محافظ بورسعيد يعتمد جداول امتحانات أخر العام لصفوف النقل والإعدادية والإبتدائية    وكيل تعليم الأقصر يتفقد ورشة مقيمي وخبراء سوق العمل استعدادًا لامتحانات الدبلومات الفنية    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    ننشر شروط وقواعد القبول في المدارس المصرية اليابانية    ضغوط الفائدة.. المركزي يرفض بيع أذون الخزانة المستهدفة لأول مرة منذ التعويم    رئيس الوزراء يُتابع الخطط المستقبلية لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.. توفير 319 ألف فرصة عمل.. تسهيل وتقديم الخدمات ل 173 ألف مشروع.. وضخ 3.1 مليار جنيه لتمويل 111 ألف مشروع    «التصديري للصناعات الهندسية»: 18 شركة بالقطاع تشارك بمعرض كانتون في الصين    البورصة المصرية، مؤشرات EGX تحاول الحفاظ على مستوياتها بمنتصف جلسة اليوم    14 مشروعا كمرحلة أولى لتطوير موقع التجلى الأعظم بسانت كاترين    امتى هنغير الساعة؟| موعد عودة التوقيت الصيفي وانتهاء الشتوي    إعلام عبري: إسرائيل قد تغتال قادة إيرانيين للرد على الهجوم    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والعواصف وصواعق البرق فى باكستان ل 41 قتيلا    انطلاق 34 شاحنة مساعدات ضمن القافلة السادسة للتحالف الوطنى لدعم غزة..فيديو    إبراهيم نور الدين يكشف مفاجأة بشأن اعتزاله: أنا الحكم رقم 1 في مصر    موعد مباراة سيدات يد الأهلى أمام بطل الكونغو لحسم برونزية السوبر الأفريقى    دوري المحترفين.. «5 مواجهات» في الجولة السادسة بمجموعة الهبوط    ثلاثة مصريين في نهائي بلاك بول المفتوحة للاسكواش    "النظافة وحماية البيئة وأثرهما على صحة الإنسان" ندوة تثقيفية بالشرقية    "التعليم" تجري تقييمات للطلاب في المواد غير المضافة للمجموع.. والمدارس تحدد المواعيد    ضحايا وسيول بسبب تقلبات الطقس .. ماذا يحدث فى دول الخليج ؟ الأرصاد تجيب    ضبط 171 قضية مخدرات و27 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    الملاكي لبست في الكارو.. مصرع وإصابة شخصين في حادث بالشرقية    «الداخلية» تكشف تفاصيل ظهور شخصين يستقلان دراجة وبحوزتهما أسلحة نارية في الجيزة    23 مليون جنيه.. ضربة جديدة لمافيا الدولار    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    لمشاهدة فيلم شقو.. جمهور السينما ينفق 41 مليون جنيه (تفاصيل)    توقعات برج الميزان في النصف الثاني من أبريل 2024: «قرارات استثمارية وتركيز على المشروعات التعاونية»    ربنا مش كل الناس اتفقت عليه.. تعليق ريهام حجاج على منتقدي «صدفة»    مستشار المفتي: مصر قدَّمت مع ميلاد جمهوريتها الجديدة نموذجًا محكما في التواصل العالمي    «افرح يا قلبي».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب ل علوية صبح    حسن الرداد: إيمي مش بتجامل وقالت رأيها الحقيقي فى مسلسل "محارب"    نائب يطالب بمراجعة اشتراطات مشاركة القطاع الخاص في منظومة التأمين الصحي    اعتماد مستشفى حميات شبين الكوم من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بالتزامن مع تغيير الفصول.. طرق الحفاظ على صحة العيون    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    بالأسماء، تنازل 21 مواطنا عن الجنسية المصرية    طلب عاجل من الكهرباء في حال زيادة مدة قطع التيار عن 120 دقيقة    تعرف على موعد عزاء الفنانة الراحلة شيرين سيف النصر    الصين تؤكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    كندا تدين الهجمات الإجرامية للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية    أوكرانيا: الجيش الروسي يقصف 15 منطقة سكنية في خيرسون    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    رد الدكتور أحمد كريمة على طلب المتهم في قضية "فتاة الشروق    الأهلي يلتقي الزمالك في نهائي ناري بالسوبر الإفريقي لليد    كول بالمر يصبح أول لاعب في تشيلسي يقوم بتسجيل سوبر هاتريك في مباراة واحدة منذ فرانك لامبارد في 2010    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    لتلك الفئات.. دفع رسوم التصالح 3 أضعاف    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    جدول امتحانات المرحلة الثانوية 2024 الترم الثاني بمحافظة الإسكندرية    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    رئيس تحرير «الأخبار»: الصحافة القومية حصن أساسي ودرع للدفاع عن الوطن.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سجن المزرعة.. أسرار الساعات الأولى لإمبراطور العقارات فى "الزنزانة"
"الوطنى" المورد الرئيسى لنزلاء سجن ال"7 نجوم"
نشر في اليوم السابع يوم 06 - 09 - 2008

من القصور الفارهة إلى زنزانة خلف الأسوار العالية فى جنوب القاهرة، تحول خط سير رجل الأعمال الملياردير هشام طلعت مصطفى، الحب والغيرة وربما الرغبة فى الانتقام، بات على رجل الأعمال أن يقضى سنوات طويلة من حياته فى السجن، هشام الذى أطل علينا عبر شاشات التليفزيون وهو يتجول بسيارة دفع رباعى فاخرة، بات عليه أن يحشر وسط عشرات المجرمين داخل سيارة ترحيلات، تحمله من مكتب النائب العام إلى سجن المزرعة، حيث سجن الكبار.
