محمد معيط: العجز في الموازنة 1.5 تريليون جنيه.. وأنا مضطر علشان البلد تفضل ماشية استلف هذا المبلغ    وزير الخارجية الروسي: الوضع في غزة لا يزال هشا    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بمنشأة القناطر    تحذير هام من محافظة كفر الشيخ للمواطنين بعد زحف السحب الممطرة على المحافظة    نيللي كريم وداليا مصطفى تسيطران على جوجل: شائعات ونجاحات تُشعل الجدل    لمدة يومين، فصل جزئي للكهرباء في أبو تيج بأسيوط لرفع كفاءة تشغيل محطة المياه    فصل التيار الكهربائى عن 3 مناطق بمدينة بيلا فى كفر الشيخ.. اليوم    أبرزهم أحمد حاتم وحسين فهمي.. نجوم الفن في العرض الخاص لفيلم الملحد    حزب "المصريين": بيان الخارجية الرافض للاعتراف بما يسمى "أرض الصومال" جرس إنذار لمحاولات العبث بجغرافيا المنطقة    بحضور وزير الثقافة.. أداء متميز من أوركسترا براعم الكونسرفتوار خلال مشاركتها في مهرجان «كريسماس بالعربي»    لجنة بالشيوخ تفتح اليوم ملف مشكلات الإسكان الاجتماعي والمتوسط    عمر فاروق الفيشاوي عن أنفعال شقيقه أثناء العزاء: تطفل بسبب التريندات والكل عاوز اللقطة    فيديو جراف| تسعة أفلام صنعت «فيلسوف السينما».. وداعًا «داود عبد السيد»    أسبوع حافل بالإنجازات| السياحة والآثار تواصل تعزيز الحضور المصري عالميًا    انتخابات النواب| محافظ أسيوط: انتهاء اليوم الأول من جولة الإعادة بالدائرة الثالثة    «الداخلية» تكشف مفاجأة مدوية بشأن الادعاء باختطاف «أفريقي»    ما بين طموح الفرعون ورغبة العميد، موقف محمد صلاح من مباراة منتخب مصر أمام أنجولا    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    أمم إفريقيا - لوكمان: تونس لا تستحق ركلة الجزاء.. ومساهماتي بفضل الفريق    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    ناقد رياضي: الروح القتالية سر فوز مصر على جنوب أفريقيا    أحمد سامى: كان هيجيلى القلب لو استمريت فى تدريب الاتحاد    لافروف: نظام زيلينسكي لا يبدي أي استعداد لمفاوضات بناءة    تفاصيل إصابة محمد على بن رمضان فى مباراة تونس ونيجيريا    2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    حادثان متتاليان بالجيزة والصحراوي.. مصرع شخص وإصابة 7 آخرين وتعطّل مؤقت للحركة المرورية    هل فرط جمال عبد الناصر في السودان؟.. عبد الحليم قنديل يُجيب    لافروف: أوروبا تستعد بشكل علني للحرب مع روسيا    نوفوستي تفيد بتأخير أكثر من 270 رحلة جوية في مطاري فنوكوفو وشيريميتيفو بموسكو    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميل روبير الفارس لحصوله علي جائزة التفوق الصحفي فرع الصحافة الثقافية    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    محمد معيط: المواطن سيشعر بفروق حقيقية في دخله عندما يصل التضخم ل 5% وتزيد الأجور 13%    «إسرائيل: السحر الدين الدم».. كتاب جديد يكشف الأسرار الخفية للدولة العبرية    المحامي ياسر حسن يكشف تطورات جديدة في قضية سرقة نوال الدجوي    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    حمو بيكا خارج محبسه.. أول صور بعد الإفراج عنه ونهاية أزمة السلاح الأبيض    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    أخبار مصر اليوم: انتظام التصويت باليوم الأول لجولة الإعادة دون مخالفات مؤثرة، تطوير 1255 مشروعًا خلال 10 سنوات، الذهب مرشح لتجاوز 5 آلاف دولار للأوقية في 2026    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق حسني.. من اللوحات المسروقة والحرائق ولكنه «غير قابل للمس»

يختار الموظفين بمحض إرادته ثم يتخلي عنهم في أول أزمة ويقدمهم للمحاكمات مثل أيمن عبدالمنعم ومصطفي علوي ومحسن شعلان
فاروق حسني
رغم أن الفترة الطويلة جدا التي قضاها فاروق حسني - أقدم وزراء الحكومة الحالية - علي قمة وزارة الثقافة كانت كلها أزمات وكوارث، وفي بعض الأحيان جرائم، حتي أن المصريين لن يتذكروه بعد رحيله إلا بعدد اللوحات التي سرقت والآثار التي ضاعت والمنشآت التي احترقت في عهده، إلا أن ذلك كله لم يدفع القيادة السياسية يوما إلي التفكير في محاسبته أو تقديمه للمحاكمة أو حتي مجرد إعفائه من المنصب دون محاسبة لوقف نزيف الأزمات.
