الخيانة فى أبسط تعريفاتها لا تشترط أن يكون الخائن جاسوسًا، أو أن يسرب وثائق سرية، بل يكفي أن يفتح بابًا للغزاة، وأن يضع مصلحة العدو فوق مصلحة وطنه، ولو تحت شعار الدين. جماعة الإخوان الإرهابية، التى لطالما سعت لتحقيق أطماعها السياسية، كانت وستظل تسعى للوصول إلى السلطة بأي ثمن، وهى تتبنى منهجا يقوم على "التمكين" لن تنظر إلى الحفاظ على الوطن وأمنه القومى، وفي اللحظات المصيرية ستظل الجماعة أداة ضمنية يسهم دورها فى محاولات إضعاف الدولة الوطنية، وخدمة أجندات دولة الاحتلال التي تتعجل بث الفوضى في المنطقة. في مشهد عبثي أدانه واستنكره كل مخلص لوطنه، شهدنا عناصر التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية في قلب تل أبيب، في وقت تواصل فيه إسرائيل حربها الوحشية على غزة. اقرأ أيضا: مصطفى عبده يكتب: العسكرية المصرية.. شرف لا يناله إلا الرجال لم يكن هذا التجمع العبثي هدفه إدانة دولة الاحتلال أو رفع علم فلسطين، بل لتوجه اتهامات باطلة إلى مصر، وفى الوقت الذى كانت فيه أعلام دولة الاحتلال ترفرف حولهم بلا خجل أو حياء، بدا المشهد بأنه إقرار ضمنى بدور الجماعة فى خدمة مصالح إسرائيل.. ولِمَ لا؟ فهي الجماعة التي نشأت عام 1928 بتمويل من الاحتلال الإنجليزي ولجأت دائمًا إلى الاستقواء بالخارج لتحقيق أهدافها. هذا المشهد الهزلي الذي صنعه المتآمرون أمام مقر السفارة المصرية فى تل أبيب، لم يكن مجرد حادث عابر، بل كان تتويجًا لسلسلة طويلة من الخيانات التى تكشف الاتجاه المتزايد لبوصلة الإخوان نحو الصهيونية. ففي فلسطين، كما في سوريا، تُكيّف الجماعة خطابها حسب مقتضيات الصعود السياسي، لكنها تتجنب الصدام الجذري مع قوى الاحتلال. لطالما ادعت حركة حماس، وهى أحد أذرع الإخوان، أنها المدافع الأول عن القضية الفلسطينية، رافعة شعار "الجهاد" و"تحرير الأقصى"، لكن الوقائع على الأرض، خاصة في السنوات الأخيرة، تكشف تناقضًا صارخًا بين هذه الشعارات والممارسات. فبينما يُفترض أن يكون العدو الأول هو الاحتلال، نرى الإخوان يوجهون سهامهم المسمومة نحو مصر، التي لا تقبل المساومة أو المزايدة، مصر التي دفعت على مر تاريخها ولاتزال تدفع ثمنًا باهظًا دفاعا عن حقوق الشعب الفلسطيني ، وتصدت وتتصدى بكل قوة لمشروع التهجير ومحاولات تصفية القضية. و نجحت بفضل حكمة قيادتها السياسية ،_ وتمسكها بأن حل الدولتين هو الحل العادل والأوحد للخروج من دوامة العنف _ فى دفع المجتمع الدولى للاعتراف بدولة فلسطين . المفارقة الهزلية أن هذا التجمع جاء في الوقت الذي تفرض فيه دولة الاحتلال حصارًا خانقًا على القطاع، بينما تلعب مصر دورًا محوريًا في فك هذا الحصار، وإدخال المساعدات عبر معبر رفح لأشقائنا في غزة، وتواصل جهودها الدبلوماسية للحفاظ على وقف إطلاق النار، وبدلًا من توجيه أصابع الاتهام إلى الاحتلال، اختارت توجيه أذرع الإخوان توجيه اللوم إلى مصر!، مصر التى لاتقبل مواقفها المساومة. ما حدث فى تل أبيب يدق ناقوس الخطر، فهو يصب فى صالح أهداف دولة الاحتلال الإسرائيلي، الذى يسعى إلى تشتيت الانتباه عن ممارساته الوحشية وسياسته الممنهجة في تصفية القضية، وكسر وحدة الصف و السعى إلى تفكيك الإقليم. إن اللحظات الحاسمة في تاريخ الشعوب لا تعترف بالمناطق الرمادية. إما أن تقف مع أمتك ضد الاحتلال والخطر المحدق بها، أو أن تكون أداة لخدمة أجندات الخصوم. وما حدث في تل أبيب كان خيانة مكتملة الأركان: خيانة للمبدأ، وخيانة للقضية الفلسطينية.