«يأتي حاملًا البهجة والأمل».. انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري ب«شم النسيم»    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    «شعبة المستوردين»: مصر نجحت في كسب ثقة المؤسسات المالية العالمية    إزالة 164 إعلان مخالف وتقنين 58 آخرين في كفرالشيخ    توريد 58 ألفا و99 طن قمح إلى صوامع وشون القليوبية    «التنمية المحلية»: مبادرة «صوتك مسموع» تلقت 798 ألف شكوى منذ انطلاقها    رفع 980 طن مخلفات بحملات نظافة بالمراكز والقرى تزامنًا مع شم النسيم في أسيوط    الطن يسجل هذا الرقم.. سعر الحديد اليوم الاثنين 6-5-2024 في المصانع المحلية    بدء عملية التصويت بالانتخابات الرئاسية في تشاد.. مَن المرشحون؟    «أونروا»: سنحافظ على وجودنا في رفح الفلسطينية لأطول فترة ممكنة    بمناسبة عيد ميلاده.. كوريا الشمالية تدعم الزعيم كيم جونج أون بقسم الولاء    موعد مباراة باريس سان جيرمان وبوروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا.. المعلق والقنوات الناقلة    ذكرى وفاة المايسترو.. صالح سليم الأب الروحي للقلعة الحمراء (فيديو)    «الرياضة» تستعد لإطلاق 7 معسكرات شبابية جديدة في مختلف أنحاء الجمهورية    تشغيل قطار شم النسيم من القاهرة إلى الإسكندرية اليوم.. اعرف طريقة الحجز    «الداخلية»: 4 متهمين وراء مقتل «مسن الوادي الجديد» بسبب خلافات مالية    «الداخلية»: ضبط قضايا اتجار في العملة ب13 مليون جنيه    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    4 أفلام تحقق أكثر من 7.5 مليون جنيه في دور العرض خلال 24 ساعة    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    رانيا محمود ياسين تعلن وفاة عمها الإعلامي فاروق ياسين    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    استشاري تغذية توجّه نصائح لتفادي خطر الأسماك المملحة    في شم النسيم.. هيئة الدواء توجه 7 نصائح ضرورية عند تناول الفسيخ والرنجة    قبل أولمبياد باريس.. زياد السيسي يتوج بذهبية الجائزة الكبرى ل السلاح    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    سام مرسي يتحدث عن.. عودته للمنتخب.. تأثير صلاح.. ورسائل الشعب الفلسطيني    بالفيديو.. مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية: شم النسيم عيد مصري بعادات وتقاليد متوارثة منذ آلاف السنين    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    الاتحاد الأوروبي يعتزم إنهاء إجراءاته ضد بولندا منذ عام 2017    «المستشفيات التعليمية» تناقش أحدث أساليب زراعة الكلى بالمؤتمر السنوى لمعهد الكلى    استشاري تغذية ينصح بتناول الفسيخ والرنجة لهذه الأسباب    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    لاعب نهضة بركان: حظوظنا متساوية مع الزمالك.. ولا يجب الاستهانة به    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    تعرف على أسعار البيض اليوم الاثنين بشم النسيم (موقع رسمي)    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    إصابة 7 أشخاص في تصادم سيارتين بأسيوط    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    طقس إيداع الخميرة المقدسة للميرون الجديد بدير الأنبا بيشوي |صور    الدخول ب5 جنيه.. استعدادات حديقة الأسماك لاستقبال المواطنين في يوم شم النسيم    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    كولر يضع اللمسات النهائية على خطة مواجهة الاتحاد السكندرى    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    مع قرب اجتياحها.. الاحتلال الإسرائيلي ينشر خريطة إخلاء أحياء رفح    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الذي يصنع الثقافة.. المثقفون أم الوزراء؟
نشر في القاهرة يوم 05 - 01 - 2010

