رفض سياسيون مصريون ضغوط مؤسسة الرئاسة من أجل إقناع الأطراف الرئيسة للمعارضة بالانخراط في حوار وطني للخروج من الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد، بينما وافقت أغلبية الأحزاب والتيارات الإسلامية الحوار مع الرئاسة، وأوضح مراقبون أن الهدف من ضم رموز المعارضة هو توصيل رسالة للعالم الخارجي أن مصر يسودها روح من التفاهم، وأن الأزمة بين الرئاسة والمعارضة قد انتهت من خلال الحوار الوطني، بالإضافة إلى أن تأجيل قرض صندوق النقد الدولي جعل نائب رئيس الجمهورية المستشار محمود مكي يلهث وراء قيادات جبهة الإنقاذ مثل "محمد البرادعي، وعمرو موسى، وحمدين صباحي، والسيد البدوي، وغيرهم" من أحزاب وحركات وائتلافات ثورية لكيفية الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، وأكد الخبراء أن قبول الأحزاب والتيارات الإسلامية الدعوة أمر بديهي، حتى أن الليبراليين قالوا: "إن الإسلاميين يحاورون أنفسهم". وقال د. عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، دعوة مؤسسة الرئاسة والجمعية التأسيسية قوى المعارضة للحوار بأنه "هزلي"؛ لأن الرئاسة بمساعدة مؤيديها لم يستمعوا لنداءات القوى السياسية بوقف الاستفتاء، ومن ثم إجراء حوار وطني للوصول إلى نتائج ترضي الرأي العام الغاضب والساخط، مشيرًا إلى أن تقديم النائب العام "طلعت إبراهيم" استقالته كانت ضربة موجعة للرئيس مرسي، وانتصارًا جديدًا للمعارضة، ولذلك يلهث نائب الرئيس وراء رموز "جبهة الإنقاذ" ليجلسوا على طاولة المفاوضات لاستقرار البلاد، ومحاولة رأب الصدع؛ نتيجة انقسام مصر بين "إسلاميين مؤمنين وليبراليين كفار"، بالإضافة إلى أن اعتذار المستشار "زغلول البلشي"، أمين اللجنة المشرفة على استفتاء الدستور من عدم متابعة المرحلة الثانية من الاستفتاء جعل الرئاسة تقتنع بأن المعارضة تحقق مزيدًا من النقاط ضد الرئاسة. وأضاف د. مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن دعوة أعضاء التأسيسية وضغوط مؤسسة الرئاسة للحوار جاءت بعد رفض القوى السياسية دعوة "المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين"، متوقعًا رفض المعارضة مجددًا؛ لأن دعوة "المرشد" تتكرر ثانيةً ولكن بشكل رسمي من داخل مؤسسة الرئاسة؛ لأن مكتب الإرشاد والرئاسة "توأمان ملتصقان"، كما أن التحدث بمنطلق التمكن السياسي باعتبارها جماعة الأغلبية، وأن كافة التيارات الأخرى لا يمثلون إلا أقلية لن يفيد الحوار الوطني، والأحداث الأخيرة أثبتت أن توحد المعارضة يوازي توحد الإسلاميين، مستنكرًا وصف قيادات التيارات الإسلامية لرموز المعارضة بأنهم "خونة، وعملاء، ويستقوون بالخارج، ويدبرون مؤامرة للإطاحة بالرئيس"، ومن ثم يدعونهم للحوار للم شمل الدولة المصرية، بعد إصرار الرئيس وجماعته على تمرير الاستفتاء، وتحصين القرارات، وتزوير إرادة الشارع المصري. ومن جانبه أوضح عبد الغفار شكر، وكيل مؤسسي حزب التحالف الاشتراكي، أن الرئيس مرسي أنهى الحوار الذي جرى مع القوى المدنية بعدما أصدر الإعلان الدستوري الذي أهدر استقلالية السلطة القضائية، وقام بتحصين قراراته والجمعية التأسيسية لوضع دستور البلاد، مؤكدًا بأن مرسي كان يستطيع استدعاء القوى السياسية للتباحث بشأن إعلاناته الدستورية ولكنه تجاهل الجميع وأصدره بمعاونة بعض المستشارين المتواطئين، وعندما زحفت الجماهير المعارضة إلى قصر الاتحادية أُصيبت جماعة الإخوان المسلمين ورئيسهم بحالة من الذهول السياسي؛ نظرًا للحشد الضخم، وقرروا دعوة قوى المعارضة إلى الحوار ولم يذهب سوى "الأحزاب الإسلامية" المؤيدة دومًا، وكان مشهد لا يليق؛ لأن الإسلاميين كانوا يحاورون أنفسهم، موضحًا بأن "جبهة الإنقاذ" ترفض المشاركة في الحوار الذي تنوي مؤسسة الرئاسة عقده؛ لأنه لم يعد للحوار أية فائدة تذكر بعد إصرار الرئيس على "الاستفتاء"، وإقرار الدستور "المعيب"، ومن ثم التصديق عليه بعد استفتاء الشعب، متسائلًا: كيف تدعو مؤسسة الرئاسة المعارضة إلى حوار بعد تنفيذ ما أقروه بعيدًا عنها؟