إنفوجراف| أسعار الذهب في مستهل تعاملات الجمعة 3 مايو    أسعار البيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024    استقرار أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة.. عز ب 24155 جنيهًا    دايملر للشاحنات تحذر من صعوبة ظروف السوق في أوروبا    المرصد السوري: قصف إسرائيلي يستهدف مركزا لحزب الله اللبناني بريف دمشق    «القاهرة الإخبارية»: أمريكا تقمع طلاب الجامعات بدلا من تلبية مطالبهم بشأن فلسطين    مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حملة مداهمات واعتقالات    حرب غزة.. صحيفة أمريكية: السنوار انتصر حتى لو لم يخرج منها حيا    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    جدول مباريات اليوم.. حجازي ضد موسيماني.. ومواجهتان في الدوري المصري    الكومي: مذكرة لجنة الانضباط تحسم أزمة الشحات والشيبي    الهلال المنتشي يلتقي التعاون للاقتراب من حسم الدوري السعودي    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 4 مايو 2024 | إنفوجراف    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    ضبط 300 كجم دقيق مجهولة المصدر في جنوب الأقصر    معرض أبو ظبي يناقش "إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية"    زي النهارده.. العالم يحتفل باليوم العالمي للصحافة    «شقو» يتراجع للمركز الثاني في قائمة الإيرادات.. بطولة عمرو يوسف    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    موضوع خطبة الجمعة اليوم وأسماء المساجد المقرر افتتاحها.. اعرف التفاصيل    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    «سباق الحمير.. عادة سنوية لشباب قرية بالفيوم احتفالا ب«مولد دندوت    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    إبراهيم سعيد يكشف كواليس الحديث مع أفشة بعد أزمته مع كولر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    بعد تغيبها 3 أيام.. العثور على أشلاء جثة عجوز بمدخل قرية في الفيوم    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق حسني.. من اللوحات المسروقة والحرائق ولكنه «غير قابل للمس»

يختار الموظفين بمحض إرادته ثم يتخلي عنهم في أول أزمة ويقدمهم للمحاكمات مثل أيمن عبدالمنعم ومصطفي علوي ومحسن شعلان
فاروق حسني
رغم أن الفترة الطويلة جدا التي قضاها فاروق حسني - أقدم وزراء الحكومة الحالية - علي قمة وزارة الثقافة كانت كلها أزمات وكوارث، وفي بعض الأحيان جرائم، حتي أن المصريين لن يتذكروه بعد رحيله إلا بعدد اللوحات التي سرقت والآثار التي ضاعت والمنشآت التي احترقت في عهده، إلا أن ذلك كله لم يدفع القيادة السياسية يوما إلي التفكير في محاسبته أو تقديمه للمحاكمة أو حتي مجرد إعفائه من المنصب دون محاسبة لوقف نزيف الأزمات.
فاروق حسني مسنود، حتي ولو خرج علينا كل يوم بكارثة جديدة، ومهما بلغ السخط الجماهير والرفض الشعبي له، أصبح رجلاً «غير قابل للمس»، بعدما استطاع أن يهمش الثقافة والفكر لدي المصريين، وهبط هبوطا حادا بوعيهم وإدراكهم لمدي تردي الأوضاع، وخلا منهجه في الإدارة من تبني أي مشروع ثقافي محدد وبناء، سوي ادعاءات منفصلة هنا وهناك لا يربطها رابط، ولا توحي بأي فكر متماسك منظم، باستثناء العمل علي احتواء المثقفين واستقطابهم وإدخالهم الحظيرة.
وجاءت حادثة سرقة «زهرة الخشخاش» لتكشف عن مدي السوء وتردي الأوضاع الذي وصلت حال الثقافة في مصر، والطريقة التي أصبح يتعامل بها المسئولون الثقافيون مع الثقافة ورموزها ومفرداتها، حيث تمكن شخص مجهول - وفي وضح النهار - من سرقة لوحة نادرة تعد الأهم من بين أعمال الفنان الهولندي الشهير «فان جوخ» وتبلغ قيمتها أكثر من 55 مليون دولار.