في البداية أرحب بالسيد فاروق حسني وزير الثقافة لتشريفه مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام وهي المرة الأولي التي يحدث فيها مثل هذا اللقاء ونرجو ألا تكون الأخيرة.. وهذا اللقاء ربما يكون جديداً علينا وعلي الوزير أيضاً، جديدا علينا بمعني أنه لأول مرة تناقش السياسة الثقافية في هذا المكان.. موضوع الثقافة تم تناوله من قبل لكن السياسة الثقافية لوزارة الثقافة هو الجديد الذي نطرحه في هذا اللقاء نظراً لانشغال المركز في الأساس بالقضايا الاستراتيجية المتعلقة بالوضع الإقليمي وأيضاً بالوضع الداخلي والعالمي.. وهو جديد أيضاً علي سيادة الوزير لأن هذا اللقاء يتم في إطار مجموعة محدودة من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية من أجيال متعددة وربما غياب الجماهير يعطي فرصة للإخوة الصحفيين لتبادل الرأي مع الوزير ولا أرغب في البداية أن أتحدث عن أهمية وزارة الثقافة لكننا في الحقيقة نواجه جميعاً معضلة كبيرة.. فمن ناحية هناك أثر كبير ملموس لوزارة الثقافة في أشياء كثيرة موجودة في المجتمع هناك ما يبدو بالفعل سياسة ثقافية ويتم تطبيقها ونراها في المتاحف ونراها في الترميمات والكتب التي تصدر ونراها أيضاً أخيراً في جريدة «القاهرة» المتميزة وأستغل هذه الفرصة وأرحب بالأستاذ صلاح عيسي الذي يشرفنا اليوم. ومن جانب آخر الوزارة وسياستها موضع جدل شديد ودائماً هناك إنقسامية داخل المجتمع تجاهها ولا أتحدث عن الانقسامية بالمعني السياسي لأن هذا عادي جداً ولكني أعني تلك الانقسامية الموجودة داخل معسكر الثقافة ذاته.. وأنا لا أدعو طبعاً لأن تكون لدينا وجهة نظر واحدة ولكن ما أتحدث عنه هو ما يظهر أحياناً من جدل لا يأخذ شكل وجهات النظر وإنما شكلا يتعدي بكثير الموضوع موضع الانقسام إلي النوايا الشخصية وإلي التوجهات أو إلي أشياء أخري لا تتعلق بالموضوع ذاته الذي هو من المشروع جداً أن تكون هناك وجهات نظر متعددة حوله.. وإن وجود وزارة الثقافة في بلد مثل مصر في الحقيقة يجعل هناك درجة من التعاطف معها.. لأن أي وزير ثقافة أو سياسة ثقافية في عالم اليوم لابد أن يتعامل بدرجة عالية من الانفتاح لأسباب نعرفها جميعاً.. لكن في نفس الوقت في هذا العقد الماضي المجتمع المصري يسير منذ العقد الماضي علي الأقل في اتجاه محافظ بل وأكاد أقول ضد الثقافة بالمعني العام وأرجو ألا أكون متجاوزاً ولكن من الواضح أن هناك ظرفاً ضاغطاً علي الفكرة الثقافية.. هذه مجموعة نقاط عامة أحببت أن أفتتح بها هذا اللقاء.. وأقترح أن نبدأ بسيادة الوزير ليعرض لنا السياسة الخاصة بالوزارة ثم نجمع بعد ذلك ما بين المداخلات التي سبق للزملاء إعدادها وبين تلك المداخلات التي سوف تنتج من خلال هذا اللقاء.
فاروق حسني: بداية أشكر المركز علي هذه الدعوة الكريمة ولا شك اللقاء مع مجموعة صغيرة ومنتخبة يتيح للحوار أن يأخذ شكلاً علمياً فيه نوع من المكاشفة ونوع من الاستكشاف والاكتشاف.. ولا شك أني سعيد جداً بهذه اللفتة وسعيد بهذا اللقاء.. وفي اعتقادي أن الدكتور عبدالمنعم سعيد قد رصد مفارقة حقيقية حين أشار إلي صعوبة وضع أو تنفيذ سياسة ثقافية في مجتمع يشيع فيه مناخ اجتماعي يرفض الثقافة، ويكثر فيه التضاد في الرؤي وفي الفكر وأن هناك انقساماً وجدلاً قائمين بصفة مستمرة داخل المجتمع حول الثقافة، وقد تبدو كل تلك الظواهر متعبة جداً لأي مسئول، لكنها في النهاية تخلق نوعاً من الحيوية التي تعطي مصر سمة خاصة، تجعل كل إبداعاتها ورؤاها تطفو إلي السطح.. وأنا حين احضر لقاء علي مثل هذا المستوي الرفيع، لا أرتب كلاماً، ولا أفكر فيما سأقوله، تاركاً للإيقاع الحسي للقاء، ولما يثار فيه، أن يلهمني ما أقول، من خلال التفاعل الذهني مع المشاركين فيه.. وفي تلخيص شديد، أقول إن السياسة الثقافية الراهنة، نشأت من خلال طرح أسئلة، كانت إجاباتها هي التي رسمت هذه السياسة.. ووضعت تصوراتها.. أسئلة من نوع: ماذا لدينا؟ وماذا يجري حولنا؟ وأي ظروف تحيط بنا؟.. وما الذي يتوجب علينا لكي نواجه تلك الظروف؟.
