الصحة: «المسؤولية الطبية» دخل حيز التنفيذ.. ولن ننتظر ال6 أشهر الخاصة بالتفعيل    تنطلق 31 مايو.. جدول امتحانات الصف الثالث الإعدادي التيرم الثاني 2025 في الشرقية    انطلاق المرحلة الأولى من الموجة ال26 لإزالة التعديات على أملاك الدولة في الفيوم    قانون الإيجار القديم... التوازن الضروري بين العدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية    ملك البحرين والرئيس السوري يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات    ناجتس وواريورز أبطال دوري NBA jr مصر في نسخته الثانية    الأهلي يحصل على توقيع محمد سيحا حارس المقاولون العرب    ابن يطلق النار على والده بسبب رفضه إعطائه أموال لشراء المخدرات في الفيوم    "بسبب ماس كهربائى" مصرع وإصابة ثلاثة أشخاص إثر نشوب حريق داخل حوش مواشى فى أسيوط    24 يونيو.. الحكم على 19 متهما ب«الانضمام لجماعة إرهابية» في المرج    وزير الصحة: نعمل على تفعيل المسئولية الطبية وتيسير اشتراطات تسجيل الأطباء في درجاتهم المختلفة    «الإحصاء»: 1.3% معدل التضخم الشهري خلال أبريل 2025    قرار تأديب القضاة بالسير في إجراءات المحاكمة لا يعتبر اتهام أو إحالة    38 درجة فى الظل.. الأرصاد تحذر المواطنين من الوقوف تحت أشعة الشمس    تفعيل المسرح المتنقل والقوافل للوصول بالخدمات الثقافية لقرى شمال سيناء    وصول جثمان زوجة محمد مصطفى شردى لمسجد الشرطة    مهرجان SITFY-POLAND للمونودراما يعلن أسماء لجنة تحكيم دورته 2    بريطانيا.. فوز «الإصلاح» تغيير فى المشهد السياسى    مديرية أمن القاهرة تنظم حملة تبرع بالدم بمشاركة عدد من رجال الشرطة    بيتر وجيه مساعدا لوزير الصحة لشئون الطب العلاجى    طريقة عمل الكيكة بالليمون، طعم مميز ووصفة سريعة التحضير    شئون البيئة: التحول للصناعة الخضراء ضرورة لتعزيز التنافسية وتقليل الأعباء البيئية    وزير الخارجية يترأس الاجتماع الوزاري الرابع للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان    رئيس صحة النواب: مخصصات الصحة في موازنة 2026 الكبرى في تاريخ مصر    رئيس الوزراء العراقي يوجه بإعادة 500 متدرب عراقي من باكستان    «لوفتهانزا» الألمانية تمدد تعليق رحلاتها من وإلى تل أبيب    صحة غزة: أكثر من 10 آلاف شهيد وجريح منذ استئناف حرب الإبادة    جيروساليم بوست: ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    جامعة أسيوط تُشارك في ورشة عمل فرنكوفونية لدعم النشر العلمي باللغة الفرنسية بالإسكندرية    فيلم سيكو سيكو يواصل تصدر الإيرادات    أنغام تحيي حفلاً غنائيًا فى عمان وسط حضور جمهور كثيف وتقدم أكثر من 25 أغنية    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    أبرز ما تناولته الصحف العالمية عن التصعيد الإسرائيلي في غزة    الحكومة المكسيكية تعلن أنها ستقاضي "جوجل" بسبب تغيير اسمها إلى خليج المكسيك    وفود دولية رفيعة المستوى منها عدد من وفود منظمة (D-8) تزور متحف الحضارة    محافظ أسوان: توريد 170 ألف طن من القمح بالصوامع والشون حتى الآن    تنظيم ندوة «صورة الطفل في الدراما المصرية» بالمجلس الأعلى للثقافة    جنايات المنصورة...تأجيل قضية مذبحة المعصرة لجلسة 14 مايو    هيئة التأمين الصحي الشامل توقع اتفاقًا مع جامعة قناة السويس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الكلام وحده لايكفي !?    تعرف على مواعيد مباريات الزمالك المقبلة في الدوري المصري.. البداية أمام بيراميدز    المحكمة الدستورية تؤكد: شروط رأس المال والتأمين للشركات السياحية مشروعة    تحرير 16 محضرا لمخالفات تموينية في كفرالشيخ    المتحف المصري الكبير يستقبل فخامة رئيس جمهورية جزر القمر ووزيرة التعليم والثقافة اليابانية    أنشأ محطة بث تليفزيوني.. سقوط عصابة القنوات المشفرة في المنوفية    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    اليوم.. انطلاق الجولة 35 ببطولة دوري المحترفين    استثمارات 159 مليون دولار.. رئيس الوزراء يتفقد محطة دحرجة السيارات RORO    «الصحة» تعلن تدريب أكثر من 5 آلاف ممرض وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات    خبر في الجول - زيزو يحضر جلسة التحقيق في الزمالك    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية السبت 10 مايو 2025    موعد مباراة الاتحاد السكندري ضد غزل المحلة في دوري نايل والقنوات الناقلة    حبس لص المساكن بالخليفة    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن : اضطراب استراتيجية الدفاع الإسرائيلية
نشر في الزمان المصري يوم 25 - 09 - 2014

الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة صدمت قيادة أركان جيش العدو، وأربكت حكومته، وهزت أحد أهم أسس استراتيجية الدفاع العسكرية منذ أن تأسس الكيان، ألا وهي الحرب والقتال داخل أرض الخصم، وعدم السماح بنقل المعركة إلى داخل الكيان الصهيوني، الذي لا تسمح بنيته المدنية، ولا تركيبته السكانية، ولا استعداداته النفسية، ولا تجهيزاته الداخلية بتحمل تبعات ونتائج وتداعياتٍ حربٍ تدور بينهم، وقتالٍ يتم في مناطقهم وشوارعهم، وبين سكانهم وفي أبنيتهم، على وقع صواريخ تسقط على رؤوسهم، وطائرات تحلق في سمائهم.
