بدء التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ بسفارات مصر بالسعودية والكويت والأردن    انتخابات الشيوخ 2025.. توافد لافت ورسائل دعم للدولة المصرية خلال تصويت المصريين بالسعودية    الكهرباء تكشف أحدث حيل سرقة التيار عبر العدادات مسبوقة الدفع    عاجل..عدم دستورية الرسوم المفروضة على رسو العائمات السياحية لافتقادها السند التشريعي    توقيع بروتوكول تعاون بين الجمارك والغرفة التجارية بالقاهرة لتيسير الإجراءات الجمركية    استشهاد 23 فلسطينيا في قصف إسرائيلي متواصل على غزة    الدفاع الروسية: اعتراض وتدمير 112 طائرة مسيرة أوكرانية    مواعيد مباريات السبت 2 أغسطس 2025.. البدري ضد كهربا وافتتاح أمم إفريقيا للمحليين    مواعيد مباريات اليوم السبت 2- 8- 2025 والقنوات الناقلة    ماسكيرانو: نحلم باستمرار ميسي مع إنتر ميامي.. والقرار بيده    ضبط مالك مكتبة "دون ترخيص" بالقاهرة    الداخلية تضبط مخدرات وأسلحة وتنفذ 58 ألف حكم قضائي خلال 24 ساعة    الشرطة الأمريكية تطارد جنديًا سابقا قتل 4 أشخاص في مونتانا    مصطفى عبده يكتب: خيانة مكتملة الأركان    ذات يوم.. 02 أغسطس 1990.. اتصالات هاتفية بالرئيس مبارك والملكين فهد وحسين لإبلاغهم بمفاجأة احتلال العراق للكويت ومحاولات الاتصال بصدام حسين تفشل بحجة «التليفون بعيد عنه»    ترامب: ميدفيديف يتحدث عن نووي خطير.. والغواصات الأمريكية تقترب من روسيا    الهيئة الوطنية للانتخابات: سفراء مصر بالخارج يدعمون التصويت    أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    يحيى عطية الله يعود إلى الوداد بعد موافقة سوتشي الروسي    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    الرئيس البرازيلي: نستعد للرد على الرسوم الجمركية الأمريكية    الطقس اليوم السبت 2-8-2025.. أجواء حارة ورطبة نهارًا على أغلب الأنحاء    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    وفاة عم أنغام .. وشقيقه: الوفاة طبيعية ولا توجد شبهة جنائية    القاهرة الإخبارية تعرض تقريرا عن مجلس الشيوخ.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    حملة «100 يوم صحة» تقدم 26.7 مليون خدمة طبية مجانية خلال 17 يوما    جنين تم تجميده عام 1994.. ولادة أكبر طفل في العالم    أسعار السبائك الذهبية اليوم السبت 2-8-2025 بعد الارتفاع القياسي العالمي    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم السبت 2-8-2025    جريمة تهز سيوة.. مقتل 4 أفراد من أسرة واحدة وإصابة ابنهم    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    تشيع جنازة عريس لحق بعروسه بعد ساعات من وفاتها بكفر الشيخ    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    بينهم طفل.. إصابة أسرة كاملة في انقلاب دراجة نارية بالوادي الجديد    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    محمد ممدوح عن «روكي الغلابة»: «كان نفسي اشتغل مع دنيا سمير غانم من زمان» (فيديو)    تحبي تكوني «strong independent woman» ماذا تعرفي عن معناها؟ (فيديو)    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    إسماعيل هنية كشف خيانة الثورة المضادة فباركوا قتله .. عام على اغتيال قائد حماس    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    منها «الذهاب بكثرة إلى الحمام ».. 6 علامات مبكرة تدل على سرطان البروستاتا يتم تجاهلها    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد فعاليات اليوم العلمى ل«الفنية العسكرية»    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربة حول النّص النقدي العربي الحديث
نشر في صوت البلد يوم 23 - 04 - 2016

ليس هناك نقد لأنه ليس هناك أدب "هكذا يقال .. الصحافة خطفت خيرة النقاد وحولتهم إلى صحفيين".
