يصل الرئيس «محمد مرسى» اليوم إلى جمهورية السودان لأول مرة للبلد الشقيق وهى الزيارة التى تأخرت كثيرا وكان من الأولى أن تكون الأهم فى جولاته الخارجية عقب توليه الحكم، لقرب السودان جغرافياً وسياسياً وشعبياً لمصر، بالإضافة إلى أنها نافذة العرب والمسلمين الكبرى على أفريقيا التى أصبحت ساحة للحرب الباردة بين دول العالم للسيطرة على موارد القارة السمراء خاصة المياه. ويبدو أن «مرسى» يكرر نفس أخطاء الرئيس السابق «حسنى مبارك» بأن يضع القارة السمراء فى الاهتمام الأخير لأجندته الخارجية، فقد كانت جولات «مبارك» أوروبية أو أمريكية ولم تكن أفريقيا فى سياق اهتماماته. وهذا ما جعل لغة العتاب من دول القارة تتطور لتصل إلى حد التحالفات مع دول خارجية مما أضر بمصالح القاهرة خاصة فى ملف المياه. وعلى الرغم من أن الرئيس مرسى «الإخوانى» الذى يقترب من إكماله عاما منذ توليه المسئولية فإنه لم يقدم رؤية فعلية لحل القضية كما لم يبادر بتقديم أى إشارات تطمينية لأفريقيا التى تدين معظم دولها بالمسيحية ولا تعدو أفريقيا إلا سطراً عابراً فى خطاباته الإنشائية!! وتطفو التصريحات النارية من وقت لآخر من دول حوض النيل بشأن اتفاقية عنتيبى المعدلة عام 2012 لإعادة تقسيم مياه النهر، ودخلت مؤخرا على الخط دولة جنوب السودان الوليدة التى رغم نفيها على اعتراضها على اتفاقية تقاسم مياه النيل التاريخية بين مصر والسودان عام 1959 إلا أن جوبا تدخل كرقم جديد فى معادلة دول الحوض رغم تأكيدها عدم توقيعها على الاتفاقية بدون القاهرةوالخرطوم. خاصة فى ظل انشغال القاهرة بساحتها الداخلية. وكان من المهم أن يزور «مرسى» جنوب السودان ليصحح أخطاء رئيس وزرائه هشام قنديل الذى اكتفى بتوقيع عدة اتفاقيات فى مجال التعليم وباقى الخدمات ولم يطرح ملف النيل الذى كان مسئولا عنه خلال توليه وزارة الرى؟! لقد أصبح جنوب السودان الدولة رقم 11 في دول حوض النيل، ومن ثم سيصبح قاعدة عسكرية إسرائيلية-أمريكية فى ظل الحديث عن التغلغل الصهيونى لأفريقيا وهو ما يمثل خطورة علي مصر والسودان. ... هذا الملف يلقى الضوء على الحرب الباردة بين مصر وإسرائيل فى دول المنبع فى القارة الأفريقية.. ومصر وما لها وما عليها والتغلغل الصهيونى، وسيناريوهات الخروج من الغرق!! نهر النيل بين الخصخصة والتدويل يبدو أن موقع مصر الجغرافى سيظل مغريا لكل القوى الاستعمارية القديمة والجديدة فعلى مر التاريخ تتعرض مصر لمؤامرات تستهدف محاصرتها ومحاولات لخنقها عبر طرق مختلفة. ولقد ظهر اهتمام القوى العظمى بمصر، خاصة بعد حفر قناة السويس - كانت هناك مخاوف مصرية بخصوص التحكم في مياه النيل، ولم تكن هذه المخاوف بلا أساس فقد كانتْ هناك دائما «أفكار» وتصريحات أوروبية تثير الشك بهذا الشأن. فقد حث السير «صمويل باكر» بريطانيا على احتلال السودان؛ لأنه في حالة إجبارها على الجلاء عن مصر، فإنها يمكن أن تظل تحكمها من السودان بالتحكم في مياه النيل، كما أن أحد المهندسين الفَرنسيين في القاهرة، ويدعى «فكتور برومبي» كَتَب عام 1893 «أنَّ أيّة قوة تسيطر على أعالي النيل يُمكن أن تبني سدودا وقناطر تحرم مصر من أية مياه، وقد اقترح إقامةَ مثل هذه السدود على مخارج