وأنا أعتقد أن السياسة الثقافية لو غابت عن أي استراتيجية سياسية، فمعني هذا أن هناك خطأ معمارياً ضخماً في البناء الاستراتيجي.. وفي تقديري أن الثقافة أذكي وأشمل من السياسة بمعناها الشائع، لأنها رؤية تضع أشياء كثيرة جداً في مجال التصور والخيال أولاً ثم مجال التطبيق ثانياً، وآفتنا في الشرق الأوسط أن السياسة بالمعني الشائع لدينا ينقصها كثير من الرؤي الثقافية، ولذلك حين نقول أن هناك متربصين ورافضين للثقافة فإن السياسة غير المثقفة هي التي تصنع هذا الرفض بشكل أو بآخر.. والسياسة الثقافية الراهنة تم بناؤها علي مسائل واقعية تماماً.. ماذا يجري في الدنيا؟ وماذا لدينا منه وكيف نواجهه؟ بمن ولمن؟ وفي أي زمن؟
وكانت الإجابة عن هذه الأسئلة، هي التي حددت لنا مسارنا ومنذ البداية ادركنا أن لدينا آلة ثقافية مهترئة جداً.. متمثلة في كل الدور والمعاقل الثقافية، وفي جماعة المثقفين المنشغلين بأشياء أخري كانت موجودة، وفي المجتمع الرافض لمفهوم الإبداع ككل.. حتي أن النقاشات التي تدور كانت تتم حول أسئلة كان الظن أنها حسمت منذ زمن بعيد مثل: هل الفن حلال أم حرام؟ التليفزيون حلال أم حرام؟ وتتلقي إجابات تدور كلها في إطار واحد هو: كل شيء عيب.. كل شيء حرام كان هذا هو المستوي الذي وصلت إليه الحوارات الفكرية في دولة عظمي ثقافياً ولديها كم كبير من التراث الحضاري والعقلاني المتوارث.. وكم كثير، ولم يكن هذا التدهور في المستوي الثقافي بعيداً عن تخطيط دول كبري تطمح إلي الهيمنة ودول صغري في المنطقة ترغب في أن تطفو علي السطح لتقطف ما تظنه ثمار ما تزعم أنه انتصارها، هذه لعبة كبيرة من ألعاب الأمم، كان علينا أن نضع سياسة ثقافية تواجهها و تأخذ في الاعتبار كل ذلك، وتتوجه نحو هدف واضح وبوعي.
أنا أتحدث بنوع من التجريد ولا أريد أن أثقل عليكم بإحصاء ما أنجزنا من أعمال وما أقمناه من متاحف أو رممنا من الآثار أما المهم فهو أننا توجهنا إلي قلب الموضوع.. إلي الموقف المضاد رأساً.. الذي كان في مرحلة هجوم لا تعرف المهادنة، منتهزاً الوهن الذي أصاب الآلة الثقافية بعناصرها البشرية والتنظيمية والفكرية، ومشيعاً جواً.. من الانسلاخ من المعرفة العصرية والرفض الاجتماعي للثقافة، ومراهنا علي جبن البعض وترددهم أمامه، وعلي انتهازية آخرين ادمنوا اللعب علي الاضداد، لذلك كان من المهم أن يتم التركيز في بناء خطتنا علي إعادة بناء وتقوية الآلة الثقافية تماماً، بأن تعتمد وزارة الثقافة علي المثقفين المبدعين، وأصحاب الرؤي الحقيقية ووضعهم في مركز اتخاذ القرار الثقافي بدلاً من سيطرة الموظفين الذين كانوا يهيمنون علي الوزارة ويمالئون ما هو سائد ويعجزون عن مواجهته وكان لابد من أن ندفع بقوة المجلس الأعلي للثقافة الذي أصبح الآن يضم في لجانه ما يقرب من 600 مثقف بالإضافة إلي أعضاء المجلس المعينين الذين نعتمد عليهم ونستلهم رؤاهم، التي تحدد لنا ما نريد، وكيف.. سواء كان في التراث أو في التحديث الثقافي الذي كان يمثل بالنسبة لنا أهم العناصر.. لأن تحديث الرؤي الثقافية شيء هام جداً علي أساس التواصل مع العالم من حولنا، لأن الانقطاع عنه أصابنا بنوع من التخلف.
وحين توليت وزارة الثقافة في عام 1987، كان الشائع القول بأن بغداد وأحياناً دمشق سحبتا البساط من تحت أقدام القاهرة، ومع كل التقدير للجميع، فقد كان رأيي أن ذلك ليس صحيحاً، وأن دور مصر الثقافي والحضاري المحوري، في المنطقة وفي العالم، الذي يعترف به الجميع، يقوم علي أسس تاريخية وعلي واقع مادي عمره أكثر من قرن، دار الكتب المصرية، والمتحف المصري القديم ودار الأوبرا والصحف والأفلام والمعاهد الثقافية والجامعات، وذلك الكنز المتجدد من الكتاب والمبدعين والمفكرين والمثقفين، هذا بلد فيه عتاد ثقافي ثقيل، لا يستطيع أحد أن يسحب البساط من تحته حتي لو بدا ذلك لفترة مؤقتة ممكنا. كان لابد أن نفكر بعناية وفي كل تفصيلة دقيقة لم نترك لا صغيرة ولا كبيرة، وتعاملنا مع القاهرة كعاصمة لوطن، وكمنارة لثقافة الأمة، باعتبارها بؤرة رنانة، يصل صوتها إلي أقصي حدود الوطن، وإلي أبعد نقطة في الأمة.. وفي وقت من الأوقات أنا نفسي كنت متبرماً من المعارك الثقافية، التي بدت لي نوعاً من اللجاج، ثم ادركت أن هذه المعارك، تعكس نوعاً من الحيوية الفكرية، وأنها تجذب حتي الذين لا علاقة لهم بالشأن الثقافي، للاهتمام به، وللتفكير فيه، فالجدل حول وزارة الثقافة، وهو الثقافة، فرض نفسه الآن علي الجميع، ومستوي الخلاف حوله، أصبح أرقي مما كان، وإن كان لا يزال أقل من المستوي الذي نطمح إليه.. مشروعنا الثقافي، يقوم علي تحديث الثقافة المصرية لكي تكون ثقافة عصرية وعلي الاعتماد علي الجماعة الثقافية، وعلي إعادة بناء الآلة الثقافية المصرية، ولست أريد أن أدخل في تفاصيل، تاركاً ذلك لتداعيات الحوار، وفي الحقيقة أنا لا أرغب أن أتحدث في تفاصيل السياسة الثقافية لكني تحدثت عن روح الثقافة للاستماع إلي انتقاداتكم، واسئلتكم، ووجهات نظركم، ولن أخفي شيئاً، أو أنكر خطأ، وأكرر شكري لكم ولمركز دراسات الأهرام، الذي يتيح لنا فرصة نادرة للحوار معكم حول استراتيجية الثقافة المصرية لأن مصر بلا استراتيجية ثقافية لن تكون مصر، بل ستكون أي بلد آخر..