قيل أيضا، لكن أليست علاقة الأدب بالنقد، علاقة الندية والتكافؤ والأسرة الواحدة!؟ ثم ألا يجوز القول بأن "حضور" أحدهما مرهون بحضور أو غياب الآخر، وإن كان غياب "الأدب" يكاد يكون أمرا مستحيلا!؟ ثم أولا وأخيرا: ألم يحن الوقت بعد، لصياغة عطاء نوعي ومستقل في حقل النقد الأدبي ينأى عن "العفوية" التي تفرض الإنطباعات الجزئية دون استخلاص المعيار!؟
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا ما قيل أن "التقصير" في النقد العربي الحديث ذو دلالة سوسيولوجية تتجاوز أسوار المصطلح الجمالي للنقد إلى أبعاد أكثر شمولا يمكن ايجازها في الإشارة التالية:
تتجلى أبرز ملامح التقصير في مجمل الحركة النقدية العربية الحديثة في غياب "المناهج" التي تضبط ايقاع هذه الحركة مما يعني التقصير في اكتشاف قوانين التطور الأدبي العام في بلادنا، أي اكتشاف المسار العام للحركة الأدبية العربية الحديثة من ناحية، والقوانين المضمرة في التجربة الأدبية النوعية كالرواية والمسرح والقصيدة والقصة القصيرة من ناحية أخرى.
وقد يظل هذا التقصير قائما ما لم يرافق هذا الاكتشاف المزدوج "نقد النقد" وهذه مسألة أخرى تدعونا بإلحاح إلى وضع "إستراتيجية" نقدية تضع في الإعتبار خصوصية الظاهرة الأدبية مع الإفادة من مكتسبات التراث النقدي الذي مازال في حاجة إلى الدرس و الإضاءة" لا سيما أن هذا النقد (نقد النقد) هو نقد للذات كما أنه نقد للآخر، وذلك بقدر ما يتيح طُرق بعض القضايا المحورية، وبلورة المنهجيات المناسبة للمقاربات التي تفترضها.
ومن هنا فالنقد مدعوّ الى "الأخذ بمنهجية محددة في البحث وإعتماد طريقة موضوعية في معالجة المادة الأدبية، واجتراح المصطلحات والمفاهيم الملائمة لها والسعي إلى غايات مستقلة بها" مما يعني أن النقاد – مدعوون - إلى الإستفادة من كافة مناهج النقد الغربية، ولكن دون نقلها نقلا أعمى لا يراعي خصوصيات النص الإبداعي العربي، ناهيك وأن التطبيقات البنيوية والتفكيكية وغيرها موغلة في الغموض والتعقيد مما حدا ببعض المبدعين للقول بأنهم لم يستفيدوا مطلقا من النقد ولم يسهم في تطويرهم كما أعلن ذلك مرارا الراحل نزار قباني.
ضمن هذا السياق علينا الإعتماد على خبرنتنا الخاصة وتجربتنا النوعية التي تستفيد من المنهج الحديث بالإضافة إليه والحذف منه والتعديل فيه بما من شأنه أن يرمّم الجسور بين العمل الأدبي المعاصر والنقد من ناحية، ويردم الهوة بين القارئ والناقد من ناحية أخرى.
كذلك يغيب عن نقدنا الحديث تقليد البحث عن المواهب الجديدة والإحتفال بها فقط عندما تتحول إلى مؤسسات، أي بعد أن تكتمل ولا تعود هي أو القراء إلى النقد، هذا في الوقت الذي يتناسى فيه النقاد (إني أتكلم هنا عن "النقاد الأكادميين" بالمعني المدرسي للإصطلاح، لا عن أشباه النقاد ممن يعملون مديري دعاية للأدباء والفنانيين) أن الموهبة الحقيقية الجديدة تعني بالأساس أن ثمة نبضا متميزا جديدا في الثقافة والمجتمع.
والإحتفال بها ليس تطوعا أو منّة ولا حتى "واجبا" بالمعنى الأخلاقي وإنما هو اكتشاف لظاهرة ثقافية - اجتماعية لمن يريد أن يبني رؤيا صحيحة للثقافة والمجتمع الذي يعيش فيه. اي لمن يريد أن يكون ناقدا ذا نهج.
أقول هذا لأن ساحتنا النقدية بخاصة غدت مرتعا ل (تكتلات) غير بريئة، ما فتئت تصنع من بعض الأسماء المشهورة (....) في الشعر والقصة والرواية أصناما تعبد وتمجّد. وكأن الإنجاز الإبداعي العربي في هذه الفنون توقّف عندهم(!).
وهذا يعني عدم الإهتمام بالأسماء والمواهب الجديدة في الفنون كافة ولسوف تظل معظم الكتابات النقدية - هنا وهناك - كتابات فوقية على هامش النص الإبداعي مالم تتجاوز هذه السلبيات نحو أفق حركة نقدية واعية وواعدة.
