أسعار الخضروات اليوم الأربعاء 29-5-2024 في قنا    ارتفاع أسعار النفط مع توقعات إبقاء كبار المنتجين على تخفيضات الإنتاج    منها تيك توك وميتا وإكس، أمريكا تطالب شركات التكنولوجيا بالإبلاغ عن المحتوى المعادي للسامية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    سينتكوم يعلن إسقاط 5 مسيرات أطلقها الحوثيون فوق البحر الأحمر    شيكابالا يطلق مبادرة للصلح بين الشيبي والشحات، واستجابة فورية من نجم الأهلي    وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    محمد فاضل بعد حصوله على جائزة النيل: «أشعر بالفخر وشكرًا لوزارة الثقافة»    بالصور.. انطلاق أول أفواج حج الجمعيات الأهلية إلى الأراضي المقدسة    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    الحوثيون أطلقوا 5 صواريخ بالستية مضادة للسفن في البحر الأحمر    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    «كان زمانه أسطورة».. نجم الزمالك السابق: لو كنت مكان رمضان صبحي ما رحلت عن الأهلي    فيديو ترويجي لشخصية إياد نصار في مسلسل مفترق طرق    شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    إسرائيل تسير على خط العزلة.. والاعتراف بدولة فلسطين يلقى قبول العالم    التعليم تطلق اليوم المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة 2024 على مستوى الجمهورية    يرسمان التاتوه على جسديهما، فيديو مثير لسفاح التجمع مع طليقته (فيديو)    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    حزب الله يبث لقطات من استهدافه تجهيزات تجسسية في موقع العباد الإسرائيلي    اليوم.. الحكم علي المتهم بقتل طليقته في الشارع بالفيوم    ارتفاع أسعار اللحوم في مصر بسبب السودان.. ما العلاقة؟ (فيديو)    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    كريم العمدة ل«الشاهد»: لولا كورونا لحققت مصر معدل نمو مرتفع وفائض دولاري    حسين عيسى: التصور المبدئي لإصلاح الهيئات الاقتصادية سيتم الانتهاء منه في هذا التوقيت    إلهام شاهين: "أتمنى نوثق حياتنا الفنية لأن لما نموت محدش هيلم ورانا"    هل يمكن أن تدخل مصر في صراع مسلح مع إسرائيل بسبب حادث الحدود؟ مصطفى الفقي يجيب    شيكابالا يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك بشأن زيزو    «مستعد للتدخل».. شيكابالا يتعهد بحل أزمة الشحات والشيبي    «خبطني بشنطته».. «طالب» يعتدي على زميله بسلاح أبيض والشرطة تضبط المتهم    إصابة 6 أشخاص في حادثي سير بالمنيا    إرشادات للتعامل مع مرضى الصرع خلال تأدية مناسك الحج    نشرة التوك شو| تحريك سعر الخبز المدعم.. وشراكة مصرية عالمية لعلاج الأورام    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    باختصار.. أهم أخبار العرب والعالم حتى منتصف الليل.. البيت الأبيض: لم نر أى خطة إسرائيلية لتوفير الحماية للمدنيين فى رفح.. النمسا: مبادرة سكاى شيلد تهدف لإنشاء مظلة دفاع جوى أقوى فى أوروبا    شعبة المخابز تكشف حقيقة رفع الدعم عن رغيف الخبز    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    3 أبراج تجد حلولًا إبداعية لمشاكل العلاقات    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    «الأعلى للآثار» يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بعد ترميمه.. صور    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    تراجع سعر الحديد وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    الوقاية من البعوضة الناقلة لمرض حمى الدنج.. محاضرة صحية بشرم الشيخ بحضور 170 مدير فندق    «زي المحلات».. 5 نصائح لعمل برجر جوسي    بدء الاختبارات الشفوية الإلكترونية لطلاب شهادات القراءات بشمال سيناء    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    جمال رائف: الحوار الوطني يؤكد حرص الدولة على تكوين دوائر عمل سياسية واقتصادية    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناقد الأدبى د. صلاح فضل ل"حوار الوفد":