بحيرات فيكتوريا وألبرت، أو على السوباط والنيل الأبيض. ومنذ الأزل سعت بعض الدول غير المشاركة بحوض النيل بالتَّنسيق مع إحدى أو بعض دول الحوض؛ لإقامة مشاريع على النهر من باب استثمار النهر، وعلى سبيل المثال ما حدث عام 1964 حينما استخدمت الولاياتالمتحدة مشروعاتِ استصلاح أراضي أثيوبيا؛ كورقة ضغط سياسي تجاه مصر في الوقت الذي كانتِ العلاقة بين أمريكا ومصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر سيئة للغاية، وفي محاولة منها للرد على مشروع السد العالي اقترحت أمريكا في الدراسة إنشاء 26 سَدًّا وخزانا لتوفير مياه الري لأثيوبيا، وبالتالي خفض تصريف النيل الأزرق بنحو 5.4 مليار متر مكعب، مِما يعني أنها ستخلق مشكلة لمصر والسودان، وقد نفذت أثيوبيا مشروعًا واحدًا منها فقط (مشروع سَد فينشا)؛ مِما لم يُفْضِ إلى أيِّ نوع منَ الكوارث، أو العجز المائي لمصر. وعندما بدأت الازمة بين مصر مع دول حوض النيل، واندلعت الخلافات حول الحصة المخصصة من مياه النيل لكل من مصر والسودان ظهرت ملامح الدور الخفي لإسرائيل وراء تحريض دول حوض النيل الأفريقية «أثيوبيا - كينيا - أوغندا - روندا» لانتهاك الاتفاقية الدولية الخاصة بدول حوض النيل، وقد كشفت أزمة حوض النيل عن توسع الأطماع الصهيونية داخل القارة الأفريقية، خاصة في دول القرن الأفريقي وحوض النيل التي تعتبر دولاً استراتيجية بالنسبة للتوسع الصهيوني في القارة السمراء. ولم تكن زيارة وزير الخارجية الصهيوني المتطرف «أفيجدور ليبرمان» الذى هدد بضرب السد العالى الى عدة دول افريقية فى سبتمبر 2012 بينها على الأقل 3 من دول حوض النيل من قبيل الصدفة بل تأكيداً على مخططات الأطماع الصهيونية لمحاصرة مصر وخنقها عبر شريان حياتها فى منابع النيل. وليست الزيارة من قبيل الصدفة، أو من أجل دعم العلاقات الثنائية بين تل أبيب وتلك الدول، بل كانت بمثابة شارة البدء لتمرد دول حوض النيل ضد مصر والسودان، لاستكمال المخطط الصهيوني طويل الأمد ضدهما وتزامنت مع وصول وفود مصرية لدول المنبع للتفاوض حول ما يتعلق بموضوع تعديل اتفاقية تقاسم المياه. ويروج الصهاينة عبر مسئوليهم أو حلفائهم بالوكالة فى أفريقيا لفكرة مشروع إسرائيلي – أمريكي يجري بحث عرضه علي الأممالمتحدة ل «تدويل» الأنهار المشتركة أو مشروع «خصخصة» المياه الذي يدرسه البنك الدولي، بدعوي منع قيام حروب مياه، وهو ما حذر منه خبراء مياه مصريون من تدويل نهر النيل والضغط علي مصر، ومنهم وزير الموارد المائية السابق محمود أبو زيد. إذن فإن انقلاب دول حوض النيل على مصر والسودان وتوقيعها لاتفاقيات جديدة لتوزيع مياه النيل لم يكن بشكل مستقل نابع منها بل من تحريض وتوجيه صهيوني. كما كشف المحلل السياسي الأمريكي «مايكل كيلو»، مؤلف كتاب «حروب مصادر الثروة» عن الدور الذى لعبته «إسرائيل» مع دول حوض النيل لنقض المعاهدة الدولية التي تنظم توزيع مياه النيل، واعتبر أن الأمر يأتي في إطار الاستراتيجية الصهيونية. ويبدو أن قرع طبول الحرب في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لا تريد أن تهدأ خاصة فى الفترة الأخيرة ونرى التدخل فى شئون الدول الأفريقية ونأخذ دولة «مالى» كمثال لتدخل الدول الغربية بغطاء ودعم أمريكى إسرائيلى عبر التدخل فى الشأن السياسى لها ومحاربة ما وصفوه بالإرهابيين دون أن نعرف حقيقة تلك الجماعات هل جانى أم مجنى عليها؟ نرى ذلك واضحا فى الهيمنة الغربيةالأمريكية على مقدرات القارة عبر حرب باردة على جميع الأصعدة وبين مختلف القوى الدولية والإقليمية ومصر الهدف. وتشير تقارير دولية إلى أن إسرائيل ستصبح دولة بلا مياه خلال سنوات قليلة، حيث أنها حالياً تستنزف كل ما لديها من مياه بالإضافة إلى أنها تجلب مياهاً من تركيا عبر بالونات كبيرة من المياه يتم جرها لإسرائيل، كما هناك أطماع إسرائيلية في مياه نهر النيل منذ نشأة الصهاينة في المنطقة العربية وحلمهم القديم بأن تمتد دولتهم من النيل إلى الفرات. وتكشف التقارير الدور الذي تلعبه إسرائيل مع قادة أثيوبيا وأوغندا، وذلك عبر إمدادهم بالأموال اللازمة لبناء ستة سدود مائية على مياه نهر النيل الأزرق في أثيوبيا بهدف تنمية الزراعة فيها وتوليد الطاقة الكهربائية وإغرائها بالمكاسب المالية الكبيرة التي ستجنيها بلادهم من السدود مستقبلا. ونشرت صحيفة» يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية بتاريخ 18 مارس 2005 لأحد كبار الخبراء الإسرائيليين في الفيزياء النووية يدعى «يوفال نيئان» وهو أحد أهم علماء الجيش الإسرائيلي الذي قال بالنص إن بلاده قد طورت نباتاً لديه القدرة على تجفيف مياه النيل إذا ما جرى نشره بكثافة في منطقة بحيرة أسوان. الصعود «المتأسلم».. حاجز خوف جديد على مدار سنوات طويلة كان قدر مصر أن تظل «غرقانة» فى شأنها الداخلى على حساب قضايا أمنها القومى مع الخارج وعلى مدار حكم الرئيس السابق حسنى مبارك أهملت القارة الأفريقية، وتزايد التهميش خاصة عقب محاولة الاغتيال التى تعرض لها الرئيس السابق فى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا عام 1995 عندما كان في طريقه لحضور جلسات مؤتمر القمة الأفريقي. ومن الممكن وصف العلاقة الآن مع أثيوبيا بأنها متأرجحة بسبب الطقس السياسى للقاهرة واهتمامها بالملف الأفريقى وللأسف بشكل موسمى مع ظهور القضايا على السطح. وتتصاعد المخاوف لدى دول القارة مع صعود التيار المتأسلم فى مصر وعزوفه عن خلق علاقات حقيقية مع أفريقيا التى يدين معظم شعوبها بالمسيحية على عكس ما كانت عليه العلاقات خلال الفترة الناصرية، ووجود مناخ فى ذلك الوقت لحركات التحرر الأفريقي الذى احتضنته مصر وشاركت فى تحرر معظم دول القارة. واستكمل المسيرة فيما بعد ذلك العقيد الليبى الراحل «معمر القذافى» عبر مشروعات ومراكز وبناء مساجد انطلاقا من شعارات أفريقيا للأفريقيين منذ بداية الثورة في 1969. وأن لا حلف لأفريقيا إلا مع نفسها مؤكدا أهمية ودور القارة الأفريقي فى ظل تحالفات العصر الحديث. وأنشأ العقيد الراحل في مايو عام 2007 وبموجب قرار اللجنة الشعبية العامة مجلس الوزراء رقم 374 لسنة 2007 صندوق ليبيا للمساعدات والتنمية وكان إحدى المؤسسات التابعة للجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي في الجماهيرية العربية الليبية، يعمل على تقديم المساعدة إلى الدول الأفريقية في شقيها الإغاثي والتنموي. ولكن للأسف الشديد فإن مشكلة الحكام