المثير للدهشة أن تلك الأزمة أصابت الوزير الفنان في صلب تخصصه، وهو الفن التشكيلي، مما يوحي بأن الرجل لا يدرك قيمة مثل هذه اللوحة وغيرها من اللوحات التي تسرق بين الحين والآخر، ولا يسعي للحفاظ عليها وحمايتها، بينما لو كانت هذه اللوحة إحدي لوحاته - التي لا يعرف المصريون أياً منها - لأوجد من يسهر علي حمايتها ويهتم بها، ولوفر لها أسباب الأمان من السرقة، مع فرض أن هناك من يفكر في سرقة إحدي لوحات السيد الوزير!
والحقيقة أن كارثة واحدة من تلك الكوارث التي تمني بها وزارة الثقافة بين الحين والآخر تكفي لإقالة الحكومة بأكملها، ففي أوروبا والدول المتقدمة ينتحر الوزراء بسبب مثل هذه المشاكل، بينما فاروق حسني، رغم كل تصريحاته عن رغبته في الاستقالة، أو التفكير في الانتحار، إلا أن شيئا لا يحدث، فلا هو ترك المنصب، ولا هو انتحر طبعا.
ولد فاروق عبدالعزيز حسني بالإسكندرية عام 1938، وتلقي تعليمه الأساسي في مدارسها قبل أن يحصل علي بكالوريوس الفنون التشكيلية قسم ديكور من جامعتها، ثم تدرج في عدة وظائف داخل هيئة قصور الثقافة حتي عمل مديرا لقصر ثقافة الأنفوشي في 1967 أثناء فترة تولي دكتور ثروت عكاشة وزارة الثقافة.
بعدها، ترك فاروق حسني مصر وسافر إلي فرنسا للعمل كملحق ثقافي بالسفارة المصرية هناك، وحسب تصريحات سابقة للدكتور يحيي الجمل أكدها في مذكراته، أشار إلي أن فاروق حسني كان يتعاون مع نظام السادات في نقل أخبار الطلبة المصريين في باريس المعارضين لاتفاقية السلام ويكتب عنهم التقارير الأمنية، كما يؤكد الجمل أن علاقة الوزير بأسرة الرئيس مبارك قد نشأت وتوطدت خلال تلك الفترة التي تعرف فيها أيضا علي الدكتور عاطف صدقي الذي أصبح بعد ذلك رئيسا للوزراء.
ويعتبر عام 1978 إحدي أهم المراحل المهنية في حياة وزير الثقافة، حيث استطاع في ذلك العام أن يدخل إلي مطبخ الوزارة ويتعرف علي كل صغيرة وكبيرة بحكم عمله آنذاك كمدير لمكتب وزير الثقافة الدكتور حسن إسماعيل، الذي صادف أنه تولي ثلاث وزارات في وقت واحد هي الثقافة والتعليم والبحث العلمي، وكنتيجة طبيعية لهذا الكم من المسئوليات، لم يكن في استطاعة حسن إسماعيل السيطرة علي الوزارات الثلاث بشكل كامل، مما دفعه لمنح سلطات أكثر لبعض العاملين معه ليتمكن من تسييرها دون خلل، وأتاح لفاروق حسني فرصة ذهبية ليضرب علي أوتاده داخل وزارة الثقافة بقوة، وخلال هذه الفترة القصيرة، التي لم تزد علي سنة، عرف حسني كل نقاط الضعف داخل الوزارة، وعرف كيف يعود إليها ثانية ليسيطر عليها سيطرة كاملة ولمدة 23 سنة متواصلة.
وفيما اعتبر هدنة لالتقاط الأنفاس، غادر فاروق حسني وزارة الثقافة بترك حسن إسماعيل للمنصب، ليعمل بعدها نائبا لمدير أكاديمية الفنون المصرية، وكان يديرها في ذلك الوقت صلاح غنيم عبدون الذي كان يعمل مديرا لدار الأوبرا المصرية، قبل يتم تصعيد حسني ويخلف غنيم كمدير للأكاديمية، ليبدأ سباقه المحموم للوصول إلي منصب وزير الثقافة عام 1987.
عندما اتخذ الدكتور عاطف صدقي قراراه بتعيين فاروق حسني وزيرا للثقافة، خلفا للدكتور أحمد هيكل، ثارت موجة من السخط والاستياء بين بعض المثقفين، قادها الكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوي، الذي انتقد تسليم مسئولية وزارة الثقافة لمن وصفه «بشخص لا علاقة له بالثقافة والمثقفين»، ورغم ذلك تجاهل صدقي هذه الانتقادات، وأصر علي اختياره، لتدور الأيام ويغادر صدقي رئاسة الوزراء، ويبقي فاروق حسني وزيراً للثقافة حتي الآن ولمدة 23 عاما متصلة.