وصول الإخوان للسلطة خطأ تاريخى وثورة يونية أنقذت مصر من حرب أهلية
نشر في الوفد يوم 30 - 04 - 2014

يمتلك الناقد الأدبى الكبير الدكتور صلاح فضل رؤية مستنيرة عن قضايا العالم العربى، فهو أحد النقاد المرموقين، يتمتع بفطنة وبصيرة ومطلع علي الأدب العربى ويعايش كل اتجاهات الأدب العالمى وتياراته النقدية، كما أسهم في إقامة عدد من المؤتمرات العلمية والنقدية وأدارها فى مصر وإسبانيا والبحرين
وشارك في معظم الملتقيات العلمية العربية، إلي جانب ذلك له نشاط كبير داخل مجمع اللغة العربية بالقاهرة، فهو عضو لجنة الاقتصاد، ومقرر لجنة الأدب، وصاحب مشروع كبير لتطوير العمل به وتوسيع دائرة نشاطه ونشر رسالته، وفى هذا الحوار يستعرض الوضع السياسي الراهن في مصر، خاصة أنه كان مستشاراً للجنة صياغة الدستور، ويقدم رؤيته لثورات الربيع العربى، ودور المثقفين فيها، وعبر «د. صلاح فضل» عن تفاؤله بحالة مصر الآن وما قطعته من خطوات في تنفيذ خارطة المستقبل بعد سقوط حكم الإخوان، وأكد أن دخول الإخوان إلى مجال السياسة من الأساس كان خطأً تاريخياً، خاصة أنهم استخدموا الدين للقفز على السلطة، واعتبرهم تنظيماً فاشياً يعتمد على السمع والطاعة وله جناح عسكرى يستخدم الإرهاب لتحقيق أغراضه السياسية.. وإلى الحوار:
فى البداية.. ما قراءتك للمشهد السياسي الراهن فى مصر الآن؟
- نحن في لحظات فارقة وحاسمة من تطورنا التاريخى المعاصر عقب تجربة قاسية للغاية، لكنها كانت ضرورة تاريخية، فلم يكن من المعقول أن يكون ثلاثة أرباع الكرة الأرضية قد تحول إلى الديمقراطية ويبقي الوطن العربى وحده هو الذي يتعثر في وحل النظم الفاشية والديكتاتورية ولا يعرف طريقه إلي العصر الحديث بالتحول الديمقراطى، فثورة 25 يناير كانت تصحيحاً تاريخيًا لوضع مصر في قائمة الدول الحديثة فعلاً في نظم الحكم، لكن كانت هذه الخشية تؤرق كثيراً من المفكرين والمثقفين، فلم يكن العبور بالنشاط الديمقراطى سهلاً ولا ميسوراً، وكان علينا أن نجتاز عُباب بحرٍ من التراكمات الشديدة، أخطرها فيما يتصل بحركة الشارع والحياة المصرية من تفاقم الأحلام والأوهام والمشاريع المرتبطة بما يطلق عليه «الإسلام السياسي» تقدم هذا التيار باعتباره ممثلاً للتنظيمات الأكثر إتقاناً للوصول للجماهير، والأكثر قدرة على القفز على السلطة واستطاع بالفعل فى أول تجربة انتخابات حرة أن يظفر بالأغلبية البرلمانية والرئاسية وكنت أتمني من ممثلى الجماعات الإسلامية أن يكونوا أكثر حنكة وحصافة ووعياً بحركة التاريخ، وإدراكاً للطابع الحضارى للمجتمع المصرى، وأنه لن يقبل العودة إلي العصور الوسطى، أو التنازل عن مزاجه المركب الحضارى الذى استوعب فيه ثقافات كثيرة لكنهم أصروا على «التمكين» وأصروا على أن يديروا الوطن كما كانوا يديرون تنظيمهم السياسي علي أساس السمع والطاعة وعلى أساس الضرب فى مزيد من الأوهام الظلامية بغية العودة إلى نظام الخلافة مثلاً، وتجاهل كل التطور الاجتماعى والثقافى والفنى والحضارى والإنسانى، وتبين أنهم اختطفوا، عندئذ شعر كل المصريين أنهم في خطر حقيقى ولحسن الحظ أن الموجة الثانية من الثورة فى 30 يونية كانت من القوة والحسم، بحيث وضعت حداً لهذه المأساة الفاجعة، قبل أن تتحول مصر إلى حرب أهلية حقيقية وكان موقف الجيش في نبله وشجاعته وحسم الأمور بالغ الأهمية، وموقفنا الآن هو نقطة التقاطع التي وصل إليها الوضع المصرى لاستحقاقات خارطة الطريق.