فى مصر أنهم يتعاملون مع العلاقات الدولية كتصفية حسابات مع خصومهم من الحكام السابقين ولا يتعاملون على أن العلاقات بين الدولة المصرية وبقية دول العالم علاقة استراتيجية تاريخية لا تطمس معالمها بزوال الحاكم ولا بتلون التيار السياسى المسيطر على الساحة. ولذلك نجد أن بوصلة «الإخوان» الذين يحكمون الآن تتجه نحو قطر وإيران ألد أعداء القاهرة سواء على المستوى الرسمى أو الشعبى فى حين تبقى أفريقيا ضحية تصفية الخلافات بين الحكام المتعاقبين على مصر. وتواجه حاليا السياسة المصرية أزمة حقيقية لمصالحها في حوض النيل خاصة فى ظل المباحثات التى تعثرت ووضعت مصر في مفترق تاريخي مع السودان من جهة، ومع السودان ودول الحوض من جهة أخري، وأصبح الدور الإقليمي المصري في القرن الأفريقي المتهم الأول فى ظل تدهور المفاوضات، وعدم إحراز اتفاق إقليمي وسط صراع محموم علي حوض النيل. لقد تأثر الدور الإقليمي المصري بشكل سلبى بسبب تغيير أولويات سياسة القاهرة والتركيز علي الداخل علي حساب الخارج. إن انشغال مصر طوال السنوات الماضية بساحتها الداخلية جعل القارة الأفريقية مسرحا مكشوفا لتزايد دور المنافسين ومنهم إسرائيل التى عادت إلي أفريقيا. وكشف كتاب أصدره مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا التابع لجامعة تل أبيب حول «إسرائيل وحركة تحرير السودان»، لضابط الموساد السابق العميد المتقاعد «موشى فرجى» وكان محوره هو التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي في التعامل مع العالم العربي ودول الجوار التي تحيط به. وأشار العميد (فرجى) إلى ما فعلته إسرائيل لكي تحقق مرادها في إضعاف مصر وتهديدها من الظهر، وكيف أنها انتشرت في قلب أفريقيا (في المدة من عام 56 إلى 77 أقامت علاقات مع 32 دولة أفريقية) - لكي تحيط بالسودان وتخترق جنوبه، وكيف وسعت علاقاتها مع دول حوض النيل للضغط على مصر. وعلى صعيد الصراعات الإقليمية نجد أن إيران تغلغلت في شرق أفريقيا، وحوض النيل، وجنوب أفريقيا ونيجيريا، وليبيا، وأثيوبيا تتبادل الأدوار في منطقة شرق أفريقيا، إضافة إلي تكالب الدول الكبري عليها ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية، الصين الهند وتركيا. لقد استغلت هذه القوى ظهر مصر المكشوف فى الجنوب الأفريقى واستعادت أدوارها الاقليمية وأصبحت مؤثرة فى صناعة القرار الداخلى لبعض الدول سواء على الصعيد السياسى أو الاقتصادى. فى الوقت الذى تقلص فيه نفوذ الدبلوماسيين المصريين في أفريقيا. وأحدثت النظرة الاستعلائية من جانب مصر إلى دول أفريقيا، شرخا عميقا فى العلاقات وصعدت من الأزمة ليس فقط مع دول منابع النيل ولكن مع معظم دول القارة السمراء لقد ارتكبت القاهرة أخطاء فادحة خلال مخاطبة دول أفريقيا سواء على مستوى التفاوض أو ردود الأفعال أو حتى على مستوى استمالة المستوى الشعبي بوجه عام فيما يتعلق بملف المياه. ولم يدرك المسئولون في مراكز صنع القرار مدى الحساسية المفرطة لأثيوبيا وكذلك دول حوض النيل من نبرة التعالي التي تعود لسياسات القرن التاسع عشر، فالشعب الإثيوبي لا يريد أن يستعبد العرب الأفارقة في جنوب السودان. الشمال والجنوب.. طريق مصر للمنابع يعتبر