العليم من ضمن اسمائه الحسنى وسبحان العالم بكل شيء، الذي لكمال علمه يعلم ما بين أيدي الخلائق وما خلفهم؛ فلا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه، يعلم دبيب الخواطر في القلوب حيث لا يطلِّعُ عليها المَلَك، ويعلم ما سيكون منها حيث لا يطلِّعُ عليه القلب. ورود اسم الله تعالى العليم في القرآن الكريم: ورد اسمه العليم في القرآن 157 مرة؛ وفي هذا دليل على أهميته، وقد قرن الله تعالى بينه وبين بعض الأسماء، منها: اسمه الحكيم: قال تعالى: { {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} } [البقرة:32]. فالعلم يؤدي إلى الحكمة، ولا يجتمع العلم مع التهور والطيش. وعلم الله تعالى مقرونًا بالحكمة، أي: وضع كل شيءٍ في مساره. واسمه السميع: قال تعالى { {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} } [الأنبياء:4]. لأن العلم يتم تحصيله عن طريق الحواس، وأقوى الحواس هي حاسة السمع .. لذا ينبغي أن لا تتوقف عن الاستماع لدروس العلم، فالقراءة وحدها لا تكفي؛ لأن أقوى طريق للمعرفة هو السماع. فالسمع يؤدي إلى العلم .. وهو سبحانه وتعالى يسمع كل شىء حتى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء.. لذا كان هو الأحق بالعلم جلَّ جلاله. وقال اهل العلم ان العليم من العلم وهو نقيض الجهل، وعَلِمتُ الشيء: أي عرفته وخبرته.. فالعلم لا يقتصر على معرفة الظاهر، وإنما ينضم إليه معرفة حقيقة الشيء.. وهذا متعذرٌ في حق العبد تجاه الله تعالى؛ لذا لا يصح أن تقول: عَلِمتُ الله وإنما تقول: عرفت الله. وشتان بين علمٍ مقيد محدود وعلمٍ مُطلق بلا حدود .. فسبحانه وتعالى في كمال علمه وطلاقة وصفه، فعلمه فوق علم كل ذي علم .. كما قال الله تعالى: { {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} } [يوسف:76]. فعلم الله تعالى: علمٌ بما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون. أحاط علمه سبحانه وتعالى بجميع الأشياء ظاهرها وباطنها، دقيقها وجليلها. فاسم الله تعالى العليم، أشتمل على مراتب العلم الإلهي وهي أربعة: 1- علمه بالشيء قبل كونه، وهو سر الله في خلقه، لا يعلمه ملكٌ مُقرَّب ولا نبيٌ مُرسل .. ويُسمى علم التقدير ومفتاح ما سيصير، ومن هم أهل الجنة ومن هم أهل السعير؟ فكل أمور الغيب قدرها الله في الأزل ومفتاحها عنده وحده ولم يزل.. لذلك قال تعالى { {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} } [الأنعام:59]، وقال سبحانه { {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} } [لقمان:34]. 2- علمه بالشيء وهو في اللوح المحفوظ بعد كتابته وقبل إنفاذ أمره ومشيئته. فالله عزَّ وجلَّ كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة، والمخلوقات في اللوح قبل إنشائها عبارة عن كلمات .. يقول الله جلَّ وعلا: { {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} } [الحج:70] .. وقال تعالى { {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} } [الحديد:22]. 3- علمه بالشيء حال كونه وتنفيذه ووقت خلقه وتصنيعه. يقول الله تعالى { {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار . عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} } [الرعد:9،8]، وقال تعالى { {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} } [سبأ:2] . 4- علمه بالشيء بعد كونه وتخليقه وإحاطته بالفعل بعد كسبه وتحقيقه. فالله عزَّ وجلَّ يعلم ما سيفعل المخلوق بعد خلقه، ويعلم تفاصيل أفعاله وخواطره وحديث نفسه، يقول تعالى { {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} } [التوبة:78]. \