وهل لديك تفاؤل بما قطعناه من خطوات بعد ثورة يونية إلى الآن؟
- نعم وهناك عدة أمور تدعوني للتفاؤل الحقيقى، أولها: إصرار الجيش على أن يقوم بواجبه في حماية الثورة والطابع الحضارى المدنى للشعب المصرى، وهذا مطلب أساسى قامت به بعض الجيوش، لكن ليست بهذه الطريقة البارعة الحقيقية التي لابد أن نذكرها للجيش المصرى، فالجيش التركى علي سبيل المثال حافظ على الطابع العلمانى للدولة التركية بعد سقوط الخلافة العثمانية، وكان هذا بالغ الأهمية بغض النظر عما يحدث الآن من محاولة التراجع فى ذلك، وأول استحقاق تم على أكمل وجه وهو الاستحقاق الدستورى، وبالفعل فقد اشتركت مثلاً عن تجربة في اللجنة الفنية التي كانت تراجع دستور الإخوان، وكانت اللجنة من كبار المفكرين الإسلاميين والدستوريين وانتهينا إلى وجود (66) عيباً فادحاً في الدستور وسلمناها للمستشار «الغريانى» ولم يأخذ بأى ملاحظة من ملاحظاتنا وصدر الدستور وقتها وبه ثغرات فادحة، ويفتح باب جهنم في التاريخ المصرى وهم يصدرونه اعترفوا بتشويهه ونقصه، وقالوا سنكمله مما يدل على أن النوايا كانت سيئة في الحقيقة، أما الدستور الحديث 2014 وكنت مستشاراً للجنة الصياغة به وأعرفه مادة مادة وجملة جملة هو من أفضل الدساتير التي تصنع مستقبل لا مصر وحدها وإنما الوطن العربى كله، وبالتالى فقد تمت هذه التجربة على أكمل وجه والحمد لله، وبقي الأمر الجوهرى وهو أن تطيق حياتنا السياسية وتطيق سلطتنا المنتخبة فيما بعد وضعه موضع التطبيق والتنفيذ الحقيقى، أما الخطوة الثانية وهو الاستحقاق الرئاسى، فأعتقد أننا ماضون بجدية إلي حد بعيد، فقد أظهر الشعب رغبته الجارفة في أن يكون البطل الذي اتخذ الخطوة الأولى في (30) يونية و(3) يوليو هو مرشح الرئاسة ونزل الرجل عن إرادة الجماهير وتقدم للترشح.
ألا ترى أن هناك شبهة عودة إلى الحكم العسكرى بترشح المشير «السيسى» للرئاسة؟
- أية شبهة ادعاء بأن ترشح المشير عودة للحكم العسكرى لا مبرر لها على الإطلاق، فليس هناك أي دليل علي أننا نتجه لحكم عسكرى والفائدة الحقيقية فى ترشح «السيسي» هو استمرار تماسك مصر التي يعتبر الجيش عمودها الفقرى وستكون أقوى وأشد، وقدرة مصر علي مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ستكون أقوى وأوضح، وأعتقد أيضاً أن ترشح «حمدين صباحي» كان ضرورياً ولازماً حتي نخرج من دائرة الاستفتاءات والإجماع الشعبى على رئيس واحد ويكون هناك اختيار حقيقى وتكون هناك انتخابات ديمقراطية صحيحة ونزيهة وصناديق شفافة، لأن هذا هو الحل الديمقراطى، لا أحد يعترض عليها بأنه كانت هناك انتخابات شفافة ونزيهة وانتكست بنتيجتها فى 30 يونية، لأن ما حدث في أول انتخابات قامت بعد ثورة 25 يناير هو سلسلة من الأخطاء البشعة التي شابتها ليس أقلها مثلاً السماح باستخدام الخطاب الديني ولهجة الوعد بالجنة والوعيد بالنار وخداع الجماهير باستخدام الدين والرشوة الانتخابية التي ارتكبتها الجماعات الدينية من الإخوان ومن السلفيين، التي كانت منظورة، وأنا أعرف مثلاً أنه لو ثبت في كل الدول الديمقراطية وأعرف تجاربها عن كثب وعايشتها في بلادها، لو ثبت علي أي مرشح أنه أعطى رشوة لناخب واحد يلغي ترشيحه فوراً، بينما كانت لدينا توزع صناديق الزيت والسكر علناً، والناس يجدون هذا طبيعياً وتشتري الأصوات علناً أيضاً، فكانت تجربة فاشلة ونتيجتها أيضاً كانت فاشلة، ما أتمناه في الانتخابات الحالية وأظن أنها ستدور في هذا الإطار، فليس هناك مجال لأن يشترى أحد أصواتاً أو يزور أحد