15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    وزير الإسكان ومحافظ مطروح يتفقدان محطة تحلية مياه البحر "الرميلة 4" -تفاصيل    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    الحرس الثوري الإيراني يهدد إسرائيل برد أشد قسوة حال تكرار اعتدائها    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    تعديل جديد.. كاف يخطر بيراميدز بموعد مباراتي الجيش الرواندي    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    أول تعليق لمحافظ الإسكندرية على واقعة الغرق الجماعي بشاطئ أبو تلات    السجن المشدد 6 سنوات لحداد لاتجاره فى المخدرات وحيازة سلاح بشبرا الخيمة    إيرادات الجمعة.. "درويش" يحافظ على المركز الأول و"الشاطر" الثاني    "الصحة" تقدم 314 ألف خدمة عبر 143 قافلة في يوليو 2025    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    ماذا ينتظر كهربا حال إتمام انتقاله لصفوف القادسية الكويتي؟    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    "عربية النواب": المجاعة في غزة جريمة إبادة متعمدة تستدعي تحركًا عاجلًا    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    ورش تدريبية للميسرات العاملات بمركزي استقبال أطفال العاملين ب«التضامن» و«العدل»    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربة حول النّص النقدي العربي الحديث
نشر في صوت البلد يوم 23 - 04 - 2016

ليس هناك نقد لأنه ليس هناك أدب "هكذا يقال .. الصحافة خطفت خيرة النقاد وحولتهم إلى صحفيين".
قيل أيضا، لكن أليست علاقة الأدب بالنقد، علاقة الندية والتكافؤ والأسرة الواحدة!؟ ثم ألا يجوز القول بأن "حضور" أحدهما مرهون بحضور أو غياب الآخر، وإن كان غياب "الأدب" يكاد يكون أمرا مستحيلا!؟ ثم أولا وأخيرا: ألم يحن الوقت بعد، لصياغة عطاء نوعي ومستقل في حقل النقد الأدبي ينأى عن "العفوية" التي تفرض الإنطباعات الجزئية دون استخلاص المعيار!؟
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا ما قيل أن "التقصير" في النقد العربي الحديث ذو دلالة سوسيولوجية تتجاوز أسوار المصطلح الجمالي للنقد إلى أبعاد أكثر شمولا يمكن ايجازها في الإشارة التالية:
تتجلى أبرز ملامح التقصير في مجمل الحركة النقدية العربية الحديثة في غياب "المناهج" التي تضبط ايقاع هذه الحركة مما يعني التقصير في اكتشاف قوانين التطور الأدبي العام في بلادنا، أي اكتشاف المسار العام للحركة الأدبية العربية الحديثة من ناحية، والقوانين المضمرة في التجربة الأدبية النوعية كالرواية والمسرح والقصيدة والقصة القصيرة من ناحية أخرى.
وقد يظل هذا التقصير قائما ما لم يرافق هذا الاكتشاف المزدوج "نقد النقد" وهذه مسألة أخرى تدعونا بإلحاح إلى وضع "إستراتيجية" نقدية تضع في الإعتبار خصوصية الظاهرة الأدبية مع الإفادة من مكتسبات التراث النقدي الذي مازال في حاجة إلى الدرس و الإضاءة" لا سيما أن هذا النقد (نقد النقد) هو نقد للذات كما أنه نقد للآخر، وذلك بقدر ما يتيح طُرق بعض القضايا المحورية، وبلورة المنهجيات المناسبة للمقاربات التي تفترضها.
ومن هنا فالنقد مدعوّ الى "الأخذ بمنهجية محددة في البحث وإعتماد طريقة موضوعية في معالجة المادة الأدبية، واجتراح المصطلحات والمفاهيم الملائمة لها والسعي إلى غايات مستقلة بها" مما يعني أن النقاد – مدعوون - إلى الإستفادة من كافة مناهج النقد الغربية، ولكن دون نقلها نقلا أعمى لا يراعي خصوصيات النص الإبداعي العربي، ناهيك وأن التطبيقات البنيوية والتفكيكية وغيرها موغلة في الغموض والتعقيد مما حدا ببعض المبدعين للقول بأنهم لم يستفيدوا مطلقا من النقد ولم يسهم في تطويرهم كما أعلن ذلك مرارا الراحل نزار قباني.