وبقاء الرجل كل هذه السنوات في المنصب لا يعني أبدا أنه نجح في إدارة الوزارة أو أنه كان الأكفأ؛ فالسياسة التي درج عليها النظام الحاكم فيما يتعلق بتعيين وإقالة الوزراء، واعتماده علي أهل الثقة دون أهل الكفاءة تكذب ذلك تماما، ولم يكن بقاؤه كل هذه السنوات في منصبه راجعاً إلي ثقله الثقافي أو الفني، بل إن طول فترة بقائه دليل فشل للوزارة وللوزير شخصيا، ويمكن استنباط ذلك بالنظر للإنجاز الذي حققه فاروق حسني طوال 23 عاما بالمقارنة لما قام به الدكتور ثروت عكاشة مثلا كوزير، أو مقارنة تأثير وزارته بأكملها في الدور الذي يلعبه مركز ثقافي «أهلي» هو ساقية الصاوي.
فقد استطاع ثروت عكاشة، أن يؤسس مسرح دولة، مازلنا نتحدث عن أيامه الخوالي حتي الآن، وتمكن من إنقاذ آثار النوبة من الغرق بسبب إنشاء السد العالي، وتحمل المسئولية المباشرة قومياً ودولياً في هذا الإطار، وهو الذي بني قصور الثقافة التي تحرقها سياسات فاروق حسني الآن، وأنشأ الفرق المسرحية والموسيقية التي يوقفها فاروق الآن، كما أنشأ أغلب المتاحف التي يتهاون معها الوزير الحالي ويتركها فريسة سهلة للصوص كمتحف محمود خليل، وأسس معاهد الباليه والكونسرفتوار والسينما، ودار الكتب والوثائق المصرية، كما أنه كان صاحب فكرة نظام تفرغ المبدعين المصريين الذي يعتبر أحد أهم إنجازاته التي أثرت في الحياة الثقافية في مصر، المدهش حقا أن دكتور عكاشة أتم كل هذه المنجزات خلال ثمان سنوات فقط، تولي فيها الوزارة علي فترتين الأولي من 1958 حتي 1962، والثانية من 1967 وحتي 1970!
أما عن ساقية الصاوي، فيفضح ما أصبحت تمثله الآن للمصريين وانتشارها الواسع بين أوساط الشباب، مدي ضعف كل ادعاءات الوزير، فحسني بوزارته وهيئاتها وقطاعاتها وموازنتها واعتماداتها المالية وموظفيها، يعجز عن القيام بنصف الدور الذي يلعبه مركز ثقافي محدود الإمكانيات مقارنة بإمكانيات وزارة يقبع أسفل كوبري 15 مايو ويقوم علي خدمته مجموعة من المتطوعين.
إنجازات فاروق حسني خلال 23 سنة تستدعي أن نبحث عن الحال التي وصلت إليها الهيئة العامة للكتاب في مصر، بعدما أصبحت تعتمد علي المحسوبية واختيار غير المؤهلين وأنصاف الكفاءات بدعوي حرية الرأي والإبداع، وبعدما انخفض معدل ما تنتجه مصر من عناوين سنويا إلي ما ينتجه الوطن العربي، وضعف المحتوي الحالي، بالمقارنة بما كان عليه الوضع في الستينيات، بعدما كاد يختفي دور الوزارة تماما، وما عادت تضطلع بالدور الذي أنشئت من أجله في الأساس وهو تضييق الفجوة الثقافية بين مصر وشعوب العالم المتقدم.
أزمة قصور الثقافة لا تختلف كثيرا، وبعد أن كانت قطار المعرفة الذي يجوب أقاليم مصر، ومفرخة للنجوم الذين ملأوا مسرح الدولة، أصبحت الآن «خرابة»، وأغلق أو توقف عمل أغلب فرقها المسرحية الجادة، ولم يعد لها نشاط حقيقي، ولم يعد لعروضها البريق والقوة الذي كان يجذب بعض المهتمين للسفر إلي مثل هذه الأقاليم البعيدة للاستمتاع بإنتاج فرقها واكتشاف المواهب، حتي أصبح البعض يتندر علي حالها بالقول أنها «قصور» من «التقصير».