هشام طلعت مصطفى عاش أجواء الصدمة، ومازال بعدما وجد نفسه بعيدا عن أطقم السكرتارية والحراس والخدم ..هشام الذى كانت إشارة منه كافية أن تبقى العشرات فى حالة استنفار، عليه اليوم أن يتبع تعليمات إدارة سجن مزرعة طرة الذى وصله محاطاً بثلاث سيارات من أسرته ومساعديه، أغلقت الأبواب فى المساء وانصرف الأهل والأصدقاء، ليبدأ مشهد جديد فى حياته: "هشام فى الزنزانة".
أربعة جدران، الزنزانة ليست كغيرها، إحدى السيارات الثلاث كانت تحمل بعض احتياجاته، الاتصالات الهاتفية من بعض المسئولين، كلها تصب فى اتجاه تسهيل الأيام الأولى لهشام فى السجن، إحدى السيارات الثلاث كانت تحمل مفروشات وكميات كبيرة من الأطعمة، الطلب الأول لهشام من مساعد مدير قطاع السجون للمنطقة المركزية، هو أن يكون وحيدا فالرجل يريد الاختلاء بنفسه، كثير من مشاهير السجن كانوا فى انتظار الرجل الذى كان ملء السمع والبصر، هشام يرد التحية، وكأنه يرفض زمالة السجن، بعد دقائق كانت التعليمات قد صدرت بإجابته إلى طلبه الحبس الانفرادى، إدارة السجن طلبت من هشام ارتداء ملابس السجن البيضاء المخصصة للنزلاء المحبوسين على ذمة قضايا ولم تصدر ضدهم أحكام، مساعدو هشام كانوا مستعدين بعدد كبير من الملابس الرياضية البيضاء، حتى لا يرتدى ملابس السجن "الميرى"، سجن المزرعة أغلب نزلائه من المشاهير لا يرتدون الملابس الميرى، دمعة كانت معلقة فى عينى هشام، كبرياء الرجل جعله يتشبث بها، حتى لا يشعر أحد بضعف الإمبراطور، إمبراطور سوق العقارات.
مشكلة واحدة واجهت الجميع فى اللحظات الأولى لهشام فى السجن، وهى إصراره على إدخال تليفونه المحمول إلى الزنزانة، ليتواصل مع العالم الخارجى، فشبكات المحمول قادرة على تخطى، وأخيراً تم التوصل إلى حل وسط بإدخال التليفون ليكون مع إدارة السجن، ويكون مسموحا لهشام باستخدامه لوقت محدد من اليوم، مصدر فى السجون قال، إن المصلحة بدأت فى تركيب خطوط هاتفية أصلاً فى السجون، لكن المحمول لن يكون متاحا، خاصة بالنسبة للسجناء الخاضعين لتحقيقات النيابة، حتى لا تؤثر اتصالاتهم على سير العدالة.
هشام والمصحف ..
هشام رفض الاقتراب من كبار سجناء المزرعة وتحدث باقتضاب مع مجدى يعقوب وحسام أبو الفتوح، لا يريد أن يصدق أنه الآن زميل لهم.. مصحف كبير كان ممسكا به هشام طوال فترة الاستقبال التى بدأت فى مكتب مأمور السجن.