ضمن هذا السياق علينا الإعتماد على خبرنتنا الخاصة وتجربتنا النوعية التي تستفيد من المنهج الحديث بالإضافة إليه والحذف منه والتعديل فيه بما من شأنه أن يرمّم الجسور بين العمل الأدبي المعاصر والنقد من ناحية، ويردم الهوة بين القارئ والناقد من ناحية أخرى.
كذلك يغيب عن نقدنا الحديث تقليد البحث عن المواهب الجديدة والإحتفال بها فقط عندما تتحول إلى مؤسسات، أي بعد أن تكتمل ولا تعود هي أو القراء إلى النقد، هذا في الوقت الذي يتناسى فيه النقاد (إني أتكلم هنا عن "النقاد الأكادميين" بالمعني المدرسي للإصطلاح، لا عن أشباه النقاد ممن يعملون مديري دعاية للأدباء والفنانيين) أن الموهبة الحقيقية الجديدة تعني بالأساس أن ثمة نبضا متميزا جديدا في الثقافة والمجتمع.
والإحتفال بها ليس تطوعا أو منّة ولا حتى "واجبا" بالمعنى الأخلاقي وإنما هو اكتشاف لظاهرة ثقافية - اجتماعية لمن يريد أن يبني رؤيا صحيحة للثقافة والمجتمع الذي يعيش فيه. اي لمن يريد أن يكون ناقدا ذا نهج.
أقول هذا لأن ساحتنا النقدية بخاصة غدت مرتعا ل (تكتلات) غير بريئة، ما فتئت تصنع من بعض الأسماء المشهورة (....) في الشعر والقصة والرواية أصناما تعبد وتمجّد. وكأن الإنجاز الإبداعي العربي في هذه الفنون توقّف عندهم(!).
وهذا يعني عدم الإهتمام بالأسماء والمواهب الجديدة في الفنون كافة ولسوف تظل معظم الكتابات النقدية - هنا وهناك - كتابات فوقية على هامش النص الإبداعي مالم تتجاوز هذه السلبيات نحو أفق حركة نقدية واعية وواعدة.
ما أريد أن أقول؟
أردت الإشارة إلى أن التعالي على أية ظاهرة أدبية - اجتماعية كالتجاهل المقصود لهذا الكاتب أو ذاك لمجرد أننا نختلف معه فكريا، أو لأن أدبه لم يحقق مستوى جماليا راقيا هو في الحقيقة إحتقار لعديد القراء، أكثر مما هو إحتقار للكاتب نفسه، في حين نولي وجهنا عنه بدعوى أنه تحت مستوى النقد (...).
ليست هناك ظاهرة أدبية تحت أو فوق مستوى النقد، طالما أنها "ظاهرة" وطالما أننا ندعي الإهتمام بالمتلقي. وطالما ندّعي أننا أصلا نقاد أدب مهمتهم استكمال دورة الكتابة والقراء بالنقد. وأخيرا طالما أننا "نقاد نبحث عن مناهج تسترشد بالمدلول العام لحركتنا الأدبية في خط متواز لتطورنا الإجتماعي - الثقافي وفي خط متقاطع مع القوانين النوعية لفنوننا الأدبية".
إن ما يفضي إليه الرصد المقتضب للخطاب النقدي الحديث استتباعا لما تقدّم هو أن النص النقدي يتموقع في خانة التقصير - التي يعسر الخروج منها بغير السعي الحثيث إلى أن يكون همزة وصل بين نهضتنا والحضارة الحديثة في العالم، وهذا يقتضي منه "النضال" بقدر ما يستطيع في سبيل المشاركة الفعلية في نبض العالم بالإنتاج والعطاء، لا بالإستهلاك أو النقل لاسيما وأن الثقافة لم تنته بعد بانتهاء الحضارة الغربية أو انقطاع العطاء الغربي للحضارة بتعبير أدق.