وفي عهده الميمون، تكررت سرقة الأعمال الفنية من المتاحف، منها لوحتان للفنان التشكيلي حامد ندا وتمت سرقتهما من دار الأوبرا، واللوحات الأثرية التي ترجع لعصر أسرة محمد علي والتي سرقت من قصر محمد علي بشبرا الخيمة، كما سرقت آلاف القطع الأثرية وهربت خارج مصر.
أضف إلي ذلك سلسلة الحرائق الذي أصبحت سمة عصر فاروق حسني، كحريق المسافر خانة والمسرح القومي وحريق قصر ثقافة بني سويف الذي راح ضحيته أكثر من خمسين مسرحياً.
وكان نتيجة هذا التهاون في التعامل مع الآثار المصرية والمنشآت الثقافية أن قررت منظمة اليونسكو أن تخرج عددًا كبيرًا من الآثار المصرية خارج نطاق حمايتها.
ونتيجة لكل هذه الملابسات، كان فشل فاروق حسني في الوصول لمنصب مدير عام منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) نتيجة متوقعة، فمن الصعب تصور أن كل هذا التاريخ العريض الطويل لم يصل إلي مسئولي اليونسكو والدول التي يحق لها التصويت، ولم تفلح كل التنازلات التي قدمها حسني لإسرائيل في إقناعهم بشخصه، ومحاولات التطبيع الثقافي التي يفشل فيها دائما، منها ضمه لمقبرة أبو حصيرة بالبحيرة التي يزورها اليهود سنويا إلي هيئة الآثار المصرية، واعتذاره عن تصريحه بحرقه الكتب الإسرائيلية الموجودة بالمكتبات المصرية، وإحضاره أحد الموسيقيين الإسرائيليين للعزف بتداخل الأوبرا المصرية.
وتعتبر معارك التصريحات، التي يخوضها حسني بين الحين والآخر، أحد أبرز سمات فترة توليه الوزارة، كان أبرزها آراءه عن الحجاب، ووصفه بأنه "زي متخلف"، مما أثار موجة من السخط الشديد ضده في الشارع المصري، واندلعت المعارك داخل مجلس الشعب بين المعارضين لتصريحات الوزير الذين طالبوه بالاعتذار وتقديم الاستقالة، وبين والمدافعين عنه، ولكي يخرج الوزير من هذا المأزق، تراجع حسني عما قاله في جلسة خاصة بمجلس الشعب ترأسها الدكتور أحمد فتحي سرور أنه كان يقصد الحجاب علي الطراز الإيراني والأفغاني وليس الطراز المصري الأصيل، ولكنه أصر علي عدم الاعتذار.
وهو نفس ما تكرر في أزمة حرق الكتب الإسرائيلية، التي أثرت بالسلب في حملة الوزير في ترشحه لمنصب مدير عام منظمة التربية والثقافة والعلوم «اليونسكو»، ففي معرض إجابته علي سؤال لنائب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، حول ما تردد عن عرض كتب إسرائيلية علي أرفف المكتبات المصرية ومكتبة الإسكندرية تحديدا، قال حسني إنه «لو وجدت كتب إسرائيلية في المكتبات المصرية لقمت بحرقها علي الفور» إلا أنه عاد وأكد أنه لم يكن يقصد ذلك حرفيا، وأن تصريحاته «أخذت حجما أكبر من حجمها الطبيعي، وتم استغلالها خارج سياقها».
وبسبب هذا التراجع الدائم في كل ما يصدر عنه، أصبحت تصريحات فاروق حسني لا تؤخذ بجدية، ولا يتم الحكم عليها قبل أن يتم التأكد من أنه لن يتراجع عنها.
