في عام 1969 قامت الدنيا ولم تقعد عندما أطاح الرئيس جمال عبدالناصر ب 75 قاضياً من شيوخ القضاء وعلي رأسهم المستشار ممتاز نصار، ظناً منه أن هؤلاء القضاة يحكمون علي هواهم، وأنهم ضد الثورة، وكانت تلك مذبحة القضاء الأولي.. وانتفض نادي القضاة وتضامن معه مجلس القضاء الأعلي حتي عاد المستشارون إلي مقاعدهم علي منصة القضاء مرة أخري.. ولكن في زمن الرئيس الإخواني محمد مرسي يتم تفصيل قانون تقدم به حزب الوسط المنشق عن جماعة الإخوان إلي مجلس الشوري الذي يسيطر عليه أغلبية من الإخوان والسلفيين.. وقام «مرسي» بتعيين ثلث أعضائه لخفض سن التقاعد عند القضاة من 70 عاماً إلي 60 لتتم بمقتضاه الإطاحة ب 3500 قاضٍ من شيوخ القضاة دفعة واحدة.. وكله بالقانون يا معلم، فالإخوان والوسط إيد واحدة والمجلس مجلسنا والنواب بتوعنا ولن تستطيع المعارضة إيقاف تلك المهزلة لأنهم أقلية.. الرئيس جمال عبدالناصر أطاح ب 75 قاضياً فقط وكانت مذبحة للقضاة.. ولكن الإخوان وتابعيهم يريدون الإطاحة ب 3500 قاضٍ فماذا نسمي هذه المجزرة؟.. يريدون التخلص من شيوخ القضاة لكي يدخلوا عناصر إخوانية جديدة للسيطرة علي السلطة القضائية.. فهل من الحكمة أخونة القضاء؟ الأزمات المصطنعة للقضاء مستمرة منذ قيام ثورة 25 يناير علي أيدي الإخوان وتابعيهم من «النور» و«الوسط».. انتهاكات صارخة ضد استقلال القضاء بدءاً من الإعلان الدستوري لمرسي الذي عزل بموجبه المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام السابق وجاء بالمستشار طلعت عبدالله نائباً عاماً، رغم أن قانون السلطة القضائية لا يجيز عزل النائب العام.. لم يكتف مرسي بذلك بل سمح للإخوان بمحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومنع هيئة المحكمة من الاجتماع لإصدار أحكامها في قضايا حل مجلس الشوري والجمعية التأسيسية في نوفمبر الماضي.. ما أدي برئيس المحكمة للإعلان عن تعليق جلساتها لأجل غير مسمي حتي انسحب المحاصرون وعادت المحكمة للانعقاد بعد تعطيل عملها عدة شهور!.. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل حاصر الإخوان وتابعوهم المحاكم ومحكمة النقض آخرها الجمعة الماضية بحجة تطهير القضاء.. وكانت المؤامرة بمشروع قانون من 4 مواد فقط لذبح شيوخ القضاء والإطاحة بهم دون أخذ رأيهم أو مشاركة وزير العدل رغم أن هناك مشروعي قانونين أعدهما نادي القضاة والمستشار أحمد مكي للسلطة القضائية لم يتم استدعاء أحدهما أو كليهما لمناقشته وإقراره.. ولكنها المكيدة ودوافع الانتقام ضد القضاء حصن مصر وسدها المنيع.. فلو انهار القضاء ما أصبحت هناك دولة وتحولت البلاد إلي غابة. نادي القضاة أخذ خطوات تصعيدية ضد الهجوم الشرس علي القضاء، قد يصل إلي تقديم شكوي إلي المحكمة الجنائية الدولية ضد «مرسي» وإخوانه الذين يتهمون القضاء بالفساد وتوجيه الأحكام.. وضد تحصين رئيس الجمهورية لقراراته من الطعن أمام القضاء وكأن هذه القرارات منزلة ولا تنطق عن الهوي.. النادي رفض أية تعديلات علي قانون السلطة القضائية لأن المجلس الذي سيناقش التعديلات باطل كما بطل مجلس الشعب لأن قانونهما واحد.. بالإضافة إلي أن مجلس النواب هو المنوط به إصدار القوانين طبقاً للدستور الجديد، الإخوان يريدون هدم السلطة القضائية رغم أنها هي التي جمعتهم أثناء حكم الرئيس السابق، وهي التي ساندتهم وبرأتهم من قضايا الظلم والتلفيق.. فهل يردون الجميل إلي من وقف إلي جانبهم بقوة الحق والعدل؟.. لماذا لم يكن القضاء مسيساً عندما أصدر أحكاماً عادلة لصالحهم؟.. ولماذا أصبح علي غير هواهم وهو يصدر أحكامه الآن بما يعرض عليه من أوراق ومستندات وبما تصل إليه قناعة القاضي؟.. لماذا الاستعجال في إصدار تعديلات القانون وانتخابات مجلس النواب علي الأبواب وستتم آجلاً أم عاجلاً وهو المجلس الشرعي المنوط به التشريع طبقاً للدستور الإخواني؟ استقالة المستشار أحمد مكي وزير العدل جاءت متأخرة لأنه كان يجب الاستقالة والاحتجاج علي محاصرة المحكمة الدستورية وإعلانات مرسي الدستورية المخالفة للدستور والقانون بعزل النائب العام وتعيين بدلاً منه، وكذلك تحصين قراراته وكذلك إصدار القوانين دون عرض تعديلاتها علي المحكمة الدستورية طبقاً للدستور وإصدار القوانين أيضاً دون توقيع رئيس الوزراء شريكه في السلطة التنفيذية.. سكت المستشار «مكي» كثيراً علي انتهاكات رئيس الدولة للقانون والدستور علي عينك يا تاجر.. فهل كان السكوت علامة رضا أم أن الرئيس من جماعتنا وحبيبك يبلع لك الزلط؟.. المستشار «مكي» أعلن استقالته متذرعاً بانتهاك القضاء ومحاصرة دار القضاء العالي.. ولكن الحقيقة أن رئيس الجمهورية أعلن عن إجراء تعديل وزاري فأراد أن يخرج بيده لا بيد غيره.. بعد أن استنفد دوره في خدمة الإخوان وقدم قانون التظاهر الذي ينظم عملية التظاهر ولكن حقيقة الأمر أنه يمنع التظاهر ويجعلها عملية شبه مستحيلة بعد استئذان الأمن قبلها بعدة أيام وتحديد أعداد المتظاهرين وخط سير المظاهرة وغيرها من القيود.. سكوت المستشار «مكي» علي الانتهاكات ضد الدستور والقانون جعله أحد الأدوات التي استخدمت لتدمير السلطة القضائية وضرب هيئة القضاء ورجالها. وزير العدل اختار الوقت الخطأ لأنه كان يجب أن يقاوم ويقف ضد مشروع القانون المشبوه لذبح القضاة كان عليه أن يتصدي بكل قوة ضد الغدر بشيوخ القضاء لأن القانون سيطيح برؤساء محاكم الدستورية والنقض ونوابهم ورؤساء محاكم الاستئناف والجنايات.. فماذا سيتبقي للقضاء بعد إبعاد ربع عدد أعضاء القضاء والنيابة العامة؟.. يريدون أن يأتوا بعناصر من خارج القضاء للجلوس علي منصة القضاء محامين تابعين للجماعة بدلاً من القضاة.. يريدون أخونة القضاء حتي يصبح جزءاً أصيلاً من الجماعة ويحكم ويتحكم المرشد!.. ألم يدرك هؤلاء التابعون الذين تقدموا بمشروع القانون خطورة موالاة القاضي ساعتها سيغيب العدل ويظلم الخصوم وهذا اعتداء صارخ علي الشعب الذي يحكم القاضي باسمه. هناك دوافع انتقامية من القضاة بسبب أحكام البراءة التي تصدر عن المحاكم لصالح رموز النظام السابق إلي حد أن رئيس الجمهورية يعلق علي الأحكام ساخراً من البراءة ومنح مكافآت للحاصلين عليها!!.. نسي الجميع أن القاضي لا يحكم بهواه ولكن يحكم بالمستندات والأدلة الدامغة التي تقنع القاضي ليحكم بالبراءة أو الإدانة.. بالإضافة إلي أن حكم أول درجة يتم استئنافه ونقضه حتي يحصل المتهم علي حقه كاملاً.. المسألة ليست حباً أو كرهاً، لأن القاضي ظل الله في الأرض ويجب ألا يحكم إلا بالعدل كما أمره الله.. فهل الأحكام موجهة إذا كانت في غير صالح الجماعة والأهل والعشيرة وتكون موجهة لو كانت في صالحهم؟.. اتقوا الله في مصر وكفوا أيديكم عن القضاء إخواناً وغير إخوان، فمصر هي الباقية.. ليكن الحل في مشروع قانون كامل وشامل للسلطة القضائية يناقشه القضاة في مجلسهم الأعلي ونادي القضاة.. اوقفوا الفتنة يرحمكم الله.