على أية حال، بقليل من التفاؤل وبمنأى كذلك عن التعسفية أو الإسقاطية الذاتية أقول: إن النقد العربي الحديث قد حقّق بعض النجاحات سواء بتحويل مجموع اجتهاداته إلى "حركة من تيارات" لا مجرد التماعات فردية، أو باقترابه الجسور من جوهر التجربة الأدبية المحلية، أو بالتصاقه الحميم بالطبيعة الخاصة للأدب.
ومع ذلك فليست النيات - على طيبتها – هي المقياس أو الحكم في مثل هذه المسألة، بل الفعالية الإجرائية العملية في مقاربة النصوص الأدبية، وهي تتجلى في مدى اتساق المنهج البحثي وملاءمته للعمل الأدبي المتناول، ومدى إقناعه بتماسك طرحه وخصوبة نتائجه.
وتظل المفارقة في حالة توالد مع الأصوات النقدية الجديدة التي تنحت دربها في الصخر بالأظافر، حتى أنها "تؤسس لتحويل نقدنا العربي الحديث الى حركة قومية من ناحية وتخصصات نوعية من ناحية أخرى. الأمر الذي يشير ببطء شديد إلى احتمالات نظرية أكثر شمولا في المدى المنظور.
على سبيل الخاتمة
إن العمل الفني الجدير بصفة الإبداع هو ذاك الذي يصوغ جدلية العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل في حوار مجلجل ومساءلة عميقة. كما أن النقد المنهجي الجدير بصفة الإبداع هو أيضا ذاك الذي يعتقد في جدلية التطور التاريخي وينأى عن التضخم النرجسي والأحكام المسقطة ليستشرف المستقبل بعمق وثبات.
وأخيرا، فإن التقصير في النقد العربي الحديث ليس خاصا بالنقاد كأفراد، بل كحركة نقدية عربية معاصرة شهدت إشراقات خلاقة على درب الإبداع، منذ فجر النهضة إلى مغيبها.
وكل ما أقصده هنا، أننا غدونا نعيش في ظل متغيرات كونية كاسحة تعبق برائحة التحديات، إذ أننا على هذه الأرض في مفرق الطرق بين الإنسحاق خارج التاريخ أو الولادة الجديد في "ثورة ثقافية" تصحح التاريخ باشراكنا من جديد في العطاء الحضاري للعالم. وما على النقد الأدبي – كفكر وفن وعلم – إلا أن يكون في مستوى التحدي وفي طليعة هذه – الثورة الثقافية الشاملة – كي يسجّل بحضوره الفعال علامة مضيئة في طريق التحول ومنعطف الانتقال.
.....
محمد المحسن كاتب صحفي وعضو في إتحاد الكتاب التونسيين
ليس هناك نقد لأنه ليس هناك أدب "هكذا يقال .. الصحافة خطفت خيرة النقاد وحولتهم إلى صحفيين".
قيل أيضا، لكن أليست علاقة الأدب بالنقد، علاقة الندية والتكافؤ والأسرة الواحدة!؟ ثم ألا يجوز القول بأن "حضور" أحدهما مرهون بحضور أو غياب الآخر، وإن كان غياب "الأدب" يكاد يكون أمرا مستحيلا!؟ ثم أولا وأخيرا: ألم يحن الوقت بعد، لصياغة عطاء نوعي ومستقل في حقل النقد الأدبي ينأى عن "العفوية" التي تفرض الإنطباعات الجزئية دون استخلاص المعيار!؟
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا ما قيل أن "التقصير" في النقد العربي الحديث ذو دلالة سوسيولوجية تتجاوز أسوار المصطلح الجمالي للنقد إلى أبعاد أكثر شمولا يمكن ايجازها في الإشارة التالية:
تتجلى أبرز ملامح التقصير في مجمل الحركة النقدية العربية الحديثة في غياب "المناهج" التي تضبط ايقاع هذه الحركة مما يعني التقصير في اكتشاف قوانين التطور الأدبي العام في بلادنا، أي اكتشاف المسار العام للحركة الأدبية العربية الحديثة من ناحية، والقوانين المضمرة في التجربة الأدبية النوعية كالرواية والمسرح والقصيدة والقصة القصيرة من ناحية أخرى.