فاروق حسني مسنود، حتي ولو خرج علينا كل يوم بكارثة جديدة، ومهما بلغ السخط الجماهير والرفض الشعبي له، أصبح رجلاً «غير قابل للمس»، بعدما استطاع أن يهمش الثقافة والفكر لدي المصريين، وهبط هبوطا حادا بوعيهم وإدراكهم لمدي تردي الأوضاع، وخلا منهجه في الإدارة من تبني أي مشروع ثقافي محدد وبناء، سوي ادعاءات منفصلة هنا وهناك لا يربطها رابط، ولا توحي بأي فكر متماسك منظم، باستثناء العمل علي احتواء المثقفين واستقطابهم وإدخالهم الحظيرة.
وجاءت حادثة سرقة «زهرة الخشخاش» لتكشف عن مدي السوء وتردي الأوضاع الذي وصلت حال الثقافة في مصر، والطريقة التي أصبح يتعامل بها المسئولون الثقافيون مع الثقافة ورموزها ومفرداتها، حيث تمكن شخص مجهول - وفي وضح النهار - من سرقة لوحة نادرة تعد الأهم من بين أعمال الفنان الهولندي الشهير «فان جوخ» وتبلغ قيمتها أكثر من 55 مليون دولار.
المثير للدهشة أن تلك الأزمة أصابت الوزير الفنان في صلب تخصصه، وهو الفن التشكيلي، مما يوحي بأن الرجل لا يدرك قيمة مثل هذه اللوحة وغيرها من اللوحات التي تسرق بين الحين والآخر، ولا يسعي للحفاظ عليها وحمايتها، بينما لو كانت هذه اللوحة إحدي لوحاته - التي لا يعرف المصريون أياً منها - لأوجد من يسهر علي حمايتها ويهتم بها، ولوفر لها أسباب الأمان من السرقة، مع فرض أن هناك من يفكر في سرقة إحدي لوحات السيد الوزير!
والحقيقة أن كارثة واحدة من تلك الكوارث التي تمني بها وزارة الثقافة بين الحين والآخر تكفي لإقالة الحكومة بأكملها، ففي أوروبا والدول المتقدمة ينتحر الوزراء بسبب مثل هذه المشاكل، بينما فاروق حسني، رغم كل تصريحاته عن رغبته في الاستقالة، أو التفكير في الانتحار، إلا أن شيئا لا يحدث، فلا هو ترك المنصب، ولا هو انتحر طبعا.
ولد فاروق عبدالعزيز حسني بالإسكندرية عام 1938، وتلقي تعليمه الأساسي في مدارسها قبل أن يحصل علي بكالوريوس الفنون التشكيلية قسم ديكور من جامعتها، ثم تدرج في عدة وظائف داخل هيئة قصور الثقافة حتي عمل مديرا لقصر ثقافة الأنفوشي في 1967 أثناء فترة تولي دكتور ثروت عكاشة وزارة الثقافة.