سيد ياسين:
أود أولاً الترحيب بالسيد الوزير في هذا اللقاء، وأؤكد أن المركز منذ تأسيسه ينظر إلي الاستراتيجية باعتبارها مكونات ثقافية واقتصادية واجتماعية.. فالثقافة مشروع سياسي كما أن السياسة مشروع ثقافي، ولا يمكن استبعاد الأبعاد السياسية من أي ثقافة ولا الأبعاد الثقافية من أي مشروع سياسي، لأن أي سياسة معناها مجموعة قيم قد نختلف بشأنها سواء كانت قيماً تقدمية تدفع بالمجتمع إلي الأمام أو قيما رجعية تشده إلي الوراء أنا أود أن أكرر الملاحظات المنهجية التي قالها الوزير فاروق حسني حين تولي الوزارة لأول مرة في الاجتماع الذي عقده الأستاذ أحمد حمروش في لجنة التضامن الآسيوي الأفريقي.. لقد عرض الوزير يومها ورقة عمل عن السياسة الثقافية وكان الظن لدي المجتمعين أن وزارة الثقافة مهيمنة علي الثقافة المصرية وليس هذا صحيحاً لأن وزارة الثقافة اختصاصها محدد جداً وميادين سيطرتها محددة.. فلا سيطرة لها علي الإعلام ولا شك أن الإعلام مسألة بالغة الخطورة في موضوع إشاعة قيم ثقافية معينة.. ولا علي التعليم.. وهي مسألة أساسية جداً في مجال الثقافة فما هي القيم التي يقدمها النظام التعليمي؟ أو القيم التي يتضمنها الإعلام المصري؟ الذي قد يقوم بإشاعة الوعي الزائف في المجتمع.. منذ أيام فوجئت ببرنامج تليفزيوني يقول المتحدث فيه أن هناك أناس موهوبين يستطيعون إخراج الجن من أجسام البشر وحكي حكايات خرافية من الإسرائيليات ولا أساس لها، أنا أري هذا نشراً للفكر الخرافي وهزيمة للوعي الحقيقي فالظن أن وزارة الثقافة مهيمنة علي الحياة الثقافية غير صحيح وزارة الثقافة في الواقع تعمل في ميادين محددة.. وهذه الوزارة لها تراث عريق في مصر منذ عام 1952 وحتي الآن ولا ننسي إنجازات ثروت عكاشة وغيره من الوزراء.. ولكنني أقول أن فاروق حسني وزير الثقافة متميز لأن له رؤية محددة.. وهو أيضاً مقاتل لا يخشي الدخول في المعارك وهذه مسألة مهمة وأود أن أقول إن التعريف السائد للثقافة هو الأدب والشعر والفلسفة، والكتابة.. هذا معني نخبوي للثقافة.. إنما الثقافة بالمعني الواسع الذي يهمنا في الواقع بمعني أساليب الحياة والعادات والتقاليد في المجتمع وهذه هي المشكلة أن وزارة الثقافة لا تستطيع الدخول بقوة في الثقافة بالمعني الواسع لأن هيمنتها لا تمتلك الوسائل اللازمة أو المجالات الكافية.. في الإطار الأول وزارة الثقافة أنجزت إنجازات بارزة لا شك أن المجلس الأعلي للثقافة تم إحياؤه بمثقف رفيع المستوي علي رأسه مثل د.جابر عصفور وأصبح للمجلس إنجازات خارقة والمشروع القومي للترجمة إنجاز حقيقي وفي الهيئة العامة للكتاب لدينا مشروع مكتبة الأسرة وهو مشروع ثقافي حقيقي الثقافة الجماهيرية أيضاً أخذت حقها.. إنما أريد أن أقول إن السياسة الثقافية حسب التعريف هي البرامج الحكومية في مجال الثقافة.. واليونسكو متبنية لهذا التعريف.. وكان هناك كراسات من إصدار اليونسكو عن السياسة الثقافية في مصر كتبها مجدي وهبة رحمه الله تحدث فيها عن وزارة الثقافة وعن دار الأوبرا وغيرها ويهمنا في الواقع ما اسميه سياسات الثقافة وهذه هي مشكلة مصر لأن هناك 50% من الشعب يعاني من الأمية.. وأنا دائماً أطرح سؤال: من الذي يصوغ العقل الشعبي المصري؟ لسنا نحن بالتأكيد مهما كانت إبداعات وكتابات المثقفين المصريين.. تقابلها محدودية القراءة.. ونحن لا نملك علاقة بال 50% الآخرين.. وبالتالي الأمور الكبري في مصر لا علاقة لها بجمهور السيد البدوي طبعاً هذا شعب وهذا شعب.. جمهور الموالد الذي يتثقف علي يد أنصاف المتعلمين وعلي الخطب الدينية غير الأمينة.. وعلي الكاسيت والفكر الخرافي.. هذا الجمهور هو المشكلة الحقيقية وإذا كانت وزارة الثقافة اهتمت بالبعد الأول وهو الثقافة العالمية والثقافة النخبوية والثقافة الجماهيرية بشكل ما فإننا نحتاج لأن نعرف.. كيف تستطيع وزارة الثقافة بكل امكانياتها أن تعالج وتواجه السياسات الثقافية لبعض الجماعات والهيئات التي تتبني رؤي متخلفة ورجعية في المجتمع؟! كيف تستطيع الوصول إلي المواطن العادي الأمي الذي لا يستطيع القراءة والكتابة؟!