، واصفًا ذلك بأنه يشبه إسرائيل في بناء المستوطنات على أرض فلسطين، والقاعدة تقول: "اضرب وبعد ذلك تفاوض". ويرى د. فريد زهران نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي، أن حالة الانقسام التي تعيشها البلاد يُسأل عنها الرئيس "محمد مرسي"؛ لأنه المسئول عن ذلك، من خلال إصدار إعلان دستوري "عقيم" أحدث شرخًا في العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والتيارات الإسلامية من جانب وبين القوى الليبرالية والحركات الثورية من جانب آخر، مشيرًا إلى أن تدخل مؤسسة الرئاسة لإلغاء الحوار الذي دعا إليه وزير الدفاع "عبد الفتاح السيسي" كان رغبة إخوانية؛ لأنها تعلم جيدًا أن المؤسسة العسكرية قادرة على رأب الصدع الموجود بين القوى السياسية بجناحيها "اليبرالي والإسلامي"، ولذلك يحاول نائب الرئيس إيجاد صيغة تفاهمية مع قوى المعارضة للوصول إلى أنسب رؤية ليجلسوا على مائدة الحوار مع الرئيس. واستنكر د. إبراهيم درويش رئيس حزب الحركة الوطنية المصرية "تحت التأسيس"، دعوة مؤسسة الرئاسة للحوار، واصفًا إياها بأنها غير جدية وتفتقد للمصداقية، وجاءت لتمرير دستور طائفي تم الحشد والتصويت له باسم الدين، رافضًا الجلوس للحوار مع من استحل إراقة دماء المصريين من خلال "ميليشيات" جماعته الفاشية، واتهم المعارضة بالخيانة والكفر، ولم يستطع تحمل مخالفة رأية، مؤكدًا بأن القوى السياسية ستذهب للحوار في حال إسقاط الإعلان الديكتاتوري، وإلغاء الاستفتاء على الدستور، وتشكيل جمعية تأسيسية جديدة تضع دستورًا جديدًا يؤسس لدولة القانون. بينما يرى محمود عفيفي المتحدث الإعلامي لحركة شباب 6 أبريل، أن دعوة أعضاء التأسيسية لرموز المعارضة والقوى الثورية إلى الحوار داخل مؤسسة الرئاسة نوع من "التضليل والمراوغة" واستكمال لمسلسل الخداع باسم القانون والشرعية؛ لأن الرئاسة فعلت ما تريده ولم تهتم بالمعارضين، فلماذا تدعوهم الآن في ظل إجراء الاستفتاء، وحصار المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي؟! موضحًا بأنه لا ينبغي أن تضع مؤسسة الرئاسة المعارضة تحت إجبار قبول الدستور على عوار، أو يستمر العمل بالإعلان الدستوري؛ لأن الحوار يؤدي إلى التفاف مجددًا على المطالب السياسية والشعبية المعارضة لسياسة الرئيس مرسي المستمدة من جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الجانب الآخر قال د. صفوت عبد الغني، رئيس المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية المنبثق عن الجماعة الإسلامية: إن الحوار بين الرئيس والقوى السياسية "حوار مفتوح" مع المعارضة، وعليهم أن يقبلوا الدعوة حتى تنطفئ نار الانقسام، والفتنة التي أصابت المجتمع السياسي، خاصةًَ وأن الحوار ليس له أي سقف محدد، وسوف يتم مناقشة جميع الموضوعات السياسية المختلف حولها، مشيرًا إلى أن عدم استجابة "جبهة الإنقاذ" للدعوة مزايدة غير مقبولة، فالهدف ليس استفتاء ولا دستور ولا إسقاط إعلان دستوري، بل الهدف هو الاستيلاء على السلطة وإسقاط نظام شرعي للبلاد. وشدد د. أحمد أبو بركة المتحدث الإعلامي لحزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، على ضرورة قبول الأطراف المعارضة لدعوة مؤسسة الرئاسة حرصًا على تفادي أخطاء الماضي، كما أن عدم قبول الدعوة مرفوض؛ لأن الجميع لجأ إلى الاحتكام إلى الصندوق من خلال "الاستفتاء"، ولو خرجت النتيجة ب"لا" سيمتثل التيار الإسلامي بذلك، وعلى قوى المعارضة أن تتقبل "نعم"، لنبدأ من جديد على دستور يليق بمصر الثورة، ونبني سويًا أركان ومؤسسات الدولة المنهارة اقتصاديًا وسياسيًا، رافضًا ما تقوم به "جبهة الإنقاذ الوطني" برفض الدستور ونتيجته في حال الموافقة عليه؛ لأنهم بذلك يقومون بالوصاية على الشعب المصري الذي يرفض هذه الوصاية، واستخدام حقه الديمقراطي في إبداء رأيه بكل حرية وبدون ضغط.