إن أردت شراء حذاء جديداً أو جاكيت جلد طبيعى فلا تخدعك الأسعار المنخفضة التى ستجدها، ولا تعتقد فى أنك قد «غلبت» البائع فى الشراء إذا ما تنازل عن بضعة جنيهات فى السعر، لأنك فى النهاية تشترى «قمامة» تمت صناعتها من مخلفات المنازل والمصانع والمواد البترولية، ربما يعجبك شكل المنتج «الشيك» ولكنك والعياذ بالله بعد فترة ستجد نفسك فى قائمة الانتظار الطويلة للعلاج من مرض السرطان، لأن الجواكت الجلد والشنط الأحذية معظمها مستورد من الصين أو تركيا أو أى دولة أخرى يدخل فى تصنيعها مواد خطيرة كالفورمالدهيد والسيانيد والكادميوم والكروم السداسى التى تسبب السرطان، وهى إما أن تأتى من الخارج أو تصنع فى مصانع «بير السلم» بعيداً عن أى رقابة.. وتنتشر هذه المنتجات فى مصر ليربح من ورائها معدومو الضمير من التجار المليارات، فى الوقت الذى لا نجد فيه تجار الجلود الطبيعية الحقيقية أى رواج لأن أصحابها يعانون من أزمة خطيرة، فعدد المدابغ المغلقة أكثر من 350 مدبغة، وهو ما ينذر بانهيار تلك الحرفة، فصناعة الجلود التى اشتهرنا بها من أكثر من 500 عام تعانى منذ سنوات من الاحتكار بسب جشع رجال الأعمال وسيطرتهم على أسواق الجلود، وباتت الجلود المصرية تصدر للخارج لتأتى إلينا فى صورة ماركات عالمية يعجز الكثيرون عن شرائها برغم أنها فى النهاية مصرية ولكن مدون عليها صنع فى أوروبا، فى الوقت الذى تغرق فيه أسواقنا بمنتجات جلدية رخيصة مجهولة المصدر غير مدون عليها أى بيانات اللائحة كاسم المستورد أو أى مدلول على هويتها أو تصنع فى مصر فى أماكن مجهولة بمواد كيميائية مضرة لتقليل تكلفة المنتج لتكون متاحة للفقراء. «الوفد» تجولت داخل المدابغ بسور مجرى العيون لرصد المشكلة من كل الجوانب، وعن أسباب تراجع حرفة دباغة الجلود فى مصر. يسعى معدمو الضمير للربح دون النظر إلى الكثيرين الذين تطالهم يد المرض بسبب المواد الكيميائية المستخدمة فى تنظيف وصبغ الجلود وتكشف تلك الاعترافات لعدد من أبناء المهنة حجم الكارثة، حيث يقول سمير عطية، عامل بمدابغ سور مجرى العيون، «عمال صناعة الجلود كل يوم عددهم يقل بسبب ارتفاع أسعار الجلود، والمستوردون يتجهون للصين لشراء منتجات رخيصة، فعمال الورش هجروا المهنة». ومن جانبه يؤكد رامى على، عامل بالمدابغ، أن الجلد المصرى أسعاره غالية بسبب ارتفاع أسعار المواشى والعلف مما يؤثر على أسعار المنتجات الجلدية وينتقد جشع التجار والمصنعين وحرصهم على حصد المكاسب الخرافية على حساب المستهلكين. يقول رامى قطعة الجلد تقاس بالقدم 35 × 35 والقطعة يصنع منها 5 أحذية، والحذاء الواحد يباع بحوالى 600 جنيه، بينما لا تتجاوز قيمة مكونات الحذاء خمسين جنيهاً. أما أحمد خالد، بائع كيماويات، فيقول: «المواد الكيميائية تختلف على حسب التصنيع وهناك نوعان المحلى وهما «الاجزا والاكسرا والكروم والبيكربونات» وهذه المواد تستخدم للجلود الرديئة، وهناك المستورد وغالباً يصنع من خامات طبيعية أهمها كبد الحوت وهى ما يرفع سعر الحذاء وكلما زادت أسعار الكيماويات والجمارك ارتفعت أسعار الجلود». عماد ماهر مهندس كيميائى يقول «جميع الماركات العالمية وبيوت الموضة لا تتعامل مع الجلود الصينى وإنما تتعامل مع الجلد المصرى وارتفاع سعر المنتج المحلى فى مصر سببه عجز منظومة الصناعات المتكاملة على حد قوله لأن تصنيع الجلود يمر بمراحل كثيرة ليخرج فى النهاية فى شكله المثالى».
