القضاء هو الحصن الأخير الذي يحتمي به المصريون من جبروت السلطة التنفيذية ولو في حدود معينة يتغلب عليها الجانب المعنوي أكثر من التطبيقي، بمعني أنه قد يحصل المواطن علي البراءة في ساحات القضاء لكنه ليس بالضرورة أن ينعم بها فالمعتقلات ربما تكون في انتظاره، علي أي حال ما نود قوله إنه ليس من مصلحتنا ولا حتي مصلحة النظام إرهاب القضاة، ولسنا مع عدم محاسبة المخطئين منهم باعتبارهم بشر أولاً وأخيراً، لكن ما نريده أن يكون ذلك في اطار لائق يحفظ كرامتهم وهيبتهم وقدرتهم المطلقة علي النطق بالعدالة · نقل تبعية الجهاز من وزارة العدل ضرورة حتمية لحماية حقوق وكرامة القضاة · مفتش يضغط علي رئيس محكمة لتقديم استقالته مقابل تعيين أبنائه في السلك القضائي · وثالث يسأل سكرتير جلسة عن تقاضي قاض لرشوة ويتطرق إلي أمور لا علاقة لها بالتحقيق · وآخر يسأل محاميًا عن سمعة القاضي الذي يقف أمامه خصماً جهاز التفتيش القضائي التابع لوزارة العدل لا يحقق هذا الهدف النبيل بطبيعة الحال ويتعامل معهم كما لو كانوا مجرمين وفقاً لما جاء في تقرير صادر بهذا الشأن عن لجنة تقصي الحقائق التابعة لنادي القضاة من خلال رصد لبعض المواقف المسيئة لرموز العدالة وهو التقرير الذي تنفرد «صوت الأمة» بنشره عن لجنة تقصي الحقائق برئاسة المستشار فؤاد راشد رئيس محكمة الاستئناف وعضوية القضاة محمد حسين عمر ومصطفي أبوزيد ووليد الشافعي رؤساء محاكم الاستئناف حول إحالة القضاة إلي لجان الصلاحية وما يتعرضون له من ضغوط تصل إلي حد اجبارهم علي الاستقالة مع وعدهم بمزايا في مقدمتها تعيين أبنائهم في السلك القضائي. ويرصد التقرير نماذج من الممارسات المرفوضة ضد القضاة ومنها مثلا أن أحد القضاة وهو عضو في احدي الدوائر شكا من تعرضه للضغط للتوقيع علي الأحكام بعد انتهاء زميليه في الدائرة إلي رأي قانوني في بعض القضايا يخالف رؤيته ولذا رفض التوقيع. قاض آخر شكا من اتهام محام له بأمور تمس سمعته دون مبرر بعد اختلاف المحامي مع والدة القاضي الذي كان وكيلاً لها في إحدي القضايا. وشكا القاضي من بطلان شاب تشكيل لجنة الصلاحية فيما نسبه له المحامي من اتهامات غير مبررة استناداً إلي أن رئيس اللجنة أمر - دون أن يملك هذا الحق - بتشكيل مجلس صلاحية يضم قضاة غير الذين تم اخطارهم. كما تعرض رئيس محكمة سابق إلي ضغط من أحد المفتشين القضائيين الكبار لتقديم استقالته مع اغرائه بعدد من المزايا وشكا القاضي من أن التحقيق كان مشبعاً بالتخويف ولم يطلعه المفتش القضائي علي الشكوي المقدمة ضده وعمد إلي الضغط علي أعصابه من خلال أسئلته عن أمور بدت له غريبة كسؤاله عن أخ له وأحواله ونحو ذلك كثير. الأخطر كان في تعرض أحد القضاة للحبس احتياطياً سنتين ونصف السنة ثم ظهرت بعد ذلك براءته رغم وجود بطلان شاب اجراءات نظر دعوي الصلاحية لأن أحد المسئولين الكبار بالقضاء كان يترأس لجنة الصلاحية وسبق أن اشترك في اجراءات الدعوي الجنائية ضده.. ويعتبر ذلك بمثابة رأي أبداه رئيس اللجنة.. وهو أن يلقي بظلاله علي اجراءات نظر الطعن اعمالاً لحكم المحكمة الدستورية العليا. وشكا أحد وكلاء النيابة في احدي المحافظات من تعرضه