الاقتصاد قاطرة السياسة لأى دولة ومتى كانت قوتها الاقتصادية قوية سيعزز ذلك من فرض سيطرتها فى سياستها الخارجية وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية المصرية الأفريقية نجد أن القاهرة تتواجد على استيحاء بالرغم من قوتها البشرية وموقعها الجغرافى الاستراتيجى. وبالنظر إلى أن اقتصاد جنوب أفريقيا سنجده ثلاثة أضعاف مصر وعدد سكانها النصف، ولم تستطع مصر والسودان رغم قربهما الجغرافى بعلاقاتهما التاريخية مع أفريقيا. وعلى الرغم من تمتع السودان بموارد طبيعية وموقع استراتيجى للعرب والمسلمين على القارة السمراء إلا أنهم لم يستطيعوا إقامة تحالف أو تكامل أمام دول المنابع، ولو كان لدى القاهرةوالخرطوم نفوذ قوي في أفريقيا لما استطاعت دول الحوض أن يقوموا بتعديل اتفاقية عنتيبى. وطبقا لتقديرات وزارة الرى السودانية فإن السودان يمتلك موارد متنوعة وتشمل الأمطار ومياه النيل والأودية والمياه الجوفية والمياه غير التقليدية وتقدر الاستراتيجية المائية (2007- 2022) حجم الموارد المائية حالياً بحوالي (31.5) مليار متر مكعب في العام لمقابلة احتياجات حوالي 40 مليون نسمة وعليه يكون نصيب الفرد 787.5 متر مكعب في العام ليصنف السودان حالياً ضمن الدول التي لديها شح في المياه حسب تقارير الأممالمتحدة (أقل من 100 متر مكعب في العام للفرد). لقد تركت مصر السودان سنوات طويلة وأهملت قضاياه وتركت أطرافا بعيدة جغرافيا مثل قطر تتواجد بشكل عميق على مستوى الدولة السودانية الرسمى والشعبى، ولو تواجدت مصر بداخل السودان بشكل أكبر لاستطاعت الدولتان مواجهة دول المنبع، ولكن وللأسف الشديد فإن التكامل مع السودان لا يعدو كونه مضغا إعلاميا فى تصريحات مسئولى البلدين. فيما لا يزال حجم التبادل التجارى بين القاهرةوالخرطوم متواضعا وما قيمته تقريبا 539 مليون دولار فقط طبقا لتصريحات رئيس الوزراء هشام قنديل مؤخرا. ومع انقسام السودان إلى بلدين فإن التكامل بين مصر ودولتى السودان أصبح مصيريا وإجباريا لأن جنوب السودان لا يقل أهمية عن شمالها يسقط بها المطر 8 شهوراً وبها 26.5 مليار متر مكعب من المياه، وعلى مصر أن تجاهد لتظل موجودة فى جوبا حتى لا تخرج من الجنوب السودانى خاصة مع وجود إسرائيل به. ويوضح «افى ديختر» وزير الدفاع المدنى الإسرائيلى أن استهداف السودان لم يكن لذاته فقط ولكن لكون السودان يشكل عمقاً استراتيجياً لمصر وهو ما تجسد بعد حرب الأيام الستة 1967 عندما تحول السودان إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية هو وليبيا، كما أرسل السودان قوات إلى منطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف التي شنتها مصر منذ عام 1968 – 1970. وستكون النتائج كارثية فى حالة إهمال القاهرةلجنوب السودان الذى يلوح بالانضمام لدول المنبع، وعلى مصر أن تستثمر المناخ الحالى مع جوبا خاصة أنها قالت إنها ستلعب دوراً توفيقياً بين مصر وشمال السودان من جانب، ودول المنبع من جانب آخر. وتظل مجرد تطمينات وليس هناك ما يلزمها بفعل ذلك. مصر الأفقر.. وسدود أثيوبيا الأخطر حذر الدكتور «نادر نور الدين» أستاذ الأراضى بكلية الزراعة بجامعة القاهرة والخبير العالمى للمياه من إعلان