال في هذه المناهج النقدية المسرحية البنيوية والسيميائية والتفكيكية يقال كذلك في المنهج التفاعلي الذي يعد استجابة متطرفة لنظرية المتلقي والقارئ المبدع الذي يحل محل المؤلف.
وأوضح إن التنقيب في التراث الشعبي العربي عن "الظواهر المسرحية" ومحاولة صياغة مفهوم نقدي وجمالي لمسرح ذي هوية عربية، على نحو ما نرى في "مسرح الحكواتي" لروجيه عساف، والطقوس الفولكلورية التي حاول الدكتور سلمان قطاية أن ينظر لها معتمدا على المقامات وشعائر "التعزية" في العراق، وحفلات الذكر والسماح والمولوية، فضلا عن خيال الظل والجرجوز، ومسرح البساط، وصندوق العجائب، ومحاولة عبدالقادر علولة شق طريق جديد للمسرح الجزائري بالاعتماد على طقوس "القوال" أو "المداح"، ومحاولة الدكتور عبدالكريم برشيد التنظير لجماليات المسرح الاحتفالي، ومحاولة توفيق الحكيم تجريب شكل "المسرح المركز" أو "المسرح الجوال"، كما يسميه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى يوسف إدريس الذي دعا إلى "مسرح السامر"، فكل تلك الجهود التي ترهص بشكل مسرحي ذي هوية مختلفة عن شكل المسرح الأوروبي، لا تخلو - بتقديرنا - من لمسات وأصداء المنهج الملحمي البريختي، سواء من حيث الرؤى أم من حيث المناهج والإجراءات النقدية.
وخلص بوشعير إلى أن النقد المسرحي العربي كان رهين مناهج نقدية أوروبية طوال عقود من الزمن، وخاصة منهج النقد الملحمي، وبالرغم من الجهود المضنية التي ترهص بشكل مسرحي ذي هوية عربية متميزة، فإن هذه الجهود ما تزال تمتح من جماليات النقد الملحمي.
يحمل هذا الكتاب للناقد د. الرشيد بوشعير باقة من بحوث له كانت ثمرة مشاركاته في ندوات ومؤتمرات عقدت في أزمنة مختلفة، بعضها كان في تونس، وبعضها كان في القاهرة، وبعضها الآخر كان في الجزائر أو في الإمارات العربية المتحدة، وهي تعالج قضايا أدبية ونقدية معاصرة تعكس جانباً من جوانب اهتماماتي الفكرية والنقدية والسردية والمسرحية خاصة.
وقد علل اختياره ْللبحث الموسوم ب "ملامح ما بعد الحداثة في أعمال محمود المسعدي" عنواناً لهذه الباقة بإعجاب الشديد بلغة هذا الرجل المثقف الذي سبق عصره، ولما يحظ بالتقدير الذي يستحقه؛ وقال "نحن عندما نقرأ لبعض الكتاب المعاصرين، كتّاب الفيسبوك، ونوازن لغتهم بلغة المسعدي نصاب بإحباط شديد لما أصاب لغة "الفيسبوكيين" من هجنة مخجلة اصطلح على وسمها ب "اللغة الاجتماعية المتداولة"، خلافاً للغة المسعدي المعتقة التي طوعها جمالياً للتعبير عن أعقد الهواجس الفكرية والسيكولوجية المعاصرة، مع احتفاظها برونقها وعذوبتها المرهفة.
النزوع الصوفي
وقال حول "النزوع الصوفي في أدب محمود المسعدي" "يبدو أول وهلة أنه من المستبعد أن يجنح كاتب مبدع ومثقف عربي كبير عادة في خانة "الحداثة" أو "ما بعد الحداثة"، مثل محمود المسعدي، إلى معين التصوف الذي يجافي روح الحضارة المعاصرة وسمت المناهج العلمية السائدة راهنا، ولكن المتأمل في أعمال هذا الكاتب المتفرد الذي استطاع أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة في أسلوب جزل رصين لا نظير له في كتابات المحدثين، يستطيع أن يرصد ملامح التصوف بسهولة ويسر في نصوصه الأدبية، وخاصة في "السد"، و"حدث أبو هريرة قال"، و"مولد النسيان"، و"من أيام عمران"، فضلا عن "التأملات" التي تندرج ضمن أدب الحكمة.
