من مكان مظلم جداً هاتفتنى بصوت خفيض قائلة: أنا خرجت من متحفى بمزاجى وبمحض إرادتى، لا أحد خطفنى أو أجبرنى، لا غيرت مذهبى الفنى ولا أريد، فلما كل هذه الضجة والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية، فقط زهقت من مكانى على الحائط فقررت الخروج وليس الهروب، وقريبا أعود بأمان ولا داعى لحبس شعلان، أو إصلاح أجهزة الإنذار أو حتى استجواب الوزير. محدثتى هى زهرة الخشخاش وليست "زهرة وأزواجها الخمسة"، أما المكان المظلم الذى تتحدثه منه، فكما فهمت منها هى لم تختره، بل أصبح قدراً حتمياً عليها وعلى كل الزهور، بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائى فى عموم مصر، لا فرق بين متحف أو مشفى أو مصنع، الكل فى الهم ظلام حتى لو كانت الخسائر بالملايين. فهمت من اللوحة الثمينة التى قدرت قيمتها ب ملايين الدولارات، والتى سبق سرقتها عام1978، أنه بالبلدى "مفيش فايدة"، لا هتنفع أجهزة إنذار، ولا محاكمة موظف غلبان بدرجة وكيل وزارة ورئيس قطاع الفنون التشكيلية، فهذا لن يغير من الأمر شيئاً، ورغم أننى قاطعتها مطالبا بضرورة محاسبة المسئول عن التقصير والإهمال إلا أنها ردت بصوتها الهامس: مشكلتك أنك مثل الكثير من المصريين، "بتنسوا بسرعة"، فاكر حادثة اختفاء 9 لوحات أثرية من مقتنيات قصر محمد على بشبرا الخيمة، بلاش طيب فاكر فى عام 1996حادثة الشاب العاطل الذى بات ليلة بالمتحف المصرى بالتحرير ودخل قاعة جدك "توت"، وفتح أربع فاترينات وأخذ خنجر توت عنخ أمون ومعاه 18 خاتما فوق البيعة، ولما اشتد عليه التعب، خلع هدومه، وغسل سرواله "فومين" ونشره على كتف جدك رمسيس، وفى الصباح هم بالخروج، وبالصدفة ضبطه عسكرى أمى، وساعتها برضه، قامت الدنيا ومقعدتش، والجرايد وقتها طالبت بمحاكمة فاروق حسنى وكان وقتها وزير ثقافة.. شوف الصدف، وطبعاً اللى دفع الثمن وكان كبش الفداء عالم الآثار الكبير الدكتور عبد الحليم نور الدين، أقالوه من منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، وقال يعنى من بعدها، لآثار راحت ولا آثار اتهربت ولا آثار قعدت فى بيتها الا آثار الحكيم! حاولت مقاطعة زهرة الخشخاش إلا أنها لاحقتنى قائلة: قلت لك إنك تنسى، سيبك من المتحف المصرى عشان دى حكاية قديمة وسهل تتنسى فى زحمة وسط البلد و فى أكبر وأشهر ميادينها، تعالى ننزل تحت شوية ونخطف رجلينا لحد بنى سويف، وتذكر معى قبل سنوات قليلة حكاية أجهزة الإنذار البايخة التى لم تقم بواجبها فى مسرح قصر الثقافة، حين اشتعل حريق ضخم التهم 35 فنانا ومسرحيا ًمصرياً، وقتها الصحافة لم تترك الوزير الفنان فى حاله واتهمته بالتقصير، ودفع الثمن الدكتور مصطفى علوى رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، بسجنه وإقالته من منصبه، والدنيا مشيت، والناس نسيت، وأهالى الضحايا شهداء المحرقة وحدهم الذين بقوا بلوعتهم يتذكرون ذويهم، يجترون الأحزان ويقفون كل عام دقايق حداد، كانت هذا العام بالشموع بسبب انقطاع كهرباء وزير الظلام حسن يونس! سألت زهرة الخشخاش ومتى تعودين حتى تفكى سجن شعلان، وتفضى أحاديث فضائياتنا الفاضية وباقى وسائل الإعلام، فقالت بكل ثقة وبصوت مسموع هذه المرة: أعود قريبا جداً لألعب دور البطولة أمام الفنان هانى رمزى، فى فيلم الموسم "سرقوا اللوحة وشربوا الخشخاش"، مش بيقولوا إن فيه أزمة حشيش فى البلد!.