أمضى هشام الساعات الأولى وحيداً ممسكاً بالمصحف ويقضى وقته فى الصلاة، وبعد اليوم الأول استقبل إمبراطور العقارات زواره فى مكتب مأمور السجن زوجته وأولاده وأحد مساعديه فى الشركة، المشهد كان مؤثراً للغاية، ساعة كاملة أمضاها هشام مع أسرته.
تلقى هشام خلالها مكالمة من شقيقه واتفق الجميع على اختيار فريد الديب محاميا لهشام، لكن زوجته أصرت على تشكيل هيئة دفاع تضم أيضاً بهاء الدين أبو شقة المعروف بمهارته فى القضايا الجنائية، واستقر الرأى على استطلاع آراء كبار المحامين، وعرض ملف القضية عليهم جميعا ومن يجد ثغرة تقربه من البراءة يتم تكليفه أيضاً بالانضمام لفريق الدفاع.. فريد الديب اعترض بشدة على فكرة فريق الدفاع وأصر على أن يكون وحيداً فى القضية بعد أن أكد أن البراءة مضمونة. فريد تسلم شيكاً بمبلغ كبير يتكتم عليه، كمقدم أتعاب وبدأ فى دراسة القضية، وقال أحد مساعدى هشام، إن الديب قطع زيارته لفرنسا وعاد وأسرته للبدء فى دراسة القضية.
هشام مازال تحت تأثير الصدمة، لم يكن يتخيل أنه سيمر حتى بالقرب من أسوار السجن. هو اليوم داخله.. الأسوار العالية تمنعه عن حياته الخاصة وطائرته الجديدة. هشام طلعت حاليا يمضى وقته فى قراءة القرآن والصلاة بعد ما نقل كل صلاحياته فى الشركة لشقيقه الأكبر طارق.
عنبر مارينا
الحياة فى سجن المزرعة مختلفة كثيراً عن الحياة خارجه ولا تتشابه مع السجون الأخرى، دخل اليوم السابع إلى سجن المشاهير ورصد المشاهد التالية.. جلسات أسبوعية حميمة تجمع عدداً كبيراً من نواب الشعب السابقين وكبار رجال الدولة وأصحاب الثروات الطائلة، يتداولون فيها أمور البلاد والعباد، ما حدث وما سيحدث، ما كان وما ينبغى أن يكون، هذه الجلسات ليست فى فندق سبع نجوم، ولا فى باخرة نيلية فاخرة، ولا فى فيلا بمنطقة منعزلة لضمان السرية، وإنما داخل عنبر "مارينا" فى سجن طرة الشهير، وأعضاء هذه الجلسات هم المحبوسون على ذمة كبرى قضايا الفساد فى السنوات الأخيرة، والهدف منها هو مناقشة الأوضاع خارج الأسوار طبقاً للمعلومات التى توفرها الزيارات الأسرية المحملة بالملابس الفاخرة والوجبات الغالية، والورود المستوردة.
مشاهير قضايا الفساد داخل سجن طرة يؤكدون أن لديهم وثائق ومستندات يمكنها إزاحة الستار عن فساد أسماء كبيرة تتمع بالنفوذ والسلطة حتى هذه اللحظة، يؤكد هذا أن الحزب الوطنى هو المورد الرئيسى لعنبر "مارينا طرة"، والذى أطلقت عليه هذه التسمية لما يتمتع به من فخامة ورفاهية تشبه إلى حد كبير مصيف الأثرياء الشهير، فكل أصحاب قضايا الفساد الكبرى كانوا ينتمون إلى الحزب الحاكم بشكل مباشر، كعماد الجلدة وعبد الله طايل، أو كانوا يعملون مباشرة مع أشخاص ذوى نفوذ قوى فيه، كيوسف عبد الرحمن مع يوسف والى، ومحمد الوكيل مع صفوت الشريف.
علاقات قوية تجمع بين الأذرع اليمنى المحبوسة على ذمة قضايا فساد، وبين كبار رجال الدولة، ولولا النفوذ والقرب من صناعة القرار لتبدل المشهد، وصار العنبر عامرا بأسماء كبيرة، استقطبت انتهازيى الأجيال الأربعة الماضية من مختلف الأنشطة والمصالح، لدرجة منعت الدراسات الاجتماعية من فهم "الفاسد من المواجه له"، حسب تعبير فريدريك ريشتر الباحث الألمانى فى دراسة مطولة عن الفساد فى مصر، نشرها على موقع "القنطرة" التابع للمركز الثقافى الألمانى، أبدى فيها دهشته من القدرة الفائقة التى يستقبل بها المصريون قضايا الفساد كل صباح، دون أن يفكروا فى الحيثيات الواردة فى الوقائع، والتى غالبا ما تكون غير مقنعة أو مناسبة لما يحدث فى الحقيقة.