صناديق أو يدعى أحد أنه مبعوث العناية الإلهية فيستخدم الرشوة الدينية المقنعة بالوعد بالجنة والوعيد بالنار استغلالاً لسذاجة الجماهير وبساطتهم ومشاعرهم الفطرية السليمة، وأظن أن الاستحقاق الرئاسى وأعتقد أن هذا ميسور وطبيعى وسيحدث هكذا وتكون أول انتخابات حقيقية نزيهة في التاريخ المصرى، لأن كليهما خارج السلطة، المرشحان، والسلطة بالغة الحيدة والحرص على التكافؤ، فنحن نقرأ الآن الصحف الكبرى تقسم صفحاتها طبقاً لكل مرشح، وتجتهد في أن تحقق هذا النموذج الطبيعي من تكافؤ الفرص ومن النزاهة، وأظن أن هذه البداية الحقيقية للمدرج الديمقراطى الذي تندرج فيه مصر، فإذا تم ذلك بنجاح وأتمني أن يحدث هذا لا يبقى إلا الانتخابات البرلمانية، وعلينا أن نخوضها بكثير من الحذر، وعلينا أن نحرم فيها بشدة كما ورد في الدستور قيام أحزاب دينية أو استخدام الخطاب الدينى لأي فصيل واستخدام الخطاب الطائفى لأي فصيل ضد فصيل، لأي شبهة في اختراق النزاهة بالرشوة أو بالتهديد أو غير ذلك، وعندئذ لابد أن نرضى بعد ضمانات، لأن العمليات الانتخابية مثل العمليات الجراحية إن لم تكن تتم في غرف شديدة التعقيم والنظافة فستخرج ملوثة ولا تؤدى إلي شفاء المريض وإنما إلي إصابته ب«الغرغرينة» وكل انتخاباتنا السابقة الملوثة كانت تصيب جسم الوطن بهذه «الغرغرينة».
كيف تنظر لثورات الربيع العربى وهل هي نابعة من الداخل أم صدرت إلينا كما يردد البعض وما تأثيرها على الثقافة؟
- أن يحلم أبناء الوطن العربى بالحرية والديمقراطية، فهذه كانت ضرورة تاريخية، كما أشرت من قبل، أن تنبثق ثورات في عدة أقطار عربية متزامنة، فلا يمكن إلا أن تكون نابعة من الضمير الحقيقى للجماهير، والحاجة الملحة لصناعة المستقبل، ولذلك أرفض تماماً مقولة من يدعى أنها مجرد مؤامرات خارجية، لأن هذا قصر نظر وضعف في الرؤية وإهانة للشعوب العربية، وكأن هذه الشعوب ليس من حقها أن تطمح إلى الحرية والديمقراطية وأن تعيش مثل بقية الشعوب، وأدرك أن الثقافة العربية وكثير من أهل الرأي والفكر وقادة الرأى جهدوا والمناضلون السياسيون من أجل أن يتكون شعور لدي عامة المواطنين بالحاجة إلي التحول الديمقراطى، كما أدرك أن الشباب كان لهم عنصر المبادرة الجوهرى عن طريق استغلال تقنيات التواصل الاجتماعى في الفيس بوك وغيرها فى إثارة الشرارات الأولى، فنزاهة وبراءة ونبل ومصداقية ثورات الربيع العربى لا شك فيها، لكن أن تكون القوي العظمي أو من يبادر باستغلال هذه الثورات وتحويلها لصالحها، فهذه هي طبيعة القوي العظمى وإدارتها لمصالحها، تشب الحريق فيقتبسون جذوتها لكي يطبخوا عليها أغراضهم ومصالحهم، أما أنهم هم الذين أشعلوا الحريق فأرفض هذا تماماً هذه واحدة، الأمر الثانى أنني كما أشرت إلى أن نار الإسلام السياسي علي وجه التحديد وخداعه وأوهامه العظمى ومؤامراته هي التي قفزت علي هذه الثورات وحولت بعضها إلى جحيم، فالإسلام السياسي هو الذي حول ثورة الشعب السورى ضد الديمقراطية إلى حرب إبادة بين ديكتاتورية وبين جماعات دينية فاشية متسلطة مجرمة تفتك بالأبرياء، الإسلام السياسي هو الذي حول الشعب الليبى الحقيقى في أن يتخلص من ديكتاتورية مضحكة «ديكتاتورية القذافى التي كانت مسار سخرية العالم كله تتحول إلى مأساة وتصبح ليبيا دولة ميليشيات ومقراً رسمياً لقوي القاعدة والجماعات الدينية المتطرفة، الإسلام السياسي هو الذي قفز على الربيع العربى لكي يحول أفراحه إلى مآتم، ولكن يحول بينه وبين أن يحقق التحول الديمقراطى للوطن العربى.