وقد يظل هذا التقصير قائما ما لم يرافق هذا الاكتشاف المزدوج "نقد النقد" وهذه مسألة أخرى تدعونا بإلحاح إلى وضع "إستراتيجية" نقدية تضع في الإعتبار خصوصية الظاهرة الأدبية مع الإفادة من مكتسبات التراث النقدي الذي مازال في حاجة إلى الدرس و الإضاءة" لا سيما أن هذا النقد (نقد النقد) هو نقد للذات كما أنه نقد للآخر، وذلك بقدر ما يتيح طُرق بعض القضايا المحورية، وبلورة المنهجيات المناسبة للمقاربات التي تفترضها.
ومن هنا فالنقد مدعوّ الى "الأخذ بمنهجية محددة في البحث وإعتماد طريقة موضوعية في معالجة المادة الأدبية، واجتراح المصطلحات والمفاهيم الملائمة لها والسعي إلى غايات مستقلة بها" مما يعني أن النقاد – مدعوون - إلى الإستفادة من كافة مناهج النقد الغربية، ولكن دون نقلها نقلا أعمى لا يراعي خصوصيات النص الإبداعي العربي، ناهيك وأن التطبيقات البنيوية والتفكيكية وغيرها موغلة في الغموض والتعقيد مما حدا ببعض المبدعين للقول بأنهم لم يستفيدوا مطلقا من النقد ولم يسهم في تطويرهم كما أعلن ذلك مرارا الراحل نزار قباني.
ضمن هذا السياق علينا الإعتماد على خبرنتنا الخاصة وتجربتنا النوعية التي تستفيد من المنهج الحديث بالإضافة إليه والحذف منه والتعديل فيه بما من شأنه أن يرمّم الجسور بين العمل الأدبي المعاصر والنقد من ناحية، ويردم الهوة بين القارئ والناقد من ناحية أخرى.
كذلك يغيب عن نقدنا الحديث تقليد البحث عن المواهب الجديدة والإحتفال بها فقط عندما تتحول إلى مؤسسات، أي بعد أن تكتمل ولا تعود هي أو القراء إلى النقد، هذا في الوقت الذي يتناسى فيه النقاد (إني أتكلم هنا عن "النقاد الأكادميين" بالمعني المدرسي للإصطلاح، لا عن أشباه النقاد ممن يعملون مديري دعاية للأدباء والفنانيين) أن الموهبة الحقيقية الجديدة تعني بالأساس أن ثمة نبضا متميزا جديدا في الثقافة والمجتمع.
والإحتفال بها ليس تطوعا أو منّة ولا حتى "واجبا" بالمعنى الأخلاقي وإنما هو اكتشاف لظاهرة ثقافية - اجتماعية لمن يريد أن يبني رؤيا صحيحة للثقافة والمجتمع الذي يعيش فيه. اي لمن يريد أن يكون ناقدا ذا نهج.
أقول هذا لأن ساحتنا النقدية بخاصة غدت مرتعا ل (تكتلات) غير بريئة، ما فتئت تصنع من بعض الأسماء المشهورة (....) في الشعر والقصة والرواية أصناما تعبد وتمجّد. وكأن الإنجاز الإبداعي العربي في هذه الفنون توقّف عندهم(!).
وهذا يعني عدم الإهتمام بالأسماء والمواهب الجديدة في الفنون كافة ولسوف تظل معظم الكتابات النقدية - هنا وهناك - كتابات فوقية على هامش النص الإبداعي مالم تتجاوز هذه السلبيات نحو أفق حركة نقدية واعية وواعدة.
ما أريد أن أقول؟
أردت الإشارة إلى أن التعالي على أية ظاهرة أدبية - اجتماعية كالتجاهل المقصود لهذا الكاتب أو ذاك لمجرد أننا نختلف معه فكريا، أو لأن أدبه لم يحقق مستوى جماليا راقيا هو في الحقيقة إحتقار لعديد القراء، أكثر مما هو إحتقار للكاتب نفسه، في حين نولي وجهنا عنه بدعوى أنه تحت مستوى النقد (...).