هروب المنتج المصرى هل تعتبر الجلود منتجاً خاماً أم أن بها مدخلات إنتاج سؤال يطرحه جمال السمالوطى، رئيس غرفة الصناعات الجلدية باتحاد الصناعات، قائلاً «تصنيع الجلود واستيرادها مشكلة لها الكثير من الأبعاد، فمصر فى عام 2013 استوردت 114 مليون زوج من الأحذية بمبلغ 752 مليون جنيه، تراوحت أسعارها ما بين 0.32 سنت ودولار واحد فقط وهذا السبب الرئيسى فى تدهور تلك الصناعة قبل الثورة كان لدينا 23.600 ألف منشأة لصناعة الجلود وأصبحت الآن 17.600 ألف ويكشف هذا التراجع عن كارثة حلت بالعاملين فى هذه المهنة بعد التحول نحو الاستيراد فهو يحقق المزيد من الأرباح على حساب تشريد الكثير من العمالة، وكان لدينا 480 ألف عامل تراجع عددهم ل 27.500 ألف عامل وكل هذا بسبب المارد الصينى، فهناك إغراق للسوق بالمنتجات الصينية منذ سنتين، ويشرح السمالوطى أبعاد الأزمة، مضيفاً «المستورد يأتى بالحذاء بسعر لا يزيد على دولار واحد وهو ما يساوى ثمن علبة الحذاء فارغة، ثم يبيع الحذاء ب 100 و150 جنيهاً، فى حين أن الدولة تحاسب أصحاب الورش أو المصانع على 35 جنيهاً ثمن الحذاء وهو ما يدفع الكثيرين للاستيراد لأن نسبة الربح أعلى بكثير، فعدد المستوردين زاد بشكل كبير فى الفترة الأخيرة من 100 إلى 150 مستورداً، ويوضح السمالوطى كارثة الاستيراد قائلاً: «تقرير المركز القومى للبحوث يذكر أنه بعد إجراء الفحص على عدد من الأحذية المستوردة، ثبت أنها مصنعة من خامات غير مطابقة للمواصفات، ومن مواد تمت إعادة تدويرها مثل مخلفات المستشفيات في أوروبا، ويتم حقنها «بيورتان» من أجل سهولة صناعتها، وهذه الأحذية مصنوعة من مخلفات تحتوى على السيانيد والكادميوم، والبولى إيثيلين بكميات كبيرة مما يتسبب في الإصابة بأمراض جلدية وسرطانية ولذلك اتجهنا لإنشاء لجنة الأسعار الاسترشادية لنكشف عن أى ممارسات غير شريفة قد تضر بمصلحة المنتج المحلى وتشرد الآلاف من العمال وتغلق المصانع وتدمر الاقتصاد ولمنع التلاعب فى الفواتير أو دخول منتجات مصنعة بمواد غير مطابقة للمواصفات ليحاسب الحذاء بأقل سعر وهو 5 دولارات كحد أدنى وحتى 40 دولاراً، ويؤكد رئيس غرفة الصناعات الجلدية أن المستورد يقوم باستخدام فواتير مضروبة للهروب من دفع الرسوم التى تحصل عليها الدولة، فمصر تخسر 2.5 مليار دولار سنويا بسبب الاستيراد، ويتابع السمالوطى حديثه عن مافيا الجلود قائلاً: «رجال الأعمال المحتكرين الجلود فى مصر والذى يسمع عنهم المواطن البسيط وعمال المدابغ البسطاء هم أعضاء غرفة دباغة الجلود لأن التصدير هو «السبوبة» الذين يتذرعون بأن مصر تصدر 98 % من إجمالى إنتاج الجلود لأن المتبقى زائد على حاجة السوق وعليه نحن نطالب بإلغاء دعم الجلود «الكراست» أى النصف مشطب لأنه يذهب للخارج بسعر رخيص يستفيد منه الأجنبى، ونحن نأمل أن يعود الإقبال على المنتج المحلى.