أثيوبيا اعتزامها إقامة خمسة سدود متتالية على النيل الأزرق واضعة اسم وموقع كل سد وسعته ما دامت مصر لا يعجبها بناء سد النهضة فقط. وأشار إلى أن أثيوبيا سوف تتحدى بخمسة سدود جديدة لتستأثر وحدها بمياه النيل الأزرق. والسد الأول هو سد «النهضة» أو «الحداسة» باللغة الأثيوبية «Hidase» والذى يحجز خلفه 73 مليار متر مكعب ويولد كمية من الكهرباء تبلغ نحو ثلاثة أضعاف ما يولده 12 سداً حاليا مقامة على مختلف أنهار أثيوبيا تولد جميعها كهرباء تبلغ 1.9 ميجاوات. بينما سيولد سد النهضة 5.25 ميجاوات. الخطورة الأكبر فى سد النهضة أنه مقام على منحدر شديد الوعورة، وبالتالى فإن احتمالات انهياره عالية للغاية ومعامل أمانه لا يزيد على 1.5 درجة مقارنة بمعامل أمان السد العالى الذى يصل إلى 8 درجات، وبالتالى فإنه فى حالة انهياره فسوف يمحو مدينة الخرطوم من الوجود ويستمر دماره لجميع المدن التى تقع شمالها وصولا حتى السد العالى ومدينة أسوان. أما السد الثانى والذى يقع خلف سد «النهضة» هو سد «مندايا» «Mendiya» ويبعد عن نهاية بحيرة سد النهضة بأقل من 100 كم. وبنفس المسافة يأتى السد الثالث وهو «سد باكو أبو» «Bako Ambo» ثم السد الرابع على بعد 100 كم أخرى وهو سد «كارادوبى» «Kara Dobi»، ثم أخيرا ولضمان رفع منسوب المياه فى بحيرة تانا منبع النيل الأزرق أو لتحويل مجرى النهر وقتما يشاءون يأتى السد الخامس بنوعيته الخاصة السابقة وهو سد «تشارا تشارا» «Chara Chara Weir»، هذه هى السدود الخمسة بالمواقع والأسماء يا حضرات المسئولين ولدينا الخريطة الخاصة بها ومناسيب الارتفاعات على الانحدارات الخطيرة المقامة عليها. واضاف « نور الدين» أن امتلاء البحيرة خلف هذا السد بهذا الحجم الهائل من المياه حتى ولو قدرنا أنه يمكن أن يحدث خلال خمس سنوات فهذا يعنى استقطاع 15 مليار متر مكعب كل سنة من حصة مصر والسودان، وبالأصح من حصة مصر فقط لأن سدود السودان «خشم القربة والرصيرص وسنار ومروى» تحجز حصة السودان من المياه أولا قبل أن تصل إلى مصر وهى كمية تعادل حرمان 3 ملايين فدان مصرى من الزراعة. وأشار إلى أنه فى حالة إذا قررت أثيوبيا أن تملأ البحيرة خلال ثلاث سنوات فقط فهذا يعنى خصم 25 مليار متر مكعب سنويا، بما يعنى دماراً كاملاً لمصر وحرمان 5 ملايين فدان مصرية من الزراعة وعدم امتلاء بحيرة ناصر بالمياه وانخفاض أو انعدام التوليد المائى للكهرباء، وبذلك تكون كهرباء أثيوبيا فى الواقع على حساب كهرباء مصر. ويؤكد الدكتور «هيثم عوض» - أستاذ الهيدروليكا جامعة الإسكندرية فى إحدى دراساته حول القضية أن مصر دولة فقيرة مائياً وفقاً للمعدلات العالمية التى تنص على أن حد الفقر المائى 1000 متر مكعب للفرد سنوياً وهى أفقر دول حوض النهر حيث يبلغ نصيب الفرد أقل من 700 متر مكعب سنوياً بينما يصل هذا المعدل فى الكونغو إلى 57000 متر مكعب سنويا. ويشير إلى أن معدل البخر عند أسوان 2970 مم/العام وهذا الرقم يعد ضعف قيمة معدل البخر فى حوض أباى الذى يبلغ متوسط معدل البخر فيه 1520 مم/عام وتبلغ قيمة فواقد البخر من بحيرة السد حوالى 10 مليارات متر مكعب تقريباً. وتحتاج خطط التنمية فى مصر إلى زيادة الطاقة المولدة بمعدل 6% سنوياً