هل هناك احتمال أن وسائل الاتصال الحديثة من C.D وتليفزيون تؤثر في هذا أم لا؟! لابد أن نبادر بالهجوم علي القيم المتخلفة وفقاً لسياسة ثقافية مرسومة.. أن نصل للمواطن الأمي العادي.. في عصر المعلومات والإنترت لازلنا نعاني من أمية القراءة والكتابة.
كيف نصل إلي هؤلاء وكيف نخاطبهم بخطاب يفهمونه؟! وهذه مشكلة المثقفين أحياناً يحدثون أنفسهم ويقرأون لأنفسهم.. أعتقد أن هذا هو التحدي الذي يهمنا أن نعرف كيف يفكر فيه السيد الوزير؟!
فاروق حسني:
ما ذكرته بأن وزارة الثقافة ليست مسيطرة علي الحالة الثقافية صحيح طبعاً، ولا شك أن لكل وزارة أخري اختصاصاتها، ولكل وزير هيمنته علي وزارته، فلا سطان لي علي وزير آخر ولا سلطان لوزير آخر علي وزارتي.. وأنا في وزارة الثقافة أقوم بدوري في حدود ما أنا مختص به، وقد يكون مفيداً أن تتشكل مجموعة وزارية ثقافية علي نسق المجموعة الوزارية الاقتصادية.. وأنا من البداية أعرف أن لدي مهمة شاقة ولو أمكن أن أتعاون أو أنسق مع آخرين فإن ذلك سوف يساعدني ويساعدهم، ويساعد المجتمع، وإن لم استطع سأواصل المسير في خطي الفردي وبقوة شديدة إلي أن تأتي الفرصة التي تجمع تعاون هيئات المجتمع ككل.. وأنا أتفق معك فيما قلته عن وصول الخدمة الثقافية إلي أوسع الناس لكني لن أستطيع أن أقيم في كل بيت قصراً للثقافة، لذلك كان لابد أن نقوم عن طريق الإعلام القومي بالتعامل مع هذه المشكلة.. ولا شك أن هناك أمية.. لكن الثقافة ليست القراءة والكتابة فقط.. الثقافة أشياء كثيرة جداً ولعل آفة العالم العربي أنه يعتبر الثقافة للذين يعرفون القراءة والكتابة فقط مع أن هناك أشخاصا لا يعرفون القراءة والكتابة لكنهم يمتلكون إحساس استقبال الحالة الفنية المرئية والمسموعة بشكل عال.. وكما يوجد فن رديء لا يصل هناك الفن الحقيقي سواء كان تقليدياً أو عصرياً وهذا يصل بسهولة لأن هذه مسألة لها علاقة بچينات الإنسان وهي الجمال والقيمة.. وأنا آثرت أن انطلق من رؤية واسعة.. سأصدر كتباً؟.. نعم.. الناس لا تقرأ.. إذن لا بد أن تكون هناك أشكال الثقافة الأخري المسموعة والمرئية وكان لابد أن تأخذ شكلاً قوياً.. والثقافة هي السلوك المتحضر للإنسان كيف يستطيع لقيمة وهذه القدرة لابد أن تكون بداخله لتظهر في كل اختياراته ونحن نرقي هذا الشعور والإحساس.
وزارة الثقافة لم يكن أحد يسمع عنها، الآن سائق التاكسي وبائع الخضار وغيرهما يتحدثون عنها هذا التفاعل الإنساني بيني وبينهم من أين جاء؟! هذا في ظل مجتمع غريب ومتباين في كل شيء في الاقتصاد والتعليم والحياة العامة أحياناً هذا التناقض يعطي سحراً معيناً.. لكن أيضاً عند التعامل معها يجب أن يتم ذلك بوعي وفكر شديد جداً.