أثبت الواقع أن من يواجهون الفساد هم الذين يرتكبونه، وأن المجتمع برمته يعلم أن الفاسدين يقومون بفسادهم وفق توجيهات من شخصيات تتبوأ مناصب عليا، مشيراً إلى أن الفساد فى مصر وصل إلى درجة متطورة على مستوى المعاملات الصغيرة والكبيرة، كل بحسب أشخاصه ومسئوليه، بما يؤكد وجود خطورة واضحة فى أوقات الأزمات الاقتصادية، فمثلما يحدث فى كل بلاد الدنيا ستتزايد الضغوط على رجال الأعمال من أجل إقامة علاقات مباشرة مع النظام السياسى، بحجة التكاتف لحل الأزمة، كما أنه وفى ظل البحث عن مفهوم للاقتصاد الحر يناسب هذه الظروف والمؤامرات يصبح النظام السياسى خادما للسوق، مثله مثل أى شئ آخر وتحدث تغيرات فى النفوذ، تدفع بالعلاقة بين البيزنس والسياسة إلى المقدمة.
الأذكياء والأقل ذكاءً
أهم ما فى عنابر قضايا الفساد، أن جميع المحبوسين يجزمون بأنهم ضحايا حفلة تقليم الأظافر الأخيرة، التى نظمتها لجنة السياسات للدفع بجمال مبارك وأتباعه إلى صدارة الحزب الوطنى، مما أوجب استهداف "الفطاحل"، وتحديداً يوسف والى وكمال الشاذلى، وإبعادهم عن النفوذ المالى والحزبى، وذلك عن طريق تصفية رجالهم، ولولا حنكة صفوت الشريف وتحالفه السريع مع لجنة السياسات، وقربه الدائم من الرئيس، وبراعة فتحى سرور الذى تطلبته تشريعات الانتخابات الرئاسية، والتعديلات الدستورية، والسيطرة على ساحة البرلمان فى ذروة "فيلم المعارضة الإخوانية"، لتغير الأمر وأصبح الحرس القديم كله خارج لعبة النفوذ.
محمد الوكيل الرئيس الأسبق لقطاع الأخبار، والساعد الأيمن لصفوت الشريف، محبوس فى سجن طرة لمدة 18 عاماً على ذمة قضية رشوة وفساد، تقاضى فى وقائعها مبالغ مالية من أشخاص يرغبون فى الظهور ضمن حلقات برنامج "صباح الخير يا مصر"، وهو البرنامج الذى لفت انتباه الرئيس وأدلى فيه بأول حوارين تليفزيونيين عام 1997، أى بعد 14 عاماً من بدء حكمه لم يدل خلالها بأى حوار تليفزيونى، إلا للتليفزيونين اليوغسلافى والرومانى، أى أن الوكيل كان المسئول عن كافة الوجوه الجديدة التى سيشاهدها الرئيس على مدار 5 سنوات تقاضى خلالها بالتأكيد رشاوى من سياسيين واقتصاديين ظهروا فى البرنامج، أو كانوا يسعون للظهور فيه كما حكت أوراق القضية الشهيرة فى توقيت يفكر فيه الجميع بطريقة واحدة تسعى لإثارة إعجاب الرئيس وإقناعه بالتغيير لصالحهم.
ولأن القضاء قضى بفساد الوكيل من الأساس ويجتمع حوله حاشية محترفة ومعروفة بالاسم محبوسون على ذمة القضية نفسها لم يستلزم الأمر سوى أيام معدودة راقب فيها موظفو الرقابة الإدارية والأموال العامة مكتب الوكيل، وسجلوا له عدداً من المكالمات، التى يحدد فيها سعر الرشوة من داخل مكتبه بمبنى الإذاعة والتليفزيون.