البعض يرى أن المثقفين كان لهم دور فى الربيع العربى، إلا أنهم سرعان ما اختفوا؟
- طبيعة أصحاب الرأي والثقافة والفكر أنهم يمهدون الرأى العام، ويصنعون المثل والنماذج، فعندما يطمح المثقف إلى أن يكون وطنه متقدماً متحضراً راقياً يحكم الديمقراطية، ويدار بتداول السلطة وأن تكون فيه نهضات صناعية وزراعية وتكنولوجية، وأن يكون مستقبلاً راقياً للجميع، هذا حلم مشروع وطبيعى جداً، ولو لم يزرعه أصحاب الرأى والثقافة لكانوا مقصرين، لكن عندما تنشب بعد ذلك في المجتمعات أنياب أصحاب المصالح والذين يعملون عملاء لغيرهم من القوي الأجنبية وأنياب الذين يديرون التحولات لصالحهم الخاص ويديرون بها أحلام الشعوب في الحرية والرخاء والتقدم والنهضة، هناك قوي اجتماعية عاتية هي التي تحكم التطور وليس المثقفون إلا عنصراً من جملة عناصر، لكنني أظن أن ما يرسمونه من أحلام وما يضعونه من قيم لابد له في نهاية الأمر أن يجذب الآخرين لكي يلتفوا حوله، ولابد في نهاية الأمر أن ينتهي كفاح هذه الشعوب إلي ضمان حقها في العيش والمستقبل والحرية والتقدم.
الإخوان والسلطة
هل كنت منزعجاً عندما وصل الإخوان إلى سدة الحكم وهل كنت تتوقع لهم هذا السقوط السريع؟
- بطبيعة الحال كنت منزعجاً للغاية، لكن كان ظنى بهم أفضل من ذلك، أن يكونوا أذكى وأقدر علي الرؤية وأشد إخلاصاً للوطن وفهماً للإسلام من أن يقعوا في الحفرة التي وقعوا فيها، أن يعملوا منذ أول يوم علي إطلاق سراح كل الإرهابيين واستقبالهم في الخارج لكي يتم إيواؤهم في سيناء أن يعملوا منذ اليوم الأول علي أن يفرضوا مغالبتهم على السلطة وأن ينحوا جميع القوي السياسية، أن يكذبوا كذباً فادحاً في وعودهم وأن تحكمهم عقلية مكتب الإرشاد، المكتب القطبى الذي يكفر غيره ويستحل دمه، ويخون وطنه، هذا كان حقيقة لم أكن أتصور علي الإطلاق أنهم يفعلون ذلك، ولهذا أذكر على وجه التحديد أنني كنت أتفاءل خيراً بهم وأتوقع منهم الإصلاح والخير والفهم الحقيقى للدين ولطبيعة التطور الحضارى إلى أن كشفوا عن وجههم القبيح وأعلنوا عن نواياهم المدمرة بالإعلان الدستورى الكريه الذي ألغى فيه رئيس الجمهورية كل السلطات الأخرى ونصّب من نفسه ديكتاتوراً مطلقاً متألهاً لا يرد له قرار ولا يملك أحد نقد ما أبرمه، ثم استداروا لكي يقضوا علي المؤسسات القضائية والمؤسسات الإعلامية واتضح لى في تلك اللحظات أنهم يدمرون الوطن الذي يعيشون علي أرضه ويأكلون من خيره، وعندما تبين بعد هذا أنهم لا يقبلون بتداول السلطة ولا يريدون أن يستجيبوا لمطالب الناس بعقد استفتاء عن شرعيتهم في الاستمرار أو ضرورة سقوط رئيسهم عندما رفضوا ذلك وأصروا علي الاستمرار واضطر الجيش إلى أن يناصر الشعب ويضع حداً لهذه المأساة، فتجمعوا في رابعة العدوية