ما أريد أن أقول؟
أردت الإشارة إلى أن التعالي على أية ظاهرة أدبية - اجتماعية كالتجاهل المقصود لهذا الكاتب أو ذاك لمجرد أننا نختلف معه فكريا، أو لأن أدبه لم يحقق مستوى جماليا راقيا هو في الحقيقة إحتقار لعديد القراء، أكثر مما هو إحتقار للكاتب نفسه، في حين نولي وجهنا عنه بدعوى أنه تحت مستوى النقد (...).
ليست هناك ظاهرة أدبية تحت أو فوق مستوى النقد، طالما أنها "ظاهرة" وطالما أننا ندعي الإهتمام بالمتلقي. وطالما ندّعي أننا أصلا نقاد أدب مهمتهم استكمال دورة الكتابة والقراء بالنقد. وأخيرا طالما أننا "نقاد نبحث عن مناهج تسترشد بالمدلول العام لحركتنا الأدبية في خط متواز لتطورنا الإجتماعي - الثقافي وفي خط متقاطع مع القوانين النوعية لفنوننا الأدبية".
إن ما يفضي إليه الرصد المقتضب للخطاب النقدي الحديث استتباعا لما تقدّم هو أن النص النقدي يتموقع في خانة التقصير - التي يعسر الخروج منها بغير السعي الحثيث إلى أن يكون همزة وصل بين نهضتنا والحضارة الحديثة في العالم، وهذا يقتضي منه "النضال" بقدر ما يستطيع في سبيل المشاركة الفعلية في نبض العالم بالإنتاج والعطاء، لا بالإستهلاك أو النقل لاسيما وأن الثقافة لم تنته بعد بانتهاء الحضارة الغربية أو انقطاع العطاء الغربي للحضارة بتعبير أدق.
على أية حال، بقليل من التفاؤل وبمنأى كذلك عن التعسفية أو الإسقاطية الذاتية أقول: إن النقد العربي الحديث قد حقّق بعض النجاحات سواء بتحويل مجموع اجتهاداته إلى "حركة من تيارات" لا مجرد التماعات فردية، أو باقترابه الجسور من جوهر التجربة الأدبية المحلية، أو بالتصاقه الحميم بالطبيعة الخاصة للأدب.
ومع ذلك فليست النيات - على طيبتها – هي المقياس أو الحكم في مثل هذه المسألة، بل الفعالية الإجرائية العملية في مقاربة النصوص الأدبية، وهي تتجلى في مدى اتساق المنهج البحثي وملاءمته للعمل الأدبي المتناول، ومدى إقناعه بتماسك طرحه وخصوبة نتائجه.
وتظل المفارقة في حالة توالد مع الأصوات النقدية الجديدة التي تنحت دربها في الصخر بالأظافر، حتى أنها "تؤسس لتحويل نقدنا العربي الحديث الى حركة قومية من ناحية وتخصصات نوعية من ناحية أخرى. الأمر الذي يشير ببطء شديد إلى احتمالات نظرية أكثر شمولا في المدى المنظور.
على سبيل الخاتمة
إن العمل الفني الجدير بصفة الإبداع هو ذاك الذي يصوغ جدلية العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل في حوار مجلجل ومساءلة عميقة. كما أن النقد المنهجي الجدير بصفة الإبداع هو أيضا ذاك الذي يعتقد في جدلية التطور التاريخي وينأى عن التضخم النرجسي والأحكام المسقطة ليستشرف المستقبل بعمق وثبات.
وأخيرا، فإن التقصير في النقد العربي الحديث ليس خاصا بالنقاد كأفراد، بل كحركة نقدية عربية معاصرة شهدت إشراقات خلاقة على درب الإبداع، منذ فجر النهضة إلى مغيبها.
وكل ما أقصده هنا، أننا غدونا نعيش في ظل متغيرات كونية كاسحة تعبق برائحة التحديات، إذ أننا على هذه الأرض في مفرق الطرق بين الإنسحاق خارج التاريخ أو الولادة الجديد في "ثورة ثقافية" تصحح التاريخ باشراكنا من جديد في العطاء الحضاري للعالم. وما على النقد الأدبي – كفكر وفن وعلم – إلا أن يكون في مستوى التحدي وفي طليعة هذه – الثورة الثقافية الشاملة – كي يسجّل بحضوره الفعال علامة مضيئة في طريق التحول ومنعطف الانتقال.
.....
محمد المحسن كاتب صحفي وعضو في إتحاد الكتاب التونسيين
ليس هناك نقد لأنه ليس هناك أدب "هكذا يقال .. الصحافة خطفت خيرة النقاد وحولتهم إلى صحفيين".