وحاول بوشعير في بحثه القيم أن يقف عند النزوع الصوفي بأعمال المسعدي، راصدا ملامحه، من حيث الشكل ومن حيث المضمون، كما حاول أن يحدد أهم مرجعيات المسعدي الفكرية في التصوف، ومسوغات هذا النزوع. ليخلص إلى أن المسعدي أفاد من معين الفكر الصوفي بأعماله الأدبية شكلاً ومضمونا، لغةً ورؤى، ولكنه ظل محافظا على أصالته المتميزة، فجاءت طروحاته مختلفة في غاياتها عن طروحات الصوفيين وما انتهوا إليه من الركون إلى آفاق الرضا والاطمئنان والدعة والاستسلام؛ فإذا كان الصوفيون قد جنحوا إلى الإشراق والفناء في "واجب الوجود"، فإن المسعدي جنح إلى الحيرة والشك والبحث عن المعنى المفقود، وإذا كان الصوفيون قد دانوا بوحدة الوجود فاستكانوا، فإن المسعدي اتخذ من وحدة الوجود تعلةً للسعي الدؤوب إلى الخلق وتحدي الفناء.
وفي قراءته لمنهج عبدالرحمن منيف في كتابة السيرة الذاتية.. سيرة مدينة أنموذجا" رأى بوشعير أن عبدالرحمن منيف يبدو مولعا بالتأريخ الاجتماعي والثقافي والسياسي الشامل الذي عهدناه في أعماله الروائية، وخاصة في خماسية "مدن الملح"، و"سباق المسافات الطويلة" و"أرض السواد"، وهذا الولع بالتأريخ يطالعنا حتى في خطاب السيرة الذي يفترض فيه أن يعنى بالصوت الذاتي الفردي أكثر من عنايته بالفضاءات الموضوعية.
وقال "لعل منيف هنا يرهن الرؤية الفردية الذاتية بالمجرى التاريخي العام وتحولاته التي تشكل سيكولوجية الفرد، وهو ما عبر عنه بأسلوب بليغ في "مدن الملح" التي ترصد أثر التحولات التاريخية الكبرى بالخليج العربي في سيكولوجية الأفراد والجماعات".
وأضاف "إن عبدالرحمن منيف سبق له أن سرّب أمشاجًا من سيرته الذاتية إلى أعماله الروائية، وخاصة في "شرق المتوسط"، و"قصة حب مجوسية"، و"أم النذور" التي نشرت بعد وفاته، ولذلك فإنه يستنكف عن إعادة كتابة سيرته الذاتية بأسلوب مباشر يفضح علاقته الذاتية بسردياته التخييلية، ولعله رأى في لملمة أمشاج سيرته الذاتية المبثوثة في أعماله الروائية وإعادة صياغتها، عملا عقيما مكرورا يسيء إلى فنه أكثر مما يخدمه، وما يؤنسنا إلى ذلك أنه اكتفى في "سيرة مدينة" باستعراض حياته في مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة، دون أن يعرج على سنوات المنفى أو سنوات السجن في حياته، وقد يُرد على هذا الرأي بكون "منيف" في هذه السيرة محكومًا بفضاء مدينة بعينها، وهي مدينة "عمان" التي لم يسجن فيها، وهذا رد منطقي لا غبار عليه، ولكن لا ننسى أنه كان في إمكانه أن يكمل سيرته الذاتية في كتاب آخر.
سيرة مدينة
وخلص بوشعير إلى أن عبدالرحمن منيف في "سيرة مدينة" يرسم ذاته الهلامية في مرحلة طفولته ومراهقته على استحياء، وذلك من خلال استعادة ملامح تلك الذات عبر المكان وفضاءاته التاريخية والاجتماعية والثقافية، مستثمرا إمكانات الحيز الدلالية في خطاب السيرة الذاتية، وهو ما يعد إضافة جديدة تثري أساليب أو مناهج إنتاج خطاب السيرة الذاتية في الأدب العربي المعاصر، ولكن "منيف" يبالغ في تغييب صوته الفردي الذاتي وتمييع خطوط ملامحه الشخصية التي تنداح في زخم وطأة الحيز وفضاءاته التاريخية والاجتماعية، قابعة خلف أقنعة سميكة تضاف إلى القناع الأسلوبي الذي يتراءى في توظيف ضمير الغائب بدلاً من ضمير المتكلم، وهو ما يبدد حرارة الذات وحميميتها التي نلمسها في خطاب السيرة الذاتية المباشرة المعتادة.