وميدان النهضة واتضح أنهم دمويون متخلفون يوظفون الدين في غير موضعه لا يعملون حساباً للوطن ولا الوطنية وليس لديهم أي إحساس بالمسئولية التاريخية، ويريدون هدم الجيش، في هذه الأثناء تبين أن المولى الذي يحرس هذا الوطن هو الذي قدر هذه النهاية الحتمية، وهم الآن عندما يستمرون في غيهم وفي غبائهم السياسي وعندما يدفعون الشباب للانتحار عندما يفجرون القنابل ويقتلون الأبرياء هم يبرهنون على أن المكان الوحيد اللائق لأمثالهم وأمثال تنظيمهم هو السجون التي يقبعون بها.
المثقف والسلطة.. علاقة شائكة فكيف تنظر إليها خاصة أن هناك اتهاماً للمثقفين بأنهم كانوا لسان حال النظام الأسبق دوماً مما أضعف الثقافة في فترات كثيرة؟
- التعميم دائماً يوقع في الخطأ، وكان هناك بعض المثقفين الذين يرون أن الدولة دولتهم، وأنهم لا يستطيعون أن يهجروها، ولا أن يتخلوا عنها، فمن يعمل في التعليم، ومن يعمل في الإعلام، ومن يعمل في الخدمات الصحية، من يعمل في البحث العلمى عداؤه للنظام لا يمكن أن يدفعه إلى أن يترك بلده أو أن يجلس في بيته، في النهاية كانت الدولة تحتاج إلي عقولها وعقول أبنائها، والنظام كان يستبد ويطغى لكنه يأخذ من كل بقدره، كان يُبعد كل المخلصين ولا يبقى إلا علي الذين يقبلون التعاون معه بشروط، لكن لا ننسى أن هناك مثقفين كثيرين رفضوا التعاون المطلق مع هذا النظام وأنهم ناصبوه العداء حقيقة وأنهم استخدموا حقهم الضرورى فى اتخاذ موقف نقدى منه، وكنت أعتقد مراراً أن المثقف الذي لا يدعو إلى الديمقراطية والذي لا يأخذ موقفاً نقدياً من النظام بأكمله هو يخون رسالته الثقافية ومعي المئات من المثقفين المصريين وربما ذهب بعضهم إلي أبعد مما ذهبت إليه، وبالتالى لا أستطيع أبداً أن أحرم المثقف المصرى والعربى من شرف أنه حارب هذا النظام الفاشى والمستبد لكي يتطلع ويحلم بنظام ديمقراطى عادل.
كيف تستعيد مصر دورها الريادى على المستوى الثقافى؟
- أن تفسح المجال لطاقة وعبقرية أبنائها وأن نهيئ لهم المناخ الملائم في خطوات أصبحت معروفة ومدروسة طبيعية جداً، التعليم الجيد، الثقافة الرفيعة، التشجيع والحوافز الضرورية، إتاحة الفرصة أمامهم لهذا الإبداع، وأمامنا في سبيل ذلك هدف أساسى وهو أننا تعرضنا خلال العقود الماضية كلها لأكبر نزيف في العقل المصرى والعربى، يكفى أن نعرف أن لدينا ما يبلغ الآلاف من نوابغ الأطباء والعلماء يعملون في أمريكا والولايات المتحدة، نحن أولى بهم عندما نهيئ لهم الفرص الكافية لممارسة إبداعاتهم داخل الوطن وللمشاركة الحقيقية في تنمية قدرات مصر العلمية والمستقبلية، لابد أن نسترد ما خسرناه من عقولنا ومن مواهبنا ومن أبنائنا النابغين ونتيح لهم الفرصة لكي يحتضنهم وطنهم ولكي يمارسوا إبداعهم فيه.