قيل أيضا، لكن أليست علاقة الأدب بالنقد، علاقة الندية والتكافؤ والأسرة الواحدة!؟ ثم ألا يجوز القول بأن "حضور" أحدهما مرهون بحضور أو غياب الآخر، وإن كان غياب "الأدب" يكاد يكون أمرا مستحيلا!؟ ثم أولا وأخيرا: ألم يحن الوقت بعد، لصياغة عطاء نوعي ومستقل في حقل النقد الأدبي ينأى عن "العفوية" التي تفرض الإنطباعات الجزئية دون استخلاص المعيار!؟
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا ما قيل أن "التقصير" في النقد العربي الحديث ذو دلالة سوسيولوجية تتجاوز أسوار المصطلح الجمالي للنقد إلى أبعاد أكثر شمولا يمكن ايجازها في الإشارة التالية:
تتجلى أبرز ملامح التقصير في مجمل الحركة النقدية العربية الحديثة في غياب "المناهج" التي تضبط ايقاع هذه الحركة مما يعني التقصير في اكتشاف قوانين التطور الأدبي العام في بلادنا، أي اكتشاف المسار العام للحركة الأدبية العربية الحديثة من ناحية، والقوانين المضمرة في التجربة الأدبية النوعية كالرواية والمسرح والقصيدة والقصة القصيرة من ناحية أخرى.
وقد يظل هذا التقصير قائما ما لم يرافق هذا الاكتشاف المزدوج "نقد النقد" وهذه مسألة أخرى تدعونا بإلحاح إلى وضع "إستراتيجية" نقدية تضع في الإعتبار خصوصية الظاهرة الأدبية مع الإفادة من مكتسبات التراث النقدي الذي مازال في حاجة إلى الدرس و الإضاءة" لا سيما أن هذا النقد (نقد النقد) هو نقد للذات كما أنه نقد للآخر، وذلك بقدر ما يتيح طُرق بعض القضايا المحورية، وبلورة المنهجيات المناسبة للمقاربات التي تفترضها.
ومن هنا فالنقد مدعوّ الى "الأخذ بمنهجية محددة في البحث وإعتماد طريقة موضوعية في معالجة المادة الأدبية، واجتراح المصطلحات والمفاهيم الملائمة لها والسعي إلى غايات مستقلة بها" مما يعني أن النقاد – مدعوون - إلى الإستفادة من كافة مناهج النقد الغربية، ولكن دون نقلها نقلا أعمى لا يراعي خصوصيات النص الإبداعي العربي، ناهيك وأن التطبيقات البنيوية والتفكيكية وغيرها موغلة في الغموض والتعقيد مما حدا ببعض المبدعين للقول بأنهم لم يستفيدوا مطلقا من النقد ولم يسهم في تطويرهم كما أعلن ذلك مرارا الراحل نزار قباني.
ضمن هذا السياق علينا الإعتماد على خبرنتنا الخاصة وتجربتنا النوعية التي تستفيد من المنهج الحديث بالإضافة إليه والحذف منه والتعديل فيه بما من شأنه أن يرمّم الجسور بين العمل الأدبي المعاصر والنقد من ناحية، ويردم الهوة بين القارئ والناقد من ناحية أخرى.
كذلك يغيب عن نقدنا الحديث تقليد البحث عن المواهب الجديدة والإحتفال بها فقط عندما تتحول إلى مؤسسات، أي بعد أن تكتمل ولا تعود هي أو القراء إلى النقد، هذا في الوقت الذي يتناسى فيه النقاد (إني أتكلم هنا عن "النقاد الأكادميين" بالمعني المدرسي للإصطلاح، لا عن أشباه النقاد ممن يعملون مديري دعاية للأدباء والفنانيين) أن الموهبة الحقيقية الجديدة تعني بالأساس أن ثمة نبضا متميزا جديدا في الثقافة والمجتمع.
والإحتفال بها ليس تطوعا أو منّة ولا حتى "واجبا" بالمعنى الأخلاقي وإنما هو اكتشاف لظاهرة ثقافية - اجتماعية لمن يريد أن يبني رؤيا صحيحة للثقافة والمجتمع الذي يعيش فيه. اي لمن يريد أن يكون ناقدا ذا نهج.
أقول هذا لأن ساحتنا النقدية بخاصة غدت مرتعا ل (تكتلات) غير بريئة، ما فتئت تصنع من بعض الأسماء المشهورة (....) في الشعر والقصة والرواية أصناما تعبد وتمجّد. وكأن الإنجاز الإبداعي العربي في هذه الفنون توقّف عندهم(!).
وهذا يعني عدم الإهتمام بالأسماء والمواهب الجديدة في الفنون كافة ولسوف تظل معظم الكتابات النقدية - هنا وهناك - كتابات فوقية على هامش النص الإبداعي مالم تتجاوز هذه السلبيات نحو أفق حركة نقدية واعية وواعدة.