المستشار ماهر الجندى محافظ الجيزة الأسبق، خرج من عنبر "مارينا طرة" مطلع العام الجارى، لم يتطلب الإيقاع به إلا مراقبة تليفونه لأيام معدودة، فقد كان ظهور محمد فودة السكرتير الأسبق لوزير الثقافة وأشهر "مخلصاتى" بيزنس كبير معه دليل قاطع على فساده وانضمامه إلى شبكة النفوذ الأعلى، وتاريخ الجندى فى خدمة النظام السياسى حافل، فعندما كان قاضيا أنجز عدداً كبيراً من قضايا تنظيمات التيار الإسلامى، كما تريد القيادة السياسية، فى السنوات التى أسمتها مصر ب"حرب الحكومة على الإرهاب"، بعدها كانت المكافأة، فتولى الجندى محافظة كفر الشيخ، ثم الغربية، ورغم تشوه المحافظتين، وفساد كافة مؤسساتهما كما تشير تقارير وزارة التنمية الإدارية، قفز الجندى على رأس محافظة الجيزة، بمؤسساتها الاستثمارية ومشروعاتها الكبرى، مكافأة جديدة له على تمكين كمال الشاذلى أمين التنظيم الأسبق بالحزب الوطنى من السيطرة على كافة عائلات المحافظتين، وإحكام قبضته على خرائطهم الانتخابية، التى تم تعديلها وترتيبها فى عهد الجندى أكثر من 3 مرات.
رجال المال والسياسة
وسط هذه الأجواء المعقدة يفضل 70% من رجال الأعمال المصريين عدم الدخول فى أحزاب سياسية، هذا ما أكدته الدراسة الميدانية التى أجراها قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، موضحة أن رجال الأعمال يفضلون دخول السياسة بصورة سرية وغير مباشرة، تحتمل كافة الممارسات من أسفل المنضدة.
السياسة التى يمارسها رجال الأعمال وفق تحليل الباحثة الاقتصادية وسام فؤاد لمركز البديل للدراسات تتم عبر مؤسسات، بعضها تنفيذى مثل مجلس الأعمال البريطانى وغرفة التجارة الأمريكية، والآخر استشارى، وتكاد مجموعة مقربة من السلطة العليا تحتكر هذه الأدوار التنفيذية والاستشارية، رغبة فى إحكام القبضة على خارطة البيزنس فى مصر، وفى بواطن تلك العلاقة المعقدة يدان الطرفان حينما يتقاتل كل منهما لإعلاء مصالحه على حساب الآخر، ويبحث رجال الأعمال عن عضوية مجلس الشعب كوسيلة لدعم البيزنس بالنفوذ، كما أوضحت الدراسة وهو ما حققه عبد الله طايل الذى كان شديد القرب من الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب بحكم منصبه كرئيس للجنة الاقتصادية.
فى 20-12-2004، وبعد أسابيع من القبض على عبد الله طايل رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب صدق المجلس على تعديل المادة 133 من قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد، بما يتيح للبنوك التصالح مع رجال الأعمال المتعثرين فى سداد القروض بعد صدور أحكام نهائية ضدهم، وذلك بإلغاء الأحكام بعد سداد كامل المديونية. وكان القانون قبل تعديل المادة 133 يسمح بالتصالح فقط قبل صدور الأحكام النهائية، وبموجب التعديل، يعتبر التصالح بين البنك ورجل الأعمال المتعثر، بمثابة تنازل يترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية فى القضية محل التصالح.
وأوجب التعديل إخطار محافظ البنك المركزى بمحضر التصالح للنظر فى اعتماده، واشترط لوقف تنفيذ العقوبة بالنسبة إلى الحكم النهائى أن يتقدم المحكوم عليه بطلب إلى النائب العام يرفع إلى محكمة النقض للنظر فيه من إحدى الدوائر الجنائية بالمحكمة، وفى أول تطبيق قضائى لقانون البنوك الجديد فى مصر، قضت محكمة جنايات القاهرة فى 10-10-2004 بانقضاء الدعوى الجنائية ضد الرئيس السابق للجنة الاقتصادية فى مجلس الشعب، ورئيس مجلس إدارة بنك "مصر إكستريور" عبد الله طايل، ورجل الأعمال تيسير الهوارى، وإسقاط العقوبات السابقة بحقهما وهى 10 سنوات سجنا للأول، و7 سنوات للثانى، وذلك بسبب تصالحهما مع البنك المركزى.
وأكدت المحكمة فى حيثيات حكمها "أن المشرع المصرى اتجه فى قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى للأخذ بسياسة عقابية جديدة، تهدف لوجود بدائل أخرى بدلاً من عقوبة السجن، بشرط التصالح مع البنك لتحقيق مصلحة الدولة والحفاظ على أموالها". وقضت المحكمة بإحالة ملف القضية كاملاً إلى الدائرة الأخرى التى تنظر فى الجزء الثانى من القضية التى تضم معظم المتهمين فى هذا الجزء، ومن بينهم عضوا مجلس الشعب عبد الله طايل، وعبد الوهاب قوطة ومجموعة من رجال الأعمال اتهمهم النائب العام بالاستيلاء على 592 مليون جنيه من أموال البنك، إضافة إلى تلقى طايل ونجله الهارب فخرى، رشوة بمبلغ 4 ملايين جنيه.