قبل العدوان على قطاع غزة، كان السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله قد نبه الإسرائيليين وحذرهم من أن الحرب القادمة ستكون في شمال فلسطين، وأن قواعدها ستكون مختلفة، ومغايرة لما سبقها، إذ سيأمر رجاله بالسيطرة على مدن ومناطق شمالية داخل الكيان الصهيوني.
تصريحات السيد حسن نصر الله أخافت الإسرائيليين وأقلقتهم، فهو يعمل على جميع الأصعدة كجيش نظامي، ذي كفاءة قتالية عالية، ويبني قدراته الاستخباراتيّة، ومجهّز بطائرات بدون طيّار، ويملك محطات للمراقبة، ويدير شبكة حديثة للاتصالات، لكنها لم ترتقِ إلى درجة الفعل، وتوقع بعض الإسرائيليين أنها تأتي ضمن الحرب الدعائية والنفسية بين الطرفين، وأنها جاءت للتأثير على الروح المعنوية للمواطنين الإسرائيليين، والحط من نفسياتهم المهزوزة الخائفة.
إلا أنهم يعتقدون أن حزب الله في هذه المرحلة لا يملك أي سبب يدفعه لزجّ نفسه في مواجهة أخرى مع إسرائيل، لكنه من ناحية أخرى، يواصل تنمية تنظيمه بشكل مكثّف على المدى البعيد، مع تحسين قدرات التنظيم وتدريبه، وتخزين وسائل ستمكّنه في الجولة المقبلة من شنّ حرب من نوعٍ مختلفٍ.
إلا أن المقاومة الفلسطينية في غزة قد سبقت ونجحت، إذ قاتلت أكثر من مرة على أرض الخصم، وتسللت خلف خطوط النار، ونجحت في أكثر من عملية إنزال بحري والتفاف بري، فأكدت للإسرائيليين أن أحد أهم القواعد الاستراتيجية التي اعتمدتها في الدفاع عن نفسها قد سقطت، أو أنها أصبحت آيلة للسقوط، وأن المقاومة الفلسطينية باتت قادرة على تجاوز هذه القاعدة وإبطالها، فخبراتها تراكمت، وقدراتها تعاظمت، وروحها المعنوية في تزايد، وثقتها في نفسها ورجالها باتت جداً كبيرة.
بدأ الإعلام الإسرائيلي بعد الحرب يتحدث عن إمكانية احتلال مناطق إسرائيلية حدودية، في الشمال من قبل حزب الله، وفي الجنوب من قبل المقاومة الفلسطينية في غزة، ولا يستبعد أن تقع أحداثٌ مماثلة في القلب والوسط المتاخم لمدن ومخيمات الضفة الغربية، والقريب جداً من الحدود الأردنية، حيث الكثافة السكانية الفلسطينية الأكبر، والتي تتطلع أيضاً كفلسطينيي الداخل إلى خوض حربٍ لاستعادة الأرض والعودة إليها.
كما لا يشطب الإسرائيليون من حساباتهم الكتلة الفلسطينية العربية الكبيرة، والتي بات عددها يناهز المليوني فلسطيني، ويرى الكثير منهم أنهم إلى جانب كونهم قنبلة سكانية موقوتة، وهي قنبلة جداً خطرة بالنسبة لهم على المدى الاستراتيجي طويل الأمد، فإنهم يشكلون خطراً أكبر في حال نشوب معارك على الأرض، إذ من المتوقع أن يكونوا ضمن المعركة، إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين، الأمر الذي من شأنه أن يعقد من الصورة المتوقعة، والتي تظهر حجم المأساة، وعمق الجرح، وفداحة الخطب.