بعدها، ترك فاروق حسني مصر وسافر إلي فرنسا للعمل كملحق ثقافي بالسفارة المصرية هناك، وحسب تصريحات سابقة للدكتور يحيي الجمل أكدها في مذكراته، أشار إلي أن فاروق حسني كان يتعاون مع نظام السادات في نقل أخبار الطلبة المصريين في باريس المعارضين لاتفاقية السلام ويكتب عنهم التقارير الأمنية، كما يؤكد الجمل أن علاقة الوزير بأسرة الرئيس مبارك قد نشأت وتوطدت خلال تلك الفترة التي تعرف فيها أيضا علي الدكتور عاطف صدقي الذي أصبح بعد ذلك رئيسا للوزراء.
ويعتبر عام 1978 إحدي أهم المراحل المهنية في حياة وزير الثقافة، حيث استطاع في ذلك العام أن يدخل إلي مطبخ الوزارة ويتعرف علي كل صغيرة وكبيرة بحكم عمله آنذاك كمدير لمكتب وزير الثقافة الدكتور حسن إسماعيل، الذي صادف أنه تولي ثلاث وزارات في وقت واحد هي الثقافة والتعليم والبحث العلمي، وكنتيجة طبيعية لهذا الكم من المسئوليات، لم يكن في استطاعة حسن إسماعيل السيطرة علي الوزارات الثلاث بشكل كامل، مما دفعه لمنح سلطات أكثر لبعض العاملين معه ليتمكن من تسييرها دون خلل، وأتاح لفاروق حسني فرصة ذهبية ليضرب علي أوتاده داخل وزارة الثقافة بقوة، وخلال هذه الفترة القصيرة، التي لم تزد علي سنة، عرف حسني كل نقاط الضعف داخل الوزارة، وعرف كيف يعود إليها ثانية ليسيطر عليها سيطرة كاملة ولمدة 23 سنة متواصلة.
وفيما اعتبر هدنة لالتقاط الأنفاس، غادر فاروق حسني وزارة الثقافة بترك حسن إسماعيل للمنصب، ليعمل بعدها نائبا لمدير أكاديمية الفنون المصرية، وكان يديرها في ذلك الوقت صلاح غنيم عبدون الذي كان يعمل مديرا لدار الأوبرا المصرية، قبل يتم تصعيد حسني ويخلف غنيم كمدير للأكاديمية، ليبدأ سباقه المحموم للوصول إلي منصب وزير الثقافة عام 1987.
عندما اتخذ الدكتور عاطف صدقي قراراه بتعيين فاروق حسني وزيرا للثقافة، خلفا للدكتور أحمد هيكل، ثارت موجة من السخط والاستياء بين بعض المثقفين، قادها الكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوي، الذي انتقد تسليم مسئولية وزارة الثقافة لمن وصفه «بشخص لا علاقة له بالثقافة والمثقفين»، ورغم ذلك تجاهل صدقي هذه الانتقادات، وأصر علي اختياره، لتدور الأيام ويغادر صدقي رئاسة الوزراء، ويبقي فاروق حسني وزيراً للثقافة حتي الآن ولمدة 23 عاما متصلة.
وبقاء الرجل كل هذه السنوات في المنصب لا يعني أبدا أنه نجح في إدارة الوزارة أو أنه كان الأكفأ؛ فالسياسة التي درج عليها النظام الحاكم فيما يتعلق بتعيين وإقالة الوزراء، واعتماده علي أهل الثقة دون أهل الكفاءة تكذب ذلك تماما، ولم يكن بقاؤه كل هذه السنوات في منصبه راجعاً إلي ثقله الثقافي أو الفني، بل إن طول فترة بقائه دليل فشل للوزارة وللوزير شخصيا، ويمكن استنباط ذلك بالنظر للإنجاز الذي حققه فاروق حسني طوال 23 عاما بالمقارنة لما قام به الدكتور ثروت عكاشة مثلا كوزير، أو مقارنة تأثير وزارته بأكملها في الدور الذي يلعبه مركز ثقافي «أهلي» هو ساقية الصاوي.
