الدعوة التي أطلقها مرشد عام جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر محمد بديع، إلى “التقدّم من أجل تخليص البشرية من ويلاتها. بسبب النظام العالمي الجديد”، تثير العجب أكثر من أي رد فعل آخر، فالدعوة تبدو كأنها صادرة عن جهة رائدة تقدمية، تتخطى بالطبع قالب وتوجهات الجماعة على مختلف مستوياتها وامتداداتها. ما يثير أكثر من علامة استفهام في الرسالة الأسبوعية ل”المرشد” أنه لم يترك مجالاً لأحد أن يعطي كلامه أكثر من تفسير، وهذا يتجلى في الإيحاءات التي حملها التصريح، فمن ناحية هو دعوة لثورة “تقدمية”، مع التحفظ على المصطلح كونه لا يناسب فكر الجماعة ولا سلوكها ولا أهدافها، ومن ناحية ثانية فإن الحديث بدا كأنه يحمل بعداً عالمياً، كون الهدف المحدد مسبقاً يتمثل في “تخليص البشرية” . ليس هناك كاشف حقيقي لأهداف هذه الجماعة، من هذا التصريح الذي حمل على ماضٍ شيوعي وحاضر رأسمالي، وبنى تحليله للوضع في العالم على قاعدة اقتصادية صرفة، لكنه مع ذلك تجاوز الأمر بمرور عابر على النظامين العالميين السابق والحالي، وقفز في المجهول مباشرة، متحدثاً عن “نبوءات” ورؤى لمستقبل يعجز كبار المحللين والساسة حول العالم عن التكهن بمآله، ملبساً إياه ثوباً دينياً، كأنه احتكر الدين، بدليل تأكيده أن ما ينتظره “ليس من الخيال في شيء، بل هو حكم التاريخ الصادق” . كلام جانَبَ الحقائق والوقائع وحتى التوقعات في أكثر من موضع، حتى إنه حاول تزوير التاريخ والحاضر، فمن يصدق مثلاً أن الجماعة على امتداد تاريخها، لم تستفد من الأنظمة اشتراكية كانت أم رأسمالية تابعة زبائنية، ولم تنشئ من خلال تلك النظم بنية هجينة بين هذا وذاك، وإن كان الشكل الرأسمالي الكومبرادوري الطاغي والواضح . الحديث لم يتعدَّ جملة من عبارات الدعاية التي تنتهجها الجماعة، والدليل أنها “شطحت” بعيداً عندما تجاوزت التناول الواقعي للوضع المزري لعموم المصريين المسحوقين، وحاولت تصدير الأزمة الداخلية الطاحنة بقفزة لا معنى لها إلا التضليل، إلى المحيط الواسع الغارق في أزماته فعلياً، لكنه على الأقل يحاول التعاطي معها بواقعية وإيجاد حلول لها، وإن كانت مثالبه أكثر من ميزاته . ثم كيف لمرشد الجماعة أن يعيب النظم القائمة وهو وجماعته أكثر من أحسنوا استغلالها، مع اختلاف الأسماء وتغير الظروف؟ وكيف له أن ينكر أن بنية فريقه لا تختلف عن كبار حيتان الأنظمة السابقة، من الطبقات المتنفذة المتنفعة على حساب المصريين “الغلابى”؟ حديث مردود لا يستحق إلا النظر إليه بمجهر التحذير من مخاطره، كمحاولة للتغطية على الأزمة الحقيقية، والواقع المعيش في مصر، الذي أول ما حاولت الجماعة، وقيادتها في رأس هرم السلطة اللجوء إليه لتخفيف حدته، كان استخدام الأدوات التي تتهمها وتعيبها، و”تبشّر” بقرب رحيلها، أدوات الرأسمالية القائمة على زيادة الضرائب ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وزيادة تكاليف النقل والتنقل، الأمر الذي لا يصيب في مقتل إلا الأغلبية الساحقة المكونة من الفقراء والمساكين والطبقات المسحوقة . إنه تزوير واضح للوعي الجماهيري، ومحاولة لاحتكار الحقيقة تحت غطاء الدين، وتحرك مكشوف لتقييد أي معارضة أو احتجاج على خطوات سبقت وفجّرت غضباً جماهيرياً، أو تمهيد وحقنة مورفين لتخدير نوازع الاحتجاج على خطوات لاحقة قد تكون أشد وطأة . لا يمكن النظر إلى ما هو خارج الحدود من دون إنهاء الكم الهائل من المشكلات والأزمات المتقاطرة على الشعب المصري، ولا يمكن تصديق أي حديث مماثل، ولا تصنيفه إلا في إطار التهرب من الاستحقاقات الطارئة والحيوية التي أشبع هؤلاء الشعب المصري وعوداً بحلها ب”جرة قلم”، ولم يتحقق أي شيء في المقابل . نقلا عن صحيفة الخليج