مصر.. هي الدولة الوحيدة من بين العديد من دول العالم الصديقة والمانحة التي أولت الاهتمام بشعب جنوب السودان، وأوفت بتعهداتها في تقديم المساعدة والدعم لمشروعات التنمية في دولة جنوب السودان الناشئة. - هذا هو تصريح وزيرة الموارد المائية والري السودانية الجنوبية جيماكمبو التي أضافت قائلة إن عددا من الدول وعدت بتنفيذ مشروعات تنموية في جنوب السودان، إلاّ أن الدولة الوحيدة الأكثر اهتماما بتنفيذ مشروعاتنا هي مصر رغم ظروفها الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة. - وهنا يدفع قلبي علي لساني بالهتاف.. تحيا مصر.. وهو ما حملتهُ معي إلي الخرطوم عام 1963 وظللت أردده عشر سنوات رايح جاي من مصر إلي السودان وردده معي تلاميذي خريجو كلية الحقوق الذين كبروا وأصبحوا قضاة كبارا في السودان وجاءوا إلي القاهرة للمشاركة في المؤتمر الكبير لعلماء قانون العقوبات وحقوق الإنسان تحت عنوان «قانون الإجراءات الجنائية وحقوق الإنسان» برئاسة أستاذ الأساتذة والعمداء الدكتور محمود مصطفي وأمانة الأستاذ المصري الأمريكي محمود شريف بسيوني وكنت أحد المدعوين الذين أثارتهم أنباء صدور حكم بالإعدام علي أحد رؤساء النقابات المعارضين لنظام الحكم في السودان.. وصارحت الأستاذ الصديق محمود شريف بسيوني بأنني سأطلب الكلمة للحديث عن معايير حقوق الإنسان الدولية التي تأبي إعدام المعارضين السودانيين، فقال لي باعتباره أحد الداعين للمؤتمر والممولين له والمسئولين عن نجاحه.. قال: أرجوك يا دكتور أن تستأذن أولاً طلابك الحاضرين من السودان، وكانوا أربعة قضاة خريجي كلية حقوق جامعة القاهرة، فرع الخرطوم الذين عرَّفوني بأنفسهم في بداية المؤتمر.. ولم استجب لطلب الدكتور بسيوني وصممت علي إثارة موضوع الإعدام قبل تنفيذه، واستشف الدكتور بسيوني هذه النية فذهب بنفسه للقضاة السودانيين وصارحهم بما أنوي عليه فأبدوا أسفهم من الانسحاب من المؤتمر إذا أثار الدكتور الشافعي هذا الموضوع الذي سيسبب لهم الإحراج مع الحكومة السودانية عند عودتهم، ونقل إلي الدكتور بسيوني رأي طلابي القضاة وشفعه برجاء ألاّ أثير الموضوع لعدم انسحاب أي وفد من المؤتمر.. وخضعت له.. وكم تأسفت بعد ذلك وحزنت لعدم إمكاني استصدار نداء من المؤتمر بإلغاء حكم الإعدام، وكفاني الله سبحانه وتعالي بعدم تنفيذ حكم الإعدام فيما بعد. - وما علاقة هذه القصة بجنوب السودان الذي قصدته في عنوان المقال؟؟ «العلاقة أن تصريحات الدكتور حسام المغازي وزير الري المصري بعد زيارته لجنوب السودان كانت مشجعّة لتطور سياستنا للأفضل مع دول حوض النيل التي نناضل معها للحفاظ علي حقوقنا الدولية القانونية في مياه النيل، ونرفع رأية الاحتجاج علي مشروع اثيوبيا ببناء سد النهضة بارتفاع 400 متر وحجز أربعة وسبعين مليار متر مكعب من المياه بما يعني فرض الجفاف علي أرض مصر وشعبها.. وكانت تصرفاتنا - للأسف الشديد - منذ إعلان السادات عن تحويل نهر النيل لإسرائيل - سيئة وضارة بمصالحنا الحيوية في النهر، وزادها ضرراً غضب مبارك علي السودان واثيوبيا بسبب محاولة اغتياله، وأضاف إليها وزير الري المصري الأسبق بسوء تصرفه في المؤتمر الذي انعقد بالإسكندرية لمناقشة اتفاقية عنتيبي وخرج وزيرنا من المؤتمر ليصرح بأن الآخرين لم يوافقوا علي رأينا ولا يهمنا اقتناعهم طالما اننا مقتنعون بموقفنا- أو هكذا قال - وظلت المسائل تسير من أسوأ إلي أسوأ وأثيوبيا ماضية في بناء السد غير عابئة بمصر واعتراضها. - ثم تحركت الأمور تدريجيا نحو إصلاح الأحوال بلقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي برئيس وزراء اثيوبيا ثم بمشاركته في مؤتمر القمة الافريقي وتحركات وزير الري الحالي الذي ذهب إلي جنوب السودان في الأسبوع الماضي في المشاركة في اجتماع اللجنة الفنية المصرية وجنوب السودان وتبنيه الدعوة الموجهة إلي 16 جهة دولية مانحة لتمويل مشروع سد «واو» لتنمية جنوب السودان وتوليد الكهرباء، وتصريحه بأن مصر لا تقف أمام التنمية في دول حوض النيل طالما إن هذه المشروعات لا تسبب إضراراً لدولتي المصب مصر والسودان.. وأضاف الوزير أن حكومة جوبا ترحب بالتعاون المصري خاصة أن أحد عشر وزيراً منها قد تخرجوا في جامعات مصر ما يؤكد أهمية الدور المصري في مساعدة جنوب السودان لتنفيذ مشروعاته للتعليم الفني وهو ما يتولي تنفيذه وفد من وزارة التربية والتعليم بالمشاركة مع ثلاثة وعشرين خبيراً من خمس وزارات مختلفة. - وهكذا تقوم مصر بدورها المهم جداً في دول حوض النيل في شمال السودان وجنوبه وما حوله من دول الحوض حتي تدرك هذه الدول أهمية علاقاتها الأساسية والحيوية مع مصر.. وقد جربنا ذلك في شمال السودان إذ رسّخت مصر الثقافة العربية من خلال إنشائها العديد من المدارس الابتدائية والثانوية ثم الجامعة بثلاث كليات في الخرطوم كانت الحقوق احداها وقد أسعدنا الحظ بالتدريس فيها عشر سنوات مع جامعة أم درمان الإسلامية.. وتخرّج فيها قبلنا وبعدنا آلاف الحاملين للثقافة والعلوم علي أيدي المدرسين وأساتذة الجامعة والذين يعتبرون الظهير المصري في جنوب السودان ولم يكن غريبا أن نقول ان شعب السودان من أكثر الشعوب العربية حباً لمصر والمصريين. ورحم الله زعيم الأمة مصطفي النحاس الذي قال عام 1930 «تقطع يدي ولا ينفصل السودان عن مصر» كما كانت تخطيط بريطانيا. - وحتي بعد ان اختار شعب السودان عام 1955 إعلان استقلاله عن مصر وأعلن دستوره في يناير 1956 منفصلا شكلا عن مصر إلا انه ظل قلباً وقالباً مع مصر وشعبها بفضل العلاقات الوطيدة بين البلدين وهو ما نريده لشعب الجنوب الذي زاره وزيرنا ووفده الداعم لعلاقات مصر مع دولة جنوب السودان المستقلة منذ استفتاء يناير 2011 وامتدحت وزيرته للري موقف مصر كما لو كانت تقول مثلنا.. تحيا مصر. استاذ بكلية الحقوق - جامعة المنصورة