د.محمد السيد سعيد:
أعتقد أن الوزير بالفعل استطاع أن يقدم طفرة هائلة في الحياة الثقافية المصرية والأهم أنه طرح مشروعاً ثقافياً أنا بشكل شخصي انتمي له ومستعد للدفاع عن أساسياته وركائزه.. وكما قال الوزير فالثقافة ليست منفصلة عن الاستراتيجية والسياسة وإنما هي في القلب من ذلك خاصة في هذه اللحظة الراهنة سواء استخدمنا تعبير «النظام العالمي الجديد» أو «العولمة» أو تعبير «ما بعد الحداثة» فكلها في النهاية تتفق علي شيء أساسي وهو أن الثقافة صارت في قلب أجندة السياسات العامة وأن المنازعة الثقافية صارت المنازعة الأساسية عوضاً عن المنازعة الاستراتيجية أي أن النزاع الدولي الراهن صار في أساسه ثقافياً ومن ثم فالوزير لا يشغل منصباً بسيطاً، وإنما من المفترض أن يكون هو القوة الضاربة للدولة.. لكن مع هذا الكلام أنا لدي أيضاً نقد محدد أود مناقشته وينصب علي فكرة علمية وديمقراطية القرار الثقافي..
أولاً: أنا أعلم أن هناك وثيقة للاستراتيجية الثقافية لكن هذه الوثيقة لم تناقش قط لأنه من الصعب العثور عليها حتي داخل المجلس الأعلي للثقافة برغم أن هذه الوثيقة هي وثيقة دولة.. تمت بموافقة رئيس الدولة ومجلس الوزراء وأنا أشك أن أغلب المثقفين لا يعلمون أصلاً بهذه الحقيقة برغم وجودها من عشر سنوات وإن لم تحتل هذه الوثيقة بؤرة المناقشات الفكرية لدينا وإن لم يتم تناولها وتنقيتها وتعديلها بمرور الوقت من قبل المثقفين والمفكرين ستكون هناك بالفعل مشكلة.. وبالتالي فالاقتراح الأول هو إعادة طرح هذه الوثيقة علي المناقشة العامة وخاصة بين جموع المبدعين والمثقفين في البلد.
الأمر الثاني أنه في قلب هذه الاستراتيجية يحتل مفهوم التنوير مكانة أساسية لكن يوجد تناقض أساسي لا يخص الوزير بشكل شخصي لكنه يخص الدولة المصرية التي وافقت علي هذه الوثيقة. وفهم أي فلسفة ثقافية يتم علي اعتبارها نوعا من التأسيس الثقافي للمشروع السياسي في البلد.. لكن هذا المشروع السياسي إلي حد كبير جداً غائب.. وربما يكون هذا مبرراً لأننا في لحظة انتقالية ممتدة جداً ومعقدة ما بين حالة شمولية وبين ما نأمل أن يكون حالة ديمقراطية.. لكن من المهم أن نلقي الضوء علي فكرة فلسفة التنوير ومشروع النهضة وفي القلب منها فكرة الوطنية المصرية.. كل هذا مطلوب في الوقت الذي تمثل فيه معرفتنا بالحالة الثقافية قدراً ضئيلاً وبالتالي فإن صياغة الوثيقة لم تتم في ضوء معرفة دقيقة بالحياة الثقافية أو بالمجتمع وقيمه الثقافية والاجتماعية والاخلاقية السائدة.. لذلك أؤكد علي ضرورة وجود العلم ودوره في صياغة الفكرة الثقافية واستراتيجيتها بناء علي إجابة لسؤال: ماذا حدث لمشروع التنوير في الماضي؟ ماذا حدث لمشروع بناء الوطنية المصرية المستقلة نسبياً؟ وما تم من إضافة أو تشويه أو تعريف لما طرح في هذا الصدد منذ العشرينيات من هذا القرن؟ علي أساس علمي وفي وجود نوع من قواعد المعلومات حول التطور الثقافي في البلد بمحاوره وأبعاده المختلفة.. وهي مسألة غاية في الأهمية لأن المنتج الثقافي العالم أو المبدع إن لم يجد استهلاكا ثقافيا يكون هناك فجوة.. وهو ما نلاحظه في مصر.. إن هناك فائض عرض من الإبداعات الثقافية إلي الدرجة التي تجعل عدداً من أهم العروض المسرحية علي سبيل المثال لا تجد جمهوراً علي الإطلاق وخاصة المسرح العام.
نحن نحتاج إلي إقامة جسر ما بين العرض والطلب في المنتج الثقافي.. كما أن الوثيقة لم تتعرض لقضيتين هامتين.. الأولي هي استعادة المبادرة الثقافية لمصر والثانية هي الاشتباك الايجابي مع ثقافة الجماهير..
نأتي بعد ذلك إلي قضية الأوعية الثقافية أو الوسائط الثقافية وهذا الجانب بالتحديد تم فيه طفرة هائلة هناك ميزانيات أفضل.. هناك حركة إحياء.. هناك مثقفون كبار يتولون الأدوار الرئيسية في عدد من المؤسسات.. لكن هناك أيضاً مشاكل كبيرة جداً.. أولاها مشكلة الجمهرة المثقفة نفسها التي لا تزال تفضل البقاء في «الأتيليه» أو الجلوس علي المقاهي ومضغ الإحباط بصورة واسعة جداً وهذا جانب منه يتحمل مسئوليته المثقفون أنفسهم لكن في جانب آخر هناك مسئولية الوزارة.. ولا تزال لدينا مشكلة في عدالة توزيع القصور الثقافية.. لدينا عدد هائل في كل أنحاء مصر لكن النشاط بها متباين في الكم والمستوي هناك قصور بها حياة ثقافية وهناك قصور مهجورة كلية..
