على حين تدعى أمريكا محاربة الارهاب إلا أن استخدامها الممنهج للارهاب كان ومازال وسيلتها للهيمنة على العالم وفرض وصاياها. ولهذا تظل مسكونة بالتدخل العسكرى فى أى مكان فى العالم حفاظا على مصالحها فقط دون مراعاة للآخرين. واليوم تطل علينا من خلال آخر غزواتها فى المنطقة والتى ادعت بأنها موجهة ضد «داعش». ولكن لو أن أمريكا كانت صادقة فى حربها هذه لتحركت منذ البداية ولبادرت بالقضاء على الأسباب التى أنتجت هذا التنظيم التكفيرى قبل التعامل مع النتائج. وهو ماكان يتطلب منها ضرورة تجفيف منابع الارهاب من خلال عدم ترك الساحة مفتوحة أمام تنظيم «داعش» ليحصل على المال والسلاح والدعم اللوجستى والاعلامى والتدريب والايواء. لو أن أمريكا حريصة على الاطاحة بهذا التنظيم لبادرت ومارست الضغوط على تركيا لإغلاق حدودها التى ينطلق عبرها ارهابيو داعش إلى سوريا. لو أن أمريكا صادقة لبادرت بمواجهة هذا التنظيم منذ البداية. بيد أنها لم تحرك ساكنا وهى تشهد جرائمه البشعة ضد العراقيين والسوريين. لهذا يسرى الشك فى جدية أمريكا فى القضاء على داعش لتطفو على السطح نواياها الحقيقية، فهى تستغل التنظيم لإضعاف دول المنطقة وتنفيذ مخطط تفتيتها والتمهيد للتعامل معها على أنها قطع متناثرة. ولهذا يشك الكثيرون فى أن يكون القضاء على داعش هو هدف أمريكا من وراء التحالف الذى تقوده اليوم حيث إنها تستخدمه فقط لتحقيق أهدافها فى المنطقة ليس إلا. لقد بدا «أوباما» حريصا على أن يفسح الطريق لداعش كى تأخذ كل ما يوفر لها الاحتياطات الميدانية ويتيح لها الفرار والذوبان بين المدنيين حتى لا تطالها الضربات الجوية وهى الضربات التى لا يمكن أن تأتى وحدها بنتائج حاسمة فى معرض اجتثاث التنظيم والقضاء عليه. وهكذا تكون أمريكا قد رفعت يدها عن مجابهة حقيقية وأحالت العبء الأكبر فى ذلك على الحلفاء الإقليميين وهى على يقين من أنهم لن يصلوا فى عملياتهم ضد التنظيم إلى الحد الذى يورطون فيه أنفسهم فى مغامرة غير محسوبة. وعوضا عن ذلك هناك المخاوف من أن تستثمر أمريكا الحرب على الارهاب هذه المرة من أجل إسقاط النظام السورى بشكل يفضى إلى مزيد من الاضطراب فى المنطقة على نحو ما حدث فى أعقاب الغزو الأمريكى للعراق. أى أن تكون أمريكا قد عمدت إلى توظيف تدخلها فى هذه المجابهة لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. على أمل أن يتم التحول نحو سوريا كهدف ثان. وكأنى ب«أوباما» قد أراد قبل انتهاء ولايته الثانية أن يحقق لحوارييه فى المنطقة رغبة محمومة تملكتهم فى إسقاط النظام فى سوريا كى تسقط معه المقاومة ويجرى بعدها تقسيم الدولة وتفتيتها على أساس طائفى عرقى ليصب هذا فى النهاية فى صالح الكيان الصهيونى.