ولذلك تشمل الميزانية العامة للدولة إنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة تتراوح من 750 إلى 1000 ميجاوات سنوياً وتعمل وزارة الكهرباء على التغلب على زيادة معدل الأحمال عن طريق خطط الربط الكهربائى، تعديل تعريفة المحاسبة لتشمل الحمل الأقصى، تنويع مصادر توليد الطاقة. «بن صهيون»... زراعة وماس وسلاح!! تتغلغل إسرائيل فى القارة الأفريقية لتقيم تحالُفات مع القوى الإقليميّة غير العربية مثل: تركيا وإيران في آسيا، وأثيوبيا في منطقة القرن الأفريقي، كما تقوم بتسويق «نفسها» ثقافيا، عن طريق فتح المكاتب الثقافية في تلك الدول؛ لتزرع في عقول تلك الشُعوب وجودَها المزعوم، ولتضعَ بذلك نفسها على خريطة العالم بعد أن كانت شتاتا. وتتخذ إسرائيل من الزراعة والمياه والتجارة المتنوعة من سلاح وماس طريقا لذلك وتبنى جسورا من العلاقات بينها وبين الدول من خل تلك القوى الناعمة ووقعت مع أوغندا اتفاقاً في مارس 2000، أثناء زيارة وفد من وزارة الزراعة الإسرائيلية، برئاسة مدير الري في الوزارة، موشي دون جولين ينص على تنفيذ مشاريع ري في عشر مقاطعات متضررة من الجفاف، وإيفاد بعثة أوغندية إلى إسرائيل لاستكمال دراسة المشاريع، التي يقع معظمها في مقاطعات شمال أوغندا، بالقرب من الحدود الأوغندية المشتركة مع السودان، وكينيا. وسيجري استخدام المياه المتدفقة من بحيرة فكتوريا لإقامة هذه المشاريع، وهو ما يؤدي إلى نقص المياه الواردة إلى النيل الأبيض، كذلك أعلنت إسرائيل أنها مهتمة بإقامة مشاريع للري في مقاطعة كاراموجا الأوغندية، قرب السودان. ويمكن ري أكثر من 247 ألف هكتار من الأراضي الأوغندية عبر استغلال اثنين ونصف مليار متر مكعب سنوياً، في حين أن المياه المستخدمة حالياً لا تزيد على 207 ملايين متر مكعب فقط، تروي 32 ألف هكتار من الأرض، ولا تقتصر خطورة الوجود الإسرائيلي في دول أعالي النيل على الاستعانة بالخبراء والتعاون الفني في المشروعات، لكنها تمتد إلى التعاون الاقتصادي الزراعي برأس مال يهودي، يهدف إلى تملك أراضي في المنطقة بدعوى إقامة مشاريع عليها، أو تحسين أراضيها، أو إقامة سدود بها. كما أقامت إسرائيل علاقات تِجارية وطيدة مع الدُّول التي تَمتلِك الماس، وهي ليبريا وساحل العاج، وغينيا وزائير، وسيراليون وأفريقيا الوسطى وتنْزانيا؛ وهي إحدى دول حوض النيل، والَّذي يستخدم بشكْلٍ أساسي في تَمويل المستوْطنات الإسرائيليَّة، ومنها مستوطنة «تسوفين»، كما تشكِّل تجارة الماس جزءًا رئيسيًّا من التِّجارة الإسرائيليَّة؛ حيث أعلن موقع وزارة الخارجية الإسرائيلي عن حجم صناعة الماس والذي قُدِّر بنحو 13 ملْيار دولار في عام 2006 من حجم الصَّادرات الإسرائيليَّة ويعدُّ هذا رقمًا ضخمًا بالنسبة لدولة صغيرة مثل إسرائيل. وتعَد أفريقيا مرتعاً خصبًا للصراعات والانقِلابات الدَاخلية، بل والحروب بين الدول بعضها البعض، فنجِد الصّراعات بين شمال وجنوب السُّودان، وبين الصوماليين بعضهم البعض، وبين الصومال وأثيوبيا، وبين شمال وجنوب نيجيريا، وغيرها الكثير، ويشكِّل هذا سوقًا مهمة لإسرائيل؛ إمَّا لتجربة أسلحتها المصنَّعة محليًّا، وإمَّا لتأجيج الصِّراعات لأسباب ومصالح تخصُّها.