ما أريد أن أقول؟
أردت الإشارة إلى أن التعالي على أية ظاهرة أدبية - اجتماعية كالتجاهل المقصود لهذا الكاتب أو ذاك لمجرد أننا نختلف معه فكريا، أو لأن أدبه لم يحقق مستوى جماليا راقيا هو في الحقيقة إحتقار لعديد القراء، أكثر مما هو إحتقار للكاتب نفسه، في حين نولي وجهنا عنه بدعوى أنه تحت مستوى النقد (...).
ليست هناك ظاهرة أدبية تحت أو فوق مستوى النقد، طالما أنها "ظاهرة" وطالما أننا ندعي الإهتمام بالمتلقي. وطالما ندّعي أننا أصلا نقاد أدب مهمتهم استكمال دورة الكتابة والقراء بالنقد. وأخيرا طالما أننا "نقاد نبحث عن مناهج تسترشد بالمدلول العام لحركتنا الأدبية في خط متواز لتطورنا الإجتماعي - الثقافي وفي خط متقاطع مع القوانين النوعية لفنوننا الأدبية".
إن ما يفضي إليه الرصد المقتضب للخطاب النقدي الحديث استتباعا لما تقدّم هو أن النص النقدي يتموقع في خانة التقصير - التي يعسر الخروج منها بغير السعي الحثيث إلى أن يكون همزة وصل بين نهضتنا والحضارة الحديثة في العالم، وهذا يقتضي منه "النضال" بقدر ما يستطيع في سبيل المشاركة الفعلية في نبض العالم بالإنتاج والعطاء، لا بالإستهلاك أو النقل لاسيما وأن الثقافة لم تنته بعد بانتهاء الحضارة الغربية أو انقطاع العطاء الغربي للحضارة بتعبير أدق.
على أية حال، بقليل من التفاؤل وبمنأى كذلك عن التعسفية أو الإسقاطية الذاتية أقول: إن النقد العربي الحديث قد حقّق بعض النجاحات سواء بتحويل مجموع اجتهاداته إلى "حركة من تيارات" لا مجرد التماعات فردية، أو باقترابه الجسور من جوهر التجربة الأدبية المحلية، أو بالتصاقه الحميم بالطبيعة الخاصة للأدب.
ومع ذلك فليست النيات - على طيبتها – هي المقياس أو الحكم في مثل هذه المسألة، بل الفعالية الإجرائية العملية في مقاربة النصوص الأدبية، وهي تتجلى في مدى اتساق المنهج البحثي وملاءمته للعمل الأدبي المتناول، ومدى إقناعه بتماسك طرحه وخصوبة نتائجه.
وتظل المفارقة في حالة توالد مع الأصوات النقدية الجديدة التي تنحت دربها في الصخر بالأظافر، حتى أنها "تؤسس لتحويل نقدنا العربي الحديث الى حركة قومية من ناحية وتخصصات نوعية من ناحية أخرى. الأمر الذي يشير ببطء شديد إلى احتمالات نظرية أكثر شمولا في المدى المنظور.
على سبيل الخاتمة
إن العمل الفني الجدير بصفة الإبداع هو ذاك الذي يصوغ جدلية العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل في حوار مجلجل ومساءلة عميقة. كما أن النقد المنهجي الجدير بصفة الإبداع هو أيضا ذاك الذي يعتقد في جدلية التطور التاريخي وينأى عن التضخم النرجسي والأحكام المسقطة ليستشرف المستقبل بعمق وثبات.
وأخيرا، فإن التقصير في النقد العربي الحديث ليس خاصا بالنقاد كأفراد، بل كحركة نقدية عربية معاصرة شهدت إشراقات خلاقة على درب الإبداع، منذ فجر النهضة إلى مغيبها.
وكل ما أقصده هنا، أننا غدونا نعيش في ظل متغيرات كونية كاسحة تعبق برائحة التحديات، إذ أننا على هذه الأرض في مفرق الطرق بين الإنسحاق خارج التاريخ أو الولادة الجديد في "ثورة ثقافية" تصحح التاريخ باشراكنا من جديد في العطاء الحضاري للعالم. وما على النقد الأدبي – كفكر وفن وعلم – إلا أن يكون في مستوى التحدي وفي طليعة هذه – الثورة الثقافية الشاملة – كي يسجّل بحضوره الفعال علامة مضيئة في طريق التحول ومنعطف الانتقال.
.....
محمد المحسن كاتب صحفي وعضو في إتحاد الكتاب التونسيين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.