أمانة كبيرة وثقيلة يحملها عماد أبو غازي، علي كاهله، من الآن، هي أمانة «ثقافة مصر». لكن المثقفين المصريين يثقون في أنه قادر علي حمل هذه الأمانة الكبيرة والثقيلة، علي خير ما تحمل الأمانات. فهو المثقف المستنير، والعقل المتفتح، والممارسة الثقافية التي تحترم رأي الآخرين، ولذلك فقد اكتسب احترام الآخرين. واكتسب القبول العام من قبل المثقفين، ومن قبل ثوار 25 يناير. وحزب التجمع وجريدة «الأهالي»، علي وجه الخصوص، يثقان في أن عماد أبو غازي جدير بالمهمة الكبري، وفي أن الرجل الذي تعاون مع «الأهالي» وساهم في تأسيس ونشاط «لجنة الدفاع عن الثقافة القومية» في بداية الثمانينيات سيعيد «للثقافة القومية» وللفكر الوطني الديمقراطي الحضور البهي الذي يليق بمصر، مدعوما في ذلك بمؤازرة المثقفين المصريين والعرب. هو أحد الوجوه الثقافية البارزة، يحظي باحترام وتقدير كل المثقفين، ومشهود له بالنزاهة والتواضع وطهارة اليد في زمن ساد فيه الفساد واستشري. هو ابن للحركة الوطنية واليسارية، ولعب دورا في الحركة الطلابية وانخرط فيها في السبعينيات، وحبس في تلك الحقبة إبان عصر السادات. هو أيضا صاحب تجربة ثرية في الحقل الثقافي، امتلك خبرة وظيفية من خلال عمله بالمجلس الأعلي للثقافة، واقترب من دهاليز وزارة الثقافة، ولمس عن قرب مواقع الخلل بها، مما أهله عن استحقاق لتقلد منصب وزير ثقافة مصر. انه الأستاذ الجامعي، المثقف المستنير، الدكتور عماد أبو غازي ابن الوزير الأسبق بدر الدين أبو غازي، كما أن خال والده هو النحات الكبير الفنان محمود مختار. تخرج في كلية الآداب قسم التاريخ عام 1976، وحصل علي الدكتوراه في الوثائق عام1995، كما شغل العديد من المناصب فهو متخصص في الوثائق والمكتبات بجامعة القاهرة، وترأس الإدارة المركزية للشعب واللجان بالمجلس الأعلي للثقافة، وعمل محررا ثقافيا بجريدة «الأهالي»عام1982، وله العديد من المقالات في جريدتي الشروق والدستور. عقب توليه حقيبة وزارة الثقافة توجهنا إليه لنتعرف علي تصوراته لملامح المرحلة القادمة، ورؤيته لثورة 25يناير، وآفاق المستقبل الثقافي. إذابة التفاوت قبل الحوار.. وأمام مبني وزارة الثقافة الكائن في شارع شجرة الدر، وجدنا العشرات من المتظاهرين يحملون اللافتات ويهتفون بعلو الصوت: "إحنا خلصنا من مبارك لسه فيه مليون مبارك" .. "يا وزير مطالبنا مش كتير مطالبنا ضد الحرامية".. "أنا صاحب الوزير يعني مفيش تغيير".. "هي صداقة ومحسوبية هي دي كل القضية". سألناه في البداية عن أسباب تلك الاحتجاجات؟ قال الوزير: يوميا تشهد الوزارة مثل هذه الاحتجاجات، من مختلف القطاعات، والجميع لهم مطالب يرغبون في تحقيقها في الحال، بل فورا، وهذا أمر بالطبع شبه مستحيل، لأني لا أستطيع علي سبيل المثال، إقصاء أي من القيادات بناء علي اتهامات ليست مؤكدة، أو دون إجراء تحقيق. خاصة أن الوزارة بها الآلاف من العاملين، والجميع لهم مطالب، لذا يجب أن أحصل علي قسط من الوقت حتي يتسني لي الفصل في تلك القضايا، وهناك لجان ستشكل لفحص كل هذه الطلبات، خاصة أن هناك بعض المسئولين قد أحيل للتحقيق، وإذا ثبت أن هناك أية وقائع أخري خاصة بشبهات مالية أو إدارية، فلن يتم التهاون بحال من الأحوال معهم أو مع الفساد بوجه عام. كما أن البعض من المحتجين لهم مطالب عادلة خاصة بالتفاوت في الأجور، وهذه القضية تحديدا يجب أن تحسم بأقصي سرعة، وسأعمل علي إذابة تلك الفوارق قدر استطاعتي. وقد قمت بوضع بعض الترتيبات من أجل راحة الموظفين كي تدور عجلة العمل. باختصار أريد فرصة لالتقاط الأنفاس لتحقيق تلك المطالب لأني غارق في المشاكل الفرعية والوقفات الاحتجاجية يوميا. لحظات فارقة كيف رأيت ثورة 25يناير؟ وهل كنت تتوقع إحداث كل هذه التغييرات الجوهرية في السياسة المصرية؟ دراستي للتاريخ علمتني أن الشعوب لها تصرفات ليست محسوبة، فهناك لحظات فارقة يحدث معها الانفجار، وهذا ما حدث في تونس، ثم في مصر، فهي أول ثورة تعبر عن مجتمع المعرفة بمعناها الحقيقي، وهذا الأمر يبعد إلي حد كبير عن مخيلة الأجيال الأكبر سنا. في تقديري أن ثورة 25يناير لها مطالب سياسية محددة، استشهد من أجلها المئات كي تتحقق الحرية والعدالة والكرامة. الإدارة الجماعية إلي أي مدي ستترجم الثورة في الثقافة؟ يتحقق ذلك في نظري من خلال الإدارة الجماعية، وبالتعاون مع مجالس الإدارات والمكاتب الفنية، وسوف تحتضن كل الساحات التابعة لوزارة الثقافة ومنها مراكز الإبداع وقاعات العروض التشكيلية وهيئات ونوادي المسرح والأوبرا كل الفنانين والمثقفين لممارسة إبداعاتهم. خاصة أن الوزارة منوط بها إتاحة البنية الأساسية لكل الموهوبين، وتنشيط الحالة الإبداعية لديهم. ما أبرز الملامح التي ستشهدها الوزارة في المرحلة الراهنة؟ المثقفون هم الذين سوف يحددوا تلك الملامح، لذا التقي بهم بكثافة في تلك المرحلة حتي نصل للشكل الأمثل الذي يجب أن تكون عليه وزارة الثقافة، فالوزارة جهاز حكومي له رؤية وفلسفة وينسق بين كل المؤسسات، وهناك تصور لفصل المجلس الأعلي للثقافة، علي أن يمول من الدولة، وأن يتم تشكيله بشكل مستقل كي يلعب دورا محوريا للتخطيط للثقافة، حتي يتحول إلي برلمان للمثقفين. من ناحية أخري يقول د. أبو غازي: هناك العديد من التشريعات المرتبطة بالعمل الثقافي يجب أن يتم تعديلها، مثل قانون الوثائق، وقانون الرقابة علي المصنفات الفنية أيضا يحتاج إلي تعديل، خاصة أن الفنانين يرغبون في ذلك، وهناك تشريعات خاصة بالصناعات الثقافية كصناعة النشر والسينما تحتاجان أيضا لتعديل كي نرتقي بالمنتج الثقافي ويكون له القدرة علي المنافسة علي المستويين المحلي والدولي، حتي تتحول وزارة الثقافة إلي وزارة منتجة تمثل إضافة حقيقية للاقتصاد القومي. في ضوء ذلك هل تعتقد أن الريادة الثقافية ستعود مجددا إلي مصر؟ أنا لا أتفق علي أن مصر فقدت الريادة الثقافية، ولا يوجد تراجع في دور مصر الثقافي، لكن ما حدث هو ظهور مراكز ثقافية جديدة، وبالتالي أصبح هناك تنافس واضح بين مختلف تلك المراكز الأمر الذي خلق حالة من الحيوية والتنوع، وهو أمر إيجابي بكل المقاييس لدفع عجلة الثقافة نحو آفاق أرحب. وأؤكد أن الثقافة تشكل القوة الأساسية لمصر وهي القوة الداعمة في ذات الوقت لسياستنا الخارجية علي المستويين العربي والأفريقي. إلغاء الرقابة ما المشروعات التي تعتزم البدء فيها في تلك المرحلة؟ لدي مشروع للاهتمام بأفريقيا ثقافيا والتفاعل معها، لأن تلك القضية تمثل بعدا استراتيجيا كان غائبا رغم أهميته، كما آمل أن يتخلص الإبداع من كل القيود قدر المستطاع بما يتوافق مع وضع المجتمع، وألا يكون هناك اية قيود سياسية علي الأعمال الفنية والسينمائية، كما أتمني إلغاء الرقابة علي المطبوعات الأجنبية. آمل أن يكون لوزارة الثقافة رؤية خاصة للتفاعل مع مختلف المؤسسات في المجتمع بما فيها المجتمع المدني الذي يعمل في مجال الثقافة ووزارة التربية والتعليم، كي تساهم في تشكيل عقل ووجدان المصريين. كما أسعي في المرحلة القادمة نحو خلق مناخ ملائم لدفع الصناعات الثقافية للأمام كي تشكل إضافة للاقتصاد المصري. المثقف والسلطة كيف تري العلاقة بين المثقف والسلطة؟ مؤسسات الدولة ليست ملك النظام، ويجب أن نقدم من خلالها مشروعاتنا، لقد استطعت أن أنفذ مشروعي ورؤيتي دون الرضوخ أو التنازل عن قناعاتي طوال عملي بالمجلس. وهناك العديد من المثقفين الذين تعاملوا مع السلطة الثقافية، من منظورهم ومنهم: بهاء طاهر، أحمد عبد المعطي حجازي، سيد ياسين، محمود أمين العالم، وغيرهم، في حين هناك فريق يرفض التعامل مع السلطة وهذا حقه، لأنه يري أنه يجب أن يكون هناك مسافة واضحة في العلاقة بين المثقف والسلطة كي يستطيع نقد السلطة وقتما يشاء، وكلا الفريقين موجود علي الساحة الثقافية. في تصورك ما هو مفهوم حكومة انتقالية في الثقافة؟ أن تقوم كل الهيئات والمؤسسات الثقافية بمهامها وألا تتوقف عجلة العمل، بالإضافة لإعداد المشروعات التي يجب أن يتم إنجازها في المرحلة الحالية، بالإضافة للمشروعات الإستراتيجية التي سوف تقدم في المرحلة اللاحقة، للحكومة القادمة.