ويعتبر حديث فاروق حسني الدائم عن الاستقالة هو أحد طرائف أسلوب إدارته للوزارة، فرغم إعلانه أكثر من مرة عن رغبته في الاستقالة وترك المنصب الذي يوحي إلينا أنه مجبر عليه وأنه يمن علينا برضائه البقاء، إلا أن ذلك لا يوهمنا أن الرجل جاد في حديثه، ففي عام 2005، وفي أعقاب حريق قصر ثقافة بني سويف الذي راح ضحيته أكثر من 50 من رجال المسرح، اضطر فاروق حسني بعد زيادة الضغوط الشعبية عليه إلي تقديم الاستقالة بعد خروج عشرات الأصوات التي طالبته بذلك، إلا أن الرئيس مبارك رفض الاستقالة وطالبه بالعودة إلي مكتبه وكأن شيئا لم يكن، متحديا بذلك مشاعر أسر القتلي، وقد شكك المراقبون في جدية هذه الخطوة، ووصفها البعض بأنها مسرحية رديئة الصنع تمت بالاتفاق بينه وبين القصر الرئاسي.
وعندما عاد وصرح أكثر من مرة أثناء حملته الانتخابية للترشح علي منصب مدير عام منظمة اليونسكو في 2009 بأنه سيستقيل من منصبه سواء فاز أو خسر، وجدناه عائدا من طائرته إلي مكتبه مباشرة والدموع تملأ عينيه بعد خسارته أمام البلغارية إيرينا بوكوفا، مقررا البقاء في المنصب للتصدي لمن اتهمهم بأنهم سعوا للعمل علي خسارته، حتي أن البعض أصبح يربط بين بقاء فاروق حسني وحديثه عن الاستقالة.
وجاء حادث سرقة لوحة زهرة الخشخاش ليضيف فصلا جديدة من فصول هذه المسرحية، بعدما صرح حسني بأنه يرحب بالإقالة لأن هذا الأمر من شأنه أن يحميه من أي كوارث أخري، مضيفا أن ترك منصبه سيمثل الخلاص بالنسبة له بعدما كان جزءا من كوارث جعلته علي حافة الانتحار.
واعتياد وزير الثقافة علي إلقاء الكرة دائما في ملعب النظام وخاصة الرئيس مبارك، يعكس مدي ثقة الرجل في رضا النظام عنه، وأنه لن يتخلي عنه مهما كانت الكوارث التي تقع بفضل سياساته، ومهما خسرت الدولة من كنوز فنية وثقافية أو حتي أرواح الأبرياء، ومهما سجل امتلأ سجله بالإخفاقات.
أما فيما يتعلق بعلاقة فاروق حسني بمرؤسيه وموظفي وزارته، فهي علاقة غاية في الغرابة والتعقيد، فرغم الود الذي يظهره حسني تجاههم في بدايات وجودهم بالوزارة، إلا أنهم أول من يسارع ويتخلي عنهم عند أول كارثة تقابله، ويحرص علي تقديمهم للمحاكمات الجنائية ككبش فداء له، مثل رؤساء الهيئات أو القطاعات أو مسئولي المكان الذي وقعت به الأزمة، حتي أصبحت هذه الطريقة هي المنهج الرسمي في تعامل حسني مع موظفيه، مما يوحي أن الرجل لا يختار مرؤسيه بناء علي الكفاءة، بل بناء علي قدرة الموظف علي تحمل المحاكمة الجنائية نيابة عن السيد الوزير.
فعل ذلك مع أيمن عبدالمنعم ذراعه اليمني داخل الوزارة ومع مديرة مكتبه خديجة لملوم وقبلهما مستشاره الإعلامي محمد فودة، والدكتور مصطفي علوي رئيس هيئة قصور الثقافة، وآخرهم محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية، وفي كل مرة يعلن وزير الثقافة أن فسادهم وإهمالهم يتم بعيدا عن مكتبه وبالتالي ليس مسئولا عنه.
انفصل حسني تماما عن الشارع المصري، حتي أنه يرفض مشاركة المصريين مشقة السير في شوارع القاهرة المزدحمة ويفضل الذهاب إلي مكتبه باللنش الخاص به عبر النيل، ونتيجة هذا الانفصال، لن تجد من بين المصريين من يبدي إعجابه بأي من لوحات الوزير الفنان، أو حتي يتعرف عليها، فلو كتبت مثلا علي موقع البحث الشهير «google» سؤال: ما رأيك في لوحات فاروق حسني؟ ستجد أغلب الإجابات من نوعية: لوحات غير مفهومة، لا تسر العين ولا القلب قبل أن يؤكد أحدهم أنه ابنه بيرسم أحسن منها.. وجهة نظر!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.