قسراً لأخذ عينة من دمه لتحليلها لبيان ما إذا كان يتعاطي موادا مخدرة وثبت أنه لا يتعاطي مخدرات. وكانت المناسبة - حسبما ادعي ضده - أنه يتصرف بشئ من العصبية وقد ثبت من الاطلاع علي التحقيقات أنه طلب إلي وكيل النيابة أخذ عينة من دمه لتحليلها ولم يكن أمامه سوي الاستجابة، مما رأت معه اللجنة أنه لم يكن ثمة مسوغ قانوني نهائياً يبرر اخضاعه لتحليل دمه بما يسئ لكرامته الإنسانية وكرامة القضاء معاً وهو أمر تبدي اللجنة إزاءه خالص أسفها. وشكا رئيس محكمة سابق من المفتش القضائي عندما سأل أحد المحامين عن سمعة القاضي بين المحامين وبين المتقاضين دون مقدمات تؤدي إلي مثل هذا السؤال، كما سأله دون مناسبة عن علاقة القاضي بالتجار في احدي محافظات القناة. وسأل المفتش محاميا آخر عن مسلك القاضي سالف الذكر بوجه عام وعن مدي وجود علاقة له مع التجار دون مناسبة للأسئلة كما سأل دون مناسبة سكرتير الجلسة عن تقاضي القاضي رشوة لقاء اعادة دعوي للمرافعة ولم يكن السياق يدعو إلي ذلك السؤال، كما تطرق المفتش إلي سؤال الحاجب بوجه عام عن تصرفات القاضي. ورأت لجنة تقصي الحقائق أن المحقق تطرق إلي أمور غير مطروحة وتوجه بأسئلة تنال من كرامة القاضي والقضاء دون أي مسوغ أو داع وأن بعض الأسئلة لم تتعلق بوقائع وإلا لجاز سؤال أي شاهد عنها، ولكن كيف يستقيم أن يستفتي المحامون عن آرائهم في شخصيات القضاة وهم يمثلون خصوماً وتتأثر نفسياتهم بما يصدر من القضاة من أحكام بما يخرجهم عادة عن نطاق الاعتدال في الرأي كما أنه لا يجوز اشعار المحامين أن مستقبل القاضي مرهون بما يبدون من آراء حول أشخاصهم بوجه عام لا إزاء واقعة محددة. بينما لا يستقيم منطقاً أن يكون للحجاب رأي في شخصيات القضاة وهو مرؤوسهم، ولا يستقيم أن يستقر في يقين الحاجب أن مصير القاضي معلق ولا جزئياً برأيه في شخصيته بوجه عام فذلك مما يهدر كرامة القاضي وكرامة القضاة وليس ما يبرر ما حدث من المفتش القضائي في هذه الحالة. وشكا رئيس محكمة سابق من أحد المفتشين الكبار من أنه لم يسمح له بالذهاب إلي دورة المياه مؤكداً أنه يختبر مدي صبره وتحمله.. كما رفض ذات المفتش أن يدخن القاضي سيجارة قائلاً له «هب إنك صائم» وأرهق عندالتحقيق معه الذي استمر أربع ساعات. وكشف التقرير أن أحد القضاة أحيل إلي الصلاحية وقد شكا من سوء المعاملة عند التحقيق معه والمفتش القضائي الكبير دخل عليه وهو يجلس باحدي غرف التفتيش وقال في حضور من شكوه «هؤلاء ضحاياك» وعندما حجز بأحد المستشفيات هدده المفتش القضائي هاتفياً بالذهاب إلي المستشفي بصحبة اثني عشر شاكياً إن لم يحضر لسؤاله وقال إن ذلك أدخله في نوبة عصبية هيستيرية وهو بالمستشفي، كما استدعي مجئ طبيب نفسي له. وبينما القاضي في التحقيق استدعت حالته طلب الاسعاف الطبي لأنه أغمي عليه، وقد هم أحد المفتشين فعلاً بطلب الاسعاف لكن أحد المفتشين المسئولين رفض وأمسك به عنوة فصرخ مما دعا أحد أقاربه الذي كان بصحبته خارج غرفة التحقيق للدخول علي أثر سماع صراخه، وأن هذا المسئول الكبير نفسه ضغط عليه لتقديم استقالته وكان يتردد كثيراً علي التحقيق.. ورأت اللجنة أن ما حدث يسئ للقاضي والقضاة لأن القاعدة في أي تحقيقات أنه مهما كانت جسامة الاتهامات التي تنسب إلي شخص ما فإنه لا يصح التحقيق معه وهو في حالة اعياء أو مواصلة التحقيق معه إن حل به الإعياء، ورأت اللجنة أن هذا إهدار لكرامة المحقق معه انسانياً وإهدار للعدالة معاً؟ لأن العدل الاجرائي يقدم حتي علي العدل الموضوعي فالدليل يهدر وإن صادف الحقيقة إن جاء علي حساب مراعاة القواعد الاجرائية واجبة الاتباع.. وطول التحقيق مع الإرهاق يجعله تعذيباً لا تحقيقاً. إذ ثبت أن القاضي سالف الذكر بدأ يعالج من أمراض استوجبت ملازمته الفراش والعلاج. وقد وقع في يقين اللجنة أن التحقيق مع القاضي تم علي نحو بالغ الإجهاد وأنه أجري بينما كان القاضي في حالة صحية سيئة وغير مواتية لاجرائه لاسيما بهذا التواصل المجهد للتحقيق ولم يتوقف الأمر عند هذه التجاوزات فقد شكا أحد القضاة عندما أكد أن أحد المفتشين القضائيين قد كتب مذكرة لكي يعضد الاتهامات ضده وأن مفتشا آخر كل همه انصرف إلي حشد أدلة الإدانة حتي أنه كان يلح علي بعض الشهود للخروج بما يدين القاضي السابق نفسه. وشكا أحد القضاة وهو رئيس محكمة سابق من وجوه ضغط حاصلها أن أحد المفتشين الكبار ضغط عليه للاستقالة ومفتش آخر قال له «انتظر يا...» خارج غرفة التحقيق حتي أفرغ من سؤال «....بك» يقصد شاكيه.. وظل القاضي واقفاً أكثر من ست ساعات متصلة في الطرقة أمام مكتب المفتش ثم أصدر المفتش أوامرا للقاضي بالانصراف والعودة في اليوم التالي وقال له «كيف نوقع بك». وقال القاضي انه مريض بالقلب وقد رق قلب أحد العمال لحاله ذات يوم لما وجد الإرهاق باديا عليه ففتح له مكتباً وأدخله ليجلس به، بينما كان أمر المفتش إياه أن يظل واقفاً ببابه..! بينما شكا قاض آخر من أحد المفتشين الكبار الذي أخذ يعدد له مزايا الاستقالة ميزة ميزة وأن من بين المزايا إمكان الالتحاق بالمحاماة وإمكان تعيين أولاده مستقبلاً بالقضاء علي خلاف ما إذا أقيل.. وقال له هناك فرق بين أن تقول لنا لا أريدكم وفرق بين أن نقول لك لا نريدك!! ورفض القاضي تقديم استقالته. وقد شكا أحد القضاة من الضغوط علي الشهود للشهادة ضده، وأن بعضهم قيد بالأغلال علي سبيل الضغط ليشهد ضده.. وشكا قاض آخر من التفتيش القضائي حيث سار التحقيق في البداية بحيدة، ثم تولي أحد المفتشين استكمال التحقيق وأداره علي نحو بوليسي حتي انه تم استدعاء القاضي وحقق معه ليلاً في الساعة العاشرة والنصف وأن المفتش اقتحم سيارة أحد المواطنين بتصور أنها سيارة القاضي آمراً سمكري سيارات بفتحها ثم قام بتفتيشها وتطرق إلي سؤال سمكري سيارات عن تجارة القاضي في جنوط السيارات دون أن يكون بالأوراق ما يشير إلي شئ من ذلك. وراح يبحث عن أدلة الإدانة.. بينما أبدي المفتش أسفه عندما ثبتت براءة القاضي من شئ نسب إليه وقال له «انت بوظت لي موضوع العربية» ورأت اللجنة أن التحقيق تم في وقت متأخر من الليل بالتوقيت الشتوي، وأن المفتش سأل سمكري السيارات عن مدي تجارة القاضي في جنوط السيارات وعندما نفي الشاهد راح مرة ثانية يعيد السؤال عليه. وأن المفتش قام بعمل مجرد من الشرعية بتفتيشه للسيارة وفتحها دون إذن من الجهات المختصة.. والأنكي والأشد