بعيدا عن القضاء، والتعليق علي أحكام القضاء، فإن قضية محمد الوكيل رئيس قطاع الأخبار الأسبق باتحاد الاذاعة والتليفزيون تبقي لغزا كبيرا يستعصي علي الفهم..! فالرجل تم إلقاء القبض عليه ومحاكمته في فترة زمنية قصيرة نسبيا وفي تهم كثيرة بعضها لا يتعلق به وحده، لأن تهما مثل استغلال وظيفته وتقاضي مبالغ وهدايا من المتعاملين مع القطاع هي تهم يمكن أن توجه في أي وقت لعديد من المسئولين الذين أثروا ثراء فاحشا والذين تتداول وسائل الاعلام منذ مدة قصصهم وتجاوزاتهم ومع ذلك مازالوا أحرارا طلقاء ومازلوا أيضا من نجوم المجتمع وان كانوا هم أنفسهم الذين يحاولون الهرب من الأضواء والأحداث. وأغلب الظن أن محمد الوكيل وهذا ليس دفاعا عنه ولا تدخلا في أحكام القضاء إنما كان ضحية لصراع ما أو توازنات معينة وأن الايقاع به تم لاصطياد آخرين، أو أنه قد تم التضحية به انقاذ لآخرين..! ولكنها علي أية حال نهاية حزينة جدا لرجل قابع خلف القضبان حاليا ويواجه اتهاما آخر غير الرشوة التي يقضي بسببها عقوبة السجن، والإتهام يتعلق بالكسب غير المشروع حيث قررت محكمة جنايات القاهرة حصر ممتلكاته وفحصها، وورد في عريضة الاتهام انه قد حصل وزوجته وأبناؤه علي 6.1 مليون جنيه باستغلال وظيفته وتلقي هدايا. وحقيقة فإن اتهاما مثل هذا يسعدنا ويدفعنا إلي المطالبة بأن يطول هذا الاتهام آخرين في شكل سؤال واضح ومحدد ومعروف وهو من أين لك هذا؟ فالذين يتقاضون هدايا ويستغلون وظائفهم لا حصر لهم وهم موجودون في كل مكان. وقد جري العرف مثلا أن بعض رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية "المدينة" للدولة بملايين الملايين كانوا يقومون مع بداية كل عام ميلادي بتخصيص مبالغ كبيرة لشراء هدايا يتم توزيعها علي كبار المسئولين والشخصيات العامة ورجال الأعمال باسم المؤسسة الصحفية أو رئيس مجلس إدارتها أو رئيس التحرير وبالطبع فإن كل من حصل علي هدية يقوم بردها بالمثل، ولكن الهدايا لا تذهب إلي المؤسسة الصحفية وانما تذهب مباشرة إلي منزل رئيس مجلس الإدارة في مناسبة "قومية" لتجميع الهدايا من كل الأشكال والمستويات. ويمكن فتح هذا الملف وهو معروف وضاعت فيه أموال كثيرة من الأموال العامة تجعل من المليون وستمائة ألف جنيه التي جمعها محمد الوكيل مجرد أصفار إلي، اليسار لا تشكل شيئا يذكر..! ويقينا فإننا نسعد بوقوع أي مستغل لموقعه في يد العدالة، ولكننا علي ثقة من أن هذا الملف شائك ومعقد وأن من سيسقطون سيكونون دائما من صغار الحيتان التي يتم التضحية بها في المواسم والأعياد لطمأنة وتهدئة الرأي العام بأن القانون سيأخذ مجراه! فنحن نسمع حاليا عن أفراد يمتلكون ثروات خيالية بأرقام فلكية ويظهرون كالنبت الشيطاني دون أن نسمع يوما تفسيراً أو بيانا أو تصريحا يوضح من هو هذا الشخص أو ذاك وما هي خلفيته التجارية أو الصناعية ومن أين أتت كل هذه الأموال التي نسمع عنها، وما هي هذه التجارة التي تحقق كل هذه الأرباح!! وهؤلاء الذين نسمع عنهم هم الذين يملكون ويؤثرون في صناعة القرار في جميع المجالات لذلك لا نعتقد ان هناك من يستطيع ان يوجه إليهم اتهاما أو يستجوبهم في مصادر ثرواتهم إلا إذا ظهرت فضيحة ما أو كارثة تستدعي تخلي الرفاق عن أحد أعضاء النادي للنجاة بأنفسهم كما حدث مع صاحب العبارة السلام. أننا نسمع عن الشفافية وشعارات كثيرة تتردد هنا وهناك، ولكننا ندرك يوما بعد يوم أننا لا نعرف شيئا عما يجري في بلادنا، وأننا أصبحنا أسري للمشاكل والقضايا الحياتية التي تعمي قلوبنا عن رؤية واقع الأمور وأبعادها، واننا في حقيقة الأمر آخر من نعلم، ولا نعلم في أحيان كثيرة إلا ما يريدون لنا أن نعلمه في قضايا مثل قضية الوكيل فيها من الإثارة الكثير ولكن فيها من الفائدة والنتيجة القليل.. والقليل جدا جدا. [email protected]