وفي بحثه حول "صدى المناهج الغربية في النقد المسرحي العربي.. النقد الملحمي أنموذجا" قال بوشعير إن المسرح العربي نشأ متأثرا بالمسرح الأوروبي بداية، وذلك عن طريق وسطاء من أمثال مارون النقاش، وسليم النقاش، وأبي خليل القباني، ونجيب الريحاني، من جيل الرواد، ثم جورج أبيض، وأحمد شوقي، وتوفيق الحكيم من الجيل الثاني الذي أصل هذا الفن في الثقافة العربية. وبما أن الشكل المسرحي الدرامي الأرسطي هو الشكل الذي كان سائدا في الثقافة الأوروبية حتى العقود الأولى من القرن العشرين، فإن نقاد المسرح في العالم العربي كانوا يصدرون في ممارساتهم النقدية وفي تنظيراتهم، عن النظرية الأرسطية بطبيعة الحال.
وفي ظل انتشار الفكر الاشتراكي في كثير من الأقطار العربية، وخاصة في العراق ومصر وسوريا والجزائر واليمن إبان الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أخذ الشكل المسرحي الملحمي ينافس الشكل الدرامي بشدة، وهو الشكل الذي اقتبسه المسرحيون العرب مبدعين ونقادا من المسرح البريختي تحديدا.
وبعد انحسار المد الاشتراكي في العالم العربي تراجع المنهج الملحمي أو فقد توهجه على أقل تقدير، كي يفسخ المجال أمام المد الحداثي في الأدب والمسرح والنقد على حد سواء. ومن هنا راجت المناهج البنيوية والسيميائية والتفكيكية في دراسة المسرح، ولكن هذه المناهج ظلت منحصرة في أوساط نخبة من النقاد الأكاديميين الجامعيين القلائل الذين حاولوا أن يطبقوا تلك المناهج على بعض الأعمال المسرحية العربية.
ويبدو أن هذه المناهج لم تحظ بالانتشار في أوساط المسرحيين لكونها تحوّل العمل النقدي إلى خطاب علمي جاف، خلافا للنقد الحداثي السردي أو الشعري؛ لأن المسرح ينشأ بالأساس بغرض العرض والتمثيل وليس بغرض القراءة، ولذلك بات الخطاب النقدي المسرحي الحداثي كالنوتة الموسيقية التي تفتقر إلى القدرة على الإمتاع عند قراءتها، ولا تؤثر في المتلقي إلا إذا ترجمت إلى أصوات موسيقية معزوفة. وما يقال في هذه المناهج النقدية المسرحية البنيوية والسيميائية والتفكيكية يقال كذلك في المنهج التفاعلي الذي يعد استجابة متطرفة لنظرية المتلقي والقارئ المبدع الذي يحل محل المؤلف.
وأوضح إن التنقيب في التراث الشعبي العربي عن "الظواهر المسرحية" ومحاولة صياغة مفهوم نقدي وجمالي لمسرح ذي هوية عربية، على نحو ما نرى في "مسرح الحكواتي" لروجيه عساف، والطقوس الفولكلورية التي حاول الدكتور سلمان قطاية أن ينظر لها معتمدا على المقامات وشعائر "التعزية" في العراق، وحفلات الذكر والسماح والمولوية، فضلا عن خيال الظل والجرجوز، ومسرح البساط، وصندوق العجائب، ومحاولة عبدالقادر علولة شق طريق جديد للمسرح الجزائري بالاعتماد على طقوس "القوال" أو "المداح"، ومحاولة الدكتور عبدالكريم برشيد التنظير لجماليات المسرح الاحتفالي، ومحاولة توفيق الحكيم تجريب شكل "المسرح المركز" أو "المسرح الجوال"، كما يسميه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى يوسف إدريس الذي دعا إلى "مسرح السامر"، فكل تلك الجهود التي ترهص بشكل مسرحي ذي هوية مختلفة عن شكل المسرح الأوروبي، لا تخلو - بتقديرنا - من لمسات وأصداء المنهج الملحمي البريختي، سواء من حيث الرؤى أم من حيث المناهج والإجراءات النقدية.
وخلص بوشعير إلى أن النقد المسرحي العربي كان رهين مناهج نقدية أوروبية طوال عقود من الزمن، وخاصة منهج النقد الملحمي، وبالرغم من الجهود المضنية التي ترهص بشكل مسرحي ذي هوية عربية متميزة، فإن هذه الجهود ما تزال تمتح من جماليات النقد الملحمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.