أن يندفع المفتش بحثاً عن الأدلة فيخرق القانون خرقاً صارخاً.. ورأت اللجنة أن هذه الواقعة علي درجة من الجسامة وأنه يتعين التحقيق فيها حتي لا يكون تطبيق القانون انتقائياً.. كما نوهت اللجنة إلي أن نفس المفتش القضائي قد ألح مكرراً نفس السؤال حول ما يسمي سمعه قاض يحقق معه رغم نفي الشاهد في البداية علمه بشئ يمس سمعة القاضي. وخلصت لجنة تقصي الحقائق بنادي قضاة مصر إلي جوانب ايجابية تحققت منها اللجنة وأخري سلبية من الأولي انه لم يدع أي القضاة ادعاء جازما بأن تعقبه بالتحقيق أو الاحالة للصلاحية تعلق بقضية معينة نظرها أو حكم في قضية ما أصدره.. الأمر الثاني انه لم يثبت أن واقعة مما سئل عنه القضاة قد اختلقت من عدم بل إن الوقائع جميعها وبلا استثناء لها طابع جدي وأصل ثابت وكل التحقيقات بدأت بشكايات عن وقائع جادة تستأهل التحقيق ومن الجوانب السلبية انتهاك حقوق وكرامة بعض القضاة والضمانات القانونية المقررة خلال التحقيق. إذ تواصل التحقيق في بعض الحالات لساعات طويلة ولم تراع الظروف الصحية السيئة لأحد القضاة الذي كان مصابا بتضخم في الطحال وتمت ملاحقته وهو بالمستشفي بسرعة التوجه إلي التفتيش القضائي لاجراء التحقيق.. الأمر الآخر أن بعض المفتشين القضائيين جعل كل همه البحث عن دليل إدانة للقاضي المحقق معه وفي سبيل ذلك لم يتورع عن إهدار كرامة القاضي والقضاء كما أهدرت المبادئ القانونية والدستورية من خلال اجراءات البحث عن الأدلة.. وجانب آخر أنه شكا أكثر القضاة من ممارسة أحد القضاة بالتفتيش القضائي ضغوط عليهم لدفعهم إلي الاستقالة وكتب مذكرة تدين أحدهم وتعزز الاتهام ضده. وبعض القضاة أكره إكراهاً لاعطاء عينة من دمه لاجراء التحاليل ولا يرد بأن الاكراه بعيد عن مجتمع القضاة لأن القاضي عندما يحقق معه لا يكون في وضع خيار كامل حر.. كما أن وزارة العدل لم تنفذ أحد الأحكام القضائية الصادر لصالح أحد رجال القضاة السابقين ومؤداه عودته للقضاء وجاء في توصيات تقرير اللجنة عدة توصيات منها ضرورة تعديل قانون السلطة القضائية بحيث يتضمن نصاً بضرورة حضور قاض بمحكمة الاستئناف بدرجة رئيس محكمة استئناف مع أي قاض أو عضو نيابة عامة يحقق معه أمام التفتيش القضائي وأن يبطل التحقق حال عدم دعوة رئيس محكمة الاستئناف للحضور والتحقيق من هذه الدعوة بشكل قطعي وذلك لضمان تحقيق كافة وجوه دفاع القاضي ومراعاة أعمال كافة ضمانات التحقيق وحيدته.. وعدم الضغط علي القاضي للاستقالة وعدم التحقيق معه في ظروف غير مواتية له. ورأت اللجنة أنه وإن كانت وزارة العدل يتولاها شيوخ أجلاء من القضاة أو رجال قانون بارزون فإن الضمانات المستقرة التي يعول عليها لحسن إدارة العدالة تتطلب العمل علي نقل تبعية التفتيش القضائي لمجلس القضاء الأعلي بدلاً من بقائها تابعة للحكومة ممثلة في وزارة العدل. وأخيراً تري اللجنة انشاء لجنة دائمة بمقر نادي القضاة من بعض شيوخ القضاة لتقصي الحقائق والمساعدة القضائية إلي أن يتم تعديل قانون السلطة القضائية علي النحو سالف البيان وتكون مهمتها تقديم المشورة القانونية لمن يطلب من رجال القضاء والمرافعة أمام دوائر الصلاحية، وطلبات رجال القضاء.