لو كنت وزيراً للثقافة.. ما أهم القرارات التي كنت ستتخذها؟
- أهم قرار أعتقده هو التركيز على ثقافة العقل والفكر والفهم والوجدان، التركيز علي استمرارية التيار الثقافى المصرى بتشجيع الفنون والآداب والعلوم والمعارف، والانفتاح العظيم على كل معارف وفنون العالم واعتبار الثقافة ضرورة مثل الخبز، وهذه مسألة ضرورية ليست ترفاً، لأن المشكلة التي نعانيها الآن هي انفصام العقل المصرى وانقسامه بين عقل ممسوح وممسوخ ومشوه، ويدمر الجامعات ويفجر الميادين ويقتل البشر وعقل آخر هو المصرى الطبيعى مسالم ويريد أن يبنى مستقبله ويبنى حياته، إزالة هذا الانفصام في العقل المصرى هي مهمة ثقافية بالدرجة الأولى، والثقافة لا تقوم بها وزارة الثقافة وحدها، فتقوم بها أيضاً وزارة التعليم وأجهزة الإعلام كلها المقروءة والمسموعة والمرئية، ووزارة الأوقاف، فالثقافة المسمومة التي نراها مدسوسة في كل المساجد المصرية آن الأوان لأن نطهرها.
مشروعات سياسية
أيهما أخطر من وجهة نظرك الفكر الإخوانى أم الفكر السلفى؟
- ليس للإخوان فكر وليس للسلفيين فكر، لكن لهم مشروعات سياسية وليس لديهم وعى حقيقى بالدين والالتزام به، وإنما لهم تبعية لهيئات ومؤسسات يتبعونها وتمولهم، كل أنواع الفكر الحر الخالى من الغرض والهوى والتوظيف لصالح مشروعات سياسية مطلوبة وإثراء للثقافة، لكن عندما يوظف تيار معين لخدمة اتجاهات ومنظمات للسيطرة علي السلطة فهذه كارثة، ولذلك لا يوجد ما يمكن أن نناقشه فيما يسمي بالفكر، فقد قرأت كل كتاباتهم ابتداءً من كتابات حسن البنا إلى آخر كتب أصدروها وما فيها من فكر فيه محاولات للتأويل ولصبغ المواد الإسلامية بالصبغة السياسية وهي محاولات ممقوتة من وجهة نظرى.
أيها تفضل الحكم الدينى أم الحكم العسكرى؟
- لا هذا ولا ذاك، وأى حكم غير ديمقراطى فاشى وديكتاتورى، فهو الكارثة التي نريد أن تتخلص منها.
كيف تري مستقبل الإخوان السياسي الآن بعد اعتبارهم جماعة إرهابية؟
- كما قلت من قبل دخولهم مجال السياسة من الأساس خطأ كبير، لأن استخدام الدين للقفز علي السلطة خطأ فادح، وبالتالى إذا انخرطوا في الأحزاب المدنية العادية غير الدينية ومارسوا حقهم السياسي مثل غيرهم لن يقف أحد في سبيلهم، لكن من أجرم لابد أن يعاقب وبالتالى لا مجال إلي أن يدخل تنظيم فاشى يعتمد على السمع والطاعة وله جناح عسكرى ويستخدم القوة والإرهاب فى الحياة السياسية، فهذا ضد السياسة، فالسياسة حركة مدنية ومن الضرورى تداول السلطة بشكل سلمى.