وكان النائب العام قد أحال إلى القضاء الجزء الذى صدر حكم بشأنه من القضية أواخر عام 2002 بعد اتهام طايل والهوارى، بالاستيلاء على 21 مليون دولار من أموال البنك المركزى بأسعار تقل عن أسعارها فى السوق، وحصولهما على ربح بلغ 34 مليون جنيه. وفى الجزء الثانى من القضية، قضت محكمة جنايات القاهرة فى 26-10-2004 بسجن عبد الله طايل رئيس مجلس إدارة بنك "مصر إكستريور" السابق 14 عاماً بتهم: الاستيلاء على أموال البنك، والتربح منها، والإضرار العمدى بها والرشوة. كما عاقبت المحكمة رئيسى فرعين للبنك، وأربعة رجال أعمال بالسجن 7 سنوات، وابن رئيس البنك فخرى عبد الله طايل بالسجن 5 سنوات. وبذلك تكون الأموال التى نهبها طايل وعدد من أقربائه وأصدقائه قد تجاوزت 272 مليون جنيه.
موضة الفساد
المعلومات السابقة لا تحتاج إلى التعليق عليها بقدر ما تحتاج إلى تسليط الضوء على تحركات وأدوات أشهر مدرسة فساد فى مصر، انتهت بوصول عدد كبير من رجال الأعمال الكبار إلى عنبر مارينا طرة، فقد فاحت رائحة طايل وبعض أفراد أسرته منذ زمن طويل وقبل توليه المناصب المهمة التى ذكرها حكم المحكمة السابق، كما أن محكمة جنايات القاهرة قد سجنت فى (08-07-2004) مدير بنك مصر - فرع الجمرك - فى الإسكندرية محمود عبد الفتاح طايل، ابن عم طايل الأكبر المتهم الأول فى قضية بنك مصر إكستريور، ورغم كل ذلك تولى طايل مناصب عليا بالبنك المركزى وترقى حتى صار رئيسا للجنة الاقتصادية بمجلس الشعب فى عام 2000، ليبدأ مسلسل التسهيلات المطول، الذى استفاد منه كافة رجال الأعمال الفاسدين المقيمين بجوار طايل حاليا فى عنبر مارينا طرة.
بل إن محكمة جنايات القاهرة حكمت على عدد كبير من نواب مجلس الشعب بتهمة الرشوة، كأن الفساد أصبح موضة فى ذلك الوقت ففى 16-09-2004 حكمت على رجل الأعمال عمرو النشرتى الذى كان هاربا خارج البلاد، بالسجن 15 عاماً (أقصى عقوبة تصدر فى مثل هذه القضايا)، وعلى شقيقه "هشام" بالسجن 7 سنوات، وبعقوبات بالسجن تراوحت بين 10 سنوات وسنة واحدة على بقية المتهمين من كبار المصرفيين ببنك قناة السويس، ورجال الأعمال، وفى 08-09-2004 حكمت المحكمة بسجن النائبين بهاء الدين المليجى لمدة 15 عاماً، وحسين عويس لمدة عامين، وإسقاط عضويتهما من مجلس الشعب، وذلك بعد إدانتهما بالاستيلاء على أراضٍ مملوكة للدولة فى محافظة الفيوم. وأدين فى القضية نفسها 11 آخرون من مسئولى هيئة الأبنية التعليمية، وكبار المحامين، ورئيس الشهر العقارى فى الفيوم. وتراوحت الأحكام ضدهم بين السجن 10 سنوات وسنة واحدة، إضافة إلى عزل رئيس هيئة الأبنية التعليمية، وعضوى لجنة شراء المدارس من وظائفهم.