المصرى لا يناسب الجمهور انتشرت المنتجات الجلدية الصينية من أحذية وشنط وغيرها بصورة غير طبيعية فى الأسواق وبمختلف الأسعار التى تناسب جميع المستويات. حول هذه الظاهرة يقول اللواء عاطف أمين يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك: «نحن كجهاز حماية للمستهلك نتواصل مع جميع الجهات المعنية كاللجنة العليا للرقابة على الصادرات والواردات ومصلحة الجمارك ومباحث التموين والرقابة الصناعية والصحة للتصدى لأى منتج وبائى ضار بالمواطن، ويضيف يعقوب قائلاً: «رئيس مكافحة الغش فى الصين قد طلب لقاء معى ورفضت مقابلته بمفردى واشترطت أن يتواجد مندوبون عن كل الجهات المعنية، واتفقنا على أن تكون هناك قواعد جديدة تلزم المستوردين بضرورة مطابقة السلع المستوردة لأى من المواصفات المصرية، أو تكون مطابقة لإحدى المواصفات الدولية المعتمدة من هيئة المواصفات والجودة، «ciq» وهى اتفاقية تعاون بين مصر والصين في مجال الرقابة على جودة الصادرات الصينية إلى مصر، وينصح «يعقوب» المواطنين بألا يشتروا من بضائع الأرصفة فليس كل ما يلمع ذهباً، وعن مشاكل المنتج المصرى قال: «مشكلة المحلي فى سعره لأن المصنع يضع هامش ربح عالياً وعليه لن تكون الأسعار تنافسية، فالمواطن يبحث عن جودة وسعر معقول فحتى تتم الاستفادة من الإنتاج الوطنى يجب أن يتناسب السعر مع المواطن. أما محمد حربي، رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة دباغة الجلود باتحاد الصناعات، فأكد أن مصر تصدر 98% من الجلود والمتبقى هو الذى يكفى لحاجة السوق لأن أغلب الورش اتجهت للاستيراد». ويضيف قائلاً: «اتهام أعضاء الغرفة بأنهم يحتكرون الجلود لتصديرها هذا كلام مغلوط تماماً، فالجلود التى يتم تصديرها تذهب للخارج لوجود مصانع عملاقة تستوعب جميع الكميات ولا تتعامل بأجل كما تتعامل الدولة، فالمدبغة التابعة لنا تنتج يومياً خمسين ألف قدم جلد وهو ما يكفى لإغراق السوق المحلى لمدة عام فكيف لى إنتاج تلك الكمية وأتركها والسوق لا يحتاجها». ويضيف حربى قائلاً: «المنتج الصينى دمر العديد من الصناعات فى كل دول العالم وليس مصر وحدها ولكن مشكلتنا الرئيسية هى أن المستوردين المصريين يذهبون إلى الصين ويختارون أسوأ وأرخص الخامات والمنتجات ويتم إدخالها بفواتير مزورة».
الصينى يكسب أما يحيى زلط، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الجلود باتحاد الصناعات، فيرى أن الأزمة السبب فيها أعضاء غرفة الدباغة قائلاً: «95% من البضائع المستوردة من الصين غير مطابقة للمواصفات، فالمواطن يرى حذاء مظهره جيد ولكن لا يتحمل ويتلف بعد مدة لا تتجاوز شهراً واحداً حتى إذا نظرنا إلى البضائع المخزنة سنجدها بدأت تتلف برغم أنها مخزنة فى العلب المخصصة لها وذلك لرداءة تصنيعها، وعن دور الرقابة على تلك المنتجات يضيف: «الفحص على المنتجات هو الحل ولكن ليس لدينا الإمكانية، فالفحص يتم على 10% من الكمية المستوردة و3 عينات من كل نوع فإذا تم استيراد 140 مليون حذاء وقتها سنحتاج لأكثر من 50 معملاً للفحص ولا نملك سوى معملين واحد بالعين السخنة والآخر فى بورسعيد، ويتحدث زلط عما خسرته الدولة من أموال: «رجال الأعمال يستوردون الحذاء بسعر 33 سنتاً اى بسعر 2.5 جنيه وبعد أن خسرت الورش وأغلقت استجابت الدولة الآن بتطبيق الأسعار الاسترشادية وهى خطوة جيدة ستحل المشكلة بنسبة 30%، وعن تصدير الجلود للخارج يقول «60% من الإنتاج يصدر للخارج و40% فقط هو الذى يبقى للسوق المحلى ولكنه ردىء بسبب أمراض فى جلد الذبيحة والمصيبة الكبرى أن هناك أكثر من 240 مكتب تصدير تصدر الجلد بأسعار غير حقيقية للهروب من الضرائب ويصدرون كميات ضخمة لا تتناسب مع المثبت بالأوراق، وهؤلاء المصدرون هم القائمون على غرفة دباغة الجلود للأسف». ويتحدث زلط عن إنهاء الأزمة قائلاً: «لدينا الآن 113 مصنعاً بمدينة العاشر من رمضان تستوعب 50% من إنتاج الجلود وإخراجها بصورة منتج نهائى وستكون تلك المدينة تحت إشراف شركة إيطالية وتبدأ عملها مع بداية عام 2016. يقول سمير عطا، صاحب محل أحذية بوسط القاهرة، «الأحذية المستوردة أرخص من المصرى أصحاب الورش ليس أمامهم سوى جملة واحدة أن الجلد المصرى أفضل ولذلك السعر مرتفع، فالمواطن يلجأ للصينى المهرب لأنه مناسب للموضة من حيث الشكل، والمقاسات الصينى تختلف عن المصرى فشكل الحذاء صغير فى القدم، فالمصرى أغلبه يفتقر للتصنيع الجيد». أما أحمد حسين، بائع أحذية بالعتبة، فيقول: «المنتجات الصينية رخيصة عن المصرى فلكى اشترى حذاء ب600 جنيه من المصنع هبيعه بكام ويعترف بوجود درجة ثالثة ومتوافر بسعر رخيص لكنه لا يتحمل ويتلف بسرعة».