علي مدي22 عاما منذ بداية توليه وزارة الثقافة لم يتوقف الوزير الفنان فاروق حسني عن قول ما يريد. لأنه يؤمن بأن هذا الوطن يكفل الحرية لأي انسان, لكي يعبر عما بداخله ولهذا فقد خاض تجارب ومعارك كثيرة اصابته بكثير من سهام النقد والهجوم, إلا أنه عندما لم يوفق في الوصول إلي منصب مدير عام اليونسكو وجد المؤيدين والمعارضين معا يلتفون حوله لأنه تعرض لظلم شديد. وفي هذا الحوار مع الوزير يقول رأيه بكل صراحة في الكثير من القضايا الثقافية, ومشكلات المثقفين المصريين ويؤكد أن عقله وقلبه مفتوح للأفكار الجديدة وللنقد البناء.. البعض يعتبرك وزيرا صادما لأفكار الناس في بعض الأوقات فما ردك؟! * لايمكن أن أقول آراء صادمة لأني من هذا المجتمع ونتاج ثقافة هذا المجتمع وعندما أقول أي شيء فهذا ليس نابعا من تعصب أو فذلكة, فأنا أحب هذا الوطن حبا شديدا, وأعبر بطريقتي كما يعبر الآخرون. وأنا لدي مسئولية محددة لذلك فمن حقي أن أقول أشياء كثيرة للمجتمع ليست في صالحي لأن ما يخصني حصلت عليه, وكل ما أنا فيه هو دفع ضريبة لهذا الوطن والبعض يتخيل أن الوزير يستمتع ولديه كل شيء وكل الامتيازات, لكن أؤكد بأن هذا ليس فاروق حسني لأن عملي بالوزارة بالنسبة لي هواية بحتة وأنا أعمل بكل حب واخلاص, ولأن هذه رسالة لها قيمة عظيمة وفي النهاية مصر وطن عظيم يستحق أن نفعل له المستحيل. ما رأيك فيما يقال عن أن الحالة الثقافية في مصر تمر بمنعطف خطير وانها ليست في أحسن أحوالها؟! * من يقول إن الحالة الثقافية متردية فإن هذا اتهام لذاته, لأنه غير مبدع, علي اعتبار أن التصحر الابداعي كارثة, وهذا موجود, لكن لفئات معينة, حيث إن هناك فئة هي التي اختفت, لكن هناك شبابا جديدا مبدعا, وهذا الشباب لم يأخذ حقه في الاعلام. ولكنه موجود في كل مجالات الثقافة من أدب وشعر وموسيقي ومسرح وسينما, ولدي كل البراهين علي ذلك. ولكن من ناحية أخري الندرة مطلوبة لأنه لو سادت الابداعات سوف تضيع القيمة, فمثلا ليس لدينا إلا أم كلثوم واحدة وطه حسين واحد وعبدالوهاب واحد, ومن هذا المنطلق فلا يعقل أن يكون المجتمع كله مبدعين!! وإلا ضاعت واختفت القيمة وأصبح لا وجود للتميز أو التفوق, ويجب أن نعلم أن ثقافة اليوم تختلف عن ثقافة الستينيات, لأن هذا حدث منذ خمسين عاما, واليوم لابد أن نفكر في الثقافة التقدمية والمستقبلية وإن لم يتقبلها هؤلاء, فهذا دليل علي انه فاته القطار, وأنا أؤكد أن الثقافة في مصر منتعشة وهناك مبدعون جدد لديهم أساليب وطرق جديدة مبتكرة مغايرة للأساليب القديمة والدليل أن الآلة الثقافية الضخمة الموجودة حاليا تستوعب ذلك, فلدينا مئات الكتاب والفنانون والموسيقيون والسينمائيون, والمسرح موجود في مناطق كثيرة في مصر. لكن أليس تردي الأحوال الاجتماعية الآن في مصر نتيجة أو انعكاس لتردي الأوضاع الثقافية؟! * هذا دور الفن الملتزم وهذا ما كانت تنادي به الدول الاشتراكية, لكن من وجهة نظري الفن يجب أن يكون حرا طليقا, كما أن الفن ليس له علاقة بالحالة الاقتصادية أو