التوقيت نفسه شهد تسلم نيابة أمن الدولة العليا ملف التحقيقات الخاص بعضو مجلس الشعب - عن إحدى دوائر محافظة كفر الشيخ - محمد إبراهيم خطاب المتهم بقضية رشوة بعد أن ألقت مباحث الأموال العامة القبض على محام متلبساً بتقاضى 25 ألف جنيه رشوة من تاجر بكفر الشيخ، من أجل دفع 10 آلاف جنيه منها لعضو مجلس الشعب مقابل دعم إدخال نجل التاجر إلى كلية الشرطة. وألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض على القاضى جمال بدران رئيس إحدى المحاكم الجزئية فى القاهرة، متلبساً بتقاضى 70 ألف جنيه رشوة من رجل أعمال أصدر حكماً لصالحه بالمخالفة للقانون. وكانت الهيئة قد استطاعت تصوير القاضى أثناء تقاضيه الرشوة من رجل الأعمال (اعتقل أثناء محاولته الهرب) وتم عرض شريط الفيديو على مجلس القضاء الأعلى الذى أذن بالقبض على القاضى.
مواسم الرشوة
بعد حملة التصفية وسقوط كافة رجال كمال الشاذلى، حشد الحزب الوطنى كل أدواته خلف ما يسمى بحملة الأيادى النظيفة، والتى تم بدأها من يوسف والى وساعده الأيمن يوسف عبد الرحمن الذى أصر على علم الوزير بصفقات المبيدات الفاسدة التى استوردها بمساعدة راندا الشامى وبقية المتهمين فى القضية، مشيراً فى كافة أوراق التحقيقات إلى أنه لم يتخذ أى قرار دون الرجوع إلى والى، وأنه كان يشعر بمؤامرات عديدة تحدث حوله، وأن الصحف المصرية نشرت كافة المستندات التى تؤكد اشتراك والى فى القرارات التى عوقب عليها عبد الرحمن، وهو ما يعنى أن حملة الأيادى النظيفة تلك استهدفت الأذرع ومفاتيح العمل الوظيفى، التى كان يدير بها كبار رجال الحزب الوطنى حقائبهم الوزارية وأعمالهم الحرة.
كما أن التوقيت المتقارب لكافة قضايا الفساد يشير إلى أن، الرشوة فى مصر مواسم، تبدأ وتنتهى فى فترة لا تزيد على أربعة أعوام، لكن قيمة رشوة البترول التى حبس على ذمتها نائب الوطنى فى مجلس الشعب عماد الجلدة خيبت آمال الحرس الجديد الذى نجح فى إقناع المصريين بالقضاء على الفساد فى أربعة أعوام، حيث أعطت هذه القضية إيحاء واضحاً بأن القدامى والجدد يعملون بنفس الطريقة، فالجلدة رجل أعمال معروف بفساد ثروته، منذ أن بدأ جمعها أثناء الحصار على العراق، ورغم ذلك أصر الحزب الوطنى على ضمه وترشيحه فى الدورة التى سبقت سجنه، بل إن أروقة الحزب كانت تعلم أن الجلدة يتطلع للبرلمان من باب ممارسة البيزنس لا السياسة، وثار جدل كبير فى المجمع الانتخابى قبل ترشيحه فى محافظة البحيرة.
قضية رشوة البترول فى نهاية عام 2005 كانت فضيحة بكل المقاييس، باع فيها لوبى الفساد كافة أسرار النفط المصرى للشركات الأجنبية، كما ورط الجلدة مجلس الشعب فى مناقشات مطولة حول اتفاقية صيد الأسماك بين مصر وسيراليون، وأقرها المجلس على أنها مشروع قومى ليكتشف الجميع بعد ذلك أنها كانت تهدف لتنظيم وتقنين مصالح وأنشطة الجلدة الذى تعمل إحدى شركاته فى صيد وتصنيع الأسماك مع دول أفريقية أهمها سيراليون، وقد مر هذا الموقف دون أى تعليق يذكر من السيد رئيس مجلس الشعب، رغم تعليق بعض النواب بصراحة على الاتفاقية واتهامهم للمجلس بأنه يوجه تركيزه للاتفاقيات والقوانين الاقتصادية المتعلقة باتفاقيات بين دول أجنبية وأفريقية لا تتجاوز العشرة ملايين جنيه، إذ أن 70% من القوانين التى ناقشها المجلس كانت تتعلق باتفاقيات وقوانين على هذه الشاكلة وفقا لإحصائيات محاضر جلسات مجلس الشعب.