فقد استطاع ثروت عكاشة، أن يؤسس مسرح دولة، مازلنا نتحدث عن أيامه الخوالي حتي الآن، وتمكن من إنقاذ آثار النوبة من الغرق بسبب إنشاء السد العالي، وتحمل المسئولية المباشرة قومياً ودولياً في هذا الإطار، وهو الذي بني قصور الثقافة التي تحرقها سياسات فاروق حسني الآن، وأنشأ الفرق المسرحية والموسيقية التي يوقفها فاروق الآن، كما أنشأ أغلب المتاحف التي يتهاون معها الوزير الحالي ويتركها فريسة سهلة للصوص كمتحف محمود خليل، وأسس معاهد الباليه والكونسرفتوار والسينما، ودار الكتب والوثائق المصرية، كما أنه كان صاحب فكرة نظام تفرغ المبدعين المصريين الذي يعتبر أحد أهم إنجازاته التي أثرت في الحياة الثقافية في مصر، المدهش حقا أن دكتور عكاشة أتم كل هذه المنجزات خلال ثمان سنوات فقط، تولي فيها الوزارة علي فترتين الأولي من 1958 حتي 1962، والثانية من 1967 وحتي 1970!
أما عن ساقية الصاوي، فيفضح ما أصبحت تمثله الآن للمصريين وانتشارها الواسع بين أوساط الشباب، مدي ضعف كل ادعاءات الوزير، فحسني بوزارته وهيئاتها وقطاعاتها وموازنتها واعتماداتها المالية وموظفيها، يعجز عن القيام بنصف الدور الذي يلعبه مركز ثقافي محدود الإمكانيات مقارنة بإمكانيات وزارة يقبع أسفل كوبري 15 مايو ويقوم علي خدمته مجموعة من المتطوعين.
إنجازات فاروق حسني خلال 23 سنة تستدعي أن نبحث عن الحال التي وصلت إليها الهيئة العامة للكتاب في مصر، بعدما أصبحت تعتمد علي المحسوبية واختيار غير المؤهلين وأنصاف الكفاءات بدعوي حرية الرأي والإبداع، وبعدما انخفض معدل ما تنتجه مصر من عناوين سنويا إلي ما ينتجه الوطن العربي، وضعف المحتوي الحالي، بالمقارنة بما كان عليه الوضع في الستينيات، بعدما كاد يختفي دور الوزارة تماما، وما عادت تضطلع بالدور الذي أنشئت من أجله في الأساس وهو تضييق الفجوة الثقافية بين مصر وشعوب العالم المتقدم.
أزمة قصور الثقافة لا تختلف كثيرا، وبعد أن كانت قطار المعرفة الذي يجوب أقاليم مصر، ومفرخة للنجوم الذين ملأوا مسرح الدولة، أصبحت الآن «خرابة»، وأغلق أو توقف عمل أغلب فرقها المسرحية الجادة، ولم يعد لها نشاط حقيقي، ولم يعد لعروضها البريق والقوة الذي كان يجذب بعض المهتمين للسفر إلي مثل هذه الأقاليم البعيدة للاستمتاع بإنتاج فرقها واكتشاف المواهب، حتي أصبح البعض يتندر علي حالها بالقول أنها «قصور» من «التقصير».
وفي عهده الميمون، تكررت سرقة الأعمال الفنية من المتاحف، منها لوحتان للفنان التشكيلي حامد ندا وتمت سرقتهما من دار الأوبرا، واللوحات الأثرية التي ترجع لعصر أسرة محمد علي والتي سرقت من قصر محمد علي بشبرا الخيمة، كما سرقت آلاف القطع الأثرية وهربت خارج مصر.