والنقطة التالية هي الإدارة الديمقراطية للصراع الثقافي.. هنا مجال النقد الأساسي لسياسة وزارة الثقافة.. فلدينا في البداية مشكلة تعريف دور الوزارة في مجتمع ديمقراطي.. ففي مجتمع ديمقراطي لا ينبغي أن يكون لوزارة الثقافة بذاتها رسالة ثقافية أيديولوجية تفرضها علي المجتمع.. مثلما تم في لحظة معينة من المشروع السياسي لثورة يوليو مثلاً.. لكن في المقابل تظهر مشكلة في الكيفية التي يمكن بها مواجهة المشاكل الثقافية للمجمتع وهنا تبقي القضية في جوهرها إدارة التعددية الثقافية.
يأتي بعد ذلك موضوع النخبة الثقافية التي تحتاج إلي إعادة تكوين لأن معرفتها بالعالم سطحية تماماً.. وهناك انكفاء علي الذات بالرغم من مشروعات الترجمة.. مهارتها في التواصل مع العالم محدودة جداً.. قدرة المثقفين المصريين علي تمثيل وتقديم ثقافتنا الوطنية محدودة جداً.. أما عن قضية الصناعات الثقافية.. فالغياب التام أو الهشاشة والضعف الذي يصيب الصناعات الثقافية أمر منذر بالخطر وليس مطلوباً من وزارة الثقافة أن تبني صناعة ثقافية وإنما تثير حواراً عاماً بين المهتمين سواء رجال الأعمال أو الدولة أو المبدعون أنفسهم حول ضرورة التطوير السريع للصناعات الثقافية.. وإلا فالأمريكان وحدهم سيستولون علي أطفالنا من خلال شرائط ديزني وغيرها.. في هذا الإطار الوزارة تركت أشياء خاصة في مجال السينما كان من الواجب اخضاعها لحوارات ومناقشات طويلة والوصول إلي طرح حل بديل. واكتفي بهذا القدر من الملاحظات بسبب ضيق الوقت..
فاروق حسني:
أنت تحدثت في موضوعات عدة كل منها يحتاج إلي حوار منفصل لكننا سنحاول أن نلم بذلك في إيجاز مع الوصول للهدف بشكل مباشر في نفس الوقت... تحدثت عن ديمقراطية القرار الثقافي وهذا اساس كل ما طرحته.. أول شيء في الوثيقة أو السياسة الثقافية التي تشير إليها كان كلمة ديمقراطية الثقافة.. ومعناها بشكل كبير أن تنتقل سلطة القرار الثقافي إلي المثقفين بل إلي العامة أيضاً لأن هذا حقهم، وأن تصل الخدمة الثقافية أيضاً إليهم، المثقف يعرف عادة ما يريده، وطريقه إلي الحصول عليه.. وأنا أري أن خدمات وزارة الثقافة ينبغي أن تتوجه في الأساس لغير المثقفين لكي يحصلوا علي الثقافة.. وكان أول ما فعلته حين توليت منصبي، أن طلبت من كبار الكتاب والمفكرين أن يزودوني بآرائهم فيما يتوجب علي عمله كان منهم د.زكي نجيب محمود ود.لويس عوض وكثيرون جداً وعندي ما كتبوه لي بخط أيديهم، من آراء في السياسة الثقافية التي يتوجب علي اتباعها، وقد ناقشت ما كتبوه معهم، ومع غيرهم، وفي الندوة التي أشرت إليها لكن قضية الوثيقة الثقافية تحتاج نقاشاً، لأنني أخشي أن تقودنا إلي انحياز فكري، يقلل من حيوية الثقافة المصرية ورحابتها، الثقافة كالعلم، تعتمد علي الحرية وعلي الخيال والإبداع والابتكار، ولو أنك قرأت هذه الوثيقة اليوم، لاكتشفت أن الزمن تجاوزها، وأن ما واجهناه خلال تنفيذها، اضطرنا لإدخال كثير من التعديل عليها والتطوير فيها وتجاوزها أحياناً، من السهل أن نضع إطاراً عاماً، ونحشوه بكل التفصيلات، ثم يأتي الواقع فيهدم كل ذلك أو يغيره، إيقاع العالم اليوم وإيقاعنا نحن، أصبح مختلفاً تماماً عن الزمن الذي وضعت فيه الوثيقة، تقديرنا لحجم ما يواجهنا من مصاعب كان أقل من التراكمات التي ورثناها نتيجة لعملية الهدم المستمر للبناء الثقافي الذي كان قائماً قبل ذلك، مناخ من التواكل، وعدم الاهتمام بالموضوع الثقافي يشيع من كل مكان وكل مستوي. عملية ثقافية هي بطبيعتها تتمرد علي التحديد الدقيق، مليون رأي، ومليون اجتهاد، وملايين من الاحتمالات، بعكس نظريات العلم وفروضه التي هي بطبيعتها محددة ومحدودة، الثقافة في الأساس رؤية خيالية وفلسفية، لا تصنعها وزارة، بل يصنعها المبدعون أنفسهم، أنا في الوزارة لا أصنع ثقافة بل أقدم الأدوات اللازمة للتصنيع الثقافي، المثقفون والمبدعون هم صناع الثقافة، وأنا موزع ومصدر لما ينتجونه. المشروع الثقافي مشروع يصنعه المثقفون في مناخ حر، وهو يتكون من تراكم الإبداع الفني والثقافي، وكل تقدم فيه يحققه المثقفون، ودوري كوزارة دور المنظم، لا دور المنشيء والمبدع.. أنا موظف حكومة من الممكن أن أقيم أو أمضي في أي وقت،، وأنا أعمل والكرباج بداخلي وليس ورائي لأني حريص علي أن أنجز أقصي ما أستطيع في هذه الحدود التي ذكرتها وحياتي في الخارج فترة طويلة جعلتني أري بلدنا من خارجها كما رأيتها داخلها، ويمكنني أن أتعرف علي ما لدينا من قيمة قد لا ندركها ولا نقدرها قدرها وأخاف عليها جداً وأرغب أن تكون في ألمع الصور.
