6 شهداء في قصف الاحتلال خيمة نازحين بمواصي خان يونس    الاتحاد الأوروبي: نعول على لقاء ترامب في نزع فتيل الحرب التجارية مع واشنطن    بعثة الأهلي تتوجه إلى تونس العاصمة    فوت ميركاتو: كوكا يقترب من الانضمام للاتفاق السعودي    نقابة الممثلين تعلن تضامنها مع وفاء عامر ضد الحملات المسيئة    سميرة عبد العزيز في ضيافة المهرجان القومي للمسرح    الإنجيلية تعرب عند تقديرها لدور مصر لدعم القضية الفلسطينية    سعر الفضة اليوم السبت 26 يوليو 2025.. عيار 925 يسجل رقمًا جديدًا    بحوث تكنولوجيا الأغذية يواصل تنفيذ خطة رفع كفاءة طلاب الجامعات المصرية    انخفاض سعر الدواجن المجمدة ل 110 جنيهات للكيلو بدلا من 125 جنيها بالمجمعات الاستهلاكية.. وطرح السكر ب30 جنيها.. وشريف فاروق يفتتح غدا فرع جديد لمبادرة أسواق اليوم الواحد بالجمالية    مركز التجارة الدولي: 28 مليون دولار صادرات مصر من الأسماك خلال 2024    الضرائب: إلزام فئات جديدة بإصدار إيصالات إلكترونية في هذا الموعد    بعد إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025.. مؤشرات تنسيق كليات جامعة الأزهر طب 93.69%.. هندسة 88.62% (رابط)    حزب الجبهة الوطنية يختتم دعايته ب8 مؤتمرات جماهيرية قبل الصمت الانتخابي    قناة سورية رسمية: دمشق تحمّل تل أبيب مسؤولية التصعيد في السويداء خلال اجتماع غير معلن بباريس    السيسي وماكرون يبجثان جهود وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الرهائن وإيصال المساعدات    تايلاند: تمكنا من ردع قوات كمبودية في أربع مناطق وتم إجلاء 4000 شخص من سا كايو    لن توقف المجاعة.. مفوض «الأونروا» ينتقد إسقاط المساعدات جوا في غزة    الدفاع المدني في غزة يحذر من توقف مركباته التي تعمل في التدخلات الإنسانية    مصر تدعم أوغندا لإنقاذ بحيراتها من قبضة ورد النيل.. ومنحة ب 3 ملايين دولار    كمال أبوعيطة: إسرائيل العدو الأول للعرب ولا نستطيع مواجهتها بدون اقتصاد وطني    إيفرتون ينضم لمعسكر بيراميدز.. ومصدر يكشف تفاصيل الصفقة المالية (خاص)    مطالبات في المصري بالتجديد لمحمود جاد    لاعب الزمالك على أعتاب الانتقال لفاركو    المدرسة الأمريكية تقترب من القيادة الفنية لرجال الطائرة بالأهلي    إنتر ميامي يتعاقد مع الأرجنتيني دي بول لاعب أتلتيكو مدريد    حفيد الإمام محمود شلتوت الأول على الجمهورية بالثانوية الأزهرية: أسرتي كانت الداعم لي    أبو ليمون يهنئ أوائل الثانوية الأزهرية من أبناء محافظة المنوفية    بعد إصابة 34 شخصًا.. تحقيقات لكشف ملابسات حريق مخزن أقمشة وإسفنج بقرية 30 يونيو بشمال سيناء    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار بمدينة إسنا خلال توديع أبناؤها قبل السفر    "القومي للطفولة" يشيد بقرار محافظ الجيزة بحظر اسكوتر الأطفال    وزير الأوقاف يحيل مخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة    حبس أنوسة كوته 3 أشهر وتعويض 100 ألف جنيه في واقعة "سيرك طنطا"    بسبب 19 تذكرة.. دور العرض ترفع فيلم في عز الضهر من شاشاتها    سميرة عبد العزيز في ندوة تكريمها من المهرجان القومي للمسرح: أحب الدور المفيد للجمهور    رامى عاشور: مصر تعطل أهداف الإبادة فى غزة وتحافظ على بقاء النبض الفلسطينى    الإفتاء ترد على الجدل الدائر: لا خلاف بين العلماء على تحريم الحشيش    ما حكم تعاطي «الحشيش»؟.. وزير الأوقاف يوضح الرأي الشرعي القاطع    توقيع الكشف الطبي على 392 مواطناً بقافلة جامعة المنصورة بالشيخ زويد    الصحة: مصر تستعرض تجربتها الرائدة في