ترى، هل يتابع كل المصريين أخبار التشكيل الحكومى الجديد، أو التعديل الوزارى، كما كان جيلنا.. وحتى سنوات قليلة يتابع هذه الأخبار.. أم لم يعد أحد يهتم بعد أن صارت الحكومات، أى حكومة، لا تعمر إلا شهورا قليلة.. بينما كانت الحكومات «زمان» تعمر بالسنوات.. نقول ذلك بمناسبة الكلام هذه الأيام عن تكليف الدكتور هشام قنديل بإعادة تشكيل الحكومة الجديدة.. رغم أن حكومة الأولى رأت النور من شهور تعد على أصابع اليد الواحدة!! وأقول ان مصر عاشت عصراً كانت فيه الحكومة تعمر سنوات طوالا.. وربما يعرف البعض أن حكومة مصطفى فهمى باشا عاشت حوالى «13 سنة» وهى حكومة الثالث من نوفمبر 1895 إلى نوفمبر 1908 أيام عهد الخدي عباس حلمى الثانى.. رغم أن حكومة الأول كانت عام 1891 أيام الخديو توفيق وهو تركى الأصل ولد فى جزيرة كريت وكان موالياً للإنجليز وشغل قبل ذلك وزارات الأشغال والخارجية والعدل والمالية والداخلية والحربية والبحرية!!. وكان ينفذ سياسات كرومر، الحاكم الحقيقى الإنجليزى لمصر.. وفى العصر الحديث أصبحت حكومة الدكتور عاطف صدقى أطول الحكومات عمراً وبالذات فى عصر الرئيس حسنى مبارك. والآن شتان بين الوزارة حالياً.. وما كانت عليه فى الماضى.. وكذلك كانت قيمة الوزير نفسه.. زمان كان الوزير يحمل لقب أو صفة «حضرة صاحب المعالى».. و«حضرة صاحب السعادة».. أو «معالى» أو «سعادة» فقط حسب درجة الباشوية أو البكوية التى يحملها.. وكان لقب رئيس الوزراء «صاحب الدولة» أو «دولة رئيس الوزراء». وكان أعلاهم رتبة هو «صاحب المقام الرفيع» الذى كان يحصل عليه من حصل على نجمة فؤاد الأول. وكان من يحمل هذا اللقب قلة نادرة يتقدمهم مصطفى النحاس باشا.. وكان منهم على ماهر باشا وإن كان الوفديون قد أسبغوا على الزعيم النحاس باشا لقباً آخر هو «الرئيس الجليل» ليصبح لقبه: حضرة صاحب المقام الرفيع الرئيس الجليل مصطفى النحاس باشا.. بحكم انه كان زعيم الأمة وخليفة الزعيم العظيم سعد زغلول. وكان الناس يتابعون أخبار الحكومة رئيساً.. ووزراء. ويحفظون أسماءهم كلهم عن ظهر قلب ويعرفون كل شىء عن كل وزير.. أما الآن فلا أحد يعرف أسماء الوزراء.. وان عرف مناصبهم فلن يعرف شيئاً عنهم، وأتحدى بل أراهن بأن أقدم جائزة مالية بالدولار وليس بالمصرى الذى يفقد قيمته يوماً وراء يوم.. إن ذكر لى واحد من المصريين أسماء خمسة وزراء.. وأسماء الوزارات التى يشغلونها. وأتذكر هنا مثلاً ان دمياط كلها خرجت عن بكرة أبيها فى أغسطس 1950 ووقفت على شط النيل وفوق الكوبرى الوحيد لتستقبل وتهتف بحياة وزيرين وفديين هما عثمان باشا محرم وكان وزيراً للأشغال وفؤاد باشا سراج الدين وكان وزيراً للداخلية حيث وقفا على ظهر «الذهبية» أى الباخرة النيلية التى حملتهما من المنصورة إلى رأس البر، وكنت من بين الواقفين على الكوبرى وشاهدت عثمان باشا بيسجارة بسيجاره الشهير مرتدياً البدلة الشاركسكين البامبو الأمريكانى ذات اللون الكريمي. الآن يتقدم منى الوزير ليقدم نفسه لى قائلاً: أنا فلان الفلانى.. وزير كذا أو كذا.. وسبحان مغير الأحوال!! وإذا كنت أحترم من رفض منصب الوزارة فى العامين الأخيرين لأن هؤلاء احترموا ذواتهم لأنهم يعرفون قدرهم.. فإننى أتعجب ممن قبل منصب الوزارة فى هذين العامين، خصوصاً ان كلاً منهم يعرف أنه لن يعمر إلا أسابيع معدودة.. وان طال عمره فى الوزارة فلن يحسب إلا بالشهور. وربما قبل المنصب كان يتطلع إلى مظاهر الأبهة التى «كانت» ترافق موكب الوزير فى السابق.. أو بحسب مركزه كلما رأى كشك الحراسة أمام مسكنه أو حتى بلقب معالى الوزير الذى ألغته ثورة يوليو 1952 مع ما ألغته من ألقاب باشا وبك.. أوربما كان الواحد من هؤلاء يحلم بمعاش معالى الوزير.. حتى ان جلس فى بيته بعد شهور قليلة من تركه للمنصب. وبحكم عملى الصحفى لسنوات تزيد على نصف قرن رأيت وزراء عظاما تركوا بصماتهم على الوزارات التى شغلوها.. وعرفت كذلك رؤساء وزارات كبارا مازالت صفحاتهم ناصعة البياض.. سواء قبل يوليو 52 أو حتى يناير 2011 بل اننى تشرفت بلقاء «حضرة صاحب المقام الرفيع الرئيس الجليل مصطفى النحاس باشا فى بيته «الأخير» فى جاردن سيتى الذى شغلته بعده أمانة المجلس الأعلى للشون الإسلامية، وهوأمام قصر فؤاد باشا سراج الدين وانحنيت وقبلت يده الكريمة التى مدها.. أقول نلت هذا الشرف. فهل ياترى يحس المصرى الآن بهذا الاحترام لمن يشغل منصب الوزير حاليا أوحتى يشغل منصب رئيس الوزراء. أم أن الوزير الآن ما هو إلا سكرتير لرئيس الوزراء.. وأن رئيس الحكومة نفسه ما هو الا سكرتير لرئيس الجمهورية. حقيقة الأمر أننى نفسي لا أستطيع أن أتذكر أسماء كل أعضاء الوزارة.. ولا حتى وزراء السيادة وقد كنا نتسابق منذ نصف قرن على من منا يحفظ أعضاء الحكومة كلها أسرع من زميله.. لقد كان ذلك عصراً سابقاً وانتهى.. وانتهت معه أبهة المناصب وعظمة المقاعد أما الآن فقد ولى كل ذلك بعد أن أصبح الوزير.. وكل مسئول فى مصر «يسمع» شتيمته بإذنه.. ولا يستطيع أن يرد.. هذا إن عرفه 10 أشخاص فقط لا غير.