رفع الحصانة عن النواب الفاسدين يتم بطريقة مستفزة للنواب وللشعب الذى يراقب القضايا عبر صفحات الجرائد، ففى حالة عماد الجلدة رفض سرور إسقاط العضوية وقبل استقالته بناء على طلب قدمه الجلدة للجنة التشريعية، وهو ما أثار أروقة المجلس، إلا أن سرور سيطر على الموقف مؤكداً، أن هذا القرار من "المكروهات" وأنه عرض الأمر على المجلس وبحث مدى قانونية ودستورية قبول الاستقالة أو تنفيذ قرار اللجنة التشريعية، ولم يسمح إلا لأربعة نواب بالحديث 2 منهم معارضان لقبول الاستقالة دون رفع الحصانة، و2 يوافقان على استمرار عضوية الجلدة، منهم أحمد عز أمين التنظيم الذى خصص نصف تعليقه لامتداح سرور والانحياز لقبول الاستقالة، دون إسقاط العضوية مشيرا إلى أن ذلك سيوفر على المجلس وقتا طويلاً ومجهوداً ضخما باشتراط موافقة الثلثين على إسقاط العضوية وأن الاستقالة سوف تنتهى بالمجلس إلى نفس النتيجة وهى إسقاط عضوية النائب.
الجدل السابق نفسه دار حول النواب الفاسدين مثل طايل والسيد وقوطة، لكن مع اختلاف المدافعين عن استمرار العضوية فقد كان أمين التنظيم السابق كمال الشاذلى يدافع عن رجاله باستماتة، وصلت إلى حد التفكير فى تعديل المادة 133 الخاصة بتصالح رجال الأعمال مع البنوك، وإسقاط عقوبة الحبس فى حالة قبولهم سداد المبالغ التى نهبوها، فى حين جاءت إجراءات رفع الحصانة وإسقاط العضوية عن أيمن نور مؤسس حزب الغد أكثر سرعة وفى عز الليل، حيث شعر مجلس الشعب فجأة بأنه يحمى معارضا مشاغبا تخلى عن كافة الأعراف الأخلاقية، حينما زور توكيلات الأعضاء الراغبين للانضمام لحزبه.
وبسرعة البرق تحول نائب المعارضة المدلل إلى سجين فى عنبر مارينا طرة، ولم تشفع له سنوات النفوذ العشر، التى ظل طوالها حليفاً يرفض الحزب الوطنى منافسته فى دائرة باب الشعرية، حرصا على وجوده فى مجلس الشعب، لأنه يلعب دور المعارض العنيد دون أن يتجاوز الخطوط الحمراء المتعارف عليها، وهو أمر يبرزه أرشيف صور أيمن نور فى مجلس الشعب، والتى يظهر فيها سرور على المنصة الخلفية مبتسماً وهادئاً لا يقبل مقاطعة المعارضة المستأنسة.
موضوعات متعلقة:
◄ال"دى.إن.أيه": دماء سوزان تميم على ملابس السكرى
◄سؤال كبير عن هشام طلعت مصطفى!!
◄السلطة والمال.. من يسيطر على الآخر؟!
◄مصر 2008.. علاج الشورى برماد هشام طلعت
◄سعيد شعيب يكتب: فطام هشام طلعت مصطفى
◄سوزان تميم .. من صفحات الفن إلى الحوادث
◄حتى البسطاء تأثروا بقضية طلعت مصطفى
◄مصائب طلعت .. عند بيبو مصائب
◄قانونيون: طلعت مصطفى ينتظر الإعدام أو المؤبد
◄كيف تحول ضابط أمن دولة إلى قاتل متوحش ؟
◄طلعت مصطفى..دراما الواقع أقوى من واقع الدراما
◄سوزان تميم من صفحات الفن إلى الحوادث
◄قصص عراقية فى حياة سوزان تميم ووفاتها
◄قرار النائب العام يتسبب فى مأزق لعمرو أديب
◄طارق يخلف هشام فى مجموعة طلعت مصطفى
◄مؤشر البورصة يهبط 2.3% عند الإغلاق
◄هشام مصطفى .. قلق فى الشورى والإخوان حذرون
◄هشام طلعت وسوزان تميم
◄النائب العام يقرر حبس هشام طلعت مصطفى
◄هشام طلعت: وضع شركتنا المالى فوق الشبهات
◄طلعت مصطفى يطالب بقانون لتجريم الشائعات
◄هشام طلعت مصطفى لم يهرب ويعود إلى مصر الأحد
◄برلمانى يطالب بتطبيق "الحرابة" على السكرى
◄5 سيناريوهات ناجحة لقتل سوزان تميم والفاعل مجهول!!
◄"السكرى" أكبر دليل على خيبة جهاز أمن الدولة
◄سجن المزرعة.. أسرار الساعات الأولى لإمبراطور العقارات فى "الزنزانة"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.