مبادرة «العناية بصحة الأم والجنين»    إصابة سيدة في انهيار منزل قديم بقرية قرقارص في أسيوط    إصابات في هجمات روسية جديدة على مدينة خاركيف الأوكرانية    محافظ أسوان يتفقد نسب الإنجاز بمشروعات المياه والصرف ميدانيًا (صور)    هل اقترب انضمام محمد إسماعيل للزمالك؟.. مصدر يوضح    أسوان تواصل توريد القمح بزيادة 82% عن العام الماضي (صور)    الصحة تدعم البحيرة بأحدث تقنيات القسطرة القلبية ب46 مليون جنيه    ماذا تأكل صباحًا عند الاستيقاظ منتفخًا البطن؟    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 154 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات في مواعيدها    رسميًا إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 بنسبة 53.99% (رابط بوابة الأزهر الإلكترونية)    "الثقافة صوت الأمة وضميرها" وزير الثقافة يهنئ المبدعين بيوم الثقافة العربية ويدعو لتعزيز الهوية وصون التراث    النيابة تقرر إعادة استجواب الطاقم الطبي لأطفال دلجا بالمنيا    وزير الثقافة ناعيًا الفنان اللبناني زياد الرحباني: رحيل قامة فنية أثرت الوجدان العربي    يوم الخالات والعمات.. أبراج تقدم الدعم والحب غير المشروط لأبناء أشقائها    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 26-7-2025 بالمنوفية.. البصل يبدأ من 10 جنيهات    كيف احافظ على صلاة الفجر؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد ظهور نتيجة الثانوية 2025.. وزارة التعليم: لا يوجد تحسين مجموع للناجحين    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعند من موج: بلال يواجه دولة
نشر في الواقع يوم 04 - 05 - 2012


بقلم جواد بولس
كانوا ثلاثة قضاة، دخلوا قاعة المحكمة العليا متعبين مِن هَمّ أحلامهم، أو ربما من سهر وقد عزّ المنام في ليل ككل ليل، لا يكون إلّا صدى لذبائح النهار.
ليل القضاة شوك ووسائدهم دمع وضجيج ووجع أمّهاتٍ بكين كصبح يبكي نرجسة قطٌعها سيّاف الظلام. ثلاثة، يدخلون بروتين مَن ألف المكان وأكثر. سادة يدلفون بسَكينة مصطنعة وبرؤوس تحلٌق وكأنها قبالة مرآة.
يغطسون في كراس كبيرة كحجم العدل، فيحكمون القعدة عليه بحرفية ومهنيّة لا يُحسدون عليها، متعمدين أن لا ينظروا في عيون من يملؤون القاعة من محامين ومدّعين وفرقاء، كخبراء في علم "الانطباع والاضباع" وكسادة للكرسي، يوعزون للرائي كُبرة وأبّهة وعصمة، لأنّهم يعرفون أن العدل (في البداية والنهاية) يجب أن يُرى أو يشمّ أو يُهيأ، أما إحقاقه فكان دائمًا مسألة فيها نظر أو عمى، وكلاهما سيجد "نطاسيين" يبررونه ويسوِّقونه.
يومهم مثقل كيوم "حسبة". على الطاولة، أمامهم، أكوام من حصاد مجتمع، النصرةُ فيه لعصا السلطان "وقطاريز" السلطان. حاجب يصرخ ليذكّر بالمكان: "محكمة". القاعة الملأى بمتظلمين ومتظالمين من كل عرق ولون ولسان، تقف إجلالًا من وهْم أو لأمنية. سكون. والبعض بخشوع حجّاج مساكين، لجأوا إلى حكماء الهيكل يلتمسون العدل من بيت ما زالوا يحسبونه بيتًا للفضيلة وحصنًا للعرق والتراب. الأوسط في القضاة، شيخ الديوان، يهمس لمتدرب شاب يجلس تحتهم، اسم ورقم الملف. بفرح طاووس وبرقبة منتصبة كمقاتل إسبارطي، يقف هذا الذي بنعمة أسياده يتحفز كصاروخ ويعلن أسماء الفرقاء ورقم القضية. ينادي ويجلس على كرسيه. يطأطئ القاضي صوب الطاولة وبنظرة نصفها عالقة على صفحات الملف ونصفها بتثاقل ترتفع باحثة عن المحامين المسجلين في القضية، يتمتم اسم المحامي وبحركة محترفين يوهمك كأنه يفتش عليه. بالمقابل وبنفس الوقت وبحركة شبيهة يقف المحامي ويطمئن القاضي بنعم سيّدي.