الاجتماعية, فالثقافة اليوم لايستطيع أن يقمعها أحد, فهي حالة نفسية وعاطفية ويجب أن نذكر أن كبار الفنانين والمبدعين كانوا معدمين, لكنهم تركوا ثروات وكنوزا للانسانية نهتدي بها في الابداع الثقافي علي مر العصور. لكن ما أقصده ان الابداع الثقافي اليوم غير قادر علي انقاذ الناس وانتشالهم من الثقافات الدخيلة مثل الثقافة الدينية المزيفة وغير الحقيقية علي ثقافتنا المصرية الحقيقية المحبة للحياة والابداع والفنون؟ * أنا أتفق معك في أن هناك شيئا جديدا ورد علي الثقافة وهو الثقافة الدينية التي تمس عواطف البشر خاصة ان مجموعة الدعاة الموجودين اليوم بالآلاف في جميع الزوايا. والدين هو حالة مؤثرة في الشعوب خصوصا أن هؤلاء يلعبون علي الحالة العاطفية لدي الشباب بالترهيب والتخويف إلي آخره, وللأسف الناس الآن لاتتعلم أمور دينها بشكل صحيح. والأساس ان يوجد تعليم ومساجد ووسائل إعلام متعددة كل هذه الأمور مجتمعة هي التي تشكل الانسان. مؤتمر المثقفين الوزارة تقوم بالتجهيز والعمل لمؤتمر كبير ومهم للمثقفين خلال الأيام المقبلة, فما الجديد الذي يطرحه هذا المؤتمر؟؟ * طالبت بتنظيم المؤتمر لأننا نريد أن نغربل المجتمع بشكل صحيح وأن تكون هناك أطروحات جديدة. وأنا كوزير للثقافة أفتخر بأي مبدع أو مفكر سواء معنا أو ضدنا لأننا موجودون لخدمة هذا المجتمع ككل بغض النظر عن أي انتماء طائفي أو سياسي, وأنا لا أحب تسييس الثقافة بالمرة, لأنه لو حدث ذلك فسوف تصبح شيئا آخر تماما. ونحن اليوم نبحث عن أصحاب الآراء الأخري ربما تأتي إلينا أفكار جديدة. ونحن نفتح عقولنا وقلوبنا للذين يريدون أن يضيفوا أو حتي يتهمونا بما ليس فينا. وأنا اليوم وبعد22 سنة من عملي كوزير للثقافة علي استعداد للتغيير والاستفادة من كل أفكار وآراء الناس في جميع المجالات. وأنا لا أملك الوزارة لأنها مملوكة لكل العقول المصرية والفكر المستنير كي يقدم للمجتمع, وممنوع كل ما يسئ إلي الأديان أو قيمنا, لأننا مجتمع متدين سواء كنا مسلمين أو مسيحيين, فالمجتمع المصري منذ الفراعنة وهو متدين, كما اننا محافظون لأننا صعايدة وفلاحون, لذلك لابد أن نحترم ذلك, والمباراة الفكرية بين الأضداد وبين ما يتصل بالرؤي المختلفة تكون إثراء للذات وللآخرين. إذن سوف يطرأ جديد من هذا المؤتمر ولن يكون للاستهلاك المحلي؟ * العمل من أجل انعقاد هذا المؤتمر ليس بالأمر السهل, ولايمكن أن تطغي عليه أية أفكار معينة أو نسبية أو نطلق عليه أحكاما مسبقة. لكن هناك من يقول انه سوف يناقش أفكارا وآراء عفا عليها الزمن؟ * لا ليس في الثقافة أفكار جديدة أو قديمة, فحتي الآن نقرأ لشكسبير ونشاهد الأفلام القديمة ونسمع الموسيقي الكلاسيكية, أما ما يقال في المانشيتات الخاوية الآن فهو نوع من الاثارة بدون أي منطق, والثقافة تواصل وتاريخ علي مر الأجيال. إذن فوزارة الثقافة تعطي الفرصة للمبدعين والمفكرين ولا تقف حائلا ضد أحد؟ * بدون شك أي فكر أو ابداع جديد فهو مكسب لنا, فنحن عندما نطبع كتبا وقصصا جديدة فهذا إثراء لنا وللوطن وللثقافة المصرية, فليس هناك ثقافة نظام وثقافة مجتمع وأنا أتحدث عن نفسي بشكل شخصي وعن المجتمع الذي أعيش فيه. هل تري أن هناك مشكلة للمثقفين المصريين تجاه قيامهم بدورهم الحقيقي والإيجابي للمجتمع المصري؟ * ليس هناك شك في أن كل مثقف في النهاية له رأي سياسي واجتماعي, وهذا حقه, وأنا أري ضرورة تعميق هذا المفهوم وأن يكون لوزارة الثقافة دور فيه. ولابد أن يعرف المجتمع أفكار الآخر. وفلسفة السياسة لها طريقها, فلابد أن نعلم لمن نعمل ولماذا وبأي هدف ومتي؟ فنحن نعمل للشعب المصري بهدف تثقيف المجتمع. ونحن لاندافع عن النظام, فله رجاله الذين يدافعون عنه, أما نحن ففكر المجتمع نأخذه لنوصله للمجتمع بعيدا عن السياسة وعن الطائفية. بعد مرور22 سنة في وزارة الثقافة هل نجحت في التعامل مع المثقف المصري, أم انه مازال يحلق بعيدا؟؟ * لدينا700 مثقف حسب احصائية المجلس الأعلي للثقافة, وحتي نكون منصفين يجب أن نري عدد النشر الذي يتم وعدد الأفلام السينمائية, فعندما توليت الوزارة كان عدد الأفلام6, أما الآن فهو خمسون والموسيقي اليوم مزدهرة والأوبرا أصبحت هناك3 دور للأوبرا وقصور الثقافة والمسارح والمكتبات انتشرت وتم تحديثها. لكن هل هذا كاف ل80 مليون مصري؟! * وهل أملك عصا سحرية؟ فأنا أتمني أن يكون لكل مصري مكتبة ومسرح ودار سينما, لكن هذا يحتاج إلي أموال وخطط, وأنا عندما جئت لم يكن بمصر إلا عدد قليل جدا من المكتبات, اليوم عدد المكتبات في ازدياد كبير حتي في القري والنجوع, وهذا للحق تعمل عليه وتدعمه السيدة الفاضلة سوزان مبارك قرينة الرئيس. من خلال مشروعات مكتبة الأسرة والقراءة للجميع, وغيرها. وأنا أريد أن أعرف ما الذي قصرنا فيه؟ هناك فوضي في الاعلام وحالة إعلامية متخبطة, فما رأيك في المشهد الاعلامي, وهل يقوم بدوره الايجابي تجاه الناس؟ * هذه الأمور لا تثير الخوف, فأنا امثلها بكم كبير من البشر محتجزين في مكان ضيق ومرة واحدة فتح باب واحد, واندفع الجميع نحو الباب للخروج, ولكن الأمر سيتغير, وعندما تستقر الأحوال. فهناك صحف محترمة وهناك من يعتمد علي الاثارة من أجل البيع, وبالرغم من هذا فكل ذلك لايخيفني أو يقلقني, وهناك قانون يفصل الأمور عن بعضها. وهذا لايوجد إلا في مصر فقط, ولاتوجد هذه الحالة في أي مكان في منطقتنا العربية, وأنا أعتبره قيمة كبيرة. هناك مشاريع كبيرة علي وشك الانتهاء منها مثل افتتاح الأكاديمية المصرية والمتحف المصري الكبير فما تعليقك؟؟ * هناك أحداث كثيرة سوف تشهدها الساحة الثقافية في الفترة القادمة, فالأكاديمية سوف يفتتحها الرئيس في مايو, وقريبا سأفتتح المتحف الاسلامي ومتحف المجوهرات الملكية ومتحف السويس ومتحف التماسيح المحنطة في أسوان, أما المتحف المصري الكبير, فلقد انتهينا من المرحلتين الأولي والثانية والأخيرة, وأمامنا16 شهرا علي افتتاح هذه المشروعات الكبري. أما القاهرة التاريخية فبدأنا في المرحلة الثانية والأخيرة, وسوف يستغرق ما يقرب من عام, وهذا مكسب شعبي وتاريخي للثقافة المصرية.