أضف إلي ذلك سلسلة الحرائق الذي أصبحت سمة عصر فاروق حسني، كحريق المسافر خانة والمسرح القومي وحريق قصر ثقافة بني سويف الذي راح ضحيته أكثر من خمسين مسرحياً.
وكان نتيجة هذا التهاون في التعامل مع الآثار المصرية والمنشآت الثقافية أن قررت منظمة اليونسكو أن تخرج عددًا كبيرًا من الآثار المصرية خارج نطاق حمايتها.
ونتيجة لكل هذه الملابسات، كان فشل فاروق حسني في الوصول لمنصب مدير عام منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) نتيجة متوقعة، فمن الصعب تصور أن كل هذا التاريخ العريض الطويل لم يصل إلي مسئولي اليونسكو والدول التي يحق لها التصويت، ولم تفلح كل التنازلات التي قدمها حسني لإسرائيل في إقناعهم بشخصه، ومحاولات التطبيع الثقافي التي يفشل فيها دائما، منها ضمه لمقبرة أبو حصيرة بالبحيرة التي يزورها اليهود سنويا إلي هيئة الآثار المصرية، واعتذاره عن تصريحه بحرقه الكتب الإسرائيلية الموجودة بالمكتبات المصرية، وإحضاره أحد الموسيقيين الإسرائيليين للعزف بتداخل الأوبرا المصرية.
وتعتبر معارك التصريحات، التي يخوضها حسني بين الحين والآخر، أحد أبرز سمات فترة توليه الوزارة، كان أبرزها آراءه عن الحجاب، ووصفه بأنه "زي متخلف"، مما أثار موجة من السخط الشديد ضده في الشارع المصري، واندلعت المعارك داخل مجلس الشعب بين المعارضين لتصريحات الوزير الذين طالبوه بالاعتذار وتقديم الاستقالة، وبين والمدافعين عنه، ولكي يخرج الوزير من هذا المأزق، تراجع حسني عما قاله في جلسة خاصة بمجلس الشعب ترأسها الدكتور أحمد فتحي سرور أنه كان يقصد الحجاب علي الطراز الإيراني والأفغاني وليس الطراز المصري الأصيل، ولكنه أصر علي عدم الاعتذار.
وهو نفس ما تكرر في أزمة حرق الكتب الإسرائيلية، التي أثرت بالسلب في حملة الوزير في ترشحه لمنصب مدير عام منظمة التربية والثقافة والعلوم «اليونسكو»، ففي معرض إجابته علي سؤال لنائب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، حول ما تردد عن عرض كتب إسرائيلية علي أرفف المكتبات المصرية ومكتبة الإسكندرية تحديدا، قال حسني إنه «لو وجدت كتب إسرائيلية في المكتبات المصرية لقمت بحرقها علي الفور» إلا أنه عاد وأكد أنه لم يكن يقصد ذلك حرفيا، وأن تصريحاته «أخذت حجما أكبر من حجمها الطبيعي، وتم استغلالها خارج سياقها».
وبسبب هذا التراجع الدائم في كل ما يصدر عنه، أصبحت تصريحات فاروق حسني لا تؤخذ بجدية، ولا يتم الحكم عليها قبل أن يتم التأكد من أنه لن يتراجع عنها.
ويعتبر حديث فاروق حسني الدائم عن الاستقالة هو أحد طرائف أسلوب إدارته للوزارة، فرغم إعلانه أكثر من مرة عن رغبته في الاستقالة وترك المنصب الذي يوحي إلينا أنه مجبر عليه وأنه يمن علينا برضائه البقاء، إلا أن ذلك لا يوهمنا أن الرجل جاد في حديثه، ففي عام 2005، وفي أعقاب حريق قصر ثقافة بني سويف الذي راح ضحيته أكثر من 50 من رجال المسرح، اضطر فاروق حسني بعد زيادة الضغوط الشعبية عليه إلي تقديم الاستقالة بعد خروج عشرات الأصوات التي طالبته بذلك، إلا أن الرئيس مبارك رفض الاستقالة وطالبه بالعودة إلي مكتبه وكأن شيئا لم يكن، متحديا بذلك مشاعر أسر القتلي، وقد شكك المراقبون في جدية هذه الخطوة، ووصفها البعض بأنها مسرحية رديئة الصنع تمت بالاتفاق بينه وبين القصر الرئاسي.
