تسببت الموجة الحارة التي تتعرض لها مصر في فصل الصيف من كل عام في اتخاذ شبكات توزيع الكهرباء قرارًا بقطع التيار عن جميع الأحياء والمدن وفق جدول زمني بحيث يتم قطعه لفترات محددة لتخفيف الأحمال علي محطات الكهرباء خشية انهيارها نتيجة الاستهلاك المتزايد للكهرباء بسبب ارتفاع حرارة الجو، لكن ذلك لم يحد من الأزمة، فتحركت غرفة التجارة بالقاهرة إلي اتخاذ قرار بتحديد موعد فتح وغلق المحلات التجارية من العاشرة صباحًا إلي الثامنة مساءً في الشتاء وتمتد ساعة أخري في فصل الصيف. ومن جانبها أعلنت وزارة الكهرباء عدم مسئوليتها عن هذا القرار، إذ أعلن د. أكثم أبو العلا - وكيل الوزارة - أن القرار صادر عن الغرفة التجارية بهدف ترشيد استهلاك الكهرباء، وكذلك تخفيف الضغط المروري علي القاهرة، موضحاً أن القرار كان محل دراسة من مجلس الوزراء منذ عدة أشهر، وقد أثار حالة من الجدل وتباينت وجهات النظر ما بين مؤيد ومعارض وكان لكل منهم بعض التحفظات. ومن جهته، يقول د. رشاد عبده - خبير الاقتصاد الدولي وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة: إن هذه الفكرة تثير العديد من التساؤلات أولاً ما الحكمة من اغلاق المحلات التجارية الساعة الثامنة؟ هل هي من أجل توفير الطاقة الكهربائية أم من أجل الحد من الازدحام المروري، وإذا كانت للحد من الازدحام المروري، فلماذا لا تتخذ إجراءات قوية وحازمة للحد من الكم الهائل من السيارات المستوردة التي دخلت مصر وتطبيق قانون المرور علي الجميع دون استثناءات؟ أما بالنسبة لمشكلة الكهرباء فيجب توفيرها بطرق أخري، مؤكداً أن تثبيت مواعيد اغلاق المحلات سوف يزيد من الفساد والسرقة ما يزيد من الخلل الاقتصادي والركود أيضاً. بينما يشير د. مختار الشريف - أستاذ الاقتصاد وعضو مجلس اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية - إلي أن سلوكيات وثقافة المصريين تختلف عن الدول التي يطبق فيها هذا النظام، حيث درجة الحرارة العالية في الصيف مما يضطر المواطنين إلي الخروج لشراء احتياجاتهم ليلاً وهروباً من حرارة الشمس، وأكد أن هذا القرار لو طبق علي الكافيهات والمقاهي العامة ومقاهي النت فسوف تكون خسائرهم هائلة، لافتاً إلي أنه يمكن تقنين مواعيد الإغلاق بحيث تكون مناسبة ولا تعرض أصحاب المحلات للخسائر كأن تكون مثلاً إلي العاشرة شتاء والحادية عشر ليلاً صيفاً. وكان اللواء فؤاد الدنف -مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة للمرور المركزي- قد صرح بأن هذا القرار يحتاج إلي دراسة متأنية من جانب المختصين فهو ليس واقعياً ولن يحقق السيولة المرورية في ساعات اليوم بل سيتم توزيع الكثافة المرورية وساعات الذروة علي مدي ساعات العمل بدلاً من توزيعها علي مدار اليروم الكامل، مشيراً الي ان هذه الزيادة المرورية خلال هذه الفترة ستحتاج إلي جهد أكبر وأفراد أكثر من قوات المرور لمواجهته، كما ذكر أن هذه التجربة ليست جديدة علي مجتمعنا وإنما سبق تطبيقها في أواخر عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وكانت المحلات التجارية تفتح من العاشرة صباحاً حتي الثامنة مساء باستثناء يومي الاثنين والخميس، حيث كانت المحلات تغلق الساعة التاسعة مساء، لكن لم يستمر هذا النظام وسرعان ما فشل، لافتاً إلي أنه عند مواعيد الإغلاق المحددة كانت حركة المرور تصاب بالشلل التام. وأشار المستشار عادل الشوربجي - نائب رئيس محكمة النقض - إلي أنه يمكن إغلاق المحلات المقلقة للراحة فقط مثل الورش ومحلات السمكرة والتي تسبب ضوضاء وتلوثاً سمعياً وبصرياً وبيئياً، مؤكدا أن غلق المحلات لا يحتاج إلي قرارات ادارية فقط، ويراعي فيها ظروف كل محافظة فمثلاً محافظة الأقصر كيف سيطبق فيها مثل هذا القرار وهي بلد سياحي يرتادها السياح من كل البلاد ويخرجون ليلاً للبازارات والمحلات لشراء الهدايا والتسوق. وأشارت د. إنشاد عز الدين - أستاذ علم الاجتماع العائلي والمشكلات الاجتماعية - إلي أن هذا القرار سيؤدي إلي زيادة معدلات "التزويغ" من المصالح الحكومية وسيحقق خسائر كبيرة لأصحاب المحلات التجارية. وفي المقابل، أيد أصحاب بعض المحلات التجارية قرار غلق المحلات بمواعيد ثابتة خاصة الذين تعودوا علي إغلاق محلاتهم مبكراً منذ وقت طويل، حيث يري هاني عبدالمقصود - صاحب سلسلة محلات لبيع الملابس - أنه قرار حكيم، وأنه سوف يساعده علي الراحة والاهتمام أكثر بشئون بيته. بينما تتساءل سميرة - مدير محل اكسسوارات حريمي - كيف نغلق في الثامنة والجميع يأتون إلينا بعد السابعة لشراء احتياجاتهم؟ فطبيعة الأسرة اختلفت عن الماضي، والمرأة العاملة لا تفكر في الخروج من بيتها إلا بعد أن تحضر الطعام لأولادها والاطمئنان علي حالتهم الدراسية، والتأكد من تحصيلهم الدارسي ثم الخروج لاقتناء حاجتها الضرورية في وقت متأخر يتجاوز موعد الإغلاق الذي تقرر آنفًا، فكيف يمكنها شراء مستلزماتها الأسرية بعد غلق المحال التجارية.