فى حوار نشر بجريدة الأهرام مؤخراً مع الشاعر «أدونيس» قال: إن المؤسسة الدينية في طليعة معوقات الحداثة العربية قاصداً الأزهر الشريف.. فما ردك على ذلك؟
- هو لا يعرف الواقع المصرى ولا يدرك بصدق وليست لديه معلومات كافية ولا معايشة حقيقية للأوضاع المصرية، وبالتالى حكمه كان من بعيد ولا تتوافر له معلومات والشعب المصرى شعب تتجذر فيه الروح الدينية لكن ليست روح التطرف الدينى، والشعب المصرى لديه حصانة من التطرف، والحصانة هنا تعنى «التطعيم»، أى أنه ملقح بثقافة روحية جيدة، فالشعب المصرى منذ القدم لديه قدر من الحصانة والتطعيم الروحى الدينى، فمؤسسة الأزهر هي التي حافظت على الثقافة العربية والإسلامية، وهي في جوهرها مؤسسة وسطية، وتفصل بين الدين والسياسة تماماً، ووثيقة الأزهر التي أعلنت منذ ثلاث سنوات تنص على تأييد الدولة الديمقراطية الحديثة وهي الدولة المدنية ومعنى ذلك أنه لا يرى علي الإطلاق أن الإسلام يتضمن مفهوم الدولة الدينية، فمؤسسة الأزهر في صميم رأيها التي عبرت عنها في هذه الوثيقة التي وقعت عليها كل القوى السياسية بما فيها قوي الإسلام السياسي الخادعة، التي انتكست في رأيها عندما وقعت على هذه الوثيقة فلا يعرف أدونيس ذلك، لأنه لا يعرف الحقائق فحكمه غير صحيح.
حرية الإبداع
بعد قرار رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب بوقف عرض فيلم «حلاوة روح» أصدرت جبهة الإبداع بياناً تهاجم قرار رئيس الوزراء بدعوى أنه يقف ضد حرية «الإبداع» فما ضوابط هذه الحرية وهل يصونها الدستور الجديد؟
- النصوص الدستورية بالفعل تدعم حرية الإبداع وتصونها بالضمانات الكافية، ونظن أن رئيس الوزراء تسرع قليلاً في قراره ومهما كانت نيته حسنة، فقد أخطأ لأنه لم يلجأ إلى الإجراء القانونى الصحيح، فهو في نهاية الأمر ليس حكماً وليس رقيباً، فهناك أجهزة ثقافية هي التي تقوم بالرقابة، كان عليه أن يراجعها ولا يحكم بوجهة نظره، فمسائل الإبداع لابد أن يحتكم فيها إلى رأى الخبراء وعندما تريد الدولة ممثلة في رئيس الوزراء أن تحارب مثل هذه الأفلام التي يمكن أن نعترف بأنها هابطة، فليس عن طريق منعها، فآليات العرض والطلب في سوق السينما هي التي أدت إلى أن يكون المنتج بهذه الرداءة.
أخيراً.. ماذا عن مشروعاتك الأدبية المستقبلية؟
- أنا مستمر في الكتابة النقدية، علي الرغم من أنني أعمل في الممارسة السياسية، لكن لا أكتب إلا في الأدب والنقد في مقالات النقد التطبيقى التي أقوم بنشرها، وأحاول نشر النشاط في الجمعية المصرية للنقد الأدبى والمشاركة في بعض الملتقيات الثقافية المحلية والعربية والدولية.

سيرة ذاتية
ولد د. صلاح فضل في عام 1938.
درس الابتدائية والثانوية بالمعاهد الأزهرية.
حصل على ليسانس دار العلوم عام 1962 وعمل معيداً بها حتى 1965.
أوفد فى بعثة للدرسات العليا بإسبانيا.
حصل على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة مدريد 1972.
عمل مدرساً للأدب العربي والترجمة بجامعة مدريد (1968 - 1972).
عمل بعد عودته أستاذاً للأدب والنقد بجامعة الأزهر.
عمل أستاذاً زائراً بكلية المكسيك للدراسات العليا (1974 - 1977).
انتقل للعمل بكلية الآداب جامعة عين شمس (1979).
انتدب مستشاراً ثقافياً لمصر ومديراً للمعهد المصرى للدراسات الإسلامية بإسبانيا.
انتدب بعد عودته عميداً للمعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون.
عمل أستاذاً زائراً بجامعة صنعاء باليمن والبحرين.
شارك فى تأسيس الجمعية المصرية للنقد الأدبى وعمل رئيسًا لها.
عضو المجلس الأعلى للثقافة والإعلام بالمجالس القومية المتخصصة.
مستشار مكتبة الإسكندرية منذ عام 2003م.
عضو المجمع العلمى المصرى 2005م.
عضو مجمع اللغة العربية عام 2003م.
له مؤلفات عدة أثرت المكتبة العربية في الأدب والنقد الأدبى والأدب المقارن.
حصل على جائزة البابطين للإبداع فى نقد الشعر عام 1997م.
حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2000م.
له مقال أسبوعى بجريدة الأهرام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.