قبع تحت ظلال تلك الشجرة الوارفة... متكئاً على جذعها ألمسن المتجذر ، أزاح المنديل الذي غطى به رأسه وقاية من وهج شمس الصيف امتدت يده لتمسح العرق عن وجهه وصدره ... سحب نفساً عميقاً ثم أخرج من جيب حقيبته الصغيرة التي علّقها في رقبته وتدلّت من تحت كتفه الأيسر قنينة ماء بلاستيكية تجرّع نصفها ثم أحكم إغلاقها وأعادها مكانها ..... استرخى قليلا على الجذع واضعا رأسه بين أحضانه .... لا أحد يمر في هذا المكان وكأنها منطقة معزولة عن العالم ، خالية من رائحة البشر .... تبادر الى سمعه صوت نحيب خافت ... ومخنوق ... فزّ مصغياً باحثاً عن مصدر الصوت ، راح يتعقب المصدر ، وجده ينبعث من كوخ طيني صغير إقترب أكثر ليجد باباً من قصب مظفور ، هزّ القصب ، صمت النحيب برهة ليرد صوت طفولي ناعم ....... من ؟ لم يكن الصوت هذا غريباً عليه .... رد قائلا : عابر سبيل ، سمعت صوت نحيب ..... هل بأمكاني المساعدة ؟ بأصابع كفّها الصغير أحدثت فتحة صغيرة في القصب أطلّت منها بعين واحدة مستفسرة عن هذا الفضولي صرخت فرحاً وهي تفتح الباب .... مصطفى ... أخي .... حبيبي .... مستحيل .... طوال الليل وأنا أدعو الله أن تأتي وتنقذنا أنا وجدي شكراً لك يارب .... شكراً لأنك استجبت دعائي .... رمت بنفسها بين أحضانه ... كيف عرفت مكاننا ...؟ ومتى عدت من السفر ؟ مرت أيام طويلة يا أخي تغيّرتَ فيها ... و حدثت فيها احداث كثيرة بكت وهي تحضنه بقوة ... سحبته من يده ... أدخلته غرفة يلفها الظلام تخلو حتى من شباك يمر منه النور .... دلف وهو لايكاد يرى أو يعي شيئاً ... جلس على الأرض يُصغي لأنين شيخ متعب يُقطّعُ أوتار القلب ... نظر يمينه رآه مسجيا على فراش قديم حوّل نظره صوب أخته لتهزّ رأسها مؤكدة ً له انه الجد ... حكت له كيف سقط قبل يومين في حفرة قريبة من النهر وهو ذاهب يتوضأ للصلاة ... ،كُسرت قدمه وقصت عليه كيف سحبته ، وكيف كان رجلا قويا ساعد نفسه وساعدها للوصول للدار ،وكيف ربطت قدمه بربطة رأسها ، وجلست بجانبه تبكي طوال الليل ... سألها عن أخوهما عادل أخبرته انه قد ذهب مع صاحب البستان لشراء بعض الأغراض المهمة ، وفي ذات اليوم وقع الحادث الأليم لجدها إقترب من جده ، كلّمه ، لم يُجبه كان محموماً ، العرق يتصبب من جبينه وكل أنحاء جسده ومع هذا يرتجف المسكين كريشة في مهب الريح .... جدي المسكين يجب نقله لمركز صحي أو مستشفى حالاً سألته كيف استطاع الوصول اليهم .... أخبرها انه عاد ليأخذها والجد معه الى الخليج بعد أن سمع بوفاة الجدة ، قال : ذهبت لبيت القرية فأخبرني الجيران أنّ عادل جاء وأخذ كما للمكان الذي يعيش فيه ..... ووصفوا لي المكان ... فجئت بحثا عنكم وتشاء الصدف أن أجدكم في طريقي ..... بحث مصطفى خارج الكوخ عن عصا او خشبة يسند بها قدم جده المكسورة ربطها بمنديل هدى المبقع بالدم حمله بحذر على ظهره قائلاً : إبقي هنا أوصدي الباب جيداً وإن عاد عادل أخبريه بما حدث والحقاني للمركزالصحي ... مسكين جدي نزف كثيراً .... لو بقي أكثر ستُقطع قدمه أو ربما يفقد حياته .... قاطعته برفضها البقاء وحدها و انها تفضل الذهاب معهما أعطاها منديله لتغطي شعرها وتلحق به .... الشمس توشك على الأختباء خلف الأفق ... أوراق الأشجارتتحرك لصفقات أجنحة الطيور والعصافير العائدة للتو من رحلة عمل النهار لو تعلم يامصطفى كيف كان عادل يعاملني .... يضربني .... يهينني ... لولا الجد والجدة لكنت ميتة الآن ...كانا يذودان عني ويحمياني من طغيانه... هدى انا جئت كي آخذك وجدّي .... أُعذريه أُختي الحقُّ معه يخاف عليكِ ...الناس كثيرة الكلام أنا صغيرة أخي .... من سيتكلم عني ... هو يكره البنات ......كثيراً ماكان يقول لو ان الله حلل الوأد للبنات لوأدتك وخلصت من عارك هو يرى ان البنت عار .... وحين سألته ... إذن كيف ستتزوج ضربني بالعصا حتى كاد يموتني ..... ومع ضجة أوراق الأشجار الجافة وهي تداس بأقدامها وأقدام أخيها المسرعة ..... دوى صوت إطلاق ناري .... صرخ مصطفى .... اسرعي هدى إحتمي بين الأشجار .... يظهر ان أحدهم يصطاد الطيور .... دوى صوت عيار آخر .... سقط مصطفى وهو يحضن الجد ... صرخت هدى تستغيث تطلب النجدة تهادى صوت من خلفها ..... من هذا الذي كنت ستهربين معه يافاجرة صرخت .... ماذا فعلت يامجنون ؟ اسرع ليكشف الوجوه كان مصطفى والجد قد فارقا الحياة