وعندما عاد وصرح أكثر من مرة أثناء حملته الانتخابية للترشح علي منصب مدير عام منظمة اليونسكو في 2009 بأنه سيستقيل من منصبه سواء فاز أو خسر، وجدناه عائدا من طائرته إلي مكتبه مباشرة والدموع تملأ عينيه بعد خسارته أمام البلغارية إيرينا بوكوفا، مقررا البقاء في المنصب للتصدي لمن اتهمهم بأنهم سعوا للعمل علي خسارته، حتي أن البعض أصبح يربط بين بقاء فاروق حسني وحديثه عن الاستقالة.
وجاء حادث سرقة لوحة زهرة الخشخاش ليضيف فصلا جديدة من فصول هذه المسرحية، بعدما صرح حسني بأنه يرحب بالإقالة لأن هذا الأمر من شأنه أن يحميه من أي كوارث أخري، مضيفا أن ترك منصبه سيمثل الخلاص بالنسبة له بعدما كان جزءا من كوارث جعلته علي حافة الانتحار.
واعتياد وزير الثقافة علي إلقاء الكرة دائما في ملعب النظام وخاصة الرئيس مبارك، يعكس مدي ثقة الرجل في رضا النظام عنه، وأنه لن يتخلي عنه مهما كانت الكوارث التي تقع بفضل سياساته، ومهما خسرت الدولة من كنوز فنية وثقافية أو حتي أرواح الأبرياء، ومهما سجل امتلأ سجله بالإخفاقات.
أما فيما يتعلق بعلاقة فاروق حسني بمرؤسيه وموظفي وزارته، فهي علاقة غاية في الغرابة والتعقيد، فرغم الود الذي يظهره حسني تجاههم في بدايات وجودهم بالوزارة، إلا أنهم أول من يسارع ويتخلي عنهم عند أول كارثة تقابله، ويحرص علي تقديمهم للمحاكمات الجنائية ككبش فداء له، مثل رؤساء الهيئات أو القطاعات أو مسئولي المكان الذي وقعت به الأزمة، حتي أصبحت هذه الطريقة هي المنهج الرسمي في تعامل حسني مع موظفيه، مما يوحي أن الرجل لا يختار مرؤسيه بناء علي الكفاءة، بل بناء علي قدرة الموظف علي تحمل المحاكمة الجنائية نيابة عن السيد الوزير.
فعل ذلك مع أيمن عبدالمنعم ذراعه اليمني داخل الوزارة ومع مديرة مكتبه خديجة لملوم وقبلهما مستشاره الإعلامي محمد فودة، والدكتور مصطفي علوي رئيس هيئة قصور الثقافة، وآخرهم محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية، وفي كل مرة يعلن وزير الثقافة أن فسادهم وإهمالهم يتم بعيدا عن مكتبه وبالتالي ليس مسئولا عنه.
انفصل حسني تماما عن الشارع المصري، حتي أنه يرفض مشاركة المصريين مشقة السير في شوارع القاهرة المزدحمة ويفضل الذهاب إلي مكتبه باللنش الخاص به عبر النيل، ونتيجة هذا الانفصال، لن تجد من بين المصريين من يبدي إعجابه بأي من لوحات الوزير الفنان، أو حتي يتعرف عليها، فلو كتبت مثلا علي موقع البحث الشهير «google» سؤال: ما رأيك في لوحات فاروق حسني؟ ستجد أغلب الإجابات من نوعية: لوحات غير مفهومة، لا تسر العين ولا القلب قبل أن يؤكد أحدهم أنه ابنه بيرسم أحسن منها.. وجهة نظر!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.