لم ينتظر الناس اعلان النتيجة رسمياً.. بل انطلقوا إلي ميدان التحرير يحتفلون ويرفعون أعلام مصر.. يرقصون.. ويغنون.. وهم في الحقيقة لا يحتفلون بفوز المشير السيسي رئيساً.. ولكن يحتفلون بالشعب الذي استجاب ل«السيسي» مرتين.. الأولي عندما طالبهم بتفويضه لاستعادة البلاد.. والثانية بالخروج يوم التصويت. ولكنني أري أن خروج الناس لميدان التحرير كان بسبب أكبر.. هو نجاحهم في إسقاط حكم رأي البعض فيه حكماً شرعياً.. ولكن الأغلبية رأته استيلاء فصيل واحد علي السلطة.. ليس لأنه الأكثر شعبية.. ولكن للأسف لأنه الأكثر تنظيماً بينما باقي القوي، مهلهلة وممزقة، وغير قادرة علي الحركة والتأثير.. وهكذا تمكن هذا الفصيل في القفز علي ثورة 25 يناير وسرقتها لأن الذين قاموا بها لم يفكروا.. ولم يخططوا أو يحددوا خطوتهم التالية.. فاستولي الإخوان علي هذه الثورة، في يومها الخامس.. وللأسف اكتشف الشعب هذه الحقيقة متأخراً.. وسط آراء تري أن نعطيهم فرصة، فربما عندهم خطة للخلاص. ولكن ظهر للكافة أنهم أيضاً غير مستعدين وبالتالي تخبطوا. وكان كل همهم هو الوصول إلي كراسي الحكم.. دون معرفة ماذا يفعلون بعد ذلك ولذلك كان سقوطهم سهلاً ومدوياً.. ولهذا كان انتقامهم رهيباً من الشعب.. ومازالوا! وخروج الجماهير لم تكن مقصورة علي «ميدان الثورة.. التحرير سابقاً» بل امتد إلي كل ميادين مصر التي شهدت مولد ثورتين: 25 يناير و30 يونية. وواضح ان ميدان التحرير «تل العقارب قديماً» لدغ الإخوان لدغة الموت. فكان سقوطهم مدوياً.. وبعد عام واحد فقط من جلوسهم علي العرش وهم الذين تصوروا أنهم سيحكمون مصر مئات السنين. لم ينتظر الناس الاعلان الرسمي لنتيجة الانتخابات.. فالشعب عرف بحسه المرهف ان الرجل الذي حمل رأسه- وكفنه- علي يديه هو الرئيس الفعلي الذي انتظرته طويلاً.. وإذا كانت عبقرية جمال عبدالناصر برزت خلال معركة العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956، فإن كاريزمة «السيسي» برزت يوم قاد الجماهير ليسقط حكم الإخوان.. الذين مازالوا يرونه عدوهم الأكبر الذي أنهي حلمهم التاريخي الذي سعوا إليه منذ نيف وثمانين عاماً. وملأت الجماهير ميادين مصر احتفالاً بفوز الرجل. وكم أتمني أن نؤجل الاحتفال إلي ما بعد أن يؤدي الرجل اليمين الدستورية، التي في مقدمتها حماية أمن ووحدة الوطن والدفاع عن رغبات أهله في حياة كريمة.. خصوصاً وأن نفس اليمين «أداه» الدكتور مرسي.. ولكنه لم يعمل به.. بل سار علي نقيضه، ومن أيامه الأولي. ولم يتعلم «مرسي» من الدرس الذي ضربه محمد أنور السادات- وهو يخاطب كل المصريين- عقب نجاحه في انتخابات الرئاسة فقد بدأ كلمته بشكر الذين أعطوه أصواتهم جنباً بجانب شكره للذين حجبوا عنه أصواتهم.. أما «مرسي» فكانت جريمته الأولي انه خاطب «فقط» أهله وعشيرته. ومن هنا- كم أتمني- أن يخاطب المشير السيسي كل المصريين: الذين منعوا عنه أصواتهم، قبل الذين أعطوه أصواتهم.. وكذلك أصحاب الأصوات الباطلة، الذين نعرفهم تماماً! وفي مقدمة معاني خروج الناس إلي الميادين، منذ مساء الأربعاء أول أمس ان المصريين استعادوا ثورتهم. وصححوا ثورتهم وأزاحوا بالشرعية الحقيقية البلاد من أيدي من حاولوا سلبها أعز ما تملك. والحمد لله أن جريمتهم لم تستمر سوي عام واحد. هنا لن ينسي الشعب أن الرجال مواقف.. وأن «السيسي» «رجل إنقاذ» أنقذهم من فاشية إخوانية.. فقام الشعب وردوا الجميل للرجل وانتخبوه بهذه الأغلبية الكاسحة، رغم الخشية من أن «تغري» هذه النسبة ليس «السيسي» نفسه.. ولكن رجالا حوله بأن يزينوا له الطريق ليصنعوا منه دكتاتوراً لا نريده.. فنحن اخترنا الرئيس الذي خرج من بيننا.. رجلاً بسيطاً. لا يعرف «الملاوعة» ولا الخداع. من هنا يأتي الكلام عن «رجال حول السيسي» ليس من الذين وقفوا معه خلال عملية الانتخابات.. ولكنني أتحدث عمن سوف يختارهم الرجل ليعمل من خلالهم.. ويتحرك بعد مشورتهم.. فكم من حاكم بدأ حكمه رشيداً.. مستنيراً.. عادلاً تصدق فيه مقولة السفير الروماني القادم من القسطنطينية عندما رأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نائماً تحت شجرة «حكمت. فعدلت. فأمنت.. فنمت.. يا عمر». ولقد عاني الوطن من حكام عظام.. بدأوا عظاماً ثم سرعان ما تحولوا إلي جبابرة وإلي طغاة.. وكان لابد من إسقاطهم. ونحن لا نعتقد أن «السيسي» سيصبح من هؤلاء.. وربما لذلك أعطي الدستور لرئيس الجمهورية سلطات محدودة ومحددة.. وأعطي السلطة- كل السلطة- للشعب من خلال برلمانه.. ومن خلال حكومته. ولكن ثقتنا كبيرة في «السيسي».. ليصبح مثل حكام مصر العظام: تحتمس الثالث ورمسيس الثاني.. وأحمس.. وحور محب.. وصلاح الدين.. ومحمد علي باشا لأن مصر تحتاجه حاكماً علي غرار كل هؤلاء المصلحين الذين حموا أرض البلاد.. وصانوا كرامتها.. وأعادوا تشييد كل عظيم فوق هذه الأرض. وليثق «السيسي» أن المصريين لم يمنحوه «صك الحكم» علي بياض.. بل علي أمل مشروط أن يصلح ما فسد. ويبني ما تهدم. وأن يقيم دولة جديدة تعيد الكرامة للوطن.. وكل المصريين. بشرط أن يحسن اختيار معاونيه.. وأن يأتي برجال أوفياء يحيطون به.. فالرجل لن يعمل منفرداً.. ورجال حول الرئيس هم الأولي بِحُسن اختيارهم.