كما في المسارح، الكل يقوم بدوره المعد وكأنه العرض الأول، فجميعنا كنا هناك وجميعنا نعرف جميعنا، إلٌا أولئك الذين حضروا ولم يعرفوا أن ما كان معدّا ليكون "ديوان مظالم" تحوّل وأصبح ديوانًا للقوي وللظالم.
ننتظر بهدوء مغلوب على أمره. الوقت في قصر العدل الأعلى وقتهم لا وقتك. يأمرونك بساعة الحضور والبقية عندهم. فللدواوين أصول. سمعنا ما سمعنا من حكايا صندوق العجب، إلى أن همس شيخ الديوان فنادى المنادي: "بلال دياب ضد القائد العام لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي في المنطقة وضد آخرين".
ذهلت. من هذا البلال الذي يقف لوحده ضد هذه الدولة وجيشها؟ كيف يا بلال استطعت أن تغرر بي حين عدتك في مستشفى "أساف هروفيه" وكيف جعلتني أصرخ لأنهم صفدوك بستة أصفاد وربطوا سيقانك معًا ومعًا ربطوها في ذراع السرير وربطوا كذلك يدك اليسرى؟ كيف استنفرت دمعة عيني حين أخبرتني أنك لا تستطيع الحراك ولا النوم على سيفك أو على بطنك أو على ظهرك؟ كيف يا بلال ونحن نعلنها هنا، في قصر عدل السلطان وفي بلاطه، أنك ضد جيشه والدولة وضد نياباتهم وضد محاكمهم العسكرية؟ من قال يا بلال إن أمثالك بحاجة لتهمة ولوائح ومحاكم ودفاع؟ فمثلك خطر على هذه الدولة وجيشها وشعبها وإن نقصت الحجة وغاب البرهان، فها أنت تعلنها حربًا بيضاء، حرب من ندى وأقواس قزح، فلم تبق فيها للدولة وجيشها ركنًا آمنًا ولا ترسًا ولا ملجأً.
مكانك، يا بلال، في اللامكان أو، وعليك بهذا أن تفرح، وراء القضبان. أمثالك غير جديرين بالشمس ولا بصوت الكناري. إنك خطر قاتل يا بلال، ويا حفيد بلال، فكيف تجرؤ وتقاطع زادهم ولا تشرب من شرابهم ودوائهم؟ كيف تبرع في تغيير لونك الزاهي، لون الصباح والشباب، إلى لون الليمون وورق الخريف. إنّك تستغبي وتستضعف، فماذا لو خسرت كل هذا اللحم والشحم وحليب الأرض ولم يبق إلا بعض قلب وصلاة، إنك بلال وستبقى ابن الرعاة وابن الفلاة، من صخرة التاريخ صقلتك الأيام ومن بقايا غمام.
سارحًا كعاشق وقفت. مسحت جبيني من بقايا تعب وخبأت دمعة وقفت منذ تركته في المستشفى محاطًا بأربعة حرّاس متخصصين في حراسة الأحلام والأنفاس. صوته الذي كان من عزة تماوج في أذني: " زادي حريّتي وهذه سأحظى بها حتمًا في بيتي أو في الجنة"، قالها حين اقترح عليه ضابط سجّان أن نشرب القهوة معًا في سريره الذي من وجع.
نعم هو هذا البلال الذي بقوة ضعفه الجسدي يقاوم قرارًا عسكريًا تعسّفيّا يسلبه حريّته وكرامته. هذا هو بلال ابن الحياة الصارم المحب. وهو بلال الذي وعدته أن نمسح عن جبين الصبح دمعة ومعًا نحاول أن نضيء للسراة شمعة.
وقفت وقلت للقاضي نعم أنا أمثل بلال دياب، وعنه سوف أحدثكم، عن بلال الذي من لحم ودم وبحر، عن ذلك الحر الكريم وعن عاشق من حقل الرعاة مؤمن ثابت صبور وكالموجة عنيد، بلال الذي فيه لم تقل العرب "أعند من موج". عنه سأحدثكم وأغادر لآوي في المساء إلى فراشي ووسادتي التي من شوق فصباحي ميعاد مع موجة ورمل.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.