ليست هناك ظاهرة أدبية تحت أو فوق مستوى النقد، طالما أنها "ظاهرة" وطالما أننا ندعي الإهتمام بالمتلقي. وطالما ندّعي أننا أصلا نقاد أدب مهمتهم استكمال دورة الكتابة والقراء بالنقد. وأخيرا طالما أننا "نقاد نبحث عن مناهج تسترشد بالمدلول العام لحركتنا الأدبية في خط متواز لتطورنا الإجتماعي - الثقافي وفي خط متقاطع مع القوانين النوعية لفنوننا الأدبية".
إن ما يفضي إليه الرصد المقتضب للخطاب النقدي الحديث استتباعا لما تقدّم هو أن النص النقدي يتموقع في خانة التقصير - التي يعسر الخروج منها بغير السعي الحثيث إلى أن يكون همزة وصل بين نهضتنا والحضارة الحديثة في العالم، وهذا يقتضي منه "النضال" بقدر ما يستطيع في سبيل المشاركة الفعلية في نبض العالم بالإنتاج والعطاء، لا بالإستهلاك أو النقل لاسيما وأن الثقافة لم تنته بعد بانتهاء الحضارة الغربية أو انقطاع العطاء الغربي للحضارة بتعبير أدق.
على أية حال، بقليل من التفاؤل وبمنأى كذلك عن التعسفية أو الإسقاطية الذاتية أقول: إن النقد العربي الحديث قد حقّق بعض النجاحات سواء بتحويل مجموع اجتهاداته إلى "حركة من تيارات" لا مجرد التماعات فردية، أو باقترابه الجسور من جوهر التجربة الأدبية المحلية، أو بالتصاقه الحميم بالطبيعة الخاصة للأدب.
ومع ذلك فليست النيات - على طيبتها – هي المقياس أو الحكم في مثل هذه المسألة، بل الفعالية الإجرائية العملية في مقاربة النصوص الأدبية، وهي تتجلى في مدى اتساق المنهج البحثي وملاءمته للعمل الأدبي المتناول، ومدى إقناعه بتماسك طرحه وخصوبة نتائجه.
وتظل المفارقة في حالة توالد مع الأصوات النقدية الجديدة التي تنحت دربها في الصخر بالأظافر، حتى أنها "تؤسس لتحويل نقدنا العربي الحديث الى حركة قومية من ناحية وتخصصات نوعية من ناحية أخرى. الأمر الذي يشير ببطء شديد إلى احتمالات نظرية أكثر شمولا في المدى المنظور.
على سبيل الخاتمة
إن العمل الفني الجدير بصفة الإبداع هو ذاك الذي يصوغ جدلية العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل في حوار مجلجل ومساءلة عميقة. كما أن النقد المنهجي الجدير بصفة الإبداع هو أيضا ذاك الذي يعتقد في جدلية التطور التاريخي وينأى عن التضخم النرجسي والأحكام المسقطة ليستشرف المستقبل بعمق وثبات.
وأخيرا، فإن التقصير في النقد العربي الحديث ليس خاصا بالنقاد كأفراد، بل كحركة نقدية عربية معاصرة شهدت إشراقات خلاقة على درب الإبداع، منذ فجر النهضة إلى مغيبها.
وكل ما أقصده هنا، أننا غدونا نعيش في ظل متغيرات كونية كاسحة تعبق برائحة التحديات، إذ أننا على هذه الأرض في مفرق الطرق بين الإنسحاق خارج التاريخ أو الولادة الجديد في "ثورة ثقافية" تصحح التاريخ باشراكنا من جديد في العطاء الحضاري للعالم. وما على النقد الأدبي – كفكر وفن وعلم – إلا أن يكون في مستوى التحدي وفي طليعة هذه – الثورة الثقافية الشاملة – كي يسجّل بحضوره الفعال علامة مضيئة في طريق التحول ومنعطف الانتقال.
.....
محمد المحسن كاتب صحفي وعضو في إتحاد الكتاب التونسيين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.