الإسرائيليون قد عادوا إلى الوراء عقوداً، وكأن الصراع قد بدأ من جديد، وعاد إلى مربعه الأول القديم، فأصبحوا ملزمين بحماية حدودهم كلها، مع مصر والأردن، وسوريا ولبنان، ويلزمها حماية شواطئها البحرية، ومصالحها في عرضه، فالخطر يتربص بها من كل الحدود، وبات يتهددها من عرض البحر ومن عمق الأرض، وقد ينفذ إليها مستغلاً أضعف النقاط، وأقلها حمايةً وحذراً، الأمر الذي يجعل مستقبلها في خطر، وبقاءها غير مستقر، وتفوقها على العدو والجوار غير دائمٍ.
يعتقد الإسرائيليون أن استراتيجية المقاومة القديمة، القائمة على إطلاقٍ كثيفٍ للصواريخ على الجبهة الداخلية، بهدف تعطيل الحياة اليومية فيها، وتوجيه ضربة للاقتصاد، وإحداث خسائر، وخوض حرب عصابات ضدّ الجيش في المناطق الجبلية، الحرجيّة والمبنيّة، باستعمال ما تختاره من أسلحة، كالنيران المضادة للدروع، والعبوات الناسفة القوية والكمائن وغيرها، قد بقيت مفرداتها، ولكن تغيرت قوتها وفعاليتها، وأضيف إليها عنصر جديد هو الأهم والأخطر، والأكثر فاعلية وأثراً، وهو التوغل الميداني والقتال البري داخل المناطق السكانية.
الاستراتيجية الدفاعية والقتالية الإسرائيلية، ومخططات البقاء والحفاظ على الوجود، وكل سيناريوهات إضعاف العدو وهزيمته، تقوم على قاعدة ضرب الخصم في مواقعه، واحباط قدراته في قواعده، وإفشال مخططاته في مهدها، وتصفية عقوله على الأرض، ومنع تطوير قدراته في الميدان، والحيلولة دون احساسه بالراحة، أو خلوده إلى النوم أو الاطمئنان، وتعتمد سياسة مواصلة الضرب المفاجئ، والاستهداف الاستباقي، والاجهاض المبكر، الأمر الذي من شأنه أن يؤخر التجهيز والإعداد، وأن يربك الخطط والترتيبات، كما أنه يخلق اليأس والاحباط لكثرة عمليات الاستهداف المبكر والمفاجئ.
يتساءل الإسرائيليون هل بات الجيش الإسرائيلي الذي تعرض لنكساتٍ عديدة، أضرت ببنيته النفسية وقدراته القتالية، في الوقت الذي تعاظمت فيه قدرات الخصم، وتنوعت أسلحته، وزادت قدرتها الوصول والإصابة والفتك، قادراً على حسم المعارك بسرعة، وهل يستطيع الاستدارة الكاملة ونقل المعركة إلى أرض العدو في حال نجاحه في التسلل أو الالتفاف، أو في حال سيطرته بالفعل على مناطق استراتيجية مأهولة بالسكان، وفيها الكثير من الأهداف.
العدو الإسرائيلي يدرك يقيناً أن المعادلة قد تغيرت، وأن قواعد الحرب قد تبدلت، فهو يريد خوض معاركٍ لا يخسر فيها جنوداً، ولا يواجه فيها مقاومة، ولا تعترض عملياتِه أنفاقٌ ولا مفاجئات، ولا صواريخ تنطلق ولا عبواتٍ تنفجر، ولا يتأخر في حسمها أياماً، ولا يقع فيها جنوده أسرى، ولا مواطنوه رهائن، ولا يشكو منها مستوطنوه، ولا يتذمرون من طول أمدها، ولا يعانون من شواظها، ولا يضطرون فيها للهروب أو النزول إلى الملاجئ، ولا للهجرة من البلاد أو الهروب من البلدات، لكن الواقع يكذبه، وكوابيس الحرب توقظه.
إنه لا يريد رجالاً أمامه، ولا أبطالاً تقاومه، ولا شعباً يصده، ولا إرادةً تفله، ولا عزماً يذله، ولا قوةً تقهره، بل يريد مقاومةً مخصية، ضعيفة مترددة، تجعجع ولا تقاتل، وتهدد ولا تفعل، وتهرب ولا تثبت، وتسلم وتخضع، وهذا أمرٌ بات في عرف المقاومة مستحيلاً، ولعل فعلها على الأرض أصدق أنباءً من الكتب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.