أكاديمية الفنون عندما تسلمناها لم تكن سوي خمسة مبان فقط.. بينما هناك 19 فدانا خلفها تتم زراعتها بالمخدرات وهي تتبع وزارة الثقافة.. تحدثت مع فوزي فهمي بشأنها وكيفية الاستفادة منها ووضعنا خطة سريعة لتحديثها وتطويرها.. الآن هناك 23 مبني جديداً إضافة إلي المباني الخمسة الأولي.. الثقافة الجماهيرية كانت إدارة الآن أصبحت هيئة.. هناك صندوق التنمية.. وحيث أتيت لم يكن بصندوق الآثار سوي 17 مليون جنيه.. الآن نقوم بالبناء والترميم في مئات الأماكن دون أن نأخذ من الدولة.. ولا أحد يشعر بهذا.. ونحن لا نتعمد إثارة الصخب حول ما نقوم به.. ونحرص دائماً علي أن يكون علي أساس علمي.. بينما قبل أن نأتي كان هناك العديد من الترميمات الخاطئة لأماكن أثرية هامة.. وهي مسئولية الجميع وليس الذين قاموا بها فقط.. لأنها مأساة كبيرة جداً وحين أتيت كانوا يرغبون في أن نفعل مثلهم حتي يتساوي الجميع.. وأنا لا أفعل هذا، هناك دائماً أساتذة متخصصون في كل مجال يمكنهم القيام بما هو صحيح ويمكنهم تحمل مسئوليته فحين أتيت أقمت المجلس الأعلي للثقافة ... لماذا؟ لكي يكون أقوي من وزارة وأعظم من هيئة.. حتي أصبح خمس هيئات بدلاً من واحدة.. هناك مجلس إدارة ولجان دائمة أنا صحيح رئيس المجلس لكن هناك الأمين العام.. يتحمل كل المسئولية ويأخذ كل إمكانات وصلاحيات الوزير التي تمكنه من القيام بعمله دون تدخل مني... وفي المسرح مثلاً ما نقدمه اليوم مسرح عظيم جداً ومحترم لكنه لا يجد الجماهير.. فهل أقدم لهم مثل ما هو علي الساحة لكي يأتوا؟ أم أقدم المسرح الصحيح الذي أقتنع به والمفروض أن يكون هو السائد؟ ولا يوجد الآن أي أحد أفضل منا مسرحياً علي مستوي الوطن العربي بأكمله المهرجان التجريبي الأخير تقدم له 22 فرقة مصرية أخذنا اثنتين فقط لكن يوجد 22 فرقة ومنها فرق من الأقاليم تود المشاركة ومستوياتها ممتازة.. إلي درجة أن المحكمين قالوا لي بشكل شخصي إنهم فوجئوا بما لدينا وخاصة ما يقدمه الشباب.. هذا ما فعلوه حينما أخذوا فرصتهم.. نجوم اليوم عندما جئت كانوا صغاراً ومنهم من لديه 15 عاماً فقط.. توليناهم بالرعاية ووقفنا إلي جوارهم وعندما أخذوا فرصتهم قدموا لنا هذه الروائع..
الثقافة مجتمع متكامل نحن فقط نضع رؤية وملامح عامة.. وأي شيء نقوم به وأي ملامح نضعها اليوم نحن نعرف تماماً لماذا نضعها.. لكي يكون هناك تواصل عالمي.. لذلك هناك المهرجان التجريبي وهناك الندوات الدولية التي تتم عن طريق صندوق التنمية لكي نكون علي الساحة ويكون هناك اتصال نعلم ونتعلم وأي عمل صغير يمكنه أن يوضح لك مفهوم العمل الثقافي في دولة بأكملها.. سواء كان عملاً مسرحياً أو كتاباً.. نحن نتعامل مع مجتمع علينا أن نعرفه جيداً أولاً والمسافة التي نحتاجها للتعامل معه.. وما هو وضع الثقافة فيه.. لدينا بالفعل صفوة مثقفة ولدينا أيضاً من يتلقون الثقافة ولدينا كذلك الفئة التي لا علاقة لها بالثقافة أو التلقي.. وللتعامل مع كل هذا نحتاج إلي وقت ليس هناك عصا سحرية تقوم بإصلاح الثقافة في المجتمع عن طريق إشارة واحدة وبخاصة أن كثيرا من المثقفين عازفون عن العمل الثقافي!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.