انقبض قلبي وأنا أسمع خبراً يقول إن جهاز الكسب غير المشروع أصدر قراراً بمنع الكاتب الصحفي الكبير إبراهيم سعدة من السفر، علي ذمة التحقيق معه في قضية هدايا مؤسسة «أخبار اليوم». ورغم أن هذا القرار يثير الضحك، لأن الأستاذ إبراهيم سعدة - الممنوع من السفر - لا يوجد حالياً في مصر، بل في سويسرا منذ أكثر من عام، وقد سافر إليها ليس هارباً، بل مسافر عادي، وبعلم جهاز الكسب غير المشروع نفسه! وبعيداً عن قضية هدايا أخبار اليوم - وبالمناسبة لا علاقة لي من قريب أو بعيد بهذه القضية - بعيداً عن القضية، فإنه يبدو أن البعض نسي أو تناسي من هو إبراهيم سعدة، أحد نجوم الصحافة المصرية، والابن الحقيقي للعملاق مصطفي أمين، صاحب مدرسة أخبار اليوم الصحفية. ولقد صنع إبراهيم سعدة نجوميته في بلاط صاحبة الجلالة بقلمه أولاً وأخيراً، واختاره الرئيس الراحل أنور السادات، كأصغر رئيس تحرير لدار أخبار اليوم. وكان إبراهيم سعدة شأنه شأن كبار الصحفيين في الصحافة القومية، علي علاقة طيبة بأنور السادات، ومن بعده حسني مبارك، لكنه كان دائماً يختلف عن هؤلاء الصحفيين الكبار. وذات يوم سمعت بأذني وأمام حشد كبير، الرئيس حسني مبارك وهو يتهم إبراهيم سعدة بأنه يتهرب من تليفونات رئيس الجمهورية، ويتهرب أيضاً من السفر معه في طائرته، بينما يسعي ويحرص رؤساء التحرير الآخرون، علي الاقتراب من الرئيس والسفر معه! وكانت علاقتي بالأستاذ إبراهيم سعدة من البداية، علاقة غريبة لكنها وثيقة، فقد آمن إبراهيم سعدة بإمكانياتي الصحفية، وأعطاني دائماً الفرصة والمسئولية. وقد تعلمت الكثير من إبراهيم سعدة الصحفي، وانبهرت به، وأخلصت في العمل معه وفي إحساسي به، وقد ظن كثيرون في وقت من الأوقات، أنني ابن إبراهيم سعدة المفضل والمدلل. وقد اختلفت الآراء حول شخصية إبراهيم سعدة، وكان هناك دائماً من يعجبون به وبأسلوبه، وكان هناك دائماً ما يكرهونه، ويهاجمونه سراً وعلناً، لكني كنت أتعامل دائماً مع إبراهيم سعدة الإنسان، وبالنسبة لي فقد كان ولا يزال نفس الإنسان الجميل! لم يعلم أحد مثلاً أن إبراهيم سعدة، ظل سنوات طويلة لا يحصل علي جنيه واحد من مرتبه، وكان يتم توزيع مرتبه كل شهر علي السعاة والفراشين والعاملين معه وغيرهم، لم يكن إبراهيم سعدة مليونيراً، لكنه جاء من أسرة ميسورة الحال في بورسعيد، وكل أهل بورسعيد يعرفون ذلك. ولم أسمع أن إبراهيم سعدة قد تقاضي عمولات بالملايين كما حدث مع غيره، ولم أسمع أنه استولي علي قطعة أرض من أراضي الدولة ولا تقاضي رشوة، وكان آخرون يفعلون كل ذلك معاً! وقد يري البعض أن إبراهيم سعدة أحد رموز النظام السابق، لكن كثيراً من الناس يترحمون الآن علي ذلك النظام. إن قرار منع إبراهيم سعدة من السفر وهو مسافر أصلاً، هو قرار في الحقيقة بنفي إبراهيم سعدة إلي خارج وطنه، وهذه قسوة بالغة لا يتحملها أحد، وكان الله في عونه في غربته المفروضة عليه. وقد يقول قائل: ولماذا لا يعود إبراهيم سعدة بإرادته إلي مصر.. ويدافع عن نفسه أمام جهاز الكسب غير المشروع أو غيره، لكنه حق يراد به باطل، فمن يضمن أنه إذا عاد لن يفاجأ في نفس لحظة وصوله إلي مطار القاهرة، بقرار بالقبض عليه وحبسه علي ذمة التحقيق في سجن طرة! أستاذ